على الصعيد العالمي، يسيطر الرجال على تخصصات علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في الجامعات. ومع ذلك، ففي الشرق الأوسط، 40 في المئة من طلبة الجامعات المتخصصين في علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات هنّ إناث. وترتفع النسبة إلى ما هو أعلى من ذلك في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حيث تمثل النساء 70 – 80 في المئة من طلبة علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات مقارنة بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة في الولايات المتحدة. وليس لدى الشابات في الشرق الأوسط اللواتي يتخصصن في علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات أي تصور بأن هذا المجال هو حكر على الرجال.
وتتمثل المهمة الأصعب في ترجمة هذا الاهتمام بدراسات علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في دخول الإناث إلى القوى العاملة. وعلى الرغم من أن عدد الطالبات في جامعات دول مجلس التعاون الخليجي يفوق عدد الطلاب الذكور، إلا أن نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة لا تزال منخفضة (البحرين 44 في المئة، والكويت 47 في المئة، وقطر 58 في المئة، وعُمان 30 في المئة، والمملكة العربية السعودية 22 في المئة، والإمارات العربية المتحدة 41 في المئة). فالأعراف الثقافية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تنص بشكل عام على أن تتوكل المرأة بدور الرعاية، بينما يكون الرجال هم الممولين لأسرهم. كما تنص هذه الأعراف على الحد من التفاعل بين الرجال والنساء في مكان العمل. هذا الإطار الاجتماعي يخلق عائقًا أمام النساء الراغبات في العمل وهذا مكلف: يشير أحد أبحاث صندوق النقد الدولي إلى أن سد الفجوة بين الرجال والنساء في القوى العاملة من شأنه أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12٪ في الإمارات العربية المتحدة.
ومع ذلك، وبالقليل من الدعم الحكومي، فإن لدى التكنولوجيا إمكانيات واعدة لجسر الهوة بين الجنسين في مكان العمل في الخليج. وقد ساهمت فرص العمل غير التقليدية الناشئة عن صعود روح المبادرة والتكنولوجيا في تيسير حلول مبتكرة في العمل. وبإمكان النساء الآن أن يحققن التوازن في الحياة العملية من خلال اختيار أوقات العمل الخاصة أو العمل عن بعد، للتقليل من التفاعل البدني مع الرجال في مكان العمل إلى أدنى حد. وقد واجهت العديد من النساء الخليجيات بالفعل التحدي، بتأسيس شركاتهن التكنولوجية الناشئة والأعمال عبر الإنترنت.
التكنولوجيا الناشئة بقيادة إناث
35 في المئة من أصحاب العمل على الإنترنت في الشرق الأوسط هن من النساء، في حين أن متوسط النسبة العالمية هو 10% فقط. بعد العمل لمدة عشر سنوات في مجال الاستثمار والتحليل المالي والخدمات المساندة، استخدمت وفاء الأشولي أموالها الخاصة لإطلاق شركة “سيرفيس– Serviis“، وهو موقع لربط المستخدمين بخدمات مثل إصلاح الأجهزة وتنسيق الحدائق والتنظيف والدروس الخصوصية والترجمة. ووجدت إيمان بن شيبة فرصة عمل من خلال خلق مساحة للكتاب الإماراتيين. فأسست شركة “سيل- Sail”، وهي مجلة شهرية عبر الإنترنت تصدر باللغة الإنجليزية، وهي إماراتية بالكامل في مضمونها. وتغطي المجلة الممولة ذاتيًّا الموضوعات التي تهم الشباب الإماراتي من أمور الثقافة والمجتمع إلى الموضة والفن والرياضة. وتطورت المجلة لتصبح دار نشر متكاملة بما في ذلك النشر الرقمي على مواقع دولية مثل آي بوكس وكيندل. ولدى “سيل” حوالي 50000 من القراء شهريًّا. أما تسنيم سالم وفلوة السويلم وهما شابتان سعوديتان فلديهما شغف بألعاب الفيديو، وفي عام 2011، أسستا جيكون (GCON)، وهو مؤتمر سنوي لمحترفات الألعاب الالكترونية ومطورات الألعاب يُعقد في الرياض. يوفر جيكون الفرص لمطورات الألعاب للوصول إلى مشاريع دولية، ويشجع المؤتمر أيضًا الشابات على السعي للحصول على مهن في الحاسوب والبرمجية.
يعتبر الخليج، وخاصة دبي، موطنًا للكثير من العمال العرب المهاجرين من ذوي المهارات العالية. وقد قامت دبي ببناء النظام البيئي لتصبح مركزًا ناشئًا للتكنولوجيا في المنطقة بتوفيرها الفرص للمبدعين من جميع الخلفيات. وقد أنشأت النساء العربيات المغتربات في دبي عددًا من أكبر الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في العالم العربي. ومن هذه النساء منى عطايا، مؤسِسة متاجر التجزئة، مومزوورلد (Mumzworld)، الرائدة لسلع الأطفال على الإنترنت في المنطقة، وعلا دودين، مؤسِّسة بِيتأويسيس (BitOasis)، وهي محفظة المستهلك للعملة الرقمية والتبادل المرتكز على الأسواق الناشئة القائمة على النقد. وماريا أبي حنا ونادين طيارة، وهما من أخصائيات التغذية وأسسن معًا بلوتوس، موقع العافية وهو تطبيق على الهاتف المحمول لتوصيل الأغذية الصحية، وقد اختارتا دبي مقرًّا لهما كما فعلت أمبارين موسى، مؤسِسة موقع مقارنة المنتجات المالية، سوق المال.كوم.
لقد استفادت منطقة الخليج من التوجه العالمي الذي يدعم رائدات الأعمال في مجال التكنولوجيا. في حين تشير الدراسات إلى أن النساء عمومًا أكثر كفاءة من الرجال من حيث ادارة رأس المال، إلا أنهن يتلقين حاليًّا نحو 2% من رأس المال الاستثماري. وللتصدي لهذه المشكلة، تشجع شركات التكنولوجيا المزيد من سيدات الأعمال على الإنترنت. على سبيل المثال، أطلق فيسبوك حملة “عازمات على العمل#” #SheMeansBusiness لتدريب سيدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاستفادة من وجودهن على مواقع التواصل الاجتماعي وتطوير أعمالهن.
وبالإضافة إلى ذلك، تشارك فيسبوك مع مركز الشارقة لريادة الأعمال “شراع” ومؤسسة الإمارات في الإمارات العربية المتحدة و”أهيد أوف ذا كيرف” في مصر لتدريب 10000 امرأة سنويًّا على الترويج في سائل التواصل الاجتماعي. وعلى نحو مشابه، أطلقت غوغل حملة #40Forward لزيادة مشاركة الإناث بنسبة 25٪ في 40 من التجمعات الناشئة. وقد صممت الحملة على فكرة أن التنوع هو الأساس في إنشاء شركات ناجحة.
سيدات أعمال وسائل التواصل الاجتماعي
لا تعمل التكنولوجيا على تغيير الطريقة التي تتم بها الأعمال التجارية فقط، وإنما أيضًا لها تأثير عميق على سلوك المستهلك والمجتمع. وقد مكنت مواقع التواصل الاجتماعي النساء من المباشرة بأعمال تجارية في المنزل أو كمشاريع جانبية إذا كن يشغلن وظائف بدوام كامل. الأعمال عبر الإنترنت تغري بشكل خاص النساء اللواتي يعشن في المجتمعات ذات المعايير الثقافية والاجتماعية الصارمة. لدى إنستغرام 63 مليون مستخدم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتبع 70 في المئة منهم حسابات أعمال على الموقع. لدى المملكة العربية السعودية وحدها 11 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو أعلى رقم لنصيب الفرد في العالم. وتشير التقديرات إلى أنه ما بين عامي 2010 و 2014 حصلت 806000 امرأة على المال عبر إنستغرام في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن اكتساب المال عبر إنستغرام لا يتم احتسابه ضمن التوظيف وأعداد القوى العاملة المشاركة، حيث يعتبر هذا جزءًا من الاقتصاد غير الرسمي.
رعاية المرأة الخليجية في عالم التكنولوجيا
تظهر دراسة أجرتها مؤسسة التمويل الدولية في دولة الإمارات العربية المتحدة IFC أن رائدات الأعمال يملن إلى تجنب المخاطرة، ويمولن أعمالهن بشكل رئيسي من خلال مدخراتهن أو بطاقات ائتمانهن، أو من خلال إعادة استثمار أرباح تجارتهن، بدلاً من استخدام القروض المصرفية التجارية. وعلى غرار دولة الإمارات العربية المتحدة، قامت 82.2 في المئة من سيدات الأعمال المسجلات في المملكة العربية السعودية بتمويل أعمالهن باستخدام مدخراتهن الشخصية، بينما حصل 12.9 في المئة منهن على قروض من العائلة والأصدقاء. ولدى كل حكومة من دول مجلس التعاون الخليجي صندوق وطني لدعم رواد الأعمال. ومع ذلك، وبخلاف طرق التمويل التقليدية المدرجة، لا يوجد هنالك احتياطي منتظم عندما يتعلق الأمر بالرأسماليين والمستثمرين الملاك في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يؤدي إلى انخفاض الحماية لكل من رواد الأعمال والمستثمرين على حد سواء.
وبالرغم من وجود تدابير لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه ما زال هنالك الكثير مما يجب القيام به – من التوجيه المهني للشابات في المدارس من أجل إطلاعهن وأولياء أمورهن على الفرص في مجال ريادة الأعمال والتكنولوجيا، وتدريبهن بعد التخرج. أطول إجازة أمومة في دول مجلس التعاون الخليجي هي 70 يومًا في الكويت والمملكة العربية السعودية، في حين أن إجازة الأبوة هي يوم واحد فقط. من شأن مراجعة أحكام إجازة الوالدين أن تشمل زيادة إجازة الأبوة، ما يشجع الرجال على القيام بدور أكبر في تربية أطفالهم وفي نهاية المطاف تغيير ديناميكيات الأسرة في دول مجلس التعاون الخليجي. ولعل السماح للرجال بالانخراط في هذه العملية يشعرهم بأنهم أقل عرضة للتهديدات من قبل التغييرات في ديناميكيات الجنس. في حين أن المساعدة المنزلية والعائلية من شأنها أن تيسر رعاية الطفل، وتمكن النساء العاملات من الاستفادة من استحقاقات رعاية الطفل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قوانين العمل في دول مجلس التعاون الخليجي لا تتضمن أحكامًا للوظائف الجزئية أو الأعمال الحرة التي يمكن أن تكون جديرة بالاستكشاف.
من الأهمية بمكان أن ترى الشابات أمثلة على القدوة القوية في مجتمعاتهن المحلية. وتبين البحوث أن تأثير القدوة له نتائج إيجابية في إلهام الشابات. وتشجع دولة الإمارات العربية المتحدة عددًا متزايدًا من النساء في مناصب قيادية في مجال التكنولوجيا. ومن الأمثلة على ذلك عائشة بن بشر، المدير العام لشركة دبي الذكية، واحدة من أكبر المبادرات التكنولوجية في البلاد. بدأت بن بشر حياتها المهنية في مجال تكنولوجيا المعلومات وحصلت على درجة الدكتوراة في العلوم والتكنولوجيا والابتكار. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك وزيرة الدولة للعلوم المتقدمة المعينة حديثًا سارة الأميري، وهي أيضًا نائبة مدير المشروع والقائد العلمي لبعثة المريخ الإماراتية في مركز محمد بن راشد للفضاء. وقد تم اختيارها كواحدة من 50 من العلماء الشباب من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي لمساهمتها في جهود التطوير في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة. ومن نماذج القدوة في مجال التكنولوجيا في دول مجلس التعاون الخليجي هند بهوان، مؤسسة شركة بهوان سايبرتك؛ وإيمان الروضان، الرئيس التنفيذي لشركة زين الكويت. ومنى الهاشمي، الرئيس التنفيذي لشركة بتلكو. ينبغي الإشادة بالنساء اللواتي يعتبرن قدوة يحتذى بها في دول مجلس التعاون الخليجي لتمهيد الطريق أمام الجيل القادم من النساء القويات في المنطقة.