في السابع من مارس/آذار، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إتمام نقل نسبة 8٪ إضافية من أسهم شركة أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة، أصبح الصندوق يمتلك 16٪ من أسهم أرامكو، والحكومة تمتلك 82.2٪ منها. ويمتلك القطاع العام باقي الأسهم، وذلك بعد الاكتتاب العام الأولي للشركة في 2019.
هذا النقل الأحدث للأسهم ليس بالأمر المفاجئ بالنظر للهدف الطموح الذي تم تحديده من أجل تنمية الأصول التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة. فمن المرجح الآن، ومع نقل ما يبلغ نحو 615 مليار ريال (164 مليار دولار)، أن تتجاوز قيمة الأصول تحت إدارة الصندوق 3.3 تريليون ريال (890 مليار دولار)، وتقترب بسرعة من تحقيق الهدف المعلن لعام 2025، البالغ قدره 4 تريليونات ريال (1.1 تريليون دولار).
وإلى جانب تعزيز الأصول التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة، فإن لنقل الأسهم انعكاسات هامة على تمويل برنامج الصندوق الاستثماري وعلى ميزانية الحكومة المركزية.
دعم تمويل الصندوق
إن الأرباح التي سوف يحصل عليها صندوق الاستثمارات العامة من أرامكو ستلبي احتياجات الصندوق التمويلية لعام 2024 بشكل كبير. مع العلم بأن الحجم الدقيق لهذه الاحتياجات غير معروف، فقد قال محافظ الصندوق ياسر الرميان مؤخرًا إن الصندوق يستثمر ما بين 40 إلى 50 مليار دولار (150 إلى 190 مليار ريال) سنويًا، وإنه يعتزم رفع هذا الاستثمار بين عامي 2025 و2030 إلى 70 مليار دولار سنويًا.
من المفترض أن يتلقى صندوق الاستثمارات العامة، بعد نقل الأسهم، حوالي 70 مليار ريال (19 مليار دولار) من أرباح أرامكو لعام 2024 (إذا حافظت الشركة على مستوى أرباحها للربعين الثالث والرابع من عام 2023). بالإضافة إلى ذلك، سيستمر الصندوق في تلقي الأرباح من أسهمه الأخرى. وقد يبلغ إجمالي هذه المليارات نحو 19 مليار ريال (5 مليارات دولار) في 2024. كما أصدر الصندوق في هذا العام 26 مليار ريال (7 مليارات دولار) من السندات والصكوك الدولية حتى الآن.
ويشير كل ذلك إلى أن صندوق الاستثمارات العامة سيحتاج هذا العام إلى تمويل إضافي بنحو 35 إلى 75 مليار ريال (9 إلى 20 مليار دولار). ويمكن لهذه المبالغ أن تأتي من خمسة مصادر مختلفة: نقل أصول حكومية إضافية؛ إصدار سندات ديون إضافية؛ الاستمرار في استنزاف أصول خزينة الصندوق، والتي بلغت قيمتها في نهاية سبتمبر/أيلول 2023 82 مليار ريال (22 مليار دولار)؛ بيع عام جديد لأسهم أرامكو؛ وأخيراً، بيع استثمارات أخرى للصندوق من أجل توفير رؤوس الأموال لمشاريع جديدة.
ضغوط على ميزانية الحكومة
إن نقل أسهم أرامكو الحكومية إلى صندوق الاستثمارات العامة هو عملية صفرية، فما يكسبه الصندوق تخسره ميزانية الحكومة المركزية. وبالتالي، ستواجه ميزانية الحكومة المركزية لعام 2024 فجوة بقيمة 35 مليار ريال (الأرباح الإضافية التي ستخسرها بعد نقل 8٪ من الأسهم)، إلا إذا كانت هذه الارباح قد أُخذت في الحسبان قبل نشر أرقام الميزانية الأصلية، وهو أمر يبدو مستبعدًا.
توقع بيان الميزانية المنشور في ديسمبر/كانون الأول 2023 عجزًا ماليًا في عام 2024 قدره 79 مليار ريال، أو 1.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع. وإن ظل كل شيء على حاله، فإن خسارة الأرباح الناتجة عن نقل الأسهم ستزيد من حجم العجز المالي للحكومة. أضف إلى ذلك دور الضغوط الأخرى على عائدات النفط السعودية هذا العام. فبعد الإعلان الأخير لتحالف أوبك بلس عن تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية الربع الثاني، قد تكون الضرائب التي ستتلقاها ميزانية الحكومة من أرامكو أقل مما هو مرصود له. لكن لا يمكن قول ذلك على وجه اليقين، لأن توقعات عائدات النفط التي تقوم عليها الميزانية لم يتم نشرها من قبل وزارة المالية بعد.
ومع تراجع أرباح أرامكو ستضطر الحكومة إما إلى تمويل نسبة أعلى من عجز الميزانية أو إلى خفض حجم العجز من خلال اتخاذ تدابير تُعزز الإيرادات الأخرى أو تُخفض الإنفاق. ولكن الزيادة في العجز المالي لن يشكل مشكلة على المدى القصير، نظرًا لانخفاض مستوى ديون الحكومة السعودية، خاصة إذا بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في التخفيف من حدة سياسته النقدية في وقت لاحق من هذا العام، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض تكاليف الاقتراض.
من المحتمل أن تضطر الحكومة، إذا قررت التمسك بمستوى العجز الذي حددته في ميزانية 2024، إلى خفض الإنفاق، وخاصة الإنفاق الرأسمالي. ومن المستبعد في هذه المرحلة أن تتخذ الحكومة تدابير لزيادة إيراداتها غير النفطية. أما بالنسبة للسماح بزيادة جديدة في توزيعات أرباح أرامكو، فهو أمر محتمل، نظرًا لصافي دخل الحكومة الذي لا يزال مرتفعًا، ولحيازاتها الكبيرة من النقد والأصول السائلة. كما ستساعد توزيعات أرباح أعلى للأسهم كلاً من صندوق الاستثمارات العامة والحكومة، حيث ستزيد من جاذبية الأسهم لدى المستثمرين قبل البيع العام المحتمل.
تحديات التمويل المقبلة؟
إن نقل ملكية أسهم أرامكو والأرباح الإضافية التي سيجلبها يعني أن أنشطة صندوق الاستثمارات العامة المخطط لها هذا العام ستتمتع بتمويل فائض. وعلى الرغم من أن نقل الأسهم قد يؤدي إلى عجز مالي حكومي، أكبر مما هو مدرج في الميزانية، فمن غير المرجح أن يسبب ذلك أي صعوبات على المدى القصير نظرًا لانخفاض مستوى الدين الحكومي.
لكن على المدى المتوسط، ستكون هناك حاجة إلى مقدار متصاعد من التمويل لتحقيق هدف صندوق الاستثمارات العامة المتمثل في ازدياد استثماراته السنوية. وبدون ارتفاع عائدات النفط، قد يصبح تحقيق التوازن بين الاحتياجات التمويلية لصندوق الاستثمارات العامة والحكومة المركزية وأجزاء أخرى من القطاع العام تحديًا متفاقمًا، مما قد يتطلب بدوره تقبل مخاطرات اقتصادية ومالية أعلى مما كانت عليه في الماضي.