إن الوضع المالي الحالي في البحرين هو دليل على أنه قد يكون من الصعب أحيانًا تحقيق النمو، حتى مع وجود العديد من السياسات الصحيحة. دخلت دول مجلس التعاون الخليجي الست الإطار الحالي من أسعار النفط المنخفضة والتباطؤ الاقتصادي الموازي له في أوضاع مالية مختلفة جدًّا، وعلى مسارات نمو اقتصادي مختلفة جدًّا.
وبناء على ذلك، فقد اتضح من خلال التراجع الاقتصادي والخلاف السياسي الحالي ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، أن هنالك اختلافات هامة. وعلى الرغم من جغرافيتها وتاريخها المشترك، إلا أن إدارتها المالية، والقيود السياسية المحلية، والأساسيات الاقتصادية مختلفة إلى أبعد الحدود. في حين أن النصيحة العامة من المنظمات المتعددة الأطراف إلى دول الخليج بتخفيض إعانات الطاقة وأجور القطاع العام هي صحيحة، إلا أن القدرة على تحويل أنظمة الاقتصاد التي تقودها الدولة تقليديًّا إلى نموذج أقل اعتمادًا على الدولة وأكثر فاعلية في نمو القطاع الخاص ستحتاج تطبيق استراتيجيات موصى بها لهذا الغرض.
لقد أشار محللون في معرض رأيهم في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في تشرين الأول/أكتوبر بعنوان “آفاق الاقتصاد الإقليمي” إلى أن جدول أعمال الإصلاح سيشهد عراقيل وتحديات فريدة في كل بلد. وربما أيضًا يكتسب برنامج الإصلاح زخمًا لكون هذه الدول تتنافس فيما بينها للحصول على رأس المال الدولي. وحتى مع توفر أسواق الدين الدولية بكثرة، إلا أنه قد لا يكون كافيًا للحفاظ على السياسة النقدية الحالية، وخاصة بالنسبة للدول ذات الاقتصاد الأصغر والأضعف.
لقد تعرضت البحرين لضغوطات جديدة بسبب تضاؤل أصول الاحتياطي الأجنبي لديها، أو بشکل أدق، نمط أرصدتها في مصرف البحرين المركزي التي تغذيها بالدیون ویتم استنفادها بسرعة. وبلغت الاحتياطيات الأجنبية في شهر آب 1.4 مليار دولار، أو ما يكفي لتغطية الواردات لمدة شهر واحد. في أيلول/سبتمبر وبعد أن سجلت الحكومة إصدار سندات بقيمة 3 مليارات دولار، ارتفعت الاحتياطيات إلى 3.4 مليار دولار، وهو أعلى مستوى للبحرين منذ منتصف عام 2015. وعلاوة على ذلك، بقيت شهية المستثمرين تجاه ديون البحرين قوية جدًّا، حيث ازداد التزاحم على الاكتتاب للسندات الأخيرة، وتم استبعاد بعض المشترين المحتملين (بما في ذلك قطر). لذلك، وفي حين أن هذا النمط من الإنفاق المغذى بالديون قابل للتنفيذ، إلا أنه ليس مستدامًا على المدى الطويل. إن التهديد الأكثر إلحاحًا هو استدامة نظام العملة، حيث يتكفل مصرف البحرين المركزي بتحويل العملة المحلية إلى الدولار الأمريكي بنسبة 0.376 دينار لكل دولار أميركي واحد.
تشير تقارير البنك المركزي إلى أن التزامات الديون قد ارتفعت إلى 87 في المئة من إجمالي الناتج المحلي اعتبارًا من شهر أيلول/سبتمبر. وعلى غرار جاراتها، فقد واجهت البحرين عجزًا في الميزانية العامة خلال العامين الماضيين، ومن المتوقع أن يتكرر ذلك مرة أخرى في أواخر عام 2017. ومن المتوقع أن يصل عجزها في عام 2017 إلى نسبة 8.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وفقًا لمحللي بنك ستاندرد تشارترد. (تتوقع HSBC “شركة هونغ كونغ وشنغهاي للخدمات المصرفية” عجزًا مزدوج الرقم). ومن أجل إيجاد تمويل طارئ، حاولت البحرين خفض الإنفاق الحكومي والاقتراض في الوقت نفسه من أسواق رأس المال الدولية والاستفادة من احتياطياتها. والبحرين الآن هي في دورة الإنفاق المغذى بالديون، وسيكون من الصعب التخلص منها. ولذلك فإن الحكومة، وبموافقة البرلمان، رفعت سقف ديونها في حزيران/يونيو إلى 13 مليار دينار بحريني (حوالي 34.5 مليار دولار)، أي ما يقرب من 100٪ من إجمالي الناتج المحلي.
لقد اعتمدت البحرين تاريخيًّا على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الحصول على كل من الدعم المالي الرسمي، كما حصل عام 2011 مع صندوق دعم البنية التحتية الخليجية، والتحويلات غير الرسمية. في الواقع، يمكن أن يكون جزء كبير من النمو الأخير في البلاد مرتبطًا مباشرة بنفقات البنية التحتية الممولة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ارتفع الاقتصاد البحريني بنسبة 3.7 في المئة في الربع الثاني من عام 2017 مقارنة بالعام الماضي، وفقًا لبحث أجراه بنك ستاندرد تشارترد، وهو رقم يحسد عليه في بيئة بطيئة النمو في الخليج. ومع ذلك، فهذا النمو لم يكن بسبب الصناعات التحويلية أو قطاع النفط، وإنما بسبب الإنفاق على البنية التحتية. لولا تمويل البنية التحتية من جيرانها، لكانت قصة النمو مختلفة جدًّا. والأخبار السيئة هي أن الاعتماد على التحويلات من دول الخليج المجاورة غير مستدام أيضًا.
لقد توقف النمو في دول مجلس التعاون الخليجي، ولأسباب مختلفة. وقد عانى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة العربية السعودية من تباطؤ في قطاع النفط والغاز، ويرجع السبب في ذلك على الأرجح إلى تخفيضات الإنتاج المفروضة ذاتيًّا، ما أدى إلى انخفاض الاستثمار والنمو في هذا القطاع. وقد حققت دولة الإمارات العربية المتحدة أداء أفضل بكثير لكون اقتصادها أكثر تنوعًا، ولكن صادراتها لم تكن قوية جدًّا.
لقد أدت العزلة السياسية المفروضة على قطر حاليًّا من دول مجلس التعاون الخليجي إلى وجود عدد من العقبات في طريق النمو، ووضعت أولويات مالية لرسملة القطاع المصرفي، مستمدة بشكل كبير من الاحتياطيات والتحويلات من جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادية. إن مصاعب عُمان تشبه كثيرًا تلك التي في البحرين، حيث إن الاحتياطيات المتناقصة والديون الجديدة هي من يتم الاعتماد عليها في تلبية متطلبات الإنفاق الحكومي. ولم يكن الانتعاش الطفيف الناتج عن زيادة نشاط المطارات والموانئ البحرية مع قطر كافيًا لتغيير اتجاه النشاط الاقتصادي. ويشير انخفاض استهلاك القطاع الخاص والاستثمار العام في الكويت إلى تباطؤ داخلي. باختصار، إنها فترة من الانكماش الاقتصادي. وبالرغم من وجود النمو في المنطقة، إلا أن المشاريع الحكومية (الممولة محليًّا أو إقليميًّا) ما زالت تقوده.
طريق الإصلاح الاقتصادي البحريني: سياسات مقنعة، ولكن التحديات باقية
لقد كان انتقال البحرين من الاقتصاد المعتمد على النفط إلى الاقتصاد المتنوع صعبًا، ويعزى ذلك جزئيًّا إلى مواردها المحدودة وتوقيت دخولها إلى أسواق النفط العالمية. لدى البحرين تاريخ طويل من الجهود المبذولة في مجال التنويع، وعانت من تراجع نظام عائدات النفط لفترة أطول بكثير من جاراتها. بلغ إنتاج النفط ذروته في البحرين في عام 1977. ولم يتزامن مسار البحرين المبكر للنمو الاقتصادي القائم على النفط مع الفترات الأخيرة من ارتفاع أسعار النفط العالمية. فقد فاتها فترة الازدهار النفطي الثانية التي تميزت بتراكم الثروات بأعلى مستوياتها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فتقلصت قدرتها منذ الأيام الأولى للاستكشاف. ومع ذلك، فإن البحرين تتمتع بميزة أن لها عقودًا من التجارب لتطوير قطاعات بديلة، مثل التمويل والسياحة وبعض الصناعات التحويلية. كما تستفيد البحرين من كوكبة من المواهب المحلية من ذوي المهارات العالية من التكنوقراطيين، ورجال الأعمال وصناع السياسة.
ومع ذلك، لا تزال حكومة البحرين تعتمد اعتمادًا كبيرًا على إنتاجها النفطي كمصدر رئيسي للدخل، وما زاد صعوبة ذلك هو كون المملكة العربية السعودية تسيطر على إنتاجها إلى حد كبير في الحقول المشتركة. إن المخططات الجديدة لبناء خط أنابيب إضافي بين المملكة العربية السعودية والبحرين، وربطه بمصفاة البحرين، ومرفق الغاز الطبيعي المسال من أجل استيراد الغاز محليًّا، ستعمل على تعزيز قدرة البحرين على خدمة الأسواق المحلية وتطوير المنتجات ذات الصلة. ويجري العمل على جسر جديد إلى المملكة العربية السعودية من أجل تطوير السياحة والتجارة.
قدمت جهود البحرين المبكرة لإنشاء مركز مالي خارطة طريق للمنطقة، وتكرر ذلك في مركز دبي المالي الدولي. ولا تزال البحرين مركزًا ماليًّا إقليميًّا رئيسيًّا، وبالأخص للتمويل الإسلامي.
كانت البحرين أول دولة خليجية تنشئ شركة طيران وطنية ذات مكانة إقليمية ودولية. وكانت شركة طيران الخليج جزءًا من المبادرات الأولى للتكامل الاقتصادي في الخليج في 1974 حيث أصبحت ملكًا مشتركًا مع سلطنة عمان والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة. منذ عام 2007، أصبحت مملوكة بالكامل لصندوق الثروة السيادية في البحرين.
ويعتبر هيكل الوكالة التجارية ليبراليًّا نسبيًّا حسب معايير الخليج، ما سمح بملكية أجنبية بنسبة 100% في معظم القطاعات في أنحاء البلاد، وليس فقط في المناطق الحرة.
في سياسة العمل، تعتبر جهود البحرين الرامية إلى جعل أسواق العمالة أكثر ديناميكية، وتمكين العمال من التنقل بين أصحاب العمل دون عقود جديدة، نموذجًا لإصلاح نظام الكفالة في دول مجلس التعاون الخليجي بأكملها. لقد بذلت هيئة تنظيم سوق العمل جهودًا لتيسير طلبات الحصول على تأشيرات الدخول، وردع السوق السوداء لتداول التأشيرات، بالإضافة إلى توفير المزيد من الشفافية بشأن التركيبة السكانية في العمل.
وفي مجال دمج المرأة في المجال الاقتصادي، تتقدم البحرين دول المنطقة في معدل النساء العاملات، بالرغم من أن معظمهن يعملن في القطاع العام.
وفيما يخص اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، أظهرت البحرين مؤخرًا مهارات تفاوضية مثيرة للإعجاب ومنافسة بذلك جيرانها الأكثر ثراء وقدرة على النجاح في الأعمال التجارية الجديدة. لقد تم افتتاح شركة خدمات أمازون ويب في أوائل عام 2017 في البحرين، ما يشير إلى قدرة البلاد على تعزيز النظام البيئي للتكنولوجيا.
يبدو أن البحرين لديها كافة الأفكار الصحيحة، أو على الأقل كما روج لها في وثائق الرؤية الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة من قبل الشركات الاستشارية والحكومات. إلا أن أساسيات الاقتصاد البحريني محدودة. البحرين صغيرة وتصدر القليل من السلع المصنعة. ولا يزال القطاع العام هو المُشغل المفضل بالنسبة لمعظم المواطنين. ولا تعتبر موانئها ومركز الخدمات اللوجستية فيها موضع تنافس مع جيرانها لموقعها الجغرافي كجزيرة. وتعتمد في مجال السياحة على الزوار القادمين من المملكة العربية السعودية، لدرجة أن أي تراجع في عادات الإنفاق السعودي سيؤثر مباشرة على البحرين. وعلاوة على ذلك، فإن إعادة توجيه عادات الإنفاق السعودية داخليًّا سوف تؤثر على البحرين. وعملت صراعاتها السياسية الداخلية منذ عام 2011 على تشويه سمعتها الدولية ما أدى إلى تضييق آفاق النمو.
لندع هذه التحديات جانبًا، في حوار جديد مع وزير الصناعة والتجارة والسياحة البحريني زايد الزياني، قدم إستراتيجية قوية لبقاء الاقتصاد البحريني، طارحًا شركة الطيران كمثال على ذلك. وقال: “نريد أن نصبح ساوث ويست الخليج”. (الزاياني هو أيضًا رئيس مجلس إدارة طيران الخليج). وفي سعيها لتعمل كـ “ساوث ويست“، وهي شركة طيران منخفضة التكاليف في سوق النقل الجوي في الولايات المتحدة، سيتعين على البحرين أن تتنافس مع منافسيها الإقليميين الأكبر حجمًا والأفضل تمويلاً من خلال تقديم نوع مختلف من الخدمة أو المنتج. هذا هو معادل التسويق من جعل البحرين كوجهة للأعمال التجارية الخليجية وليست رتوشًا.
لدى البحرين الإمكانية لعرقلة الصناعات الإقليمية الأخرى أيضًا، وتقديم خدمات متخصصة في بيئة تنافسية. والحقيقة المرة هي أن البحرين سوف تضطر إلى العمل بجدية أكبر من أجل الاستثمار الأجنبي، لكي تقلل من الاعتماد على الدعم الإقليمي في التحويلات النقدية، والتنافس في منطقة تشهد ركودًا في النمو.