ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع اقتراب موعد بدء المؤتمر العام للحزب الجمهوري في الثامن عشر من الشهر المقبل في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الذي يفترض أن يعطي حملته الزخم الذي تحتاجه لبدء الشوط الاخير في السباق إلى البيت الأبيض، يجد المرشح دونالد ترامب نفسه في وضع دفاعي محرج بعد أسابيع من الهفوات والمناوشات الجانبية والتصريحات الغريبة مثل تلك التي أدلى بها في اسكتلندا مؤخرا حول مضاعفات خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، والتي أظهرت بشكل واضح ضعفه وضيق أفقه خصوصا كونه مرشحا إفتراضيا لحزب عريقٍ كالحزب الجمهوري. ترامب يقود حملة انتخابية هشة تفتقر إلى الكوادر البشرية ذات الخبرة، والموارد المالية الضرورية لتمويل النشاطات الإنتخابية وتعبئة القاعدة الجمهورية وخاصة في الولايات المحورية. وإذا لم تكن هذه المشاكل، ومعظمها من صنع ترامب، كافية، فإنه يواجه معارضة متزايدة من داخل الحزب الجمهوري لترشيحه، بما في ذلك تخلي شخصيات جمهورية معروفة عنه، وخاصة في مجال السياسة الخارجية، وإعلانها عن تأييد حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه استطلاعات الرأي المختلفة كشف اتساع الهوة بينه و بين كلينتون.
ومع أن استطلاعات الرأي في هذا الوقت المبكر، أي قبل خمسة اشهر من الإنتخابات، لا تعني بالضرورة أنها ستبقى كما هي، إلا أنها تعطينا صورة عامة عن اتجاهات ومواقف الشرائح الإجتماعية من المرشحين. ومع أن كلينتون كانت متقدمة على ترامب في معظم هذه الإستطلاعات قبل شهر، إلا أن الإستطلاعات الأخيرة أظهرت أن الهوة تتسع بينهما ولصالحها. وقبل يومين أظهر إستطلاع لصحيفة واشنطن بوست وشبكة التلفزيون أي بي سي أن 51% من المشاركين في الإستطلاع يؤيدون كلينتون، مقابل 39 % يؤيدون ترامب. أكثرية المشاركين قالوا أن كلينتون مؤهلة للرئاسة أكثر من ترامب. وقال 70% أنهم يشعرون بقلق شديد لاحتمال إنتخاب ترامب، مقارنة بـ 27 % قالوا إنهم سيشعرون بالإرتياح لانتخاب ترامب. وفي إستطلاع آخر قبل يومين لصحيفة وال ستريت جورنال وشبكة التلفزيون أن بي سي أن كلينتون متفوقة على ترامب بخمس نقاط. إلا أن كلينتون هي الأخرى ليست على أحسن حال حيث أنها تشارك ترامب في كونهما أكثر مرشحين رئاسيين نالا أعلى نسبة عدم مقبولية أمريكيا في تاريخ هذين الحزبين.
وبدت نرجسية ترامب ومحدودية معرفته بالشؤون السياسية والاقتصادية الدولية خلال زيارته في نهاية عطلة الأسبوع الماضي إلى اسكتلندا ليس كمرشح بل بصفته رجل أعمال لافتتاح فندق ونادي لرياضة الغولف، والتي تزامنت مع الإعلان عن موافقة أكثرية بسيطة من البريطانيين على استفتاء يؤيد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وهو قرار أيده ترامب قبل الاستفتاء. سلوك وتصريحات ترامب في الساعات التي تلت القرار التاريخي الذي ستتردد تداعياته لسنوات عديدة في أوروبا وأمريكا وحتى في العالم ككل، أثارت الإستغراب والإستهجان. ترامب بدا مستخفا بالثمن الذي دفعه الإقتصاد البريطاني وانحسار قيمة العملة البريطانية بحوالي 10 نقاط، لا بل بدا وكأنه يرحب بانهيار الباوند البريطاني لأن ذلك سوف يجذب السياح الأميركيين الذين سيستفيدون من قوة الدولار لزيارة اسكتلندا لإنفاق أموالهم في منتجعه.
تمرد جمهوري
ومع أن بعض قيادات الحزب الجمهوري داخل وخارج الكونغرس قد قبلت بتردد ومع التحفظات بترشيح ترامب بأمل أن يُحسّن من أدائه وأن يظهر بعض الإنضباط ويبتعد عن المواقف الإستفزازية، إلا أن بعضهم لا يزال غير قادر علنا على تأييده والقول إنه مؤهل لقيادة البلاد وخاصة في هذه المرحلة الحرجة. ويوم الأحد الماضي وجد رئيس الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونال نفسه عاجزا عن الإجابة على سؤال طرح عليه في مقابلة تلفزيونية حول ما إذا كان يعتقد أن ترامب مؤهل للرئاسة قائلا “سوف أترك الشعب الاميركي ليقرر ذلك”.
وفي الإسبوع الماضي تلاحقت وتيرة تخلي الشخصيات الجمهورية المعروفة عن ترامب حيث أعلن بعضها أيضا عن تأييده لكلينتون أو مقاطعة المؤتمر العام للحزب. وأعلن ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأسبق أنه إذا “كان ترامب مرشح الحزب الجمهوري، فإنني سأصوت لهيلاري كلينتون” ورأى أن ترامب “لا يبدو جمهوريا، ولا يبدو أنه راغب بمعرفة القضايا، ولذلك سأصوت لكلينتون”. وتبعه برينت سكوكروفت مستشار الأمن القومي السابق ( للرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الأب) والذي يعتبر من الشخصيات الجمهورية المرموقة الذي أعلن عن عزمه على تأييد هيلاري كلينتون التي أثنى بسخاء على “خبرتها الفريدة.. لقيادة بلادنا في هذه المرحلة الحرجة” وأضاف أن كلينتون “قضت حياتها في الخدمة العامة وعملت على تحسين حياة الشعب الأميركي ومساعدة الولايات المتحدة على قيادة عالم أكثر أمنا وسلما”.
وانضم هنري بولسون وزير المالية الأسبق في عهد جورج بوش الإبن، إلى قائمة الجمهوريين المتمردين ضد ترامب، الذي اتهم ترامب باختطاف الحزب الجمهوري، وقال في مقال نشره في صحيفة واشنطن بوست أن “شعبوية” ترامب “متجذرة في الجهل والتعصب والخوف والإنعزالية” وتابع ” كفى، لقد حان الوقت لنضع بلادنا قبل حزبنا وأن نقول معا: نرفض ترامب بالمطلق”. وأعلن بولسون أنه سيصوت لكلينتون على أمل أن توحد الأمريكيين وتقوم بما هو ضروري لتعزيز الإقتصاد ومكان أمريكا في العالم، وتابع “ولأصدقائي الجمهوريين، أنا أعلم أنني لست لوحدي.”
وللمرة الأولى في تاريخ المؤتمرات الحزبية، أعرب عدد من القادة الجمهوريين عن عزمهم مقاطعة المؤتمر ، وهو أمر نادر لأن السياسيين من الحزبين يتسابقون علىى التحدث للأمريكيين في المؤتمرات التي تختار مرشح الحزب لأن ملايين الناخبين يراقبون ويتابعون هذه المؤتمرات التي تساهم في خلق المستقبل السياسي لبعضهم، وهذا ما حصل لسياسي شاب غير معروف اسمه باراك أوباما، عندما اكتشفه الأميركيون عبر خطاب هام ألقاه في المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في 2004 الذي رشح آنذاك السناتور جون كيري. وأجرت مجلة بوليتيكو استفتاء لخمسين شخصية جمهورية ضمت حكام ولايات وعضاء في مجلسي النواب والشيوخ وتبين أن بضعة منهم فقط سيشاركون في المؤتمر، ويعود عدم اهتمامهم بالمؤتمر إلى إجماعهم على البقاء بعيدا عن ترامب.
استفتاء بريطانيا وإنتخابات أمريكا
كثر الحديث في أعقاب نتائج استفتاء بريطانيا على الخروج من الإتحاد الأوروبي على وجود عوامل مشتركة بين الناخبين الذين رفضوا البقاء في الإتحاد، والناخبين الذين أيدوا حملة ترامب، وعن اللغة أو الشعارات المشتركة بينهما، مثل معارضة المهاجرين، ورفض السماح للبيروقراطيين غير المنتخبين، أو ما يسمى “بالمؤسسة التقليدية” الحاكمة، بتقرير مصير البلاد، أو إصرار هؤلاء على ما يسمونه ” استعادة بلادنا” أو استعادة “سيادتنا”، والتي تعني ضمنا استعادة البلاد من أيدي المهاجرين ( في إشارة موجهة بالتحديد للمهاجرين المسلمين في حالة بريطانيا، وللمسلمين والمهاجرين اللاتينيين في حالة أمريكا) أو البيروقراطيين الذين لا وجه لهم. وهناك تشابه أيضا في طبيعة الخلفية الإجتماعية والإقتصادية لهؤلاء الناخبين في البلدين، فمعظمهم من الرجال البيض من ذوي التعليم المحدود، أو الذين رأوا وظائفهم ترحل إلى دول مثل الصين والهند، أو الذين لم يحسنوا من دخلهم ورواتبهم. ويعتبر هؤلاء من ضحايا العولمة التي على الرغم من أنها حسنت الأوضاع الإقتصادية للملايين في العالم من خلال اتفاقات التجارة الحرة، وربطت إقتصاديات العالم ببعضها البعض عبر الإنجازات التقنية الجديدة وثورة المعلوماتية ووسائل التواصل الإجتماعي، إلا أنها خلقت أيضا الملايين من العاطلين عن العمل والذين تحول قسم منهم بالفعل إلى ضحايا للعولمة، وهذا يفسر إلى حد كبير نقمة شرائح إجتماعية على العولمة ونتائجها.
وحاول ترامب خلال وجوده في اسكتلندا استغلال نتائج الإستفتاء ليدعي أنها تؤكد صحة طروحاته، وأن البريطانيين “أعلنوا استقلالهم عن الإتحاد الأوروبي وصوتوا لتعزيز سيطرتهم على سياساتهم وحدودهم واقتصادهم.” وتابع ” لقد استعادوا السيطرة على بلادهم، وهذا ما سنفعله عندما نستعيد أمريكا”. ويلمح ترامب – كما فعل بعض معارضي الإتحاد الأوروبي في بريطانيا- إلى أن هناك قوى خبيثة تتراوح بين المهاجرين، والبيروقراطيين الذين باعوا أرواحهم لابليس العولمة، قد اختطفت الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولكن المقارنة بين أمريكا وبريطانيا غير دقيقة، وهناك فوارق إجتماعية واقتصادية وسياسية وديموغرافية، وتجارب تاريخية مختلفة تجعل المقارنة محفوفة بالأخطاء. وعلى سبيل المثال فان تجربة أمريكا مع المهاجرين تختلف جذريا عن تجربة بريطانيا لأن أمريكا بنيت بجهود موجات متلاحقة من المهاجرين، بينما تاريخ الهجرة إلى بريطانيا حديث العهد. أيضا لا يمكن المقارنة بين استفتاء يتطلب اما الموافقة على اقتراح معين أو رفضه، وانتخابات رئاسية لمرشحين لحزبين كبيرين لهما مواقفهما وبرامجهما الإنتخابية فضلا عن إنتخاب جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعدد من حكام الولايات. والنظام الإنتخابي الأميركي فريد من نوعه ومعقد ولا يتقرر فقط عبر الإقتراع الشعبي بل بالفوز بالعدد الكافي من أصوات المجمع الإنتخابي، لان الولايات هي التي تقرر الفائز. أيضا ترامب يقود حملة لا سابقة لها، وتعاني من المشاكل الإدارية والمالية ولا تحظى حتى بالتأييد القوي من الحزب الذي يفترض أن تمثله، كما أن ترامب يواجه في هيلاري كلينتون مرشحة قوية ولها خبرة سياسية و إلمام بالقضايا السياسية والإقتصادية والعسكرية، وهي خبرة ومعرفة يفتقر إليها ترامب. وتتمتع الولايات المتحدة بمناعة ضد الأمراض التي تعاني منها بريطانيا تتمثل بوجود فئات وشرائح إجتماعية كبيرة في البلاد قادرة على تحييد سياسة التخويف والتحريض التي يمارسها ترامب. ومع ذلك، فان القوى السلبية التي أطلقها ترامب، وظاهرة “الشعبوية” المعادية للنخب السياسية والفكرية في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى مثل فرنسا، كلها تدعو إلى ضرورة تفادي الإستخفاف بترامب، كما فعل الكثيرون في أمريكا، أو القول بأنه إذا اعطينا ترامب حبلا طويلا فإنه سيستخدمه ليشنق نفسه. ترامب يمثل ظاهرة سياسية-إجتماعية معادية لقيم أساسية تعتبر جوهر الدستور الأميركي، وتقاليد أمريكا على الأقل في الخمسين سنة الماضية – قبول قيم التعددية، ورفض العنصرية، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم. ووحدها تعبئة القوى التي تؤمن بهذه القيم، وبضرورة معالجة النواحي السلبية للعولمة، تضمن حرمان ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض. صحيح أن فرص ترامب بالفوز بالرئاسة ضئيلة، ولكن الذين يستخفون بترامب ولا يتحركون بفعالية لوقفه، قد يندمون في نوفمبر المقبل، كما ندم البريطانيون الذين رفضوا أن يصدقوا أن القوى المناوئة للإتحاد الأوروبي يمكن بالفعل أن تخرج بريطانيا من الإتحاد.