ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
توصية مدير مكتب التحقيقات الفدرالي “الأف بي آي” جيمس كومي لوزارة العدل بعدم ملاحقة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قضائيا بسب استخدامها بريدها الألكتروني الخاص وإرسال وتلقي معلومات سرية، وقبول وزيرة العدل لوريتا لينش للتوصية وإعلانها أن وزارتها لن تلاحق كلينتون أو أي من مساعديها قضائيا، وأن التحقيق قد انتهى، لا يعتبر بمثابة التبرئة الكاملة التي كانت كلينتون تأمل بالحصول عليها، لان افلاتها من المحاكم القضائية يعني أنها ستواجه الآن محكمة الرأي العام والناخبين في نوفمبر المقبل. ما فعله جيمس كومي في الواقع هو مداخلة مذهلة يمكن اعتبارها إدانة سياسية مفصلة لكلينتون لما اعتبره “إهمالا كبيرا جدا” من قبلها في تعاملها مع المعلومات السرية، دحض فيها مجمل اطروحاتها وتبريراتها منذ الكشف عن استخدامها لجهاز البريد الالكتروني الخاص بها والذي وضعته في منزلها خارج اشراف وحماية وزارة الخارجية. وبينما تفادت كلينتون التعليق على بيان جيمس كومي، أصدرت حملتها بيانا اعربت فيه عن ارتياحها لان المسؤولين في “الأف بي آي” اوصوا وزارة العدل عدم اتخاذ إجراءات إضافية ضد كلينتون، وكرروا القول إن ما فعلته كلينتون هو مجرد خطأ لن يتكرر، وأضاف البيان “ونحن مسرورون لأن هذه المسألة قد حسمت”.
إدانة سياسية
ولكن حتى المتحمسين لترشيح كلينتون يدركون أن مسألة البريد الألكتروني والرسائل السرية لم تحسم نهائيا، وسوف تبقى سيفا مسلطا فوق رأس كلينتون إلى أن يقرر الناخبون الأمريكيون مصيرها السياسي في نوفمبر المقبل. مداخلة كومي التي استمرت لربع ساعة، وفرت ذخيرة إنتخابية فعالة للجمهوريين ومرشحهم المفترض دونالد ترامب لاستخدامها في الحرب الدعائية ضد المرشحة الديموقراطية كلينتون خلال الأشهر المقبلة. وقام كومي أمام محكمة الرأي العام بتشريح وتفنيد ادعاءات كلينتون مستفيدا من خبرته السابقة كمدعي عام. ودحض كومي ادعاءات كلينتون إنها لم تستلم أي مواد سرية على جهازها الأكتروني الخاص، نافيا أن تكون كلينتون قد سلمت وزارة العدل كل رسائلها، وكشف بعكس ما كانت كلينتون تقوله أنها استخدمت أكثر من جهاز بريد ألكتروني خاص بها، وأكثر من هاتف، كما ألمح كومي إلى أن هناك احتمال كبير بأن تكون حكومات أجنبية قد اخترقت أجهزتها الألكترونية الخاصة، بعكس تأكيدات كلينتون.
صحيح أن كلينتون جريحة الآن جراء ما كشف عنه جيمس كومي، وصحيح أن أكثرية من الأمريكيين تشكك بمصداقيتها ونزاهتها كما تبين مختلف استطلاعات الرأي، ( آخر استطلاع لشبكة التلفزيون أن بي سي وصحيفة وال ستريت جورنال أظهر أن 69 في المئة يقولون أن مصداقية كلينتون تقلقهم) ولكنها محظوظة للغاية لان منافسها الجمهوري ترامب، بسبب نرجسيته وتهوره وافتقاره إلى الخبرة السياسية، غير مؤهل لاستغلال ازمة كلينتون وترجمتها انتخابيا لمصلحته. ولو كانت كلينتون تواجه مرشحا جمهوريا تقليديا لكانت وجدت نفسها في موقع دفاعي أصعب، لأن مثل هذا المرشح كان سيسرع لاستخدام كلمات جيمس كومي في دعايات تلفزيونية وفي رسائل للناخبين لتقويض سمعتها وتعميق شكوك الناخبين بنزاهتها. وكان من اللافت أنه في صباح اليوم التالي لبيان كومي لم تقم حملة ترامب حتى بالحد الأدنى من النشاطات الدعائية والمساهمات التلفزيونية لإبقاء الضغوط على كلينتون. وحتى بعد أسابيع من حصوله عمليا على ترشيح حزبه لم تقم حملة ترامب ببث أي دعاية تلفزيونية بسبب افتقارها للموارد المالية، بعكس حملة كلينتون التي تبث الدعايات التلفزيونية في مختلف الولايات المحورية.
ترامب ومعاركه الجانبية والدونكيخوتية
وعلّق ترامب على بيان “مدير الأف بي آي” عبر تويتر قائلا إن كومي” قال أن هيلاري الفاسدة هددت أمننا القومي. ولا اتهامات؟”. وفي خطاب لاحق، كرر ترامب انتقاداته لكلينتون واتهمها بمحاولة رشي وزيرة العدل لوريتا لينش، في إشارة ضمنية إلى تقرير لصحيفة نيويورك تايمز جاء فيه أن كلينتون في حال انتخابها سوف تبقي لينش في وظيفتها، وفقا لديموقراطيين مقربين من كلينتون. ولكن ترامب كعادته عندما يخطب بشكل ارتجالي وينتقل بسرعة واحيانا دون أي سياق منطقي بين موضوع وآخر، بدلا من أن يركز على هدية كومي إلى الجمهوريين، قرر مرة أخرى أن يدخل في معركة جانبية وأن يثني على المزايا القيادية لصدام حسين، في سياق حديثه عن ضرورة مكافحة الإرهاب بالقوة. وبعد أن قال بشكل عابر أن صدام “رجل سيء للغاية” أضاف “ولكن هل تعرفون ما فعله جيدا؟ لقد قتل الإرهابيين، وفعل ذلك بشكل جيد. ولم يقرأ لهم حقوقهم.” واضاف “ولكن العراق اليوم هو جامعة هارفرد للإرهاب. هل تريد أن تكون إرهابيا؟ إذهب إلى العراق.” وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن قيادة صدام القوية، وهو الذي أبدى إعجابه من قبل بالمزايا القيادية للرئيس الروسي فلاديمير بوتن. وصباح اليوم التالي أشارت وسائل الاعلام بشكل عابر لانتقادات ترامب لكلينتون، وأبرزت ثناء ترامب على صدام حسين. وسارعت حملة كلينتون لإدانة ترامب وثنائه غير المسؤول على الطغاة ووحشيتهم. المفارقة هي أن ترامب يدعي دائما أنه عارض غزو العراق، ولكن الواقع عكس ذلك لأن ترامب بالفعل وافق على غزو العراق في مقابلة تلفزيونية.
وفي اليوم التالي لبيان كومي، خاض ترامب معركة جانبية ودونكيخوتية بامتياز أبعدت كلينتون وحملتها عن دائرة الضوء وذلك حين دافع بعصبية وانفعال واضحين عن منشور دعائي اعتبر معاديا للسامية لاستخدامه لنجمة داوود السداسية على خلفية صور للدولار وصورة لكلينتون “الفاسدة”. ومرة أخرى اصبح المنشور ودفاع ترامب عنه دون أن يبدي أي حساسية لمشاعر اليهود بالتحديد، محور نقاش طويل في وسائل الاتصال الاجتماعي والبرامج الحوارية التلفزيونية. وكما تعرض ترامب للانتقادات من مختلف الأطراف ومن بينهم اعضاء وقادة حزبه لثنائه على صدام،وكان كن تعرض أيضا لانتقادات مماثلة في أعقاب المنشور المعادي للسامية.
الهجوم الجمهوري المضاد
سارع الجمهوريون إلى انتقاد توصية كومي بشدة، وطالت بعض الهجمات شخص كومي المعروف بأنه جمهوري، وقال رئيس مجلس النواب بول رايان إنه يريد معرفة كيف توصل كومي إلى استنتاجه بأنه لا توجد هناك ادلة كافية – تحديدا وجود نية سيئة لدى كلينتون لانتهاك القانون عن قصد– وطالب مع غيره من قادة الكونغرس ولجانه بتنظيم جلسات استماع يمثل فيها كومي ووزيرة العدل لوريتا لينش امام لجان الكونغرس التي يسيطر عليها الجمهوريون لشرح اسباب عدم ملاحقة كلينتون قضائيا. وهذا تطور آخر يؤكد ان مسألة جهاز كلينتون الإلكتروني الخاص ورسائله السرية –البعض يصف هذه المسالة بالفضيحة– سوف تبقى حية حتى الثامن من نوفمبر المقبل حين يختار الاميركيون رئيسهم الجديد او رئيستهم الجديدة.
ومن المتوقع أن يقوم الحزب الجمهوري، وربما قبل حملة ترامب بهجوم مضاد وسريع لمحاصرة كلينتون وابقائها في موقع دفاعي، ولإستخدام مأزق كلينتون لجمع التبرعات من ممولي الحزب. ومن المتوقع أن تستخدم هذه الحملة أسلوبا مماثلا لأسلوب مدير “الأف بي آي”، كومي من خلال تفنيد انتقادات كلينتون لترامب الواحدة تلو الآخرى. وإذا كانت كلينتون تتهم ترامب بأنه يفتقر إلى الحكمة والتأني وبأنه يميل للتهور والإنفعال، هل تستطيع بعد الان التشكيك بقدرات ترامب على اتخاذ القرارات الصحيحة، أو القول بأنه غير مؤهل للرئاسة؟ وبعد ساعات من بيان كومي قالت كلينتون في مهرجان إنتخابي شاركها فيه للمرة الأولى الرئيس أوباما “هل تستطيعون تخيل ترامب جالسا في المكتب البيضاوي عندما ستواجه بلادنا أزمة جدية؟” وسوف تضطر كلينتون قريبا للإجابة على السؤال الحتمي التالي: “كيف يمكنك التوفيق بين انتقاداتك لترامب بعد أن اتهمك مدير “الأف بي آي” انت وفريقك بأنكم كنتم “مهملين بدرجة كبيرة في تعاملهم مع معلومات حساسة للغاية وسرية؟” وفي هذه المعركة الدعائية الجديدة لن تكون كلينتون فعالة في تذكير الناخبين بأن لديها خبرة في شؤون الأمن القومي وأن ذلك يؤهلها لرئاسة وحماية الولايات المتحدة بعكس دونالد ترامب. والأهم من كل ذلك، هو أن مسألة جهاز كلينتون الألكتروني الخاص ورسائله السرية، سوف تذكر الأمريكيين مرة أخرى بأن لهيلاري وبيل كلينتون تاريخ حافل بالفضائح، وبأنهم يتصرفون دائما وكأن لديهم حصانة ضد القوانين.
… ورد هيلاري كلينتون
بعد أن أفلتت كلينتون من قبضة القانون، سوف تستأنف بجهد كبير حملتها ضد ترامب انطلاقا من مبدأ الهجوم هو أفضل وسائل الدفاع، ولكن أايضا بهدف استفزازه ودفعه لاتخاذ مواقف من الصعب تبريرها أو الدفاع عنها. واسلوب ترامب الغريب، بدءا من استخدامه المفرط لتويتر، وخطبه الإرتجالية، واعتماده على فريق صغير من المساعدين، وحتى هؤلاء نادرا ما يستطيعون لجمه، يعني أن الهفوات والكبوات سوف تستمر، كما رأينا في الدفاع عن صدام حسين أو المنشور المعادي للسامية، أو مهاجمة مدير “الأف بي آي” كومي لأنه لم يتقدم بتوصية بملاحقة كلينتون قضائيا. وآخر نظرية مؤامرة طرحها ترامب هي أن اعداء الولايات المتحدة لديهم “ملف ابتزاز” بشأن هيلاري كلينتون. وإذا واصل ترامب وغيره من الجمهوريين مواصلة الهجمات ضد كومي، والتركيز على أن المؤسسة السياسية فاسدة، فإن ذلك سينهك ترامب في معاركه الجانبية، ويبقي الأضواء بعيدة عن كلينتون. الأسابيع القليلة المقبلة ستقرر إلى حد كبير أي من المرشحين سوف يقترب من الشوط الأخير وهو في حالة جيدة تنظيميا وماليا، لأنه خلال هذه الفترة سوف يُعقد مؤتمرا الحزبين وسيختار كلا المرشحيْن نائبه، ويطرح برنامجه الحزبي.
ويقول أنصار هيلاري كلينتون، أنه إذا ألقت خطابا هاما في المؤتمر، واختارت نائبا جديرا بالمنصب ومؤهل للرئاسة، واخيرا إذا كان ادائها جيدا أو ممتازا في المناظرات الرئاسية التي ستلي المؤتمرات، ( وكلينتون كما رأينا في مناظرات سنة 2008 وضعت أوباما في موقع دفاعي ضعيف) فإن المشككين بها الآن سوف ينسون هذه الأيام الصعبة، والخيار قبل ساعة الحسم سوف يكون بين كلينتون مع كل مشاكلها وهفواتها، وبين ترامب المتهور والمحدود الأفق سياسيا وثقافيا والذي سوف يكون مسؤولا عن الترسانة النووية الأمريكية. انصار كلينتون يقولون إنهم إذا نجحوا في وضع الناخبين أمام هذا الخيار البسيط وغير النظري، فإن ذلك سيحسم المعركة لصالح كلينتون وليس لترامب، الأمر الذي يعني أن ترامب قد ساهم دون قصد بقراراته الغريبة ومواقفه الاستفزازية في ايصال هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض.