ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أمضى المرشح الجمهوري دونالد ترامب الاسبوع الماضي في مناوشات ومعارك عبثية مع عائلات الجنود الذين سقطوا في حروب الولايات المتحدة، ومع قيادات الحزب الجمهوري ومن بينهم رئيس مجلس النواب بول راين، والسيناتور جون ماكين، ومع الصحافيين الذين يغطون حملته والذين يصفهم بأنهم “الأكثر كذبا في العالم”. وطالت رشقات ترامب الكلامية مسؤولين في حملته، لكن الملفت أن حصة منافسته هيلاري كلينتون والرئيس أوباما كانت الأقل من بين الجميع. وفي هذا الاسبوع المحوري، تهاوت مكانة ترامب في استطلاعات الرأي، ووجه إليه الرئيس أوباما صفعة سياسية ولقنه درسا أخلاقيا غير معهود منذ عقود حين اتهمه بأنه غير مؤهلٍ لقيادة البلاد ودعا الجمهوريين لنبذه، وانضم متمردون جمهوريون جدد إلى الجوقة المعارضة له، وأعلن بعضهم انضمامه إلى معسكر كلينتون. ولكن ترامب، الذي بدا عليه بعض التعب أكثر من أي وقت مضى، بقي متمسكا بأوهامه، حيث ادعى قبل يومين أن حملته في أحسن أحوالها، ولم تتعرض لأي هزة لا بل أنها متماسكة وموحدة أكثر من أي وقت منذ بدء السباق الرئاسي. وبدلا عن مناقشة السياسات والملفات التي تهم الناخبين ترى ترامب منشغل بالتفتيش عن خصوم، بعضهم وهميون، يتطلع بحماس إلى مبارزتهم، بينما خصومه الحقيقيون: المرشحة هيلاري كلينتون والرئيس أوباما في آخر صف أعدائه. ومرة أخرى أثبت ترامب أنه يقود حملة انتخابية دونكيخوتية لا مثيل لها في التاريخ الحديث للانتخابات الأمريكية ويمكن أن تجر الحزب إلى الهاوية وما ورائها والتسبب بانتحار جماعي للحزب ومرشحيه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
قطار منفلت
وخلقت تصرفات ترامب هذه حالة من القلق والارتباك والإحباط في أوساط حملته، وتسببت بإغضاب قيادات حزبية وأقطاب جمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، وصفتها بعض المصادر بحالة رعب لأن الحملة بدت وكأنها قطار منفلت ومن دون قائد ومُسرع إلى لقاء حتمي مع كارثة موعودة. وأكثر ما أثار استياء منتقدي ترامب من ديموقراطيين وجمهوريين ومستقلين هو هجماته النابية ضد عائلة خازير وغزالة خان اللذين ضحيا بنجليهما هومايون، 27 سنة، بعد غزو العراق عام 2004، لأن خازير خان وهو مسلم أمريكي من أصل باكستاني تجرأ على انتقاد ورفض طروحات ترامب العدائية للمسلمين ودعوته لمنعهم دخول الولايات المتحدة، خلال كلمة ألقاها في المؤتمر العام للحزب الديموقراطي. وتعامل ترامب بتهكم مهين مع عائلة خان، والمح إلى أن غزالة خان التي وقفت صامتة إلى جانب زوجها عندما ألقى كلمته، اضطرت لذلك بسبب دينها الإسلامي الذي يمنعها من الكلام وفقا لإيحاء ترامب. ولكن على الرغم من الإستهجان الذي قوبلت به إهانات ترامب لعائلة خان، بما في ذلك من قيادات جمهورية من بينها رئيس مجلس النواب بول راين والسيناتور جون ماكين الذي اصدر بدوره بيانا طويلا انتقد فيه مواقف ترامب، إلاّ أن ترامب أصر على مواصلة هجماته، مدعيا بأنه مضطر للدفاع عن نفسه.
وإذا لم تكن هذه المعركة المحرجة للجمهوريين كافية، فقد سارع ترامب إلى فتح معركة ثأرية جديدة مع القطبين الجمهوريين راين وماكين. وصُدم الجمهوريون عندما تبرع ترامب بالقول إنه لن يؤيد كلا من راين وماكين في معركتيهما الحزبية القريبة للحصول على ترشيح الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية للكونغرس. وهذا موقف غير معهود من المرشح الرسمي للحزب ضد أقطاب حزبه خاصة وأن راين وماكين – وإن بعد تردد – قد أيدا ترشيح ترامب. لا بل أن ترامب أعلن في تغريدة له أنه يؤيد منافس راين. ويتصرف ترامب وكأنه ليس بحاجة إلى “المؤسسة الجمهورية التقليدية” في واشنطن والتي حاولت مقاومة حملته خلال الانتخابات الحزبية، وإن فشلت فشلا ذريعا. ولا يريد ترامب أن يرى أبعد من قاعدته المتحمسة له، ولكن الضيقة، ولا يريد الإعتراف بأن الانتخابات الحزبية تختلف جذريا عن الانتخابات العامة، التي تحتاج إلى بنية حزبية قوية وخاصة في الولايات المحورية التي تقرر من سيفوز في الانتخابات.
و مرة أخرى، أظهر ترامب ضعفه بالشؤون الدولية حين قال في مقابلة تلفزيونية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يدخل إلى أوكرانيا، وبعد تذكيره بأن بوتين قد احتل جزيرة القرم قبل سنتين، حاول التملص من جوابه الأول، وقال لاحقا إنه كان يقصد أن بوتن لن يدخل إلى أوكرانيا عندما يصبح ترامب رئيسا للجمهورية. ولكن أخطر ما قاله ترامب في هذا السياق هو أنه لم يعتبر أن جزيرة القرم تخضع للإحتلال الروسي، قائلا إنه سوف يدرس إمكانية الإعتراف بسيطرة روسيا على جزيرة القرم، مضيفا ” وفقا لما سمعته فأن سكان القرم يفضلون أن يكونوا مع روسيا…”، وكرر ترامب ثنائه على الرئيس بوتين، قائلا ” أليس أمرا عظيما أن تربطنا علاقات جيدة مع روسيا؟”
تمرد حزبي ؟
وسربت مصادر مقربة من رئيس الحزب الجمهوري راينس بريبوس لبعض الصحافيين أنه شعر “بغضب عارم” من مواقف ترامب وخاصة مناوشاته مع عائلة خان ورفضه تأييد ترشيح بول راين الذي تربطه به علاقة صداقة قديمة، وقوله إن تصرفات ترامب سوف تهدر موارد وطاقات الحزب الجمهوري على معارك جانبية مكلفة ولها مردودات عكسية. وشعر قادة الحزب بالصدمة لأن ترامب أخفق في استغلال تصريحات مضللة لهيلاري كلينتون أدعت فيها خطأً أن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جيمس كومي لم يشكك بصدقية كلينتون خلال تحقيقات المكتب باستخدامها لجهاز خاص لاتصالاتها الالكترونية خارج اشراف وزارة الخارجية عندما شغلت المنصب، وهو موقف مغاير للحقيقة لأن كومي أوضح أن كلينتون لم تقل الحقيقة، وإن لم يتهمها بالكذب.
كما أخفق ترامب في استغلال التقارير الرسمية الصادرة يوم الجمعة الماضي والتي أكدت أن اقتصاد البلاد في حالة انحسار، وأي مرشح غير ترامب كان بإمكانه استغلال هذه التقارير ضد كلينتون التي تتصرف وكأنها تريد أن تكمل سياسات الرئيس أوباما.
وفي الأيام الأخيرة برزت مؤشرات جديدة حول توسع حالة التمرد داخل الحزب الجمهوري ضد ترامب، وذلك عقب إعلان النائب ريتشارد حنا (اللبناني الأصل الذي يمثل مقاطعة في ولاية نيويورك” الذي وصف ترامب بأنه يمثل “إحراجا وطنيا” للحزب، مؤكدا أنه سيصوت لهيلاري كلينتون. كما أعلنت مارغريت ويتمان رئيسة شركة هولت باكرد والمرشحة الجمهورية السابقة لحاكمية ولاية كاليفورنيا أنها ستصوت لهيلاري كلينتون – التي اتصلت بها قبل اعلانها عن موقفها- بدلا من التصويت لترامب الذي وصفته “بالديماغوجي”. ومؤخرا وقّع عشرات الجمهوريين المختصين بالشؤون الإستراتيجية من مسؤولين سابقين وأكاديميين على عرائض تؤكد معارضتهم لترشيح ترامب بسبب اعتقادهم بجهله بالقضايا الإستراتيجية ولتهوره. وانضم هؤلاء إلى عدد من النواب والشيوخ وحكام الولايات من الذين إما عارضوا ترشيح ترامب علنا، أو امتنعوا عن تأييده علنا حتى بعد حصوله على ترشيح الحزب. ومن المتوقع أن يستمر هذا النمط داخل الحزب الجمهوري، إذا ما استمر سلوك ترامب على ما هوعليه، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات سلبية تتخطى خسارة السباق إلى البيت الأبيض، لتشمل أيضا خسارة مجلس الشيوخ، وربما حتى مجلس النواب على الرغم من أن للجمهوريين أكثرية مسيطرة فيه.
اتجاهات الرأي العام
في الأيام التي تلت المؤتمر العام للحزب الجمهوري، تقدم ترامب في استطلاعات الرأي وأقترب من التعادل مع كلينتون. ولكن كبوات ترامب، فضلا عن أداء الديموقراطيين الجيد نسبيا في مؤتمر كان أكثر تنظيما من نظيره الجمهوري، حسّنت وضع المرشحة كلينتون في استطلاعات الرأي – تلك التي تنظم على الصعيد الوطني، وتلك التي تجري على مستوى الولايات-. وأظهر آخر استطلاع لصحيفة وال ستريت جورنال وشبكة التفزيون أن بي سي على المستوى الوطني أن كلينتون متقدمة على ترامب بتسعة نقاط: 47 بالمئة مقابل 38 بالمئة. وأُجري الاستطلاع بعد انتهاء مؤتمري الحزبين. وأظهر استطلاع آخر لشبكة التلفزيون فوكس نيوز أن كلينتون متقدمة على ترامب بـ 10 نقاط. اللافت هو أن الاستطلاعين أظهرا أن أكثرية من الأميركيين تشكك بصدقية كلينتون، ولكنها مقتنعة أيضا بأنها مؤهلة أكثر من ترامب، بسبب خبرتها وشخصيتها الحذرة، لرئاسة البلاد.
ولكن بما أن انتخابات الرئاسة الأمريكية تقرر على مستوى الولايات ( لكل ولاية عدد معين من المندوبين الذين ينتخبهم سكان الولايات بصفتهم ممثلين عن المرشح الرئاسي وعددهم يوازي عدد نواب الولاية إضافة إلى عضوين في مجلس الشيوخ لكل ولاية، وهم الذين يصوتون للرئيس في المجمع الانتخابي) وليس على المستوى الوطني، فان الاستطلاعات المهمة هي التي تجري في بعض الولايات المحورية التي لا توجد فيها أكثرية جمهورية أو ديموقراطية وبالتالي من الصعب التكهن مسبقا باتجاهاتها. هذه الولايات تسمى أيضا ولايات ساحات المعارك، ومن أبرزها فلوريدا وبنسلفانيا واوهايو وكولورادو ونيوهامبشر. وتبين استطلاعات الرأي في هذه الولايات أن كلينتون متقدمة على ترامب بنسب تتراوح بين 15 نقطة في نيوهامبشر، و 11 نقطة في بنسلفانيا، و6 نقاط في فلوريدا، و8 نقاط في كولورادو.
طبعا لا يمكن في هذا الوقت المبكر، أي قبل أكثر من تسعين يوما من موعد الانتخابات التكهن بمن سيفوز في الثامن من نوفمبر المقبل، لأن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تغير التوازن الراهن، من بينها المناظرات التي تنظم بين المرشحين، والتي يشاهدها عشرات الملايين من الناخبين، إضافة إلى احتمال حدوث أعمال إرهابية داخل أو خارج الولايات المتحدة ضد أهداف أمريكية بهدف التأثير على الانتخابات، إضافة إلى عوامل داخلية أخرى من بينها الاقتصاد والتوترات الإجتماعية والعنصرية التي يمكن أن تبرز إلى السطح بسرعة غير متوقعة. ولكن المشهد الانتخابي الراهن، وخاصة في الولايات المحورية، ليس لصالح ترامب، بل لصالح هيلاري كلينتون التي وصفها ترامب قبل أيام بالشيطان. ما يمكن قوله ببعض الثقة، هو أن الأشهر المقبلة سوف تشهد معركة انتخابية شرسة حتى بالمقاييس الأمريكية، لأن المرشحين، وخاصة ترامب، لن يترددا في استخدام السلاح الأبيض في هذه المواجهة التاريخية، بما في ذلك شيطنة الآخر، والمبالغة بآفاته ومساوئه كما فعل ترامب، واعتبار الخصم وكأنه خطر وجودي يجب إلحاق هزيمة ساحقة به.