شهدت دول الخليج العربية إعادة إحياء الحكايات والخرافات الشعبية التراثية وسط إقبال كبير لروايات الأطفال المؤلفة من كتاب محليين. ومن بين المنصات الإقليمية الداعمة لهذه الصناعة الفنية جائزة اتصالات لكتاب الطفل في أبوظبي، التي انطلقت في عام 2009. وجائزة دولة قطر لأدب الطفل التي تأسست في عام 2015. ومعرض الكتاب للأطفال في الشارقة، الذي تم افتتاحه في عام 2018. يعد هذا الدعم المسبق لمؤلفي أدب الأطفال المحليين جديداً نسبياً من قبل دول الخليج، وهو مرتبطٌ باستراتيجيات التنمية والتعليم الوطنية. ومع ذلك، فإن تراث السرد الشفوي، المعروف بالحكواتي، له تاريخ طويل في المنطقة، ويعتبر جزء كبير من الثقافة الخليجية. ويقوم الكثير من الكتاب المحليين بالبحث في الأرشيفات لإحياء هذا التراث بهدف الحفاظ على اللغة العربية ولتقديم للأطفال واليافعين قصصاً ممتعة ومرتبطة بالثقافة المحلية في نفس الوقت.
لقد كان للازدهار الاقتصادي وحركة الحداثة السريعة في سبعينيات القرن الماضي دوراً أساسياً في الارتقاء التعليمي. وكانت الكثير من المناهج الدراسية في هذه الفترة قد جاءت من الخارج. وبالتالي، نشأ العديد من المواطنين على قراءة أدب الأطفال من الغرب أو من أنحاء أخرى من العالم العربي. كانت القصص المطبوعة من شبه الجزيرة العربية محدودة، وتلاشى تقليد سرد القصص الشفهيً مع الوقت. يواجه الجيل الجديد من مواطني الخليج تحديين أساسيين لهويتهم: انخفاض الرغبة في القراءة باللغة العربية والاعتماد على الأدب الأجنبي، الذي يمكن القول إنه بعيد عن الثقافات المحلية. ولمعرفة المزيد عن وضع أدب الأطفال في الخليج، تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع اثنتين من المؤلفين والرسامين المتخصصين في هذا المجال: هلا بنت خالد من المملكة العربية السعودية، وعليا الشامسي من الإمارات العربية المتحدة.
أصدرت هلا 18 كتاباً للأطفال منذ عام 1997، وتعتبر رائدة في ميدان أدب الأطفال. عند سؤالها عما شجعها على أن تصبح كاتبة أطفال، قالت هلا لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن: “لم أفكر مطلقاً في أنني سأصبح كاتبة أو رسامة قصص أطفال، ولكن عندما أنجبت طفليَّ الأولين، بحثت عن قصص معينة لأرويها لهما؛ ولم أجدها في السوق. لذلك، قررت ببساطة تأليف قصصي الخاصة. كل ما أردته هو طباعة بضع نسخ لأولادي وأحفادي في المستقبل. يمكنك فهم مدى استيائي عندما أخبروني أن علي طباعة ما لا يقل عن 1000 نسخة. عندما أخبرت والدي، شجعني على نشرها، قائلاً: “هلا، لا يمكن أن يكون الأمر بهذه الصعوبة”. لم يتخيل ولم أتخيل حجم التحدي الذي كنت سأواجه. وببساطة فهي ليست مهنة فاخرة أو ذو هيبة على الإطلاق.”
عليا، التي بدأت كتابة كتب الأطفال بعد ذلك بأكثر من عقد من الزمان، هي شاعرة وكاتبة إماراتية-إيطالية شابة، إلى جانب كونها أماً. وحالها كحال هلا، إذ حفزتها ولادة طفلها على الانخراط في فن سرد القصص. ولدى سؤالها عن خلفيتها، قالت: “راودتني فكرة أن أكون كاتبة وفنانة منذ صغري. بدأت مسيرتي المهنية من خلال التصوير الفوتوغرافي والتصوير الصحفي، وهو أمر يشبه سرد القصص إلى حد كبير. كما أنني نشأت في أسرة تقرأ كثيراً. في البداية، كنت أروي قصصاً واقعية مستعينة بالتصوير الفوتوغرافي، وباستخدام اللغة المرئية. ولكن بعد ذلك عندما أنجبت ابني، أحمد، بدأت في قراءة الكثير من كتب الأطفال، خاصة باللغة الإنجليزية، لأن الرسوم التوضيحية كانت جميلة جداً لدرجة أنها تكاد تكون قطع فنية”.
كان لهذه الرسوم التوضيحية أيضاً تأثير قوي على هلا التي قالت: “عندما كنت أسافر إلى أوروبا مع والديّ وأنا طفلة، اعتادت المربية أن تتركني في المكتبة وتختفي لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات، وعندما كانت تعود كانت دائماً تجدني حيث تركتني بالضبط، أحدق في أحد الكتب. لقد وُلدت عام 1971، وكانت الكتب العربية آنذاك تُطبع على ورق بلون أصفر أو بلون القش من نوعية سيئة مقارنة مع الكتب الإنجليزية والفرنسية، كانت الرسوم في الغالب غير جذابة ومخيفة في بعض الأحيان. لقد كنت اقرأ الكتب العربية، لكن كنت أشعر بأنه واجب وليس متعة.
على الرغم من وجهات النظر المتشابهة لدى هلا وعليا حول أهمية إصدار كتب ممتعة ومرحة، بعيداً عن النصوص التعليمية الثقيلة، إلا أنه كانت لديهما تجارب مختلفة جداً عندما ولجن ميدان أدب الأطفال للمرة الأولى. بالنسبة لهلا، “في المملكة العربية السعودية، أعتقد أنه لم يكن هناك سوى مؤلف بارز أو اثنين في ذلك الوقت. كانوا رجالاً، ولكنهم لم يفعلوا ما كنت أصبو لفعله. لم أرغب في تأليف كتاب لتعليم الأطفال كيفية القراءة أو لتلقينهم درساً محدداً. أردت فقط إنتاج كتبٍ يستمتع بها الأطفال”. وأشارت عليا إلى أن “الأطفال يحبون التحدي. لا ينبغي أن نتحدث إليهم بتعالٍ ولا أن نبالغ في التوضيح لهم أو نشعرهم بأن وراء كل قصة درساً أخلاقياً. أعتقد أن هذه هي المشكلة. ما زلنا نتمسك بفكرة أنه يجب أن يكون للقصة رسالة”. وبخصوص آرائها حول هذه الصناعة، تضيف عليا: “عندما قررت البدء في الكتابة، كنت محظوظة جداً بمعرفتي بمجموعة من الأصدقاء والصديقات: كانت إحداهن قد افتتحت داراً للنشر في نفس الفترة، وأخرى كانت ترغب دائماً برسم كتابٍ للأطفال. إن أغلبية مؤلفي كتب الأطفال اليوم من النساء، وأصبح عدد مؤلفي كتب الأطفال يتزايد. أعتقد أن هناك تعطشًا لهذا النوع من الأدب، وأعتقد أن الكثير من الناس يريدون معرفة قصصنا، ويريدون أن يسمعوها منا”.
تجد كل من المؤلفتين مصدر إلهام لها من الحياة اليومية. فكما لاحظت هلا، “يأتي عادة مما يجري حولي من أحداث لم أفكر بها مسبقًا”. “إن ما حفزني لإطلاق كتابي الأول، “أنا ميمون”، هو حشود الشباب والشابات الذين يتسابقون إلى جراحي التجميل. لم يكن لدينا مجالاً لجراحة التجميلي بشكل رسمي في المملكة العربية السعودية حتى أواخر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وبدأ الناس يتحدثون عن التجميل بشكل علني وبكل صراحة. كان قد تم افتتاح أول عيادة تجميل في تلك الفترة، ووجدت هذه الظاهرة مروعة. لذا، كانت قصتي الأولى تدور حول زرافة لم يكن يعجبها شكلها. أما القصة الثانية فكانت عني شخصياً، وتدور حول جمل صغير لم يكن يعتقد أنه يمكن أن يفوز في السباق. بعد ذلك، استوحيت كل كتاب من شيء يحدث داخل المنزل”.
بالنسبة لعليا، فإن قصتها الأولى نُشرت في البداية ككتاب إلكتروني، كانت تتمحور حول موضوعات الهوية والانتماء. “أول كتاب نشرته كان “علاية”، وهي قصة عن دبي. وكانت قريبة جداً مني لأنني نشأت على شاطئ جميرا، وتكاد تكون سيرتي الذاتية وهي متعلقة بالشعور بالانتماء. لذلك، كانت فكرتي منذ البداية هي إنشاء قصة محلية، ولكن في نفس الوقت تتطرق إلى مواضيع عالمية.”
بالنسبة إلى جمهورهما من الأطفال واليافعين، أكدت هلا وعليا باعتبارهم أقسى المنتقدين لهما، ولكن تعتبر كلاهما بأن تعليقاتهم ومساهمتهم نوع من المكافأة. حيث ذكرت هلا بكل شغف: “منذ أيام قليلة تلقيت رسالة على انستجرام من إحدى الشابات تقول: “عمري 23 سنة، ولكنني مدينة لك بنظافة أسناني”. وهذا بالنسبة لي أفضل من ألف جائزة”. وأضافت أيضاً: “لقد رأيت مؤخراً صبياً صغيراً يتصفح كتابي “كان ياما كان”، وهو جزء من سلسلة عن الحيوانات في شبه الجزيرة العربية، وعبر عن دهشته من وجود السافانا في الربع الخالي. كان لطيفاً جداً! هذه هي اللحظات التي أفكر فيها، “نعم، هلا، يجب أن تستمري.”
بالنسبة لعليا، فإن أكثر ما يشجعها هي مشاركتها في البرامج التوعوية إلى المدن الصغيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة: ” لدي شغف كبير في المشاركة وإقامة ورشات العمل مع الأطفال. وأردت العمل بالتحديد مع الأطفال الذين يعيشون خارج المدن الكبيرة لأنها فرصة أتعرف بها إلى مجموعة سكانية مختلفة تماماً. وعلى سبيل المثال، لقد زرت وادي الحلو، وهي بلدة في الإمارات يبلغ عدد سكانها حوالي 500 نسمة، وكانت تجربة استثنائية. لقد أذهلوني بشكل كبير لأنهم كانوا مهتمين بالفن التجريدي. وذهبت أيضاً إلى منطقة أخرى تسمى الذيد. كانت أعمالهم تميل أكثر إلى التصويرية – كانوا يريدون إظهار بيئتهم، وكان اهتمامهم الأكبر في رسم المناظر الطبيعية. لذلك فإن البرامج التوعوية مهمة جداً بالنسبة لي. إن التواصل مع الأطفال بشكل مباشر يساهم في تنمية قدراتي الإبداعية لأنهم يسمحون لي بالدخول إلى عالمهم، وهي تجربة مرحة للغاية. يوجد هناك أطفالاً موهوبين جداً، وهؤلاء هم الأطفال الذين سيبنون المشهد الثقافي والفني في المستقبل”.
تستكشف كل من هلا وعليا أنواعاً مختلفة من أدب الأطفال. كانت حياتهما الشخصية مصدر إلهام لبعض قصصهما، وكان البعض الآخر من القصص يهدف إلى الرجوع إلى حكايات التراث القديم وصياغتها من جديد. أصدرت هلا كتاب “دوهه يا دوهه” المستوحى من التهويدة التقليدية. “اعتاد والدي دائماً أن يغني لي تلك الأغنية عندما كنت صغيرة. لكنني لم أفكر مطلقاً في تحويلها إلى كتاب حتى عادت طفلتي الثانية إلى المنزل، وهي تغني أغنية تقول في أحد مقاطعها: “وها هو الساطور يأتي، ليقطع رأسك!” ثم أخبرني أحدهم أن أغنية “Ring a Ring o’ Roses” تتحدث عن الطاعون. فكرت على الفور أنه لا خيار لي إلا أن أعرفها على أغنية للأطفال لا تتعلق بقطع رؤوس الناس والأمراض الفتاكة. وهكذا جاءت قصة “دوهه يا دوهه” “. بالنسبة لعليا، قررت صياغة حكاية محلية تقليدية واختارت إعادة كتابة رواية عن جزيرة تسمى “الواق واق” وأوضحت: “كنت من ضمن مشروع لتأليف كتاب بالشراكة مع المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، وكنا عشرة كتاب إماراتيين. اجتمعنا معاً، وكنا نريد تجميع كافة القصص المختلفة من الفولكلور الإماراتي. بدأنا في قراءة القصص التراثية والإصدارات المختلفة منها، مدركين أن القصص الساحلية كانت تختلف عن قصص البدو في المناطق الداخلية. وبمجرد اختياري لقصة “جزيرة الواق واق” التي كان والدي يقرأها لي، بدأت في طرح أسئلة عن منشأ القصة، ومن خلال البحث أدركت أن بعض عناصر القصة ربما تم التقاطها من أفريقيا، أو من خلال العرب الذين كانوا في زنجبار”.
أصبح الارتقاء بالأدب العربي والخليجي، وتحديداً ما يتعلق بالثقافة المحلية، موضوع نقاش له أهمية كبيرة، وتعمل الحكومات الخليجية على توسيع المبادرات في هذا المجال. وتبقى هناك حاجة لدعم مؤلفي أدب الأطفال، ولا سيما دعمهم مادياً، للارتقاء بصناعة ما تزال فتية لتصل إلى المهنية. لقد مرت فترة طويلة من الركود فيما يتعلق بإنتاج الأدب العربي، وخاصة أدب الأطفال. ولكن اليوم، مع وجود جيل جديد من المؤلفين الذين يتتلمذون على أيدي كتابٍ أكثر خبرة، فإن مستقبل أدب الأطفال أصبح واعداً.
مع اقتراب عام 2024 من نهايته، لا يزال عدم اليقين يخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الذي جاء أقل من المتوقع، والتطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة.
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.