ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يتعامل الرئيس دونالد ترامب مع تفاقم المشاكل والفضائح الداخلية التي يواجهها بأسلوب التصعيد ضد خصوم الولايات المتحدة في الخارج، والدخول في معارك مفتعلة داخليا لتحويل الأنظار عن إخفاقاته التشريعية والسياسية. مشاكل ترامب تغطي معظم الطيف السياسي، بدءا من اقتراب المحقق الخاص روبرت مولر من التحقيق مع موظفي البيت الأبيض بشأن التدخل الروسي في الانتخابات، إلى المأساة الإنسانية التي يواجهها أكثر من ثلاثة ملايين أمريكي في جزيرة بورتوريكو جراء إعصار إيرما، حيث يفتقر نصفهم إلى مياه الشرب، ومعظمهم إلى التيار الكهربائي، إلى فضيحة وزير الصحة توم برايس المتمثلة باستخدام الطائرات الخاصة بدلا من الطيران التجاري وتحميل نفقات رحلاته للحكومة، وغيرها من المشاكل. وفي الأيام الماضية أطلق ترامب صواريخه التغريدية ضد كوريا الشمالية وإيران في الخارج، وواصل هجماته التحريضية ضد نوادي رياضة الفوتبول الأمريكي لرفضها طرد لاعبين، معظمهم من الأمريكيين من أصل أفريقي، رفضوا الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني قبل بدء المباريات، احتجاجا على حوادث العنف التي تعرض لها في السنوات الاخيرة شباب أفارقة الأصل على أيدي رجال الشرطة، ما أدى إلى مقتل عدد منهم في حوادث نضحت بالعنصرية. وأكثر ما يستمتع به الرئيس ترامب هو إلقاء الخطب النارية أمام قاعدته الشعبية (المتقلصة باستمرار) التي تدعمه دون تحفظ، حيث يحرضها ضد أعدائه الحقيقيين والوهميين من خلال تحميلهم مسؤولية إخفاقاته السياسية، وآخرها الهزيمة الثانية خلال أشهر في إلغاء قانون الرعاية الصحية الذي أقر خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، واستبداله بقانون يعكس مواقف ترامب وحزبه الجمهوري.
ترامب والجوقة المناوئة له
تصعيد ترامب تهديداته ضد كوريا الشمالية، بما فيها اهانته الشخصية لزعيمها كيم جونغ أون، مثل قوله قبل أيام إن كيم ونظامه لن يبقيا في السلطة لوقت طويل، أو تلويحه بتعديل أو تقويض الاتفاق الدولي النووي مع إيران، أثارت مخاوف الكثيرين من الأمريكيين بمن فيهم مشرعين في الكونغرس من الحزبين، إضافة إلى مسؤولين سياسيين في وزارة الدفاع وكبار الضباط، الذين يضمون، وإن بحذر كبير، أصواتهم إلى الجوقة المتنامية التي تحذر من أن تؤدي تغريدات ترامب التي تواكبها مناورات عسكرية قرب حدود كوريا الشمالية إلى حدوث هفوات أو أخطاء غير مقصودة يمكن أن تجر إلى مواجهة عسكرية، أو أن تؤدي ضغوط ترامب ضد إيران إلى تدمير الاتفاق النووي، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات سلبية من الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق، بمن فيهم حلفاء واشنطن مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة التلفزيون أي بي سي أن أكثرية كبيرة (66 بالمئة) من الأمريكيين ترى أن ترامب ساهم في تقسيم البلاد، مقابل أقلية من (28 بالمئة) تقول إنه وحّد البلاد. وقال 62 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يثقون بتعامل ترامب بمسؤولية في معالجة الأزمة مع كوريا الشمالية، التي رأى 76 بالمئة منهم أن أفضل طريقة في التعامل مع خطر تلك البلاد هو من خلال العقوبات الاقتصادية.
العسكري الأول لا يحبذ الخيار العسكري أولا
وجاءت تصريحات الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان العسكرية المشتركة خلال مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، أفضل تعبير من العسكري الأول في البلاد عن القلق الذي يساور أكثرية الأمريكيين من مواقف ترامب المتصلبة تجاه كوريا الشمالية وإيران ومضاعفاتها السلبية. وقال دانفورد إن الجهود الدبلوماسية التي يقودها وزير الخارجية ريكس تيلرسون في التعامل مع كوريا الشمالية هي الخيار الأول للولايات المتحدة، وتابع “البعد العسكري اليوم هو توفير الدعم الكامل لحملة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية التي يشنها وزير الخارجية ضد كوريا الشمالية”. وتتعارض مواقف دانفورد هذه مع تصريحات ترامب التي تتزايد حدتها يوميا ضد كوريا الشمالية والإيحاء بأن التدمير الشامل لكوريا الشمالية شبه حتمي وموعده يقترب. وخفف دانفورد من قلق الأمريكيين جراء تهديدات كوريا الشمالية ضد الطائرات الأمريكية التي تتجسس عليها، بعد قول وزير خارجيتها أن تهديدات ترامب ترقى إلى مستوى إعلان الحرب ضدها، وقال إنه لم ير أي اجراءات او استعدادات كورية شمالية تثبت جديتها في التصدي للطائرات الأمريكية. وشدد دانفورد على “ضرورة تفادي سوء التقدير والمواجهة غير المقصودة”. وكان العسكري الأمريكي الأول واضحا في معارضته اللجوء إلى الخيار العسكري أولا في المواجهة مع كوريا الشمالية، كما يلمح الرئيس ترامب.
وبينما يرفض ترامب توجيه أي انتقاد لروسيا، اتهم دانفورد موسكو بعرقلة السياسات الأمريكية في العالم بما في ذلك تقويض العقوبات الأمريكية ضد كوريا الشمالية من خلال تزويدها بالمحروقات. وفي معرض تصنيفه للدول التي تشكل خطرا آنيا أو محتملا على الولايات المتحدة، قال دانفورد إن كوريا الشمالية تشكل الآن خطرا ملحا وآنيا، وروسيا الخطر الثاني ولكن هذا الخطر هو الأكثر تقدما والذي سيستمر في المدى البعيد، واحتلت الصين المرتبة الثالثة حيث تمثل الآن خطرا إقليميا، سوف يزداد أهمية في المستقبل المنظور. وكان دانفورد قبل سنتين، وفي أعقاب احتلال روسيا وضمها لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا قد وضع روسيا في خانة الخطر الأول على أمريكا، وتلتها الصين في المرتبة الثانية وكوريا الشمالية في المرتبة الثالثة. ولكن التجارب الصاروخية والنووية التي أجرتها كوريا الشمالية في السنتين الماضيتين، دفعت دانفورد إلى تعديل ترتيب اولوية الاخطار، وإن بقيت محصورة بالدول الثلاثة. اللافت أن دانفورد لم يضع إيران على هذه القائمة، وإن شدد خلال شهادته وأجوبته على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ على النشاطات الإيرانية “المؤذية” في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إيران والخيارات الصعبة
لم يتردد الجنرال دانفورد في اعتماد مواقف تتعارض مع مواقف الرئيس ترامب، الذي يسميه الدستور القائد الأعلى للقوات الأمريكية المسلحة، حول إيران وما إذا كانت ملتزمة ببنود الاتفاق النووي، وأوضح بشكل لا لبس فيه عن معارضته للانسحاب من الاتفاق النووي. وحين سؤاله عما إذا كانت إيران ملتزمة بالاتفاق، قال دانفورد “إن تقويم أجهزة الاستخبارات هو في الواقع أن إيران ملتزمة (بالاتفاق) في هذا الوقت، ولذلك أعتقد أنه يجب أن نركز على معالجة التحديات الأخرى: خطر الصواريخ، وتهديد إيران للملاحة (في الخليج) ودعمها لحروب الوكالة، والإرهابيين والخطر الالكتروني الذي تمثله” إيران، لأن هذه الاخطار لم يشملها الاتفاق النووي. وحول امكانية التوصل إلى تفاهم مع كوريا الشمالية إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، قال دانفورد “الأمر العقلاني هو احترام الاتفاقيات التي وقعناها، إلا إذا حدث انتهاك مادي وجدي، لأنه سيكون لذلك تأثير على رغبة الآخرين بتوقيع الاتفاقيات” مع الولايات المتحدة.
قبل أيام أطلق ترامب تغريدة ضد تجربة صاروخية إيرانية مفترضة، وهكذا كبا الرئيس ترامب حين اكتفى بمشاهدة التلفزيون للحصول على معلوماته بدلا من الاعتماد على أجهزته الاستخباراتية الجيدة والدقيقة. وقبل أسبوع بث التلفزيون الإيراني شريطا ادعى أنه يمثل تجربة صاروخية جديدة. وسارع ترامب إلى التغريد الغاضب قائلا “إيران أجرت اختبارا باليستيا قادرا على الوصول إلى إسرائيل، وهم يتعاونون مع كوريا الشمالية. الاتفاق (النووي) ليس جيدا”. ولكن المشكلة، هي أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية أكدت أنها لم تعثر على أدلة تثبت بالفعل أن إيران أجرت مثل هذه التجربة، كما أن شريط الفيديو الذي ادعت إيران أنه يصور التجربة الجديدة، هو في الواقع شريط تجربة صاروخية أجرتها إيران في كانون الثاني/يناير الماضي. استياء ترامب من إيران، دفعه للتسرع والاعتماد على “خبر ملفق” وهو الذي كان يهاجم باستمرار الصحافة الأمريكية لنشرها “أخبارا ملفقة” دون أن يقدم أي دليل يدعم ادعاءاته.
ورأى مصدر مطلع على مضمون بعض المداولات في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب لن ينسحب من الاتفاق النووي، ولكنه يميل بشدة إلى عدم التصديق على التزام إيران “بروح” الاتفاق النووي في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر، وفقا للقانون الأمريكي. وسوف يسعى ترامب إلى إقناع الدول الموقعة على الاتفاق بفرض عقوبات جديدة ضد إيران خارج المجال النووي، إذا واصلت إيران مثلا، تجاربها الصاروخية ودعمها لتنظيمات إرهابية. سوف تعارض المؤسسة العسكرية ومعها قطاعات أخرى نافذة في المجتمع الأمريكي لأي خيار عسكري ضد إيران، إلا إذا كان ذلك ردا على هجوم إيراني سافر. تصعيد ترامب السياسي واللفظي ضد كوريا الشمالية وإيران سيفقده جاذبيته حتى بين مؤيديه، وسوف يقول العسكريون إن البلاد لا تستطيع مواصلة حربي أفغانستان والعراق في المستقبل المنظور، إذا ما أصر ترامب على إدخال البلاد في مواجهة أخرى مع أي من “الدولتين المارقتين” في الشرق الأوسط والشرق الأقصى.