ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع دخول السباق الرئاسي شوطه الأخير، يجد العديد من الناخبين ربما أكثر من أي وقت مضى أنهم أمام خيارات أحلاها مرّ. المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتمتع بتأييد حماسي، ولكن من قبل قاعدة غير واسعة، لا يمكنها لوحدها أن توصله إلى البيت الأبيض، كما أن حملته ساهمت في تعميق الاستقطابات السياسية والايديولوجية في البلاد، كما تنضح مواقفه بالتعصب الديني واحتقار بعض الأقليات والاستخفاف بالمرأة. بينما تحظى المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بتأييد قوي وحقيقي من قبل شريحة من النساء المتقدمات في السن، وبدعم متردد ومتحفظ من فئات أخرى سوف تصوت لها، لأنها قلقة، وحتى خائفة من احتمال وصول ترامب إلى البيت الأبيض مع ما يحمله ذلك من مضاعفات داخلية وخارجية من المحتمل أن يكون لها تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة. كما أن ميل كلينتون إلى السرية، ومحاولتها إخفاء استخدامها لمحرك خاص لرسائلها الالكترونية خلال خدمتها وزيرة للخارجية عززت الشكوك الموجودة اصلا حولها بأنها لا يمكن أن تكون شفافة ولا تستحق ثقة الناخبين. مرشح حزب الأحرار غاري جونسون لا خبرة له على الإطلاق في مجالات الأمن القومي والسياسة الخارجية ومواقفه تتسم بالسذاجة، بينما تدعو مرشحة حزب الخضر جيل ستاين إلى سياسة انعزالية، وترفض حتى انتقاد استيلاء روسيا بالقوة على شبه جزيرة القرم، وتشكك بجدوى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كما يفعل ترامب.
ومنذ حصول كل من كلينتون وترامب على ترشيح حزبيهما، تظهر استطلاعات الرأي أنهما المرشحين الرئاسيين الأقل شعبية في تاريخ الانتخابات الأمريكية. كما تظهر استطلاعات الرأي وغيرها من المؤشرات، أن الانتخابات في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل سوف تجري على خلفية استقطابات اجتماعية وسياسية وايديولوجية عميقة، وفي أجواء محفوفة بالتوتر واحتمال حدوث أعمال عنف وشغب أما خلال العملية الانتخابية، أو بعدها، وخاصة في حال فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة بأكثرية بسيطة، ورفض ترامب الاعتراف بسرعة بشرعية وصدقية النتائج.
المرشحان الأقل شعبية في تاريخ الانتخابات
وجاء في آخر استطلاع لمركز بيو للأبحاث أن 35 بالمئة من الناخبين المسجلين يقولون إن كلينتون يمكن أن تصبح رئيسة جيدة أو حتى عظيمة، مقابل 27 بالمئة من الناخبين الذين يقولون الشيء ذاته عن ترامب. ورأت أكثرية من الأمريكيين أنه من الصعب أن يكون المرء معجبا بكلينتون (59 بالمئة) أو ترامب (70 بالمئة).وبينما رأى 56 بالمئة من الناخبين أن كلينتون تفتقر إلى البصيرة، وقال 65 بالمئة الشيء ذاته عن ترامب.
أسباب نفور الناخبين من كلينتون وترامب عديدة وقديمة. ولكن الأسابيع والأيام الماضية كانت حافلة بتطورات محرجة والكشف عن معلومات وتصرفات شخصية مشينة. وتتمحور مشاكل وفضائح ترامب حول سلوكه الشخصي الفظ والمهين تجاه النساء، بما في ذلك أشرطة الفيديو التي يتبجح فيها حول فتوحاته الجنسية، والتي أدت إلى قيام أكثر من 10 نساء على اتهامه بالتحرش الجنسي بهن. في المقابل فإن مشاكل كلينتون تتمحور حول افتقارها إلى الصدقية، وحول الممارسات المحرجة والمثيرة للجدل لجمعية كلينتون الخيرية، حيث كشفت وثائق ويكيليكس أن عائلة كلينتون استفادت ماليا من الجمعية، وتحديدا الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي جمع ثروة شخصية طائلة من خلال استغلاله للجمعية. وثائق ويكيليكس لم تتضمن ذلك النوع من القنابل التي يمكن أن تفجر حملة كلينتون، ولكن ما كشفته حتى الآن محرج للغاية، بما في ذلك شكاوى المسؤولين في حملتها من تردد كلينتون بالاعتراف بأخطائها أو تحمل مسؤولية قراراتها الخاطئة. ويتفادى بيل كلينتون وهيلاري كلينتون مناقشة هذه الوثائق أو حتى الإجابة على الأسئلة الكثيرة والمحرجة التي أثارتها. ويركز المسؤولون في حملة كلينتون في المقابل على أن روسيا هي المسؤولة عن اختراق الحسابات الالكترونية للحزب الديمقراطي ولجون بوديستا رئيس حملة كلينتون وتسليم الرسائل الالكترونية والوثائق إلى جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس، الذي لا يخفي رغبته بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لحرمان كلينتون من الوصول إلى البيت الأبيض.
وفي الأسبوع الماضي انحدر السجال الانتخابي إلى مستويات متدنية جدا من الصبيانية والابتذال. وألمح نائب الرئيس جو بايدن بأنه يرغب بتوجيه اللكمات لترامب لتأديبه حين قال “الصحافة تسألني دائما عما إذا كنت أرغب بمناظرة ترامب؟ كلا، اتمنى لو كنا في المدرسة الثانوية لكي آخذه وراء المركز الرياضي” لضربه. وسارع ترامب للرد على بايدن قائلا أنه يجب أن تتوفر له هذه الفرصة، وأضاف ساخرا من بايدن “القبضاي” أن “هناك بعض الأشياء في الحياة التي نحب أن نفعلها”. ولكن السجال الاغرب والاسوأ كان ذلك الذي جرى بين رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش، وهو من ابرز مؤيدي ترامب وأكثرهم فظاظة، وبين الإعلامية ماغن كيلي وهي من أبرز مقدمي البرامج التلفزيونية في شبكة فوكس نيوز. وخلال بضعة دقائق من حوار ساخن وسافر انتقل النقاش من استطلاعات الرأي ومن هو متقدم فيها ترامب أو كلينتون، إلى مواجهة بين غينغريتش وكيلي، حين أعرب غينغريتش عن سخطه مما اعتبره الاهتمام الإعلامي المفرط باتهامات التحرش الجنسي لترامب بدلا من التركيز على خطب كلينتون المثيرة للجدل حول الهجرة، ثم هاجم المذيعة كيلي متهما إياها “بالهوس الجنسي” بدلا من القضايا السياسية العامة لأنها تناقش اتهامات التحرش الجنسي ضد ترامب. وفجأة انحدر السجال إلى تراشق للاهانات الشخصية، وتحدى غينغريتش المذيعة كيلي لكي تقول أن الرئيس الاسبق بيل كلينتون هو “مفترس جنسي”، وردت عليه كيلي بأن نصحته بمعالجة غضبه عبر طبيب نفسي.
مناخ سوداوي مقلق
ومع اقتراب الأسبوع الأخير في السباق، ازدادت حدة وخطورة وغرابة السجال الانتخابي، على خلفية استطلاعات الرأي وغيرها من المؤشرات التي تبين بمعظمها أن هيلاري كلينتون تقترب من تحقيق انتصار تاريخي لتصبح أول امرأة تنتخب رئيسة للولايات المتحدة. وقبل يومين عكست تغريدة للنائب الجمهوري السابق جو والش المناخ المشحون بالقلق والخوف من العنف، والتي جاء فيها : “في الثامن من نوفمبر سأصوت لترامب. في التاسع من نوفمبر اذا خسر ترامب، سوف امسك بندقيتي القديمة. هل أنت معي؟”. ووضع العديد من المراقبين هذا التحريض أو التهديد الضمني بالعنف في سياق ادعاءات ترامب اليومية بأن الانتخابات سوف تزور وسوف تسرق منه، وفي سياق تلميحاته السابقة حول احتمال لجوء بعض أنصاره إلى العنف إذا فازت كلينتون بالرئاسة، واستمرار رفضه إلزام نفسه مسبقا بقبول نتائج الانتخابات وعملية الانتقال السلمي للسلطة وفقا للدستور الأمريكي.
ومؤخرا نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا ميدانيا أبرزت فيه المناخ السوداوي الذي يهيمن على بعض مؤيدي ترامب في أعقاب التقارير والاستطلاعات التي تتوقع خسارة المرشح الجمهوري للانتخابات، وتهديدهم بشن “ثورة” جديدة لرفض الواقع الجديد. وتحدث هؤلاء عن احتمال تنظيم مسيرات احتجاجية وتوقعوا حدوث أعمال شغب، فضلا عن عزمهم على التخلص من الرئيسة كلينتون “عبر أي وسائل ضرورية”. قد تكون هذه التهديدات لفظية، ولكنها تعكس حالة الاستقطاب العميقة بين ما يسمى بتيار أو جناح ترامب المتشدد في الحزب الجمهوري (الذي يرفض القيادة التقليدية للحزب) وبين الديمقراطيين من مؤيدي كلينتون. حالة الاستقطاب السياسي الراهن، هي أسوأ وأخطر من الاستقطاب الذي صاحب انتخابات 2008 والتي اوصلت باراك أوباما إلى البيت الأبيض. مشاعر العداء لهيلاري كلينتون في أوساط اليمين المتشدد غير مسبوقة، حيث هناك قناعة راسخة بأن كلينتون إذا أصبحت رئيسة للبلاد فإنها ستستولي على الأسلحة النارية التي يملكها هؤلاء والتي يسمح لهم الدستور الأمريكي باقتنائها. ومع أن كلينتون تؤكد دائما قبولها بما يسمى “التعديل الثاني” في الدستور الذي يضمن حق المواطن الأمريكي باقتناء الأسلحة النارية الفردية، وبأنها تريد فقط فرض اجراءات اضافية لاقتناء هذه الأسلحة، مثل التحقق من خلفية الذين يشترونها، إلا أن هذه التأكيدات لا تؤخذ على محمل الجد في هذه الأوساط. ويواصل ترامب اتهاماته لكلينتون بأنها سوف تتخلص من هذا الحق الدستوري في حال انتخابها، على الرغم من أن تعديل الدستور شبه مستحيل حتى في أفضل الأحوال، الأمر الذي عزز هذه المخاوف في صفوف قاعدته.
قليلون الذين يتوقعون أن ينسحب دونالد ترامب من الحياة السياسية ليستأنف عمله كمقاول ورجل أعمال في حال خسارته للانتخابات. نهاية ترامب كمرشح جمهوري، لن تكون نهاية ترامب كظاهرة سياسية تعبر عن غضب واستياء وغربة شريحة هامة من الأمريكيين المقتنعين بأن “النظام” الراهن هو ضدهم ولا يمثلهم أصلا. ترامب الديماغوجي في أعين الملايين من الأمريكيين، هو نفسه المنقذ في أعين الملايين من أنصاره. ويقول المسؤولون في حملة ترامب أن لديهم سجلات بأسماء حوالي 14 مليون ناخب من مؤيدي ترامب، بمن فيهم أولئك الذين تبرعوا للحملة. هؤلاء سوف يشكلون جوهر “حركة ترامب” بعد نهاية السباق الرئاسي. هزيمة ترامب تعني بروز عدو جديد للجمهوريين التقليديين وقياداتهم، حيث من المتوقع أن يحاول ترامب الثأر من أولئك القادة الذين خذلوه علنا ورفضوا مساعدته، أو الذين دعموه لفظيا وتمنوا خسارته، وفي طليعتهم رئيس مجلس النواب بول رايان. والحرب الاهلية بين هذين الجناحين في الحزب الجمهوري سوف تستمر في المستقبل المنظور، مع ما يحمله ذلك من تحديات للقادة الجمهوريين في الكونغرس وخاصة إذا حاولوا التعاون مع كلينتون في البيت الأبيض.
وسوف يتوجه ملايين الناخبين الأمريكيين في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد، أو رئيستهم الجديدة. أقلية منهم سوف تصوت بقناعة تامة وبحماس. ولكن اكثريتهم سوف تدلي بصوت سلبي ومتردد لا يليق بالديمقراطية الأمريكية، وبنظام الحزبين اللذين اخفقا في اختيار مرشحين أفضل وانتهيا بفرض خيارات على الأمريكيين احلاها مّر.