ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
إنها بالفعل لحظة مفصلية في حياة هيلاري كلينتون، التي أصبحت بعد معركتين انتخابيتين مضنيتين خلال 8 سنوات، أول إمرأة في تاريخ الولايات المتحدة تحصل على ترشيح حزب كبير لمنصب الرئاسة الإميركية. هيلاري رودام كلينتون، زوجة الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة وليام جيفرسون كلينتون، فتحت الباب العريض للتاريخ، وإذا فازت في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر كمرشحة للحزب الديموقراطي فإنها ستدخل التاريخ كأول إمرأة تترأس أقوى دولة في تاريخ البشرية. كلينتون، بعد سماعها خبر التحقيق الذي أجرته وكالة الأسوشيتيد بريس وتبين منه أنها حصلت على الرقم السحري المطلوب للفوز بترشيح الحزب، أي 2383 مندوبا، قالت بحذر “نحن على عتبة لحظة لا سابقة لها، ولكن لا يزال أمامنا عمل كثير.. ونضال شاق”.
كلينتون تدرك أن هذه الانتخابات ستكون تاريخية بالفعل ليس فقط لأنها هي في السباق، ولكن لأن منافسها ومرشح الحزب الجمهوري، رجل الأعمال دونالد ترامب هو أيضا مرشح غير تقليدي، وإن كان من الصعب وصفه بأنه شخصية تاريخية. ولكن حصول ترامب على ترشيح حزبه، عكس من جملة ما عكسه حقيقة أن هذا الموسم الانتخابي هو بالفعل موسم اتسم بالغرابة وإنهيار معظم المقاييس والأعراف الانتخابية التي كان يُعتمد عليها في انتقاء المرشحين، وخاصة في السباق الجمهوري. صحيح أن هيلاري كلينتون استفادت في بداية حياتها السياسية كشخصية مستقلة من اسم زوجها، ولكنها منذ أن تم انتخابها عضوا في مجلس الشيوخ، وبعد تعيينها كوزيرة للخارجية شقت لنفسها طريقها السياسي المنفرد، وإن بقي زوجها مستشارها الأول. في المقابل لم ينتخب دونالد ترامب البالغ من العمر 69 عاما لأي منصب في حياته. كل ما في حياته وممارساته يتناقض مع حياة وممارسات السياسيين. وبينما تنشط كلينتون كشخصية سياسية تعتمد على “ماكينة” سياسية وإنتخابية فعالة تضم عددا كبيرا من الخبراء، تجعل مواقفها السياسية حذرة جدا. في المقابل يتحرك ترامب ويتصرف كعازف منفرد لا يسمع إلا لموسيقاه الداخلية. وهذا ما يفسر ارتجاليته المتهورة ومواقفه غير المصقولة، وميله للمبالغة والتشويه والإيمان بنظريات المؤامرة والتعصب ضد كل ما هو مختلف ومغاير.
ستكون معركة الانتخابات الرئاسية العامة قاسية ومضنية، وإذا كانت معركة الانتخابات التمهيدية مقياسا أوليا، فإنها ستكون شرسة ولا سابقة لها. وكما أظهرت معركة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري خطأ توقعات وتقويمات الأغلبية الساحقة من الخبراء والمراقبين، الذين فوجئوا بالصعود الصاعق لترامب، سيكون من الصعب التنبؤ بنتائج إنتخابات تشرين الثاني/نوفمبر في هذا الوقت المبكر. وكما يقولون، فإن شهرا واحدا في موسم الانتخابات الأميركية الطويل يكون أحيانا بمثابة أبدية سياسية، فكيف بخمسة أشهر؟
اتسم الموسم الانتخابي الراهن بمفارقات عديدة من بينها أن شخصية كل من كلينتون وترامب لا تعتبر شخصية جذابة أو محبوبة بالضرورة، أو جديرة بالثقة من قبل عدد كبير من الناخبين، وأن عنق كل مرشح مثقل بالحجارة، وأن هناك نسبة معينة من مؤيدي كل مرشح تقول إنها ستصوت لمرشحها من منظور سلبي، أي أن صوتها هو صوت سلبي ضد مرشح الحزب المنافس وليس صوتا إيجابيا لصالح مرشح الحزب الذي ينتمي إليه الناخب.
ولكن هناك اعتبارات موضوعية تتعلق بكل مرشح، وبالحزبين وبالأوضاع السياسية والإقتصادية تدفع بالمراقب المحايد لأن يرجح وجود هيلاري كلينتون، عند بدء معركة الانتخابات العامة في الخريف في موقع متفوق على ترامب . صحيح أن ترامب جذب الى حملته ناخبين محافظين أو مستقلين كانوا على هامش العملية الانتخابية أو لم ينتخبوا في الدورات الأخيرة، ولكنه في المقابل أثار قلق وحتى معارضة أقلية من الجمهوريين التي تقول أن ترامب ليس محافظا (وهذا أمر تؤكده بعض مواقف ترامب الليبرالية أو الوصولية السابقة) كما أثار خوف شرائح أجتماعية أخرى هامة وضرورية للفوز بالرئاسة، ومن بينها نسبة هامة من النساء والأقليات وفي طليعتها الأميركيين اللاتينيين، أو من أصل أفريقي. وحتى قبل أن تحصل على ترشيح حزبها بدأت حملة كلينتون والمنظمات التي تدعمها أو تمولها ببث الدعايات التلفزيونية التي تستخدم كلام ترامب وتصريحاته المهينة للمرأة، أو مواقفه التمييزية ضد الأقليات، أو تصريحاته العدائية للمسلمين، أو تصريحاته الغريبة التي أظهرت جهله الصاعق بتعقيدات التحديات والأزمات والقضايا الدولية، ليُحذّروا الأميركيين من خطر إنتخاب رجل متهور مثل ترامب.
وفي الأسابيع القليلة ومنذ حصوله على ترشيح حزبه، رفض ترامب التخلي عن إسلوبه الفظ والقاسي في التعامل مع أي نقد بناء حتى ولو صدر عن قيادات في حزبه، وبدلا من أن يسعى، كما توقعت أو تمنت قيادات الحزب إلى توحيد صفوفه، واصل ترامب رشق كل من اختلف معه بالوحل، وهذا شمل قيادات في الحزب الجمهوري ( وجه إهانات لا مبرر لها ضد حاكمة ولاية نيو مكسيكو وهي الوحيدة في مثل هذا المنصب الهام من أصل لاتيني لمجرد إنها لم تؤيده) وسخر من الصحافيين في وجوههم. ولكن أبشع ما قام به هو شنه معركة شخصية ودونكيخوتية ضد القاضي الذي ينظر في دعوى ضد الممارسات المشبوهة لما سُمّي بجامعة ترامب، مدعيا أن القاضي يكرهه، لمجرد أن القاضي المولود في ولاية انديانا متحدر من أبويين من أصل لاتيني. وفي الأيام الماضية بدا ترامب وكأنه مهووس بهذا القاضي، الأمر الذي أثار حفيظة البلاد، بما في ذلك معظم قادة الحزب الجمهوري الذين أحرجتهم هذه الإنتقادات التي نضحت منها رائحة عنصرية بشعة.
حتى الأن قاد ترامب معركته ضد منافسيه الجمهوريين معتمدا بالدرجة الأولى على شخصيته النجومية، وإسلوبه الشخصاني والإستعراضي الذي جذب إليه وسائل الإعلام التي غطته مجانا نظرا للعوامل الترفيهية التي جلبها للسباق الانتخابي. ولكن هذا الإسلوب لن ينفعه في معركة الانتخابات العامة، لأنه سيحتاج إلى “ماكينة” انتخابية كبيرة تنتشر في جميع الولايات الهامة، وتتطلب ميزانية ضخمة، خاصة وأن حملة كلينتون تمتلك بالتحديد مثل هذه الماكينة الفعالة والمدعومة ماليا.
في الأسابيع المقبلة قبل المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في أواخر تموز/يوليو والذي سيرشحها رسميا، سوف تعمل كلينتون على محاولة جذب مؤيدي منافسها الديموقراطي السناتور بيرني ساندرز إلى معسكرها، وهذه مهمة لن تكون سهلة نظرا لأن حملة ساندرز قد خلقت زخما خاصا وحماسا كبيرا في أوساط الناخبين الشباب الذين ابتعدوا عن كلينتون وانضموا إلى حركة ساندرز. وليس من الواضح حتى الآن ما هو الدور الذي سيلعبه ساندرز في الأسابيع القليلة المقبلة، أو في معركة الانتخابات العامة.
ولكن كلينتون سوف تستفيد من التأييد الذي ستحصل عليه من الرئيس أوباما، الذي يتمتع بشعبية جيدة نسبيا وخاصة في أوساط الفئات التي أنتخبت أوباما مرتين، والتي تحتاجها كلينتون للفوز، أي الأميركيين من أصل أفريقي والأميركيين اللاتينيين والنساء. وسيكون الرئيس أوباما الذي يستمتع بالنشاطات الانتخابية عاملا هاما في تعبئة قاعدة الحزب الديموقراطي، وفي جذب شريحة هامة من أصوات الناخبين المستقلين لخلق ائتلاف مشابه للإئتلاف الذي خلقه قبل ثماني سنوات والذي أوصله إلى البيت الأبيض. هذه المعطيات الموضوعية، وجدارة كلينتون في المناظرات، وإطلاعها على الملفات الإقتصادية والأمنية، وخبرتها السياسية، وميل المرشح ترامب لارتكاب الهفوات والكبوات وضحالة إطلاعه على تفاصيل وتعقيدات التحديات الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية التي سيواجهها الرئيس الأميركي الجديد، كلها تضع كلينتون، على الأقل في هذا الوقت، في موقع أفضل من ترامب لبدء سباق الانتخابات العامة.