في الكلمة الافتتاحية لمعرض لييب (LEAP) 2022 في الرياض، أعلن وزير الاتصالات وتقنية المعلومات عبد الله السواحة عما يزيد عن 6.4 مليار دولار من الاستثمارات السعودية في التقنيات المستقبلية. تشمل هذه الاستثمارات دعم رواد الأعمال، والمساهمة في توسيع القطاع الرقمي وخدمات الكلاود (cloud) الإلكترونية، وتمويل الرياضات الإلكترونية والألعاب – وهي صناعة تتنامى بشكل سريع في المملكة.
تعمل الاستثمارات في مجال الرياضات الإلكترونية والألعاب على الارتقاء بخطط التنويع الاقتصادي للدولة المرتبطة برؤية 2030، ولكنها تُعد أيضًا استجابة مباشرة من الحكومة السعودية لتنمية ثقافة الألعاب. وعلاوة على العائدات الاقتصادية، هناك مصالح اجتماعية وثقافية وراء قطاع صناعة الألعاب في السعودية.
تنويع الإيرادات
تتمثل إحدى ركائز رؤية 2030 في النهوض بالصناعات غير النفطية في محاولة لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن العائدات الهيدروكربونية. وتتمثل إحدى الاستراتيجيات في الاستثمار في مصادر الإيرادات غير التقليدية، مثل الألعاب والرياضات الإلكترونية. يُقصد بالألعاب ممارسة ألعاب الفيديو، في وجود جمهور أو من دونه، بينما تركز الرياضات الإلكترونية على ألعاب الفيديو الاحترافية والتنافسية، عادةً تكون في وجود الجمهور. وفي حين أنه من الممكن أن تكون الألعاب تنافسية، إلا أن التنافس في الرياضات الإلكترونية ينطوي على مخاطر عالية ومكافآت عالية – مع بقاء فائز واحد فقط.
تشهد صناعة الألعاب، التي تشمل كلاً من ألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية، نموًا سريعًا في السعودية. فبلغ حجم سوق الألعاب السعودي مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 6.8 مليار دولار بحلول عام 2030. وبكونها أكبر سوق في المنطقة، تعتبر السعودية القوة المحركة للألعاب في الخليج. وتعد الإمارات العربية المتحدة ومصر المنافستين الإقليميتين التاليتين، حيث وصلت إيراداتهما إلى 520 مليون دولار و172 مليون دولار في عام 2021 على التوالي. ومن المتوقع أن تحقق الدول الثلاث مجتمعة 3.1 مليار دولار من إجمالي إيرادات الألعاب بحلول عام 2025.
حظيت الرياضات الإلكترونية العالمية بأكبر جمهور لها على الإطلاق في عام 2021، حيث بلغ حجم المشاهدة 465.1 مليون شخص – بزيادة قدرها 6.7٪ عن العام السابق. ومن المتوقع أن تقفز الإيرادات التجارية للرياضات الإلكترونية بنسبة 50٪ تقريبًا لتصل إلى 1.62 مليار دولار في عام 2024، من 1.08 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لبيانات شركة ستاتيستا (Statista). وعملت هذه الزيادة المتوقعة في الإيرادات على تشجيع الاستثمار المستمر في صناعة الرياضات الإلكترونية. على سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت مؤسسة فيز كلان (FaZe Clan)، وهي مؤسسة محترفة في الرياضات الإلكترونية والترفيهية، أنها سوف تُطرح للاكتتاب العام من خلال شركة استحواذ ذات أغراض خاصة بقيمة مليار دولار – وهي المرة الأولى التي تقوم فيها مؤسسة للرياضات الإلكترونية بتجميع رأس مال من السوق العامة. بعد بضعة أشهر، تعاونت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية مع أكاديمية تصميم الألعاب ديجي بن (DigiPen) لإطلاق برنامج رواد الألعاب. تم تصميم البرنامج لتوفير مسارات وظيفية فريدة لرواد الأعمال في صناعة الألعاب السعودية، وزيادة عدد شركات الألعاب الناشئة المستقلة. تقوم هذه المبادرات على عمليات شراء لشركات ألعاب فيديو قامت بها المملكة في الماضي، مثل الاستثمار في إس إن كي، وهي شركة يابانية لنشر ألعاب الفيديو، من قبل مؤسسة مسك التابعة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
تشير مشاركة صندوق الثروة السيادية في السعودية وصندوق الاستثمارات العامة في صناعة الألعاب إلى أهمية هذه الألعاب المتزايدة بالنسبة للمملكة. في أواخر يناير/كانون الثاني، أطلق صندوق الاستثمارات العامة مجموعة سافي للألعاب من أجل تطوير صناعة الألعاب. استحوذت المجموعة، التي يترأسها محمد بن سلمان، على شركة إي إس إل للألعاب، وهي شركة ألمانية لإنتاج وتنظيم الرياضات الإلكترونية، وعلى فييست (FACEIT)، وهي منصة بريطانية للرياضات الإلكترونية. ووفقًا لبيان صندوق الاستثمارات العامة، فإن هذه الانطلاقة تهدف إلى “توفير فرص تنموية وتعزيز لتنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي وفقاً لأهداف رؤية 2030”.
كما استحوذ صندوق الاستثمارات العامة على حصة تبلغ قيمتها حوالي 332 مليون دولار في شركة كابكوم (Capcom) اليابانية صاحبة الامتياز في تصنيع لعبتي فيديو، وحصة أخرى بقيمة 883 مليون دولار في شركة يابانية أخرى، وهي شركة نيكسون (Nexon) التي تقدم الألعاب عبر الإنترنت. كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامة، الذي كان يعمل على تجميع حصص له في الألعاب والرياضات الإلكترونية على مدار العامين الماضيين، حصصًا في ثلاثٍ من الشركات الأمريكية لألعاب الفيديو وهي: Electronic Arts، وTake-Two Interactive Software، وActivision Blizzard.
تنامت الاستثمارات السيادية في صناعة الألعاب في السعودية بشكل متسارع، ومن المتوقع أن تستمر في الزيادة. يتم تشجيع هذه الاستثمارات، جزئيًا، من خلال زيادة شعبية الألعاب والرياضات الإلكترونية. ووفقًا لإحدى الدراسات الحديثة، يعتبر حوالي 50٪ من السعوديين أنفسهم لاعبين منتظمين، حيث يلعبون أكثر من مرة في الشهر. وتضمنت دراسة أخرى عددًا أكبر من اللاعبين المتعطشين للعب، حيث تضم المملكة حاليًا 23.5 مليون من عشاق الألعاب المتحمسين – وهو ما يقارب 67٪ من السكان. وفي حين أن أغلبية السكان يمارسون ألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية كهواية، إلا أن هنالك عددًا صغيرًا، لكنه متزايد، من المحترفين، مع حوالي 100 لاعب محترف في الرياضات الإلكترونية.
ثقافة الألعاب
بالإضافة إلى التنويع الاقتصادي المتزايد، تعكس استثمارات الدولة في الألعاب والرياضات الإلكترونية زيادة اهتمام الصناعة بالمصالح الثقافية، وتمكين الشباب السعودي من المشاركة في الألعاب والرياضات الإلكترونية.
مع ازدياد شعبية الألعاب والرياضات الإلكترونية في البلاد، تتزايد كذلك بطولات الرياضات الإلكترونية ومسابقات الألعاب. فعقد الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية أولى بطولات الرياضات الإلكترونية والألعاب في عام 2020 وخطط للمزيد من البطولات. ويتم استضافة بطولات أخرى من قبل منصات خاصة مثل ألعاب كفو قيمز (Kafu Games) السعودية.
كما سافر العديد من اللاعبين السعوديين إلى الخارج للمشاركة في البطولات الدولية. في عام 2015، أصبح عبد العزيز الشهري أول سعودي يفوز بكأس العالم التفاعلية في الفيفا. ثم في عام 2018، تبعه مساعد الدوسري وتوج ببطولة الفيفا لكأس العالم في كرة القدم الإلكترونية، كما فاز بالمركز الأول في بطولة كأس بطل الفيفا لعام 2019. وفازت نجد فهد، في عام 2020، ببطولة الاتحاد الدولي للألعاب الجامعية ((FISU في تحدي الرياضات الإلكترونية للسيدات، وهي إحدى مسابقات فيفا 2020، وأصبحت بذلك أول امرأة سعودية تفوز بلقب كرة القدم الإلكترونية. ويتزايد الطلب على البطولات الإلكترونية إلى ما هو أبعد من العدد المتزايد للاعبين، حيث يستمر الجمهور الحقيقي والافتراضي في التنامي، وتكتسب مشاهدة الرياضات الإلكترونية وألعاب الفيديو شعبية باعتبارها أحد أشكال الترفيه.
ولتحفيز تنمية هذه الصناعة بشكل أكبر، شرعت الحكومة السعودية كذلك بالعديد من المبادرات لدعم اللاعبين الطموحين، ولاعبي الرياضات الإلكترونية، والمبرمجين. فعلى سبيل المثال، منحت الهيئة العامة للمنافسة في السعودية الموافقة لمشروع نيوم ومجموعة قنوات إم بي سي على إنشاء أستوديو لألعاب الفيديو وأكاديمية للرياضات الإلكترونية كجزء من تطوير مدينة نيوم الذكية. وتهدف كلتا المبادرتين إلى توفير الموارد للاعبين الطموحين وتشجيع المنافسة. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المعسكر التدريبي طويق 1000، التابع لأكاديمية طويق، دورات للمبتدئين المهتمين بتعلم كيفية البرمجة وللمحترفين الذين يرغبون في صقل مهاراتهم في البرمجة.
على الرغم من كل هذه المبادرات، فإن هنالك حدودًا لدعم الدولة لهذه الصناعة. فاللاعبون المئة المحترفون للرياضات الإلكترونية في البلاد يشكلون 0.005٪ فقط من اللاعبين على مستوى العالم. لدى الولايات المتحدة وفرنسا شريحة تبلغ ستة أضعاف من اللاعبين المحترفين مقابل الهواة، ولدى كوريا الجنوبية ثمانية أضعاف ذلك العدد. يواجه ممارسو الألعاب السعوديون والمنافسون في الرياضات الإلكترونية العديد من العراقيل البنيوية والمجتمعية، مثل الوصول إلى الموارد والوصمات الاجتماعية السلبية التي تتجاهل كلاً من ألعاب الفيديو واللاعبين. حتى في الوقت الذي تستثمر فيه الحكومة السعودية في البطولات وفصول البرمجة، وغيرها من مظاهر صناعة الألعاب، لا تزال المسابقات المحلية نادرة. كما يوجد نقص في التمويل الحكومي للمتنافسين المتفرغين، لذلك لا يوجد طريق واضح لتصبح لاعبًا محترفًا، خاصة مع الوصمات الاجتماعية السلبية السائدة في المجتمع، التي تعتبر احتراف الألعاب خيارًا مهنيًا غير مقبول وغير منطقي. ومع ذلك، يجد اللاعبون السعوديون طرقًا للتغلب على هذه العراقيل ويعملون ببطء على تطوير ثقافة الألعاب في المملكة.
مكانة في صناعة معولمة
تعمل زيادة الاستثمارات المالية والاجتماعية في الألعاب والرياضات الإلكترونية على منح السعودية الفرصة للاستفادة من صناعة عالمية سريعة النمو وتعزيز سمعتها الدولية. وبدعم قوي من الدولة، يتم تشجيع اللاعبين السعوديين على زيادة مشاركتهم في هذه الصناعة، وإيجاد طرق جديدة للتفاعل مع نظرائهم على المستوى العالمي، ما من شأنه أن يرتقي بالتغيير المؤثر الذي أحدثته الألعاب على ثقافة الشباب السعودي. ومن المرجح أن تتلقى صناعة الألعاب دعمًا متزايدًا من الحكومة السعودية، والمزيد من المشاركة من المواطنين والمقيمين، واهتمامًا أكبر من الشركات الخاصة خلال السنوات المقبلة.