من خلال مقاطع الفيديو والبودكاست والبرامج التعليمية المبتكرة على موقع اليوتيوب، يشجع أستاذ جامعي عُماني متخصص في الاقتصاد الجزئي مناقشة مستنيرة حول قضايا رئيسية، مثل التنويع الاقتصادي وتوظيف الشباب.
لقد كثفت دول الخليج من استثماراتها في كلٍ من التعليم العالي والتنمية الاقتصادية. ومع ذلك لا تزال هناك حاجة لإعادة النظر والتوفيق في العلاقة بين الاثنين.
من الناحية التاريخية، يعود تطوير البنية التحتية للتعليم، وما يصاحبها من إصلاحات تعليمية إلى المراحل الأولى من قيام الدول الخليجية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. في العقدين الماضيين، زادت دول الخليج من شراكاتها مع الجامعات الأجنبية، وذلك باستضافة فروعٍ لهذه الجامعات، وتلبية الاحتياجات التعليمية المتزايدة، حيث اكتسب الدافع نحو التنويع الاقتصادي والاقتصادات القائمة على المعرفة زخماً أكبر. ولا تزال النقاشات حول جدوى وإمكانية تنفيذ مشاريع التنويع الاقتصادي، بالإضافة إلى تحفيز القطاع الخاص المدعوم محلياً تتصدر العناوين الرئيسية، حيث تميل النقاشات إلى التركيز على عدم توافق مهارات الأجيال الشابة وإحتياجات سوق العمل.
الأهداف التنموية لدى دول الخليج متشابهة، وخاصة فيما يتعلق ببناء القدرات المحلية والموارد البشرية. وينعكس هذا على استراتيجيات الرؤية طويلة الأمد لحكومات الخليج وسياسات تأميم القوى العاملة المحلية. إن تشغيل المواطنين وتقليل الاعتماد على القطاع العام في إيجاد فرص عمل يعتبران من الأولويات المشتركة والملحة.
وهذا ما يثير قلق الجيل الجديد بشكل خاص، بما أنهم يواجهون معدلات عالية من البطالة. وارتفعت أكثر فأكثر أصوات الكتاب والباحثين الخليجيين فيما يتعلق القضايا الغير مستكشفة في فهم هذه التحديات الأساسية، مثل تحديات توظيف الشباب، وغيرها من القضايا الاقتصادية وذلك لتوفير تفسيرات أكثر دقة عن الحالة الإقتصادية في الخليج . وتشتمل الموضوعات على التصورات الثقافية تجاه قيمة التعليم والخبرات الدولية، بالإضافة إلى تأثير البنى الاقتصادية القائمة على سلوكيات سوق العمل المحلية.
للتعرف على تصوره حول القضايا الرئيسية للتنويع الاقتصادي وتوظيف الشباب في دول الخليج، تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع عبد الله البحراني، الأستاذ المشارك في الاقتصاد ومدير مركز تعليم الاقتصاد في جامعة شمال كنتاكي، يعتبر البحراني أيضاً صوتاً صاعداً في سلطنة عمان.
إن تفاني عبد الله في تعليم الطلبة الشباب حول الاقتصاد التطبيقي يتجاوز واجباته اليومية كأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية. فهو يتفاعل بشكل استباقي مع جمهوره العماني. من إنشاء سلسلة مقاطع فيديو على منصة يوتيوب والمشاركة في انتاج البودكاست، إلى تصميم وتقديم برامج تعليمية مبتكرة مثل المخيمات الصيفية للبيانات وألعاب إيكون (Econ Games) على موقعه الخاص ، إنه لمن الصعب عدم ملاحظة شغف عبد الله في نشر معرفته.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما الذي دفعك للتخصص في الاقتصاد؟
عبد الله: لم يكن في الحقيقة سعياً مقصوداً وراء التخصص في مجال الاقتصاد. كوني مواطناً عُمانياً متأثراً بالثقافة المحلية، كان يُتوقع مني أن أصبح طبيباً أو مهندساً. كانت لدي خلفية جيدة في الرياضيات، لذلك كان الميل الأولي دائماً نحو متابعة الهندسة. لذلك، درست الهندسة الكيميائية لمدة ثلاث سنوات، عازماً على العودة إلى عمان للعمل في صناعة النفط، تماماً مثل معظم الطلبة العمانيين في ذلك الوقت. ولكن انتهى بي الأمر بأنني أخذت دورة اختيارية في الاقتصاد خلال عامي الثالث في الجامعة. أحببت المساق، واكتشفت أنها توضح الكثير من الأشياء التي تحدث حولي. لذلك، أخذت مساقين آخرين, وغيرت تخصصي بسرعة إلى الاقتصاد.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما الذي ألهمك لتصبح مؤيد لأهمية تعليم الاقتصاد؟
عبد الله: أنهيت دراستي الجامعية، ثم سعيت للحصول على درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية في واشنطن، العاصمة، عازماً على الالتحاق ببرنامج الدكتوراة مباشرة بعد ذلك. عندما أنهيت دراسة الماجستير، كانت تلك هي الفترة التي شهدت ازدهار صناعة الإسكان في الولايات المتحدة، وكان لا بد لي من انتهاز فرصة العمل في هذه الصناعة. توقفت عن الدراسة لمدة ثلاث سنوات لاكتساب خبرة مهنية في الولايات المتحدة. رأيت أشخاصاً يتخذون قرارات دون المستوى الأمثل في صناعة الإسكان، على عكس ما تعلمت أثناء دراستي، ولم أستطع فهم سبب ذلك. كانت تلك هي الفترة التي أدركت خلالها أن العديد من الأشخاص يفتقرون إلى المهارات في عملية صنع القرار لتقييم ما يحدث في الاقتصاد. وأدركت كذلك أنها لم تكن مشكلة أمريكية فقط، وأن الكثير من الناس لا يعرفون كيف يتعاملون مع المناخ الاقتصادي. وهكذا قررت متابعة الدكتوراه. منذ ذلك الحين، كانت مهمتي في الحياة هي زيادة الوصول للتعليم الاقتصادي والمعرفة المالية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي التحديات التي واجهتك في أبحاثك الخليجية؟
عبد الله: باعتباري متخصص في الاقتصاد الجزئي التطبيقي، يعتمد عملي البحثي، بشكل كبير، على الوصول للبيانات. وهذا شيء نفتقر إليه في الخليج: الشفافية والوصول للبيانات، وخاصة بيانات صنع القرار. فيصبح من الصعب تقييم السياسة – ويصعب تقييم تأثير السياسة إذا لم تحصل على البيانات. فتعتمد في نهاية المطاف على النظريات الاقتصادية فقط. ويصبح من الصعب عليك تطبيق ذلك على السياق المحلي. وقد اتخذت هذا الموقف علانيةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال المقالات التي كتبتها.
معظم الأبحاث والكتب الدراسية التي نقرأها هي إما أمريكية أو غربية. لكن ماذا يعني إلغاء قوانين الحد الأدنى للأجور في عمان؟ وكيف سيؤثر ذلك على المواطن العماني؟ لسنا بحاجة لمعرفة ما يحدث في واشنطن، العاصمة؛ نريد أن نعرف ماذا يحدث لأحمد في مسقط، عُمان. أعتقد حقاً أننا سوف نستفيد أكثر لو قام الباحثون بطرح الأسئلة حول قضايانا المحلية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي التحديات الخاصة التي يواجهها طلبة الخليج في الدراسة وإيجاد الفرص في الخارج؟
عبد الله: أريد أن أبرز عنصرين اساسيين لهذا السؤال لأنه متعدد المستويات. المستوى الأول يأتي من جانب الطلب، وبالتالي فإن الشركات العالمية ، الأمريكية على سبيل المثال، تتردد في توظيف الطلبة الدوليين لأنها تخشى عملية الأوراق والمعاملات الدولية. عندما كنت أبحث عن فرصة تدريب عملي، وكان ذلك بعد 11 سبتمبر/أيلول مباشرة، لم يكن محتمل توظيف عبد الله البحراني من قبل أي شخص، أليس كذلك؟
ولكن هناك أيضاً جانب العمالة، والذي يتعلق بالطلبة أنفسهم. عندما تغادر وطنك لتدرس في الخارج، فإن النصيحة دائماً هي أن تلتزم بهدفك، “لا تفعل أي شيء، فقط ركز على دراستك”. أعتقد أن لهذه النصيحة نوايا حسنة، لكن تطبيقها يصبح سلبياً. وما يحدث في نهاية المطاف هو أن الطلبة الخليجيين أو الأجانب يميلون إلى عزل أنفسهم. من الواضح أنني أعمم هنا. قد لا ينطبق هذا على الجميع. لكن في المتوسط، وحسب تجربتي وما أراه هو أن الطلبة يريدون فقط الحصول على الدرجة العلمية. حتى وإن توفرت فرصة التدريب العملي، فإن أعضاء هيئة التدريس لن يوصوا بطالبٍ لا يرونه حولهم، طالب فقط يحضر الصفوف ويغادر.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل هناك تغيير في التوجه نحو التعليم واكتساب المعرفة في عمان؟
عبد الله: علينا تقييم ماذا نعني بالتعليم. ما هي الغاية من التعليم؟ فيمكن تعريف التعليم بطرق مختلفة من قبل أناس مختلفين.
تاريخياً، في عمان، وحتى وقتٍ قريب، كان الحد الأدنى من الأجور يرتبط بشكل مباشر بعدد السنوات التي أمضيتها في التعليم، أو على الدرجة العلمية التي تحملها. خبراء الاقتصاد في مجال العمل يقولون إن هنالك علاقة إيجابية بين التعليم والدخل. ولكن قوانين ميزان المدفوعات والحد الأدنى للأجور في الخليج قد قيدت ذلك بشكل صارم. وهذا النهج يجعلك تغفل أهمية التعلم لغرض المعرفة.
أرى ذلك في ألعاب إيكون ومخيمات البيانات التي أقدمها. يخبرني الطلبة الذين أعرفهم شخصياً قائلين: “أشكرك دكتور عبد الله، ولكنه ليس لدي الوقت الآن”. من الواضح أنني لا أعتبر ذلك أمراً شخصياً، ولكنني أقلق عندما أفكر في الفرص الأخرى التي تقدم لهم ويفوتونها.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف تشجع الشباب على الانتقال إلى القطاع الخاص؟
عبد الله: يحتل الموظف الحكومي منزلة رفيعة مقارنة بموظفي القطاع الخاص. كخريج، فإن أول ما تسمعه عند عودتك إلى وطنك هو: “متى ستحصل على تلك الوظيفة الحكومية؟” فنستمر في تعزيز جهود الحكومة أو هيمنتها، لكن الحكومة لا تستطيع أن تتحمل النشاط الاقتصادي برمته. في عمان، تكمن المشكلة في كيفية تنمية الصناعة الخاصة، من صناعة صغيرة مزدهرة إلى مشروع صناعي متوسط الحجم. حسنًا، وللقيام بذلك، يجب عليك تغيير ثقافة 50 عاماً، حيث قلنا إن ريادة الأعمال أمرٌ محفوف بالمخاطر، وعندما تكون وظيفتك محفوفة بالمخاطر، فلن يرغب أحد في الزواج منك، ولن تنجح.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما رأيك في سياسات التأميم مثل التعمين [Omanization]؟
عبد الله: من وجهة نظر سياسية اجتماعية، أتفهم سبب التوجه نحو التعمين كسياسة. ومن وجهة نظر اقتصادية وتعليمية، فالتعمين ليس هو الحل، لأنك تقلل من المنافسة. وهذا في الواقع يزيد من صعوبة تقييم التعليم والمهارات التي تطورها، وينصب تركيزك فقط على جنسيتك للحصول على الوظيفة. وهذا لا ينصف مقدمي الطلبات والعمالة الأجنبية، والاقتصاد ككل، لأن ذلك يقلل من إمكانية الابتكار.
الآن، أعتقد أن هناك حاجة إلى إلقاء نظرة على سوق العمل وتقييم ما إذا كان يجري هنالك أي تمييز. هل هناك أي سياسات تفضل توظيف العمالة الأجنبية على العمالة المحلية؟ منذ ثمانينيات القرن الماضي ونحن نتعامل بالتعمين. وقد ازدادت المشاكل سوءاً. أفضل أن أرى المزيد من الاستثمار في محاولة فهم ديناميكيات سوق العمل بالكامل.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل تعتمد الدول الخليجية كثيرًا على الخبرات الغربية في المجال الأكاديمي والتجاري؟
عبد الله: أنا أناضل ضد هذا التفريق. أناضل ضد التفريق بين ما هو غربي ومحلي ووافد، وكل هذه اللغة الانفصالية. لا أعتقد أن أحداً في عالم اليوم يمكن أن ينجح فقط بمواهبه المحلية. فمع وجود العولمة، نحتاج لاستيراد أكبر قدر ممكن من الإبداع. فمن وجهة نظري، أنا أرحب بسياسات الهجرة المفتوحة. كل ما يجب على الاقتصادات والحكومات أن تفعله هو جذب المواهب. ومع ذلك، فإن المشكلة التي ستنشأ هي عندما يتم دعم والاستثمار في الشركات الدولية على حساب الشركات المحلية. وهذا هو المجال الذي نريد أن نلقي فيه نظرة على البيانات، لفهم السلوك الفعلي.
السوق متغير، خاصةً سوق التعليم العالي. ويعزى ذلك جزئياً إلى الظرف الذي تسبب به فيروس كورونا. ويعزى الجزء الآخر إلى وضع أسعار النفط. سوف نضطر لإنفاق المزيد من الأموال محلياً على تحسين المهارات. ما يعني أنه يتعين علينا الاستثمار أكثر في مؤسساتنا المحلية لكون السفر إلى الخارج للدراسة الآن سيكون احتمالاً ضعيفًا. أو سنقوم باستيراد المزيد من المواهب للتدريس، وهذا له محاسن ومساوئ. التحدي في كل هذا يكمن في ابتعادنا عن التجارب الدولية، وهذا أحد المجالات التي أشعر بالقلق تجاهها.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.