ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تتمتع هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية بخبرة سياسية خارجية واسعة، ولديها إلمام كبير بالقضايا والتحديات الداخلية المعقدة مثل إصلاح الضمان الاجتماعي وتطوير قانون الضمان الصحي، ومعالجة العجز في الميزانية، وهي قضايا تعاملت معها كلينتون كعضو في مجلس الشيوخ وكوزيرة للخارجية. هذه الخبرات، تجعلها مؤهلة ربما أكثر من غيرها من المرشحين السابقين لمنصب الرئاسة بمن فيهم الذين وصلوا إلى البيت الأبيض في العقود الأخيرة. وهيلاري كلينتون تشكل مع زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون وأنصارهما الكثر داخل واشنطن وفي مختلف الولايات قوة سياسية داخل الحزب الديموقراطي لا يستهان بها. وليس من المبالغة القول إنه على الرغم من خسارتها للسباق الرئاسي في 2008 للرئيس باراك أوباما، إلا أنها مع بيل كلينتون يخيمان بظليهما الثقيلين على الحزب الديموقراطي منذ حوالي ربع قرن. وعندما أعلنت كلينتون عن ترشحها للرئاسة قبل أكثر من سنة، كانت المرشح الأكثر شهرة داخل وخارج البلاد. ولكن قبل 75 يوما من موعد الانتخابات، تجد كلينتون نفسها في مواجهة تحديات ومشاكل وشكوك عميقة بصدقيتها ونزاهتها، معظمها إن لم يكن جميعها من صنعها، جعلت أكثرية من حوالي ستين بالمئة من الأميركيين تشكك بصدقيتها وفقا لبعض استطلاعات الرأي .
وما يجعل معضلة هيلاري كلينتون نافرة بهذا الشكل، هو أنها تواجه منافسا جمهوريا هو الأكثر جدلا وتهورا وخطورة على حزبه وعلى البلاد منذ أجيال، وكان يفترض بكلينتون لو لم تكن مشغولة بتضميد الجراح التي الحقتها بنفسها، أن تكون متقدمة على دونالد ترامب ب20 أو 30 نقطة في استطلاعات الرأي بدلا من معدل ثمانية نقاط فقط. النزيف المستمر في حملة كلينتون والذي سيكون من المستحيل وقفه قبل الانتخابات يأتي من مصدرين : الأول، استخدام كلينتون لجهاز اتصالات الكترونية خاص بها ودون علم البيت الأبيض عندما كانت وزيرة للخارجية، والعلاقة المتشعبة بين مكتبها كوزيرة للخارجية ومؤسسة كلينتون للأعمال الخيرية، حيث أظهرت الرسائل الالكترونية وغيرها من الوثائق التي كشف عنها مؤخرا أنه لم تكن هناك حدود واضحة بين الجهتين، وأن المسؤولين في مكتب الوزيرة كلينتون وتحديدا مساعدتها الرئيسية هوما عابدين كانوا يلبون أحيانا طلبات المسؤولين في مؤسسة كلينتون ترتيب اجتماعات مع الوزيرة كلينتون لمسؤولين ورجال أعمال تبرعوا بمبالغ مالية كبيرة لمؤسسة كلينتون، بما عاد يُعرف ب “ادفع المال مقابل اللعب”، وذلك في انتهاك لتعهد كلينتون للرئيس أوباما قبل تعيينها لمنصب وزيرة الخارجية بانها لن تشارك ” شخصيا أو بطريقة جذرية في أي مسألة لها تأثير مباشر” على عمل مؤسسة كلينتون.
وجوم وترقب
وهناك حالة ترقب وحتى وجوم في أوساط الحزب الديموقراطي وداخل حملة كلينتون، وفقا لما سمعته من مصدر مطلع على الاتصالات بين المسؤولين عن الحملة، نظرا لوعود جوليان أسانج مؤسس منظمة ويكيليكس التي اخترقت الاتصالات الالكترونية للحزب الديموقراطي في الشهر الماضي، بأن منظمته سوف تكشف عن رسائل الكترونية حصلت عليها من جهاز كلينتون للاتصالات الالكترونية، ووصفها بأنها “هامة” ، قبل الانتخابات . وسيقوم مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) بالكشف عن حوالي 15 الف رسالة الكترونية تم استخراجها من ارشيف كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، ومن أجهزة كومبيوتر موظفين آخرين، كانت كلينتون قد أخفقت في ضمها لعشرات الآلآف من الرسائل الالكترونية التي سلمتها لوزارة الخارجية، بعد الكشف قبل سنتين أنها كانت تملك جهاز اتصالات خاص بها وضعته في منزلها وخارج اشراف وزارة الخارجية وكانت تستخدمه للاتصالات الخاصة والرسمية في آن. وأي رسائل من هذا النوع سوف تصبح مادة انتخابية سوف تستخدمها حملة دونالد ترامب، فضلا عن الصحافيين والمعلقين، وسوف ترغم كلينتون على الرد عليها وتفسيرها، بدلا من التركيز على حملتها وبرامجها أو دحض ادعاءات منافسها ترامب.
الأمر المؤكد الان، هو ان الظلال الداكنة الناجمة عن ملابسات البريد الالكتروني لهيلاري لكلينتون، والجدل حول مؤسسة كلينتون” ليس فقط بسبب علاقتها الغريبة بمكتب الوزيرة كلينتون، بل ايضا لقبول المؤسسة للتبرعات المالية من حكومات وشخصيات رسمية خارجية ( بضمنهم مسؤولون بارزون في دول مجلس التعاون الخليجي) ورجال أعمال لبعضهم ممارسات أو علاقات مشبوهة، سوف تبقى مخيمة على حملة كلينتون حتى موعد الانتخابات وعلى الأرجح بعد الانتخابات وبغض النظر عما إذا انتخبت كلينتون رئيسة للبلاد أم لا.
عندما تكون الشبهات بقسوة الانتهاكات
وتتعالى اتهامات الفساد وانتهاك القانون بحق كلنتون يوجهها لها جمهوريون في الكونغرس وداخل حملة ترامب مطالبين بتعيين محقق خاص، لأنهم يدعون أن وزارة العدل منحازة لكلينتون وللرئيس أوباما، خصوصا في ظل امتناع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية “أف بي آي” جيمس كومي ووزيرة العدل لوريتا لينش عن إحالة كلينتون إلى القضاء. إلاّ أنه لا توجد وثائق أو رسائل الكترونية تثبت بشكل دامغ انتهاك هيلاري كلينتون للقانون. ولكن عدم شفافية كلينتون في هذا الملف يثير الشبهات، خصوصا اتهامات ممارسة المحسوبية اثناء شغلها لمنصب رسمي رفيع، أو كونها لم تبال بالرأي العام وتجاهلها لمسألة تضارب المصالح بين وظيفتها الرسمية، وكونها ركن أساسي في مؤسسة كلينتون. ولكن يبقى من الصعب اثبات الاتهام الموجه لكلينتون (من الجمهوريين وبعض المحللين المحايدين) بأنها قدمت للمتبرعين لمؤسسة كلينتون أي خدمات محددة لقاء اجتماعها معهم كوزيرة للخارجية. واظهرت الوثائق على سبيل المثال بأن المدير التنفيذي لمؤسسة كلينتون كان قد طلب من هوما عابدين وهي من أبرز مساعدي هيلاري كلينتون أن ترتب لقاء قصيرا لولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد الخليفة وهو من المتبرعين لمؤسسة كلينتون، مع الوزيرة. وقد حصل ذلك فعلا، وإن كانت الوثائق تبين أيضا أن الاجتماع سبقه طلب مماثل عبر القنوات الرسمية. كما أن رجل الأعمال النيجيري-اللبناني جيلبيرت شاغوري الذي تبرع لمؤسسة كلينتون بخمسة ملايين دولار وفقا للتقارير الصحفية، كان قد طلب من مؤسسة كلينتون أن تتدخل لدى وزارة الخارجية لترتيب اجتماع بينه وبين السفير الأمريكي انذاك في بيروت جيفري فيلتمان. وقالت حملة كلينتون لاحقا أن الاجتماع لم يتم.
وليس غريبا أن تنفي هيلاري كلينتون قيامها بأي عمل مشبوه لصالح مؤسسة كلينتون عندما كانت في وزارة الخارجية، في الوقت الذي اعترفت فيه بارتكبها “خطأ” عندما انشأت جهاز اتصالات خاص بها وخارج اشراف الوزارة، ولكنها تواصل توفير الذخيرة لخصومها الكثر حين تحاول الاستخفاف والمزاح بشأن مسألة بالغة الأهمية مثل الرسائل الالكترونية –التي يعتقد العديد من المحللين أن روسيا وغيرها من الأطراف مثل ويكيليكس قد اخترقتها وحصلت عليها- كما فعلت مؤخرا حين قالت في لقاء لها مع الكوميدي جيمي كيمل ” جيمي، رسائلي الالكترونية مملة للغاية، وهذا أمر يحرجني لأنها مملة، ونحن سلمنا (وزارة الخارجية) أكثر من 30 الف رسالة، وما الذي سيشكله تسليم بضعة رسائل اضافية؟”. ويبدو أن هيلاري وبيل كلينتون لا يريدان الاعتراف بأن الشبهات التي تحيط بهما في هذا المناخ السياسي السلبي في البلاد سيئة للغاية وتبررها قسوة الانتهاكات، وإن لم ترق بالفعل إلى مستوى الانتهاكات القانونية. وفي استطلاع لمؤسسة بلومبيرغ في يونيو/حزيران الماضي قال 72 بالمئة من الناخبين إنهم منزعجون من قبول مؤسسة كلينتون لتبرعات من دول أجنبية عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية.
ولكن هذه الشبهات التي تخيم على هيلاري كلينتون وصدقيتها، دفعت ببعض مؤيديها البارزين ومن بينهم ادوارد رينديل حاكم ولاية بنسلفانيا السابق، لمطالبتها وزوجها بيل كلينتون أما بحل مؤسسة كلينتون، أو تسليم بعض برامجها الجيدة الداخلية (مثل توفير الأدوية للمصابين بمرض الأيدز، والأغذية الصحية لأكثر من 30 الف مدرسة)، والخارجية (مثل مساعدة أكثر من مئة الف مزارع في شرق افريقيا على زيادة محصولهم)، إلى جمعيات خيرية أخرى. وتنشط مؤسسة كلينتون في 180 دولة، وتمول أكثر من 3550 مشروعا، ومنذ تأسيسها في 1997 جمعت تبرعات بقيمة ملياري دولار. ولكن الرئيس بيل كلينتون وزوجته هيلاري وابنته تشيلسي تعرضوا لانتقادات كثيرة تتهمم باستخدام المؤسسة لتوظيف تشيلسي براتب ضخم، والكثير من المقربين منهم، وأنهم استخدموا المؤسسة ومواردها الكبيرة لكي يعيشوا كما يعيش الأثرياء الكبار.
وفي خطوة متأخرة عكست ادراك آل كلينتون بأن الشكوك والانتقادات التي يواجهونها أو يتعرضون لها قد تتعاظم لتشكل تسونامي سياسي قد يطيح بطموحاتهم للعودة إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس بيل كلينتون عن تغييرات هامة في المؤسسة في حال فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات. ومن بين هذه التغييرات أنه سيقلص من مشاركته المباشرة بالمؤسسة، كما سينقل بعض البرامج إلى جمعيات أخرى. كما أعلنت المؤسسة أنه في حال انتخاب هيلاري كلينتون فأنها سوف تتوقف عن قبول التبرعات المالية من الدول الأجنبية والشركات، الأمر الذي أثارالسؤال التالي: لماذا ليس مناسبا قبول المؤسسة للأموال الأجنبية عندما تكون هيلاري كلينتون رئيسة للبلاد، ويكون مناسبا عندما تعمل كوزيرة للخارجية؟.
وستلاحق هيلاري كلينتون شكوك وأسئلة أكثر في سباقها الطويل والمضني ضد دونالد ترامب، ولكن حظوظ هيلاري كلينتون بأن تصنع التاريخ وتصبح أول امرأة أمريكية تصل إلى سدة الرئاسة قد تتحسن في الأسابيع والأشهر المقبلة، إذا واصل ترامب ممارسة اسلوب الأرض المحروقة ضد كلينتون وخصومه، وخلق الارتباك والفوضى في أوساط مؤيديه بسبب تهوره وتقلب مواقفه وتصرفاته غير المسؤولة، واظهاره في كل مناسبة مدى جهله بتعقيدات المشاكل الداخلية والخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة. وهذا بالضبط ما يفعله ترامب الآن.