ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
شهدت واشنطن يوم الخميس حدثا تاريخيا تزامن مع الذكرى المئوية لقرار الكونغرس الأمريكي في 1919 اعطاء المرأة حق التصويت، الذي مارسته للمرة الأولى في 1920. ظهر الخميس أدلت نانسي بيلوسي التي تمثل مقاطعة في ولاية كاليفورنيا منذ 1987 قسم اليمين رئيسة لمجلس النواب للمرة الثانية، بعد أن انتخبت للمنصب ذاته للمرة الأولى في 2007، وأصبحت بذلك أول امرأة تتبوأ هذا المنصب البارز في الحكومة الأمريكية، وهو المنصب الثالث في تسلسل السلطات الدستورية بعد الرئيس ونائبه. وتُعد إعادة انتخاب بيلوسي للمرة الثانية لرئاسة المجلس المرة الأولى منذ اعادة انتخاب النائب الديمقراطي المشهور سام ريبورن مرة ثانية في 1948.
المجلس الأكثر تنوعا في تاريخ البلاد
وهناك فارق ملحوظ بين مجلس النواب الذي ترأسته بيلوسي للمرة الأولى في 2007، والمجلس الجديد، وهو أن المجلس الذي انتخبه الأمريكيون بأكثرية تاريخية في نوفمبر- تشرين الثاني الماضي هو المجلس الأكثر تنوعا في تاريخ الجمهورية الأمريكية اجتماعيا، وإثنيا ودينيا وتحديدا النسبة العالية لتمثيل المرأة فيه، والتي وصلت إلى 102، من أصل 435 عضوا وهي الأعلى في تاريخ المجلس من بينهن 35 امرأة انتخبن للمرة الأولى. وبين بيلوسي البالغة من العمر 78 سنة، وأصغر أمرأة الكساندريا اوكاشيا كورتيز البالغة من العمر 29 سنة، هناك رشيدة طليب أول نائبة أمريكية من أصل فلسطيني التي ادلت قسم اليمين على نسخة من القرآن كان يملكها الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون وهي ترتدي ثوب والدتها الفلسطيني التقليدي، والهان عمر المولودة في الصومال والتي جاءت إلى الولايات المتحدة كطفلة لاجئة، اقسمت اليمين وهي ترتدي الحجاب، بعد أن غيّر مجلس النواب إحدى قواعده التي تمنع أي عضو من وضع أي غطاء فوق الرأس مثل القبعات أو القلنسوات أو الحجاب. وللمرة الأولى في تاريخ مجلسي النواب انتخبت امرأتان متحدرتان من السكان الأصليين في أمريكا. وفي مشهد مؤثر بعد قسم اليمين جرى عناق طويل بين المرأتين ذرفت فيه الدموع، وقامت إحداهن باستعمال أكمام الأخرى لمسح دموعها. وكان هناك عدد ملحوظ من النساء من أصل أفريقي أو أمريكي لاتيني انتخبن في مجلس النواب كممثلات عن مقاطعات وولايات أكثرية ناخبيها من البيض، في تطور سياسي بالغ الأهمية. ونشرت الصحف صورة لطاولة وضعت فوقها نسخ من مختلف الكتب الدينية مثل الإنجيل والقرآن بأكثر من لغة، والكتب المقدسة للأديان الأخرى ونسخ من الدستور الأمريكي الذي استخدمه النواب الملحدون لقسم اليمين، في مؤشر رمزي على التنوع والتعددية الأمريكية الجديدة. ولكن المشهد الأمريكي الديموغرافي يوم الخميس عكس أيضا حقيقة مرّة لا يمكن تجاهلها، وهي أن أمريكا في 2019 هي في الواقع أمريكتان: أمريكا التي عكسها إلى حد كبير مجلس النواب الجديد، أمريكا الملّونة، ذات الخلفيات الإثنية والدينية المختلفة، الشابة والتقدمية التي تقبل الهجرة المنظمة والتي تريد إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية وتشريعية لخدمة مصالح الطبقة الوسطى والعاملة، في مواجهة أمريكا الأخرى، الأكبر سنا، والأكثر بياضا وشحوبا، والأكثر مسيحية ومحافظة ويمينية والرافضة لقبول التغييرات الديموغرافية التي شهدتها البلاد والتي تعبر عن ذلك بخوفها من المهاجرين من غير الأصول الأوروبية.
بدايات صعبة
التوفيق بين هذين النموذجين لأمريكا لن يكون سهلا أو سريعا أو حتى دون وجع، وخاصة بوجود سياسيين وقادة مثل الرئيس دونالد ترامب والأقطاب البارزين والمتشددين في حزبه في الكونغرس مثل زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل. هذه التفاصيل التي شاهدها ولمسها الأمريكيون في الأيام الماضية تنضح بالتطورات والرموز التاريخية وسوف تخيم بثقلها وظلالها الكبيرة فوق مجلس النواب في السنتين المقبلتين حتى انتخابات الرئاسة في 2020، وسوف تؤثر إلى حد كبير ليس فقط على المستقبل الشخصي للرئيس ترامب وما إذا كان سيكمل ولايته الدستورية، أم سيضطر إلى الاستقالة، أم سيقوم مجلس النواب بمحاكمته، إذا تضمن تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، الذي يحقق بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، وما إذا كان الرئيس أو بعض مساعديه قد تورطوا في هذه المؤامرة، أم حاول ترامب التغطية على التحقيق، أو أن ترامب سيكمل ولايته، مع ما يعنيه ذلك أيضا من مواجهات ملحمية بينه وبين بيلوسي. وكما يعلم الجميع للرئيس ترامب تاريخ حافل بالعلاقات المعقدة وغير المستقيمة مع النساء، فهو معروف بلغته البذيئة والمهينة للمرأة، وهو تعرض لاتهامات شخصية وقضائية من أكثر من امرأة بتهم التحرش الجنسي بهنّ، وكما هو موثق، حيث قدّم ترامب عبر محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين رشاوى مالية لشراء صمت أكثر من امرأة قبل الانتخابات حول علاقاته الجنسية بهن. وهذه هي المرة الأولى في حياته الطويلة، يواجه ترامب الذي كان يتلذذ بإهانة منافسته لمنصب الرئاسة هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أعلى امرأة تنتخب لمنصب سياسي في تاريخ البلاد، وتتمتع ليس فقط بقدرة تكتيكية لا نظير لها على السباحة في المياه الصاخبة للكونغرس الأمريكي والتعامل الفعال مع قواعده المعقدة وتياراته السياسية المختلفة، بل أيضا بخبرة سياسية وحنكة قيادية جعلتها برأي العديد من المراقبين أقدر شخصية سياسية أمريكية في العقود الأربعة الماضية.
قبل سيطرتهم الرسمية على مجلس النواب، وضع المشرعون الديمقراطيون مجموعة مقترحات ومشاريع قوانين عديدة لإحداث تغييرات سياسية وإدارية ومالية في مختلف القطاعات ومحاولة إقرارها بأسرع وقت ممكن. ولكن ذلك كان قبل المواجهة التي تسبب بها الرئيس ترامب قبل ثلاثة أسابيع وأدت إلى “إغلاق” مرافق حكومية قادت إلى توقف الرواتب عن أكثر من 800 ألف موظف حكومي، وتعطيل عمل أجهزة ومؤسسات حكومية مختلفة. سبب الخلاف هو إصرار الرئيس ترامب على ارغام الديمقراطيين – ومحاولة انشغالهم بقضايا هامشية تمنعهم من تحقيق اصلاحاتهم المنشودة- على قبول طلبه تخصيص أكثر من خمسة مليارات دولار لتمويل بناء الجدار العازل على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وهو طلب يرفضه الديمقراطيون بقوة ويعتبرونه حلا “من القرون الوسطى” لمشكلة في القرن الحادي والعشرين. وكان ترامب خلال حملته الانتخابية وحتى بعد انتخابه يتبجح بأنه سيرغم المكسيك على دفع كلفة الجدار الذي قدرت كلفته بحوالي 25 مليار دولار. وأخفق ترامب خلال أول سنتين له في البيت الأبيض وعلى الرغم من سيطرة حزبه على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس بتخصيص الاعتمادات المالية لبناء الجدار، نظرا لوجود معارضة وإن كانت محدودة من قبل المشرعين الجمهوريين لتمويل جدار كان يفترض أن تموله المكسيك، بحسب دعوات ترامب خلال حملته الانتخابية. وتبين استطلاعات الرأي أن حوالي ثلاثة أرباع الأمريكيين يعارضون بناء الجدار. وخلال أول اجتماع بعد الانتخابات بين ترامب وبيلوسي، فضلا عن زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر، كرر ترامب تهديداته التي كان يرددها يوميا تقريبا بأنه سوف “يغلق” الحكومة، وأنه سوف يتحمل مسؤولية قراره. اللافت، هو أنه قبل نهاية دورة الكونغرس السابق جرى تفاهم مؤقت بين الحزبين والمجلسين لإقرار ميزانية مؤقتة لتمويل الأعمال الحكومية حتى فبراير- شباط المقبل لإعطاء جميع الأطراف المزيد من الوقت للتوصل إلى تفاهم حول مسألة الجدار، وكان من المتوقع أن يوقع ترامب على الاتفاق، ولكنه بعد أن تعرض إلى انتقادات قاسية من بعض المعلقين اليمينيين الذين يعكسون المواقف المتشددة لقاعدته الانتخابية الضيقة –التي لا تزيد عن 35 بالمئة من الناخبين- تراجع ترامب عن موقفه وعاد للتمسك بشرطه بالحصول على المليارات الخمسة. في الاجتماع الأول أوضحت بيلوسي لترامب أنها لن ترضخ للابتزاز. وكررت موقفها بعد اجتماع ثان. ويوم الخميس وبعد أن أصبحت رسميا رئيسة لمجلس النواب أجابت بسخرية واضحة على سؤال طرح عليها عن مبلغ الدولارات التي يمكن أن تقبل بها كتسوية لتمويل بناء الجدار، وقالت “دولار واحد”. واستدركت باستياء واضح قائلة إن الجدار “غير أخلاقي” ولا يعكس حقيقة أمريكا.
وسارع المجلس الجديد إلى إحياء صيغة التفاهم التي وافق عليها الحزبان ورفضها ترامب، لكي تقدم من جديد إلى مجلس الشيوخ، على الرغم من تأكيدات زعيم الأغلبية الجمهورية السيناتور ماكونيل أنه لن يعتمده طالما واصل ترامب على رفضه. وكان ترامب قد قال لبيلوسي وشومر في اجتماعهم الأخير أنه إذا تراجع عن اصراره فإنه سيبدو “كالمغفل” أمام قاعدته. ويعتقد أن الاستياء الشعبي المتزايد من إغلاق الحكومة، ووجود شريحة كبيرة من المواطنين الأمريكيين الذين يحملون ترامب مسؤولية المأزق قد ترغمه على قبول تسوية تسمح له بالادعاء بأنه حقق انتصارا إجرائيا، ولكن دون حصوله على تنازل حقيقي من الديمقراطيين.
تخبط جديد في سياسة ترامب الخارجية
تزامن استلام الديمقراطيون لمجلس النواب مع تخبط جديد في سياسات ترامب الخارجية تمثل في مضاعفات إعلانه عن سحب القوات الأمريكية من سوريا “خلال شهر”، وعزمه على تقليص عديد القوات الأمريكية المنتشرة في أفغانستان إلى النصف، أي سحب سبعة آلاف عسكري. هذه المواقف الاعتباطية الأحادية الجانب التي أعلنها ترامب في تغريداته ودون استشارة مساعديه العسكريين والسياسيين أو الحلفاء، أدت إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس والمبعوث الخاص لتنسيق الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بريت ماكغورك، فضلا عن استياء حلفاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط، وإن حظي بارتياح وترحيب في روسيا وتركيا وإيران ومن حكومة الأسد في دمشق. هذا الاستياء أرغم ترامب على التراجع بعض الشيء والقول إن الانسحاب من سوريا لن يكون سريعا، وإن أمريكا ستواصل حربها ضد إرهابيي “الدولة الإسلامية” وأدى إلى إيفاد مستشار الأمن القومي جون بولتون بسرعة إلى إسرائيل وتركيا لمناقشة الانسحاب الأمريكي من سوريا، وكيفية التنسيق مع الحلفاء ضد عودة “الدولة الإسلامية”، و”مواصلة مواجهة السلوك الإيراني المؤذي في المنطقة” كما قال بولتون في تغريدة له.
ويوم الجمعة أعلنت الخارجية الأمريكية أن الوزير مايك بومبيو سيقوم بجولة شرق أوسطية تشمل زيارة ثماني دول هي الأردن ومصر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية وعمان والكويت. وسوف يناقش بومبيو سبل تحسين العلاقات الثنائية والتعاون الاستراتيجي بين واشنطن وهذه الدول بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتصدي للنفوذ الإيراني والتعاون الاقتصادي والأوضاع في سوريا وكيفية تحقيق التقدم في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن.
مشاعر القلق في الأوساط السياسية في واشنطن وفي العالم التي تُظهر مدى الاعتباطية والتسرع وحتى جهل ترامب بتعقيدات النزاعات التي تشارك فيها القوات الأمريكية، مثل حربي سوريا وأفغانستان، ازدادت بشكل نافر في أعقاب أول اجتماع وزاري لحكومة ترامب في السنة الجديدة، حيث تحدث ترامب في مونولوج سريالي ومقلق للغاية لأكثر من تسعين دقيقة أمام كاميرات ومسجلات الصحفيين، وقام خلالها بالإدلاء بتصريحات خطيرة مثل ادعائه أن ايران تسحب قواتها من سوريا، مضيفا “وبصراحة يمكنهم أن يفعلوا ما يريدونه هناك”، أي في سوريا، قائلا إن أمريكا تحقق الانتصارات في سوريا.
وخلال حديثه عن أفغانستان، ادعى ترامب أن الصراع الراهن هناك هو بين تنظيم القاعدة وتنظيم “الدولة الإسلامية” وإنه قال للجنرالات الأمريكيين أن هذا الصراع لا يعني أمريكا ويجب أن نترك الطرفين يتقاتلان ولا داعي لوجود اميركا عسكريا في تلك البلاد. وفي هذا السياق أعاد ترامب كتابة تاريخ أفغانستان الحديث، مؤيدا بشكل نافر ومغالط لكل الحقائق الغزو السوفياتي لأفغانستان في 1979، قائلا إن موسكو أرسلت قواتها إلى أفغانستان لأنها كانت تتعرض لهجمات الإرهابيين من أفغانستان، وليس لدعم نظام شيوعي كان يواجه معارضة مسلحة.
حقائق وأحداث الأيام الأخيرة تؤكد بشكل قاطع أن سنة 2019 سوف تكون ربما أسوأ سنة سياسية وشخصية لدونالد ترامب وعائلته. التحقيقات العديدة التي ستجريها اللجان المختصة في مجلس النواب، من قضائية واستخباراتية ومالية، سوف تطال نواح عديدة يعتبرها ترامب خطوطا حمراء من بينها على سبيل المثال مطالبته بالكشف عن سجلاته الضرائبية، والحصول على مختلف الوثائق المتعلقة بمحاولته التغطية على تحقيق روبرت مولر، والاتهامات الموجهة إليه وعائلته بالفساد المالي والإثراء غير المشروع عبر استغلاله لمنصبه الرسمي وغيرها. هذه التحقيقات سوف تكون خطوط التماس الجديدة في المواجهات بين البيت الأبيض والديمقراطيين في مجلس النواب. وبعكس بعض الأعضاء الديمقراطيين الجدد في المجلس الذين يطالبون بمحاكمة ترامب، إلا أن رئيسة المجلس بيلوسي لا تهدد بمحاكمته، وتقول إن الأمر سابق لأوانه وعلى الجميع انتظار نتائج تحقيقات مولر. ولخصت موقفها بالقول “يجب ألاّ نحاكمه لأسباب سياسية، ولكن يجب ألاّ نرفض محاكمته أيضا لأسباب سياسية”، أي في حال بروز أدلة موثقة تثبت ارتكاب ترامب بالفعل ذلك النوع من الانتهاكات التي تقضي بمحاكمة الرئيس.