شكّل قرار الملك سلمان بن عبد العزيز بتعيين نجله، محمد بن سلمان، وريثاً له في الحكم، ووضعه في مكانة فوق كبار المنافسين البارزين، نقطة تحول حاسمة في تاريخ المملكة العربية السعودية. ولكن ملك السعودية ليس الحاكم الوحيد في الخليج الذي يناصر ذريته. شهدت ثلاث دول أخرى، خلال الأشهر الستة الماضية، عملية تعزيز لخط التوريث الأبوي المباشر للحكم. في البحرين، قام العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتعيين نجله، ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة رئيساً للحكومة عقب وفاة عمه خليفة بن سلمان آل خليفة، والذي شغل منصب رئيس الحكومة لفترة طويلة. وفي عُمان، قام السلطان هيثم بن طارق آل سعيد بتعديل القانون الأساسي باستحداث منصب ولي العهد، وأعلن تعيين ابنه ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد، البالغ من العمر 31 عاماً، ولياً للعهد. وفي إطار بنية النظام السياسي، المتعددة، في الإمارات العربية المتحدة، فإن ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، يعمل على تمكين ابنه، خالد، من خلال تعيينه في مناصب هامة في حكومة أبوظبي جاعلاً إياه في مكان خليفته المفضل له.
لا يبدو هذا مفاجئاً للكثير من المراقبين. فمن هو الملك الذي لا يهيئ ابنه للحكم؟ ولكن في سياق العادات في دول الخليج العربية، فإن كونك الابن البكر ليس هو المعيار المعتمد في وراثة الحكم، وهو ليس كذلك حتى في الفترة الحالية على الأقل. وبدلاً من ذلك، فإن اختيار حكام المستقبل من بين مجموعة مستبعدة من المرشحين كان غالباً يتبع مسألة الأقدمية في العمر، مع إعطاء الاعتبار للجدارة في الخدمة، والنجاح الواضح في بناء تحالف عائلي داعم. غالباً ما ينتج عن ذلك انتقال أفقي للسلطة، انتقال الحكم من أخ لأخيه، كما في السعودية، أو من ابن عم لابن عمه، كما هو الغالب في الكويت. والواقع أنه كان من الشائع التندر على رؤساء الجمهوريات العربية لأنهم أكثر حرصاً من الملوك العرب على تسليم السلطة لأبنائهم.
إذاً ما الذي يفسر هذا التحول في اتجاه توريث الحكم للأبناء؟ وما هي انعكاسات هذا التحول الجيلي الجديد في مسألة خلافة الحكم؟
إن مشاركة السلطة واتخاذ القرارات بشكل توافقي عند الأسر الحاكمة ارتبط بشكل وثيق بتأسيس الدول المعاصرة. وكما تم شرحه في كتاب مايكل هيرب عن المؤسسات: “الكل في العائلة”، فإن ملوك الخليج انتقلوا من الشك في أقاربهم، والذين يمكن أن يكونوا منافسين أشداء، إلى قبولهم كحلفاء فقط مع تمدد الدولة المعاصرة. وبدأ الحكام باستخدام المناصب الشرفية كحوافز ترضية للمنافسين المرفوضين، وكأسلوب لرؤية أشقائهم كموارد يمكن أن يكونوا مفيدين في عمليات الحكم.
وبمرور الوقت منذ تأسيس الدولة، فإن أعداد هذه المناصب لم تواكب الزيادة في عدد الباحثين عن السلطة من أبناء العائلة الملكية. وباستمرار، فإن التكنوقراط والموالين يتولون كل الوزارات ما عدا السيادية منها، حتى إن بعض هذه الوزارات قد تم إعطاؤها لأشخاص من غير أبناء العائلة الملكية. إن تضييق تحالفات السلطة، التي تتبع أفراد العائلة الحاكمة، يقترن بحتمية جديدة في طرق اختيار الذرية الحاكمة. وقد أصبح هذا أكثر وضوحاً مع مضي الجيل المؤسس، وهي حقيقة أكثر وضوحاً في العربية السعودية، والتي وصلت أخيرًا للحدود البيولوجية للأبناء الكُثر للملك المؤسس عبد العزيز بن سعود. وفي هذه المرحلة، فإن الانتقال للجيل التالي أصبح حتمياٍ، وتصبح رغبة الحاكم في تأمين الحكم لذريته لا تقاوم.
لكن توجد أسباب أخرى في قيادة هذا الاتجاه نحو ترسيخ الحكم بمعزل عن منطق الخلافة. إن فن الحكم وإدارة الدولة المعاصر في الفترة المعقدة الراهنة من تعدد القطبية الاستراتيجي وأخر مراحل الرأسمالية العالمية تبدو كأنها تولي الأهمية لأنظمة حكم أكثر مركزية ولاتخاذ قرارات رشيدة. وهذا لا ينحصر فقط في ممالك النفط في الشرق الأوسط. لقد لاحظ المؤرخون الأمريكيون كذلك وجود مسار لتوسيع نطاق السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة.
أن كلا الاتجاهين يساهمان في التحولات الجيلية الناشئة.
إن الاتجاه المعاصر في تولي الحكم على أساس رأسي كان قد بدأ في قطر. فبعد أن استولى على الحكم من والده، في عام 2004 أصدر حمد بن خليفة آل ثاني دستوراً جديداً، حيث أعلن أن خلافة الحكم بعده يجب أن تكون من خلال الذكور المنحدرين من سلالته، وتحديد أحد أبنائه حسب تقديره هو لذلك. ثم قام بتحرك غير معهود بالتنازل عن الحكم في عام 2013، ليضمن الانتقال السياسي- والحكم الطويل الممكن – لابنه، تميم بن حمد. إن ترتيبات وجود أمير حي سابق قد حفزت التخمينات حول أسباب تقاعده ومدى استمرارية تأثير الأمير السابق على اتخاذ القرارات.
الملك سلمان، بطبيعة الحال، تحدى التوقعات والمعايير القائمة منذ زمن طويل لتمكين نجله، محمد بن سلمان، عكس آخرين من العائلة الملكية الأكبر سناً والأكثر تمرساً. إن عدم الارتياح في داخل العائلة السعودية مع هذا التوطيد للسلطة في ذرية سلمان يمكن تحديده بفكرة التنازلات، واعتماد ترقية محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017، وبأن محمد بن سلمان لن يُسمح له بتعيين أحد أبنائه خلفاً له. لكن ذلك لم يمنع محمد بن سلمان من تجميع السلطة في إطار دولة أكثر مركزية، وقد لا يمنعه ذلك، عند تتويجه حاكماً، من تغيير الأحكام، وتغيير من سيخلفه في الحكم، تماماً كما فعل والده وسلف والده، الملك عبد الله بن عبد العزيز.
إن هاتين الحالتين قد بدتا شاذتين. ولكن الاتجاه نحو خلافة الحكم بشكل رأسي قد برز بشكل مؤكد في التحولات السياسية الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية.
حتى عهد قريب، ظهرت البحرين وحيدة في وجود متطلب دستوري لحق الابن البكر في وراثة الحكم، وانتقال الحكم من الأب لابنه الأكبر (مع وجود طريقة لتمكين للملك – خلال حياته – من اختيار أو تعيين ابناً آخر غير الابن الأكبر كخليفة له). ومع ذلك، كان يتعين على ولي العهد، سلمان بن حمد، أن يتعامل مع عمه الأكبر، خليفة بن سلمان، الذي قام بتجميع الثروة والنفوذ السياسي بصفته رئيس الوزراء الأطول فترة على المستوى العالمي. وبوفاة رئيس الوزراء في عام 2020، فقد تولى الوريث منصب رئيس الحكومة، وهو الآن يمسك بمقاليد كل من الحكومة وزمام الحكم المستقبلي. هناك إشارات مبكرة على أنه قد يستخدم سلطته التنفيذية، المعززة، لإضعاف تأثير أبناء الأسرة الملكية الآخرين داخل القصر الملكي وفي قوى الأمن، التي تميل إلى مزيد من التشدد.
في يناير/كانون الثاني، قام سلطان عُمان الجديد، هيثم، بإجراء تغييراته الخاصة على الدستور، وإيجاد منصب ولاية العهد للمرة الأولى، وتعيين ابنه الأكبر، ذي يزن، خلفاً له، وقد شكل ذلك سابقة بطريقتين. بطبيعة الحال، فإن الإمكانية الكلية لإيجاد طريق رأسي مباشرة لتولي السلطة أصبحت متاحة فقط بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد، الذي لم يكن له أبناء. ومع ذلك فإن تعيين أول ولي عهد عماني يعتبر مخالفاً للتقليد الإباضي، الذي يعتبر تسوية خط خلافة الحكم من خلال الذرية أمراً مستهجناً، وبدلاً من ذلك، الاعتماد على الاختيار من خلال الشخصية الصالحة وعامل التقوى.
إن عملية إعادة تنظيم مؤسسات أبوظبي الحكومية خلال الأشهر العديدة الماضية قد أكدت الصعود المطرد لخالد بن محمد بن زايد، الابن الأكبر للحاكم الفعلي لدولة الإمارات في مواقع السلطة. في أكتوبر/تشرين الأول 2019 انضم إلى مجلس أبوظبي التنفيذي، والذي يعتبر الهيئة الحاكمة لأقوى إمارة في دولة الإمارات. ثم في ديسمبر/كانون الأول 2020 انضم إلى مجلس الإدارة التابع للمجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية، وهو هيئة جديدة تشرف على اقتصاد أبوظبي، بما فيها القطاع الحيوي للنفط والغاز. وفي مارس/آذار، تم تعيينه في المجلس، المشكل حديثاً، لشركة النفط الوطنية في أبوظبي، وهي الشركة المملوكة من الدولة والمصدر الرئيسي لثروة الإمارة. وفوق ذلك، فهو رئيس المكاتب التنفيذية لقطاعي السياسة والبترول، وهذا يمنحه خبرة في القيادة ونفوذاً واسعاً في الجوانب السياسية والاقتصادية للإدارة الحكومية.
إن التأثير على كل دولة بعينها لهذا التحول في معايير خلافة الحكم سيعتمد على شخصية الحاكم الجديد وقدراته. ولكن تبدو بعض النتائج معقولة. فبينما يبدو التغيير الفوري بأنه يختبر التماسك داخل بعض الأسر الحاكمة، فإن التأثير الطويل الأجل يمكن أن يجلب المزيد من اليقين للتحولات في السلطة.
كما أن ذلك يسرّع من التحولات على مستوى الأجيال. إن صورة حكام الخليج قد بدأت تتغير، باعتبارهم أصغر عُمراً، وأمراء أكثر شدة، ويحكمون فئات سكانية من الشباب بالقدر نفسه. وبما أن حكام المنطقة يتقبلون معايير خلافة الحكم الجديدة، يبقى أن نرى إلى أي درجة ستعمل هذه المعايير، الممثلة لاتخاذ القرار الموحد والسلطة المركزية للدولة الحديثة، على تحسين الشرعية على المدى البعيد.