ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
رسم دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية صورة قاتمة للوضع الحالي، وطرح رؤية داكنة لعالم مضطرب يهدد بلاده، وقال للأمريكيين في الخطاب الذي قبل فيه ترشيح حزبه لمنصب الرئاسة أن ترشيحه جاء في لحظة تاريخية حرجة “يهمين فيها الفقر والعنف في الوطن، والحروب والدمار في الخارج”. الخطاب أكد مرة أخرى أن كل ما يفعله ويقوله ترامب ليس اعتياديا وخارج السياق السياسي الأمريكي التقليدي. كان خطابا طويلا، غنيا بالغضب والشكوى، وحفل بالوعود الكثيرة التي أوحى أنه الوحيد القادر على تنفيذها. ولكن الخطاب القاتم افتقر إلى البلاغة والصور الرمزية المتفائلة لمستقبل أمريكا وهو ما يقوله المرشحون في مثل هذه الخطب، لأن ترامب طرح رؤية داكنة ودفاعية وانعزالية، وصوّر نفسه المنقذ الوحيد للبلاد في هذه المرحلة الحرجة “التي يجتاح فيها العنف شوارعنا وتعم الفوضى في احيائنا” مدعيا أنه سيكون صوت الذين لا صوت لهم. وغالى ترامب كعادته بالأخطار التي تواجهها البلاد، لدرجة أنه صور شوارع أمريكا وكأنها ساحات معارك بين الشرطة ورجال العصابات، وكأن اقتصادها في حالة كساد ونخبتها السياسية والثقافية والإعلامية فاسدة في العمق، وكأنها روما الحديثة في حالة انهيار حضاري، ويتطلب انقاذها قيادة حازمة وحاسمة هو وحده قادر على توفيرها، ومن هنا قوله ” أنا معكم، وسوف أناضل من إجلكم، وسوف أحقق النصر لكم”.
أمريكا البيضاء
وبدلا من أن يستخدم ترامب منبر المؤتمر الجمهوري لتوحيد الحزب خاصة وأنه لا تزال هناك مقاومة لترشيحه في أوساط الجمهوريين المحافظين، وبدلا من أن يستغل المناسبة ليخاطب الناخبين المستقلين –الذين لا يمكن لأي مرشح الفوز بالرئاسة دون أصواتهم- تصرف كعادته كما كان يتصرف خلال معركة الانتخابات الحزبية التمهيدية، حيث لعب على مخاوف وقلق الناخبين وصور لهم من جديد أن هناك من يعمل على اختطاف أمريكا منهم، في إشارة إلى المهاجرين والمسلمين والأقليات. وبدلا من أن يطرح ترامب الحلول للمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الكثير من الأمريكيين، وتحديدا الجمهور الذي يؤيده مثل الرجال البيض أو ذوي الدخل المحدود، استغل مخاوفهم وقلقهم على مصيرهم ومكانهم في بلاد يقولون إنها تفلت من أيديهم وأن المهاجرين الجدد والأقليات يعملون على السيطرة عليها. وفي خطبه وتصريحاته خلال السنة الماضية كان ترامب يلمح ويوحي بضرورة الدفاع عن صورة مثالية وغير واقعية للولايات المتحدة، أي أمريكا البيضاء كما كانت في عقد الخمسينات، قبل حركة الحقوق المدنية للسود ووصول موجات المهاجرين غير البيض وغير المسيحيين. وللتدليل على أن الحزب الجمهوري أصبح في جوهره حزبا للبيض فقد كان هناك 18 مندوبا من أصل أفريقي من مجموع 2472 مندوبا، أي أقل من 0,7 بالمئة من المندوبين، وهي أقل نسبة مشاركة لهذه الفئة في أي مؤتمر للحزب الجمهوري منذ قرن.
وخلا الخطاب من التفاؤل الذي كان سمة أساسية في حملة رونالد ريغان وجورج بوش الأب والإبن، أو حتى حملات المرشحين الجمهوريين الذين لم يصلوا إلى البيت الأبيض مثل جون ماكين وميت رومني. وربما من الأفضل القول إن ترامب لم يلق خطابه، بل صرخه صراخا مدويا. لم يبتسم، ولم يتفائل، وكأنه مهتم فقط ببيع الغضب والخوف والتحذير من أن جمهورية الخوف قد دخلت قلب الظلام.
وتضمّن الخطاب كل عناصر رؤية ترامب الداكنة لأمريكا والعالم والتي رددها خلال السنة الماضية، وهي قائمة طويلة من المواقف والشكاوى العامة والتي يصيغها بطريقة مبهمة ودفاعية تعكس محدودية ثقافته وسطحية فهمه للتحديات الهيكلية الحقيقية التي تواجهها البلاد خلال فترة حافلة بالمتغيرات الداخلية السياسية والاقتصادية والديموغرافية، فضلا عن تحديات الاقتصاد المعولم، ناهيك عن تصاعد التهديد المباشر لواشنطن من دول تحكمها نخب متسلطة مثل الصين وروسيا وإيران. وكالعادة خلا الخطاب من أي حلول أو مقترحات او خطط قابلة للتحقيق، لأن ترامب يتوقع من مؤيديه أن يثقوا به وبقدراته العجائبية لحل مشاكل أمريكا والعالم بقوة شخصيته وإرادته الحديدية.
حركة انقلابية
اللافت هو أن ترامب لم يتحدث كمرشح جمهوري، بل كقائد يتخطى الأحزاب، وكأنه رئيس حركة انقلابية تصحيحية سيطرت على الحزب الجمهوري بعد دحر وهزيمة 16 مرشحا بعضهم من أبرز قادة الحزب. كما أن ترامب في خطابه عكس مواقفه السابقة والتي تؤكد تخليه عن بديهيات ومسلمات ومفاهيم اعتمدها المحافظون والجمهوريون منذ حوالي قرن من الزمن وخاصة اعتماد مفهوم التجارة الدولية الحرة، وسياسة خارجية حازمة لا تتردد كثيرا في استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة للدفاع عن مصالح أمريكا الاقتصادية والإستراتيجة والسياسية، وصيانة تحالفاتها الدولية، وخاصة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي اعتمدت عليه واشنطن لسبعين سنة في احتواء الإتحاد السوفياتي والحفاظ على السلم في أوروبا،أفضلا عن نبذ السياسات الإنعزالية، ودعم حقوق الإنسان . وبدا ترامب وكأنه يقول لطغاة العالم إنه لن يهب للدفاع عن حلفاء امريكا التقليديين (إلا إذا دفعوا الثمن المناسب) وإنه لن ينتقد انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، لأن الأوضاع الأمنية داخل الولايات المتحدة ليست صحية للغاية ويجب أن تمنعها من القاء المحاضرات على الآخرين، وبأنه سيعتمد سياسة إنعزالية أكثر من أسلافه، وإنه سيحاول عدم التورط أكثر في نزاعات الشرق الأوسط. وكان من اللافت أن ترامب لم يكرر دعوته لإصدار منع مؤقت لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
وحمّل ترامب الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون مسؤولية الوضع المتردي للبلاد. واتسم خطاب ترامب بشراسة قاسية جدا ضد كلينتون وكرّر القول إنها خالفت القانون عندما وضعت في منزلها محركاً خاصاً لإدارة بريدها الألكتروني الخاص خارج اشراف وزارة الخارجية وركز فيه على أخطائها المفترضة في ليبيا. ورسم صورة قاتمة للعالم بعد وصول كلينتون إلى وزارة الخارجية. وقال: “في 2009 وفي حقبة ما قبل هيلاري، داعش لم يكن حتى على الخريطة. وليبيا كانت متعاونة معنا، ومصر كانت في حالة سلام، والعراق يشهد انحساراً في مستويات العنف. وكانت العقوبات تخنق إيران. وكانت سوريا تحت السيطرة”. وأضاف ترامب أنه بعد أربع سنوات من وجود كلينتون في وزارة الخارجية ما الذي حدث؟ وجاوب نفسه ” انتشر داعش في المنطقة وفي العالم. ليبيا في حالة دمار، وسفيرنا وموظفوه قتلوا على أيدي قتلة متوحشين. وتم تسليم مصر إلى حركة الأخوان المسلمين المتطرفة، الأمر الذي أرغم الجيش على استعادة السيطرة. والعراق في حالة فوضى”. وأضاف أن “إيران في طريقها لأن تصبح دولة نووية. وتعصف الحرب الأهلية بسوريا، وخلقت أزمة لاجئين تهدد الغرب الآن”. وفي إشارة لافتة كونها شملت انتقاداً ضمنيا لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الإبن، قال ترامب: ” بعد 15 سنة من الحروب في الشرق الأوسط، وبعد انفاق ترليونات الدولارات وخسارة الآف الأرواح، فإن الوضع هناك أسوأ من أي وقت مضى”. واعتبر ترامب أن هذه المشاكل والحروب تمثل ” تركة هيلاري كلينتون: الموت والدمار والضعف، ولكن تركة هيلاري كلينتون يجب أن لا تكون تركة أمريكا”.
“احبسوها، احبسوها”
وردت هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديموقراطي في سلسلة من التغريدات على ترامب ومنها قوله ” سوف أكون معكم” وقالت إن هذا الشعار “لا يشمل النساء والأمريكيين من أصل أفريقي، والمثليين، والمسلمين والأمريكيين اللاتينيين والمهاجرين”. وفي تغريدة أخرى قالت كلينتون “هذا أمر حقيقي. لقد قبل دونالد ترامب ترشيح الحزب الجمهوري. رددوا إذا وافقتم معي: لا يمكننا أن نسمح له في أن يصبح رئيسا”.
ورفض الرئيس أوباما مقولة ترامب بأن أمريكا “على حافة الإنهيار، ورؤية العنف والفوضى في كل مكان، لإنها لا تنسجم مع تجربة معظم الناس”. وتابع ساخرا ” آمل أن يكون الناس في اليوم التالي قد مشوا في الشوارع واستمعوا للطيور وهي تغني، والشمس ساطعة، وبعد الظهر سوف يراقبون أولادهم يمارسون الرياضة، أو السباحة، وأن الناس بشكل عام يعملون ويحضّرون لعطلة نهاية الاسبوع”. ثم قام أوباما بالرد على ادعاءات ترامب بأن الجريمة قد ارتفعت خلال عهد أوباما، قائلا إن أعمال العنف في أمريكا الآن هي أقل مما كانت عليه خلال عهد الرئيس رونالد ريغان.
وكان خطاب ترامب نهاية لأربعة أيام حفلت بالخلافات والمناوشات الداخلية والخطب السلبية التي هاجمت الديموقراطيين ولم تطرح البدائل المقنعة، واستمرار النزاع بين ترامب ومنافسه الجمهوري السناتور تيد كروز الذي رفض تأييد ترامب، وكذلك باللحظات الحرجة، وبخاصة بعد الكشف عن عبارات وفقرات بكاملها في خطاب ميلانا ترامب، زوجة المرشح قد اقتبست او انتحلت من خطاب لميشيل اوباما زوجة المرشح باراك اوباما في 2008. المرشح ترامب ومدير حملته بول مانوفرت هاجما حاكم ولاية اوهايو، جون كايسيك لانه قاطع المؤتمر الذي انعقد في مدينة كليفلاند في اوهايو، الامر الذي اثار الاستغراب والاستهجان، نظرا لاهمية اوهايو في المجمع الانتخابي.
واتسمت الهجمات ضد هيلاري كلينتون بقسوة غير معهودة من الخطباء ومن الجمهور الذي كان يردد هتافات من نوع “احبسوها، احبسوها” في اشارة الى معاقبة كلينتون بسبب مقتل السفير الاميركي في ليبيا كريس ستيفن وثلاثة من مساعديه عندما كانت كلينتون وزيرة للخارجية. ومن اللافت أيضا مقاطعة الكثير من المعلقين والمثقفين الجمهوريين وكتاب الأعمدة للمؤتمر، فضلا عن قيادات سياسية ارتبط اسمها بالحزب لأكثر من نصف قرن، ومن بينهم الرئيسان بوش الأب والإبن، ومرشحا الحزب في 2008 و2012 السناتور جون ماكين و وحاكم ولاية ماساتشوستس السابق ميت رومني.