ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع انتهاء السنة الأولى للرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، وبعد النكسات العسكرية التي الحقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها السوريون بتنظيم “الدولة الإسلامية” بما في ذلك استئصال الإرهابيين من “عاصمة” الخلافة المزعومة في مدينة الرقة السورية، أعلنت الولايات المتحدة للمرة الأولى أنها ستُبقي قواتها العسكرية التي يزيد عددها عن الفي عنصر في شمال شرق سوريا إلى أجل مفتوح.
هذا الموقف يتعارض مع طروحات وتصريحات المرشح ترامب خلال حملته الانتخابية. القوات الأمريكية ستبقى في سوريا لتفادي الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عندما سحبت قواتها بشكل مبكر من العراق، وخلقت المناخ الذي سمح بتحول تنظيم القاعدة إلى “الدولة الإسلامية”، وكما انسحبت عسكريا وسياسيا من ليبيا بعد مشاركتها في الحرب الجوية التي عجَّلت في الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، وتركت فراغا سياسيا وأمنيا لا تزال تعيش في ظله ليبيا حتى اليوم. ولكن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، يواجه معارضة من نظام بشار الأسد في دمشق وحليفيه الرئيسيين إيران وروسيا. المفارقة هي أن الطرف الذي قد يتحدى هذا الوجود الأمريكي العسكري وحلفائه سياسيا وميدانيا، ليس أي من خصوم أمريكا التقليديين في المسرح السوري، بل من “حليفها” القديم تركيا. احتمال بروز تركيا كخصم عنيد للولايات المتحدة في سوريا، هو من بين الحقائق الميدانية غير المتوقعة وغير المقصودة التي برزت في سوريا بعد سبع سنوات من القتال الشرس، إضافة إلى احتمال تفاهم بين تركيا وإيران، وبدعم من روسيا، لتحدي الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا.
أحد الأهداف الرئيسية لواشنطن في سوريا، هو التصدي للنفوذ الإيراني السياسي والعسكري في تلك البلاد والعمل على إضعافه بمختلف الوسائل، باستثناء الدخول في حرب مع إيران في سوريا. اللافت هو أن قرار إبقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، قد اتخذ دون أن يحظى بنقاش مسبق من قبل قيادات ولجان الكونغرس المختصة، ودون أي مساهمة علنية بهذا الشأن من قبل الرئيس ترامب. وقالت مصادر تتابع المداولات بين وزارتي الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي حول سوريا أن الرأي السائد في هذه الأوساط هو أن انسحاب القوات الأمريكية في أي وقت قريب سيفسر على أنه انتصار كامل لروسيا وإيران، وسوف يسهل على إيران اقامة “جسر بري” يصلها عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط. ويعتقد أنه تم اقناع الرئيس ترامب بإبقاء القوات الأمريكية في سوريا، باسم التصدي للنفوذ الإيراني هناك.
هذا الموقف الأمريكي الجديد طرحه وفسره وزير الخارجية ريكس تيلرسون يوم الأربعاء في خطاب رئيسي القاه في مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا. وشدد تيلرسون على أن أهداف الولايات المتحدة الآنية تشمل مواصلة محاربة فلول تنظيم الدولة الإسلامية، وضمان عدم بروزهم من جديد، إضافة إلى تدريب قوة أمنية جديدة تعتمد على متطوعين حاربوا معها ضد إرهابيي الدولة الإسلامية من الذين كانوا منضوين تحت لواء قوات سورية الديمقراطية من سوريين عرب وأكراد. ومن المتوقع أن يصل عدد هذه القوة إلى حوالي 30 ألف عنصر. وكان مسؤولون عسكريون أمريكيون قد وصفوا هذه القوة في السابق بأنها قوات حرس حدود، سوف تنتشر على الحدود السورية-التركية-العراقية. رد الفعل التركي الرسمي كان سريعا وعنيفا على لسان الرئيس رجب طيب اردوغان الذي قال إن “تركيا سوف تخنق جيش الإرهاب هذا قبل ولادته”. وترى تركيا أن القوات الكردية في سوريا هي امتداد لحزب العمال الكردستاني في تركيا الذي تصنفه واشنطن وأنقرة تنظيما إرهابيا. هذا الرفض التركي المطلق للجيش الكردي بمعظمه، دفع بتيلرسون للتأكيد للمسؤولين الأتراك أن واشنطن لا تقوم بتدريب حرس حدودي (مع أن ضباط أمريكيين قالوا ذلك بوضوح) بل تدريب عناصر محلية بهدف تأهيلها لمواجهة أي إرهابيين من تنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة وفروعها من العودة إلى المناطق المحررة.
خطاب تيلرسون، للوهلة الأولى يبدو وكأنه يمثل استراتيجية أمريكية جديدة تجاه سوريا، ولكنه بعد قراءة متأنية لا يرقى إلى هذا المستوى، وإن كان يتضمن عناصر أو أدوات أمريكية جديدة تأمل واشنطن باستخدامها في تعاملها مع الأزمة السورية، بما في ذلك مستقبل نظام بشار الأسد. وفقا لخطاب تيلرسون، تأمل واشنطن في تحقيق خمسة أهداف في سوريا: إلحاق هزيمة نهائية بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، حل النزاع السوري وفق عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة تؤدي إلى إقامة دولة موحدة ومستقرة ومستقلة في سوريا في مرحلة ما بعد نظام الأسد، وتخفيض النفوذ الإيراني، “وحرمانهم من القوس الشمالي” (العبارة الأخرى للجسر البري)، وخلق الظروف التي تسمح للاجئين والمقتلعين بالعودة إلى ديارهم، وأن تكون سوريا الجديدة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد قال لنا في حوار خاص إن إدارة الرئيس ترامب “لا تدرك مع من تتعامل في سوريا. هل يمكن للولايات المتحدة أن تحقق هذه الأماني والطموحات في سوريا من خلال الاعتماد على ألفي عسكري؟ هل سنبقى هناك إلى حين وضع دستور سوري جديد وإجراء انتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة؟ فوق أي كوكب يعيشون؟ ألا يدركون أن الأمم المتحدة غير قادرة الآن على إيصال المواد الغذائية إلى منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة؟”. ويرى السفير فورد وغيره من المحللين الذين يتابعون الأوضاع في سوريا عن كثب أنه إذا لم تتم معالجة الأزمة المتفاقمة بين واشنطن وأنقرة بسرعة فأنها مرشحة لإحداث شروخ عميقة أكثر بين البلدين، وخاصة إذا نفذت تركيا تهديدها باللجوء إلى القوة العسكرية لضرب حلفاء أمريكا في سوريا وتحديدا الأكراد. ويراقب المسؤولون الأمريكيون بقلق متزايد تهديدات تركيا بضرب مدينة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد، ولكن واشنطن قد لا تستطيع الضغط على تركيا لتعليق الخيار العسكري. المفارقة اللافتة الآن، هي أن موسكو أصبحت في موقع أفضل من واشنطن للتأثير على القرار التركي.
ويرى السفير فورد أن تركيا بمختلف أطيافها السياسية تعارض تمكين الأكراد في سوريا، ويشير إلى أنه على واشنطن أن تتعامل مع تركيا بحذر، ويضيف “وعلى إدارة الرئيس ترامب أن تتفادى اللعب بالنار مع تركيا. صحيح أن تركيا بحاجة إلى الغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ولكن سلوك الرئيس أردوغان في السنوات الأخيرة أصبح متهورا ولا يمكن التنبؤ به، ومع ذلك فإن تركيا تبقى دولة هامة”. ويتابع فورد، المحاضر في جامعة ييل بولاية كونيتيكت، أنه على واشنطن أن تحافظ على علاقات جيدة مع أكراد سوريا “، ولكن يجب الّا نفعل ذلك على حساب علاقاتنا مع تركيا”. ورأى فورد أن مقولة حرمان إيران من “الجسر البري” إلى المتوسط لا تتم من خلال ألفي جندي فقط، وأن نشر هذا العدد المحدود من العسكريين الأمريكيين لا يعكس جدية واشنطن بتحقيق الأهداف الخمسة التي تحدث عنها تيلرسون. ويضيف “بما في ذلك التصدي لنفوذ إيران السلبي في سوريا، وهي مهمة صعبة وتتطلب سياسة بعيدة المدى وموارد تتخطى كثيرا ما تستخدمه إدارة ترامب حاليا”. ويتسائل فورد، هل تسعى الولايات المتحدة إلى حراسة حدود العراق من داخل سوريا، وكأن العراق بتركيبته السياسية الراهنة ليس مقربا جدا من إيران؟. ويشكك فورد ببقاء القوات الأمريكية في سوريا، في حال تعرضها لأعمال إرهابية من أكثر من مصدر، بما في ذلك الاستخبارات السورية. ويتابع “لا إدارة ترامب ولا الشعب الأمريكي سيقبلون بخسائر أمريكية في الحسكة على سبيل المثال؟ ومن من الأمريكيين يعرف الحسكة، أو يهتم بمستقبلها؟” ويرى فورد أن “معضلة الولايات المتحدة الآن هي أنها تتعامل مع أطراف معادية لها في سوريا ومحيطها وإن بمستويات مختلفة، وهذا يشمل ليس فقط النظام السوري، بل روسيا وإيران وحتى العراق وتركيا”.