تعمل قطر على تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي في الوقت الذي تواجه فيه تحديات كبيرة، مثل انخفاض مستويات المياه الجوفية، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وقضايا التغيير المناخي.
قامت قطر، في أواخر عام 2021، بتوقيع اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي للتبرع بمبلغ 90 مليون دولار لمواجهة مخاطر الأمن الغذائي في اليمن. وتعد هذه المبادرة جزءًا من الجهود القطرية الكبيرة التي بذلتها في السنوات الأخيرة لتعزيز الأمن الغذائي العالمي، في الوقت الذي أصبحت فيه تحديات الأمن الغذائي في قطر نفسها أكثر شدة بسبب الظروف المناخية القاحلة. أدركت قطر، شأنها في ذلك شأن بعض الدول المجاورة، ضرورة التعامل مع المشكلة ومعالجتها من خلال مجموعة من الخطط الوطنية والإقليمية والدولية التي تعتمد على استيراد الخبرات والممارسات الزراعية المستدامة، والاستثمار في الخارج، والمشاركة في الجهود العالمية لمعالجة الأمن الغذائي.
ولكونها تقع في شبه الجزيرة العربية، التي تعد واحدة من أكثر المناطق حرارةً وجفافًا في العالم، فإن معدل هطول الأمطار السنوي في قطر يبلغ 3 بوصات فقط، ويمكن لدرجات الحرارة في الصيف أن تتجاوز 50 درجة مئوية. ووفقا لأرقام البنك الدولي، فإن 1.8% فقط من الأراضي القطرية كانت صالحة للزراعة في عام 2021، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 14.3% استنادًا للبيانات التي تم جمعها من 192 دولة.
في ظل هذه الظروف المناخية القاسية، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، لجأت قطر للاعتماد بشكل كبير على المواد الغذائية المستوردة لتلبية احتياجاتها المحلية. في عام 2015، كان حوالي 90% من الاستهلاك القطري من الغذاء يعتمد على الواردات. كما أظهرت الأزمة الدبلوماسية التي حدثت بين قطر والدول المجاورة، والتي بدأت في عام 2017، هذا الاعتماد بشكل جلي، وكشفت عن ضعف البلاد في مواجهة الصدمات الخارجية والتوترات الجيوسياسية. بعد فترة وجيزة من بدء الأزمة، توافد السكان في قطر على المتاجر لتخزين المواد الغذائية، ما أدى إلى أزمة غذائية غير مسبوقة.
دفعت الأزمة الدبلوماسية قطر لإعطاء الأولوية للإنتاج المحلي للغذاء من خلال تعزيز الشراكات والاستثمارات في مشاريع الغذاء والمشاريع الزراعية المحلية. وعلى الرغم من التقدم الملحوظ، إلا أن أهداف البلاد الطموحة في تحقيق الأمن الغذائي لا تزال ضعيفة مقارنة بالتحديات البيئية الكبيرة.
الشراكات والاستثمارات
تعد زيادة الإنتاج الغذائي المحلي في صميم استراتيجيات الأمن الغذائي القطرية للفترتين 2018-2023 و2023-2030. منذ انطلاق الاستراتيجية الأولية في الأشهر التي تلت بداية الأزمة الدبلوماسية الإقليمية، أحرزت قطر تقدمًا مهمًا في إنتاج الغذاء المحلي، ما زاد من إنتاج المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، وخاصة الحليب والدجاج ما بين عامي 2017 و2022. يقدر حجم سوق الزراعة القطري حاليًا بـ 170.95 مليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو ليصل 223.10 مليون دولار بحلول عام 2029، أي بزيادة 30.5% في خمس سنوات فقط. كما أن قطر قد أصبحت رائدًا إقليميًا على مؤشر الأمن الغذائي العالمي، وهو تقييم سنوي يغطى قضية الأمن الغذائي في 113 دولة.
لقد كان من الضروري إقامة شراكات مع هيئات أجنبية للاستفادة من خبراتها في قطاعي الغذاء والأعمال الزراعية لزيادة الإنتاج الغذائي المحلي في قطر. فعلى سبيل المثال، في عام 2021، دخلت شركة آي فارم (iFarm)، وهي شركة فنلندية للتقنيات الزراعية في شراكة مع مجموعة الصدارة مالكة مزرعة أجريكو للزراعات العضوية (Agrico Organic Farm)، وهي شركة زراعية قطرية، لإنشاء مزرعة داخلية واسعة تستخدم تكنولوجيا الزراعة الرأسية المتقدمة لضمان استمرارية إمداد قطر بالمنتجات الطازجة على مدار العام. وبتمويل من منحة برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، أطلقت جامعة كارنيجي ميلون في قطر مشروع بحث في أغسطس/آب 2022 للنهوض بكفاءة الصوبات الزراعية في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة البلدية القطرية عن شراكة مع هيئات كورية جنوبية لإقامة “مزارع محمية” وعمليات زراعية ذكية تراعي الظروف المناخية لتعزيز الإنتاجية الغذائية والتخفيف من تأثيرات التغير المناخي.
وإلى جانب العمل مع الخبراء الأجانب، فقد استثمرت الحكومة القطرية في الشركات المحلية العاملة في مجال الإنتاج الغذائي المحلي. وقد استثمرت شركة حصاد الغذائية، المملوكة لجهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادي القطري برأسمال يقدر بـ 500 مليار دولار، في شركات غذائية وزراعية محلية رائدة، مثل شركة بلدنا، التي تزود قطر بـ 95% من الحليب الطازج، والشركة العربية القطرية للإنتاج الزراعي، التي تمتلك أكبر مزرعة خضراوات في قطر، والشركة العربية القطرية لإنتاج الدواجن، وهي الشركة الرائدة في إنتاج الدواجن في قطر، وشركة أعلاف قطر، التي تمتلك ثلاثًا من أكبر مزارع الأعلاف الحيوانية في البلاد.
التحديات المناخية
على الرغم من النجاح الواضح الذي حققته قطر في تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي خلال فترة قصيرة نسبيًا، إلا أن البلاد تواجه تحديات بيئية كبيرة بينما تمضي قدمًا في استراتيجياتها الطموحة. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وفقا لتقرير مركز الإحصاء لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2023، ارتفع متوسط درجات الحرارة في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 2.1 درجة مئوية خلال السنوات الـ 21 الماضية، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 1.13 درجة مئوية منذ بداية القرن الـ 20. وهذا يشير إلى أن درجة حرارة بلدان المنطقة ترتفع بمقدار ضعف المعدل العالمي. وفى الواقع حذر العلماء من أن أجزاء كثيرة من هذه المنطقة قد تصبح غير قابلة للسكن نهائيًا بحلول عام 2100 بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وبالنظر إلى المناخ القاسي الذي تواجهه قطر، فإن آثار ارتفاع درجات الحرارة سوف تفاقم الصعوبات التي تواجهها البلاد لضمان استدامة معايير الإنتاج الغذائي على المدى البعيد.
يشكل الاستغلال المفرط لموارد المياه العذبة، والمياه الجوفية بشكل أساسي، تحديًا بيئيًا آخر أمام جهود إنتاج الغذاء المحلية في قطر. تعد المياه الجوفية المصدر الرئيسي للمياه اللازمة للزراعة، التي تستهلك أكثر من 90% من موارد المياه العذبة المتجددة في البلاد. ومع ذلك، فإن معدل المياه الجوفية التي يتم سحبها سنويًا في قطر أعلى بكثير من المعدل الطبيعي لتغذية المياه الجوفية، ما يشكل تحديًا خطيرًا لقطاعي الغذاء والأعمال الزراعية في البلاد، اللذين يعانيان أصلاً من الطلب المتزايد على المياه. كما يتسبب هذا الاستخراج المفرط للمياه الجوفية في انخفاض مستويات الأحواض الجوفية، ما يؤدي بدوره لتسرب مياه البحر للمياه الجوفية وزيادة ملوحتها، الأمر الذي يضر بنمو النباتات.
أطلقت قطر العديد من المبادرات في السنوات الأخيرة للحد من استخدام المياه العذبة في الزراعة كجزء من استراتيجيتها للأمن الغذائي في الفترة 2023-2030. في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، صرح مسؤول في وزارة البلدية أنه بحلول عام 2030، تهدف قطر للحد من كمية المياه المستخدمة لكل طن من المحاصيل المنتجة بنسبة 40% من خلال تنفيذ أساليب زراعية أكثر استدامة. كما أشار المسؤول أيضًا إلى أن قطر تخطط لاستخدام تقنية معالجة مياه الصرف الصحي لري محاصيل الأعلاف بنسبة 100% بحلول العام ذاته، بزيادة عن عام 2019 عندما كانت النسبة 27% تقريبًا. في حين أن هذه المبادرات تعد خطوات في الاتجاه الصحيح لمعالجة الإفراط في استخدام المياه الجوفية في قطاع الزراعة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيضيّق الفجوة بما فيه الكفاية بين معدل السحب السنوي من المياه الجوفية ومعدل التغذية الطبيعية.
تؤكد إنجازات قطر في مجال إنتاج الغذاء المحلي على التجاوب القوي مع تحديات الأمن الغذائي، وتعد مثالاً يحتذى به للبلدان الأخرى. وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت مثل هذه الجهود ستكون كافية، إلا أن لها أهمية حاسمة لأن التحديات البيئية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، تشكل تهديدات خطيرة للأمن الغذائي في المنطقة على المدى البعيد.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.