ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يتوقع المراقبون والخبراء في الشؤون الانتخابية أن يراقب حوالي 100 مليون نسمة المناظرة الأولى بين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب ما يعني أنها ستكون المناظرة التي سيراقبها أكبر عدد من الأمريكيين منذ المناظرة الأولى بين الرئيس جيمي كارتر ومنافسه الجمهوري رونالد ريغان في 1980 والتي راقبها أكثر من 80 مليون نسمة. وسوف تجري هذه المواجهة التي ستستمر 90 دقيقة في جامعة هوفسترا في نيويورك مساء الاثنين، وسوف يديرها الاعلامي التلفزيوني ليستر هولت. وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها ترامب منافسا واحدا لساعة ونصف، بعكس كلينتون التي لها باع طويل وخبرة قديمة في مثل هذه المناظرات، على مدى تاريخها كمرشحة لمقعد في مجلس الشيوخ، وكمرشحة رئاسية في 2008. كما مثلت كلينتون مرارا أمام لجان الكونغرس كوزيرة للخارجية، وواجهت أسئلة صعبة واحيانا عدائية. وفي اوكتوبر/ تشرين الاول 2015 مثلت كليينتون أمام اللجنة التي قامت بالتحقيق في حادثة بنغازي في مجلس النواب لحوالي 11 ساعة، حيث استفادت من خبرتها الطويلة في المبارزات الكلامية.
الصوت السلبي
وعشية المناظرة أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن كلينتون لا تزال متقدمة على ترامب، وإن كانت الهوة بينهما تتقلص لصالح ترامب، كما أن ترامب يتقدم على كلينتون في بعض الولايات التي كانت مضمونة في خانة كلينتون قبل اسابيع مثل كولورادو وفيرجينيا. وجاء في آخر استطلاع لمؤسستي ماكلاتشي وماريست أن كلينتون متفوقة على ترامب بسبعة نقاط (48 مقابل41)، ولكن هذه الارقام الجديدة تبين مدى انحسار تأييد كلينتون في الاسابيع الماضية، حيث كانت وزيرة الخارجية السابقة متقدمة على ترامب ب 15 نقطة في مطلع اغسطس/آب الماضي. وأظهر آخر استطلاع لصحيفة وال ستريت جورنال وشبكة التلفزيون أن بي سي نتائج مماثلة حيث بقيت كلينتون متقدمة على ترامب بستة نقاط. واللافت في هذه الارقام أنها تأتي بعد 10 ايام من كبوات هامة لكلينتون مثل وصفها لنصف مؤيدي ترامب بأنهم من “البائسين”، اضافة إلى اخفاء حقيقة تشخيصها بالتهاب رئوي ومحاولة التغطية على الوعكة الصحية التي اصيبت بها خلال مراسم ذكرى هجمات ايلول الارهابية. وأكد الاستطلاع ما تظهره مختلف الاستطلاعات السابقة أي أن أكثرية من الأمريكيين لديها موقف سلبي من كلينتون. ونتائج هذا الاستطلاع تؤكد من جديد أن هناك نسبة كبيرة من الأمريكيين سوف تدلي بصوت “سلبي” في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حيث قال 50 بالمئة من الذين سيصوتون لكلينتون أنهم سيفعلون ذلك لمنع انتخاب ترامب، بينما قال 51 بالمئة من الذين سيصوتون لترامب أنهم سيفعلون ذلك لمنع وصول كلينتون إلى البيت الأبيض.
هفوات المناظرات
وليس من المبالغة القولأان المناظرة التي ستجري قبل اقل من 7 اسابيع من موعد الانتخابات قد تتحول إلى الحدث الاهم في هذا السباق الرئاسي، لأن تاريخ هذه المناظرات الرئاسية يبين بمعظمه أن الانطباع الأول عن المرشح في المناظرة الأولى يبقى راسخا في اذهان أكثرية الناخبين. ومع أن المناظرات لا تحسم بالضرورة السباق إلى البيت الأبيض، الا أن بعضها كان محوريا إلى حد كبير في ايصال المرشح إلى البيت الأبيض. ففي أول مناظرة متلفزة بين مرشحين رئاسيين في 1960 بين نائب الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون ومنافسه الديموقراطي جون ف.كينيدي – التي فتحت حقبة جديدة في استخدام الاعلام المرئي، ورسم الشخصية العامة – بدا كينيدي مرتاحا امام الكاميرا التي كان ينظر اليها باستمرار خلال اجوبته، بينما بدا نيكسون وكأنه مرهق وهو يتصبب عرقا، وكأنه لم يحلق في الصباح. وما يذكره المؤرخون دائما هو أن الذين راقبوا المناظرة على شاشات التلفزيون قالوا أن كينيدي هو الفائز، بينما الذين استمعوا اليها عبر الاذاعات، فقد رأوا نيكسون هو الفائز. وهذا أول دليل حسي على أهمية الصورة والاسلوب، واحيانا تفوقهما على المضمون. في الواقع نيكسون لم يبال بنصائح مستشاريه بشأن الاسلوب والصورة، قائلا إن الضمون هو الاهم. وساهمت هذه المناظرة بشكل ملحوظ في تعزيز فرص كينيدي بالفوز في الانتخابات. وبعد 16 سنة من المناظرة الكارثية لنيكسون، ارتكب الرئيس جيرالد فورد خطأ فادحا في المناظرة ضد منافسه المغمور آنذاك حاكم ولاية جورجيا جيمي كارتر، ساهم جدا في خسارته للانتخابات. وجوابا على سؤال حول النفوذ السوفياتي في اوروبا الشرقية، ادعى فورد أنه ” لا يوجد هناك سيطرة سوفياتية على اوروبا الشرقية”.وأصر فورد على موقفه هذا حتى بعد أن ابدى المذيع استغرابه وكرر سؤاله. وبقي هذا الجواب الخاطيء مهيمنا على الحملة الانتخابية، وساهم في خسارة فورد للانتخابات. وتعتبر الهفوات المتعلقة بالحقائق والاحداث أكثر ضررا من الهفوات والكبوات المتعلقة بالتقويم والاراء.
في مناظرتي 1960 و1976 كانت التوقعات عالية بفوز المرشحين المعروفين اللذين كانا يحتلان مناصب مسؤولة، وهذه التوقعات تفرض ظلها الثقيل على المرشح المتقدم أكثر مما تفرضه على المرشح المتحدي. وبما أن كلينتون متقدمة في استطلاعات الرأي، ولديها خبرة سياسية عملية طويلة ومتشعبة، اضافة إلى معرفتها بتعقيدات السياسات الداخلية والخارجية، يتوقع العديد من المحللين –والناخبين- أن يكون ادائها أفضل بكثير من اداء ترامب. وجاء في استطلاع في مطلع الشهر الجاري أن 53 بالمئة من الناخبين يعتقدون أن اداء كلينتون سيكون افضل من اداء ترامب، بينما رأى 43 بالمئة العكس.
أي ترامب؟
لدى حملة كلينتون ملفات كبيرة تحتوي على التناقضات الصارخة في مواقف ترامب، واخطائه السافرة، اضافة إلى اهاناته الجارحة ضد خصومه الجمهوريين خلال الانتخابات الحزبية، وتصريحاته اللاذعة والشخصية ضد كلينتون . ومن المتوقع أن تستخدم كلينتون كلمات ومواقف ترامب ضده في المناظرة، كما تفعل الان في دعاياتها التلفزيونية، الا أنها تدرك أن ذلك قد لا يكون كافيا لجرح ترامب، لأن هذا الاسلوب لم ينجح كثيرا عندما استخدمه خصوم ترامب من الجمهوريين. ولذلك من المتوقع أن تلجأ كلينتون بهدوء إلى استفزازه من خلال اصرارها مثلا على مطالبته بالكشف عن سجله الضرائبي، أو التلميح بأنه يكذب بشأن ثروته، أو السخرية من ثنائه المفرط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكي يتصرف بشكل عدائي “وغير رئاسي”، ويؤكد مخاوف تلك الشريحة الصغيرة من الناخبين المستقلين من الذين لم يحسموا موقفهم، او الذين كانوا ينتظرون المناظرة الاولى لكي يقرروا لمن سيصوتون .
ولكن المشكلة الكبيرة التي تواجهها كلينتون وحملتها، هي أنهم اضافة إلى المحليين، لا يعرفون “أي ترامب” سوف يشاهده الناخبون مساء الاثنين: ترامب العدائي والساخر من منافسيه، والذي يقاطعهم بقسوة ويتلذذ باهانتهم، أم ترامب الهاديء نسبيا والذي يتبع نصائح مستشاريه بأن يتصرف بمسؤولية وكرامة تليق بمرشح يريد أن يحظى ليس فقط بتأييد الناخبين بل باحترامهم ليقود البلاد؟ صحيح أن ترامب العدائي كان هو الوجه الابرز خلال السنة الماضية، ولكن من الصحيح أيضا أنه قادر، ولو لفترة وجيزة على ضبط نفسه. ولذلك لا أحد يعرف ما اذا كان ترامب سوف يذهب إلى نيويورك لمناظرة كلينتون لتحقيق انتصار انتخابي، أم سيحمل معه سيفا غير مرئيا ليرغمها على مبارزة دموية لا تتحكم بها أي قيود ومحاولة حسم السباق قبل اسابيع من موعد الانتخابات؟
المسؤولون في حملة كلينتون يقولون إن جزءا من تدريباتها المكثفة يشمل مناظرات تحضيرية مع ترامب العدائي ومع ترامب الهاديء نسبيا. وبعكس كلينتون التي لديها فريق كبير من الخبراء في المناظرات والمسؤولين السابقين الذين شاركوا في حملاتها السابقة، والذين سيساعدوها في التحضير للمناظرة لاربعة ايام قبل موعدها، فأن ترامب يرفض المشاركة في أي مناظرات وهمية، أو حفظ الاجوبة المعلبة لاستخدامها للرد على الاسئلة المتوقعة، ويقول إنه سيعتمد على حدسه، وعلى ما يعتبره قدرته الكبيرة على الرد السريع والارتجالي على أي مواقف أو تحديات تصدر عن كلينتون. وسوف يخصص ترامب يوما واحد للتحضير للمناظرة. كما سيعتمد ترامب على خبرته في استغلال الكاميرا التلفزيونية لصالحه، وشخصيته الصدامية واسلوبه المباشر، الذي يعتمد الردود العمومية ونبذ الدخول في التفاصيل الدقيقة للقضايا السياسية والاقتصادية المعقدة. وبما ان المسؤولين في حملة ترامب يدركون ضعفه في ما يتعلق بمعرفة دقائق وتفاصيل القضايا المتنوعة الداخلية والخارجية التي ستناقش في المناظرة، فانهم نصحوه بتفادي التفاصيل التي يمكن أن تجعله يكبو بشكل صارخ، وأن يركز على “الصورة الكبرى” أي الحديث بشكل عام عن تصميمه على مكافحة الارهاب، ووقف الهجرة غير القانونية، ورفض اتفاقات التجارة الدولية غير المنصفة لأمريكا، اضافة إلى التركيز على نقاط ضعف كلينتون، وتحديدا مسألة التشكيك بصدقيتها، وكيفية استخدامها لبريدها الالكتروني الخاص خارج اشراف وزارة الخارجية، وتحميلها مسؤولية بعض سياسات أوباما التي تلقى صدى ايجابيا في اوساط قاعدته الانتخابية وفي اوساط بعض الناخبين المستقلين، مثل المشاركة الأمريكية في الحرب التي اسقطت العقيد معمر القذافي في ليبيا، ومقتل السفير الأمريكي في بنغازي، وبروز “الدولة الاسلامية” (داعش) والاعمال الارهابية في اوروبا والولايات المتحدة في السنوات الماضية، مع أن كلينتون هي خارج الحكم منذ 4 سنوات.
لا نعلم أي ترامب سوف يخاطب الأمريكيين مساء الاثنين، أو ما اذا كان قادرا على الصمود لتسعين دقيقة في مواجهة خصم – ومذيع تلفزيوني مخضرم- سوف يطالبانه باعطاء أجوية جدية ومفصلة وليس ترديد شعارات عامة. ولا نعرف ما هي النبرة التي ستستخدمها كلينتون في مواجهة ترامب، هل ستستخدم اسلوب اللكمات القوية لتحقيق ضربة قاضية، كما حاولت لاكثر من مرة في مناظراتها ضد خصمها في الانتخابات الحزبية بيرني ساندرز، أم ستكون هادئة ومنضبطة وغير صدامية لكي لا تعمق الانطباعات بأنها تميل احيانا لرفع صوتها والتحدث بغضب واضح والتصرف بشكل دفاعي كما رأيناها في السباق. مساء الاثنين سوف نعلم ببعض اليقين، من سيدخل إلى البيت الأبيض في 20 من يناير/كانون الثاني 2017.