في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، عاد مسلم البراك، أبرز شخصية معارضة في الكويت، إلى البلاد بعد ما يقارب الأربع سنوات في المنفى في تركيا، من المحتمل أن يضع هذا نهاية لواحدة من أكثر الأزمات السياسية استعصاء على الحل في الكويت منذ الغزو العراقي في عام 1991. كان البراك واحدًا من عشرات من النشطاء وأعضاء مجلس الأمة السابقين، الذين عادوا إلى الكويت بعد أن أصدر الأمير عفوًا خاصًا عن عدد من أعضاء المعارضة في المنفى المدانين بتهم مختلفة.
وقد كانت أحد أهم تجليات الأزمة السياسية، عقوبات قاسية تم فرضها في عام 2017 بحق مجموعة من النشطاء والنواب الذين اقتحموا مجلس الأمة في عام 2011. جاء ذلك الاقتحام في ذروة حركة احتجاجية ضد ناصر المحمد الصباح، رئيس الوزراء في ذلك الحين، ردًا على فضيحة فساد تورط فيها مع العديد من النواب المؤيدين للحكومة، وكانت تلك الاحتجاجات مستوحاة، جزئيًا، من انتفاضات الربيع العربي في المنطقة. كانت الأحكام بحق الذين اقتحموا مجلس الأمة متوقعة، لذلك غادر معظمهم البلاد كنوع من الإبعاد الاختياري، الذي فرضوه على أنفسهم، قبل أن تصدر بحقهم أحكام بالسجن. شكلت قضية العفو عن المدانين بدخول المجلس عنوةً، عنواناً أساسياً للمعارضة في مجلس الأمة ابتداءاً من عام 2016. حيث حرصت المعارضة على تأمين العفو عن المدانين في القضية عن طريق قانون للعفو العام. لكن العفو جاء في نهاية المطاف بمرسوم أميري وليس بتصويت برلماني.
قد يشير هذا العفو، إلى النهاية المحتملة لأطول أزمة سياسية في تاريخ الكويت، وإلى بداية حقبة جديدة من التعاون بين السلطة التنفيذية (وهو مصطلح في المعجم السياسي للكويت يشمل رئيس الوزراء ومجلس الوزراء والأمير) والسلطة التشريعية. ومع ذلك، هناك العديد من العوامل التي ستؤثر على ما إذا كان العفو سيمهد الطريق لعلاقات أكثر سلاسة بين السلطتين، ومنها مصير النشطاء المدانين بتهم سياسية، والقوانين التي تعتبرها المعارضة قمعية وتتطلب التعديل أو الإلغاء، وتفكك المعارضة الذي يظهر عجزها المستشري عن التنسيق، والتحكم في الأجندة التشريعية، والصدمات الخارجية غير المتوقعة التي يمكن أن تعرقل جهود التعاون.
هل انتهت الأزمة حقًا؟
أعطت التغطية الإعلامية الكويتية في البداية الانطباع بأن عودة البراك، والمبعدين الآخرين، من تركيا إيذان بنهاية الأزمة السياسية. ومع ذلك، ما يزال هنالك الكثير من القضايا العالقة دون حل. فمثلاً، أكد النائب السابق في مجلس الأمة صالح الملا في تغريدة بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني على أن الأزمة لم تنته بعد لأن العديد من النشطاء ما يزالوا مسجونين بتهم سياسية. وكرر المحامي البارز محمد المقاطع هذه النقطة. وهناك أنباء، حاليًا، عن احتمال تعليق العفو عن بقية النشطاء ردًا على بعض التعليقات المفرطة في الحماسة من قبل بعض أعضاء المعارضة المتشددة.
علاوة على ذلك، فهذه ليست القضية الوحيدة العالقة بالنسبة للمعارضة. فقد أصدر مجلس الأمة المنتخب عام 2013، والذي تم مقاطعته من قبل المعارضة، العديد من القوانين التي فرضت قيودًا على الحريات المدنية، وإجراءات عقابية صارمة على المخالفات السياسية. تم تعديل العديد من هذه القوانين أو إسقاطها، والمثير للسخرية أن ذلك تم من خلال مناورة سياسية للحكومة (رئيس الوزراء ومجلس الوزراء). ومع ذلك، لا يزال هناك تعديل رئيسي لقانون الانتخابات الكويتي، الساري المفعول، يحول دون ترشح الأشخاص الذين أدينوا بتهمة إهانة الأمير للانتخابات في المستقبل. وهذه من القضايا الهامة للمعارضة لأنها تحدد، بدرجة كبيرة، المستقبل السياسي للنواب السابقين الذين تم العفو عنهم. ربما يثبت أنه سيكون للخلافات حول هذه المسألة انعكاساتها على العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت.
المعارضة المنقسمة
في حين يشير الإعلام إلى الكتل البرلمانية المعارضة، التي تشكلت بعد انتخابات مجلس الأمة، على أنها “معارضة” جماعية، إلا أن هذا لا يعني أنها تشكل جبهة موحدة. فهناك فوارق دقيقة تميز هذه الكتل عن بعضها البعض، وهي دائمًا إما تنقسم إلى كتل فرعية أو تفشل في احتواء النواب المستقلين في مجلس الأمة، والذين، غالبًا، ما تحيد أفعالهم عن الأجندات الرئيسية للكتل السياسية والبرلمانية.
على سبيل المثال، كان مجلس الأمة في فبراير/شباط 2012 يتضمن كتلة معارضة مكونة من حوالي 35 نائبًا، وكانت تصف نفسها بأنها كتلة الأغلبية. ومع ذلك، لم تتمكن الكتلة، في نهاية المطاف، من منع ثلاثة من أعضائها من العمل بشكل مستقل، وطرح عدة استجوابات دون تنسيق مسبق.
حتى عندما أنهت المعارضة مقاطعتها لمجلس الأمة، التي استمرت لدورتين انتخابيتين (ديسمبر/كانون الأول 2012 و2013)، وأظهرت نفسها بقوة في انتخابات عام 2016، كان أداؤها في مجلس الأمة يشوبه شقاق كبير وانعدام للتنسيق. على سبيل المثال، طرح بعض أعضاء المعارضة قانون العفو العام، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على تصويت الأغلبية لتمريره، أو حتى إقناع العديد من أعضاء المعارضة بالتصويت لصالحه.
وينطبق نفس الأمر على مجلس الأمة الحالي، المنتخب في ديسمبر/كانون الأول 2020. فمن من الناحية الرسمية، هنالك كتلة معارضة، لكن أعضاءها يجسدون مقاربات مختلفة ومتباينة لبعض القضايا الرئيسية. تشرذمت الكتلة، في النهاية، إلى عدة مجموعات فرعية، تتخذ كل منها أجندةً ونهجًا مختلفين تجاه الحكومة.
لقد ازدادت حدة هذه الخلافات وأصبحت أكثر وضوحًا منذ الإعلان عن اتفاق العفو في 19 أكتوبر/تشرين الأول. اتهمت مجموعة من أعضاء البرلمان المتشددين عبيد الوسمي، النائب المعارض في مجلس الأمة، المعروف بكونه القوة المحفزة وراء اتفاق العفو، بتقديم تنازلات مفرطة إلى السلطة التنفيذية دون التنسيق مع بقية المعارضة. وتمتد هذه الانقسامات السياسية إلى المجموعة المنفية التي كانت في تركيا، وتحديدًا بين البراك، مؤسس كتلة العمل الشعبي، والنائب السلفي المستقل السابق فيصل المسلم. قام كلاهما بمحاولات لتوحيد المعارضة. حيث طلب البراك، صراحة، من المعارضة السعي إلى الوحدة خلال هذه الفترة العصيبة، وقال إن أعضاء المعارضة في مجلس الأمة سيجتمعون قريبًا. وقام شخصيًا بتحية المسلم، الزعيم المفترض لجناح المعارضة المتشدد على إثر عودته للكويت. ومع ذلك، فإن العديد من التعليقات والتغريدات الصادرة عن جناح المعارضة المتشدد، وكذلك الخطاب الناري الذي ألقاه المسلم عند عودته إلى الكويت، تشير إلى أن هذا الجزء من المعارضة ليس لديه مصلحة في المساومة مع السلطة التنفيذية، ما من شأنه أن يجعل وحدة المعارضة مجرد سراب.
وهذه الخلافات قد تعني بروز دينامية لجوء مجموعة صغيرة منشقة (المعارضة المتشددة) لاتباع سياسات تعطيلية، من شأنها الدفع نحو المزيد من التوتر مع السلطة التنفيذية. ومن الممكن أن تؤثر هذه الخلافات، أيضًا بشكل مباشر، على قدرة المعارضة على فرض أجندتها الخاصة في مجلس الأمة. سيكون هذا هو الحال، بشكل خاص، إذا لم تستطع المعارضة السيطرة على اللجان الرئيسية في مجلس الأمة.
المعركة من أجل الأجندة التشريعية
يمكن القول بأن تمكن المعارضة من السيطرة على الأجندة التشريعية، وبالتالي التشريع، بصورة فعالة، مرهون بقدرتها على التنسيق وسيطرتها على اللجان التشريعية الرئيسية، وحسن نية الحكومة وتمكنها من السيطرة على النواب الموالين لها، والصدمات الخارجية. يمكن لهذه العوامل أن تؤدي إلى تجدد المأزق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو الدفع نحو جولة أخرى من الصراع حول قواعد اللعبة.
بصرف النظر عن التقسيمات الفرعية داخل المعارضة، فإن مجلس الأمة منقسم الآن، بشكل عام، بين كتلة معارضة من 31 نائبًا وسبعة عشر نائبًا مؤيدًا للحكومة في البرلمان. من بين اللجان الدائمة السبع عشرة في مجلس الأمة، هناك ثلاث عشرة لجنة تخضع إما للسيطرة الكاملة، أو من خلال أغلبية بسيطة، لأعضاء المعارضة (مجموعة الـ 31)، بينما يتم التحكم في البقية من قبل مجموعة الـ 17. ومع ذلك، تختلف اللجان من حيث الأهمية والوزن، ومن الملفت أن اللجان ذات الأهمية الأكبر تخضع لسيطرة مجموعة الـ 17 أو أنها لا تزال موضع نزاع شديد.
وفي حين أن إحدى أهم اللجان في مجلس الأمة، وهي لجنة الشؤون التشريعية، يرأسها النائب المعارض عبيد الوسمي، إلا أن المعارضة لا تتمتع بالأغلبية في هذه اللجنة. وقد انسحب مهند الساير، أحد النواب المعارضين، من اللجنة متذرعًا بالإحباط بسبب عدم التنسيق بين كتلة المعارضة في اللجنة. علاوة على ذلك، فإن الوسمي موجود حاليًا في الخارج لأسباب طبية، وفي حالة غيابه، سيرأس اللجنة نائب الرئيس هشام الصالح، وهو أحد النواب المؤيدين بشدة للحكومة في مجلس الأمة. وعلى نفس المنوال، فإن لجنة الأولويات متنازع عليها هي الأخرى، بينما تسيطر مجموعة الـ 17 على لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بحزم.
ومن نافلة القول، أن مجرد السيطرة على اللجان لن يحدد مدى نجاح مجلس الأمة في التشريع نظراً لأن التنسيق بين المعارضة سيكون عاملاً حاسمًا أيضاً. تشير الدلائل حتى الآن إلى وجود انقسام شديد في المعارضة منذ البداية. يتمثل أحد الانقسامات الرئيسية مع مجموعة من تسعة نواب (مجموعة المسلم المتشددة) في مجلس الأمة ممن كان لهم دور حاسم منذ بداية تحركات الوسمي للعمل مع السلطة التنفيذية. ويبدو أن بعض أعضاء المعارضة خارج مجموعة التسعة، ولا سيما الساير، الذين أيدوا الوسمي، صراحة، في مبادرة الحوار، قد انفصلوا عنه بسبب التنافس على السيطرة على لجنة الشؤون التشريعية. علاوة على ذلك، يبدو أن نوايا بعض من أعضاء مجموعة التسعة متجهة نحو جولة أخرى من التعطيل، وغني عن القول إن هذه المجموعة قد لا تحظى، على الأرجح، بدعم أغلبية أعضاء المعارضة هذه المرة. ويقدم السجل السابق للمعارضة في مجلس 2016 مثالاً صارخاً على إمكانية تعطل العمل التشريعي للمعارضة بسبب الخلافات المستمرة بين أعضاء المعارضة، حتى في سياق لجنة شؤون تشريعية تسيطر عليها المعارضة.
هنالك بالطبع احتمال أن يتمكن الجناح المعتدل في المعارضة من التنسيق مع الحكومة ورئيس مجلس الأمة لتمرير أجزاء من أجندتها. لكن هذا الأمر يعتمد، إلى حد كبير، على حسن نية الحكومة، وقدرتها على منع النواب المقربين منها من حجب أو تشويه القوانين المقترحة، كما فعلوا مع مقترحات العفو خلال مجلس الأمة لعام 2016.
التغلب على العقبات؟
سوف يواجه مجلس الأمة الكويتي عقبات كبيرة في مسعاه الجاد من أجل التشريع. تعد خطوة الأمير في منح العفو لأعضاء المعارضة بداية على طريق تحسين العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإنهاء حالة الجمود السياسي، لكن تبقى العودة إلى الجمود السياسي المعتاد في الكويت احتمالاً يلوح في الأفق دوماً.