ثمة تطورات إيجابية في أربعة مؤشرات خلال عام 2024 – نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة، وتدفق السياح، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتحصيل التعليمي للطلبة - وهذه من شأنها أن تعطي الثقة بأن خطط التنويع الجريئة الجارية في السعودية تسير في الطريق الصحيح.
في خضم تدفق الأخبار حول الاستثمارات السعودية الأخيرة في سوق الرياضة العالمية، وأحدث المبادرات التي تم التخطيط لها في مدينة نيوم، فإنه من الصعب فهم كيفية تأثير إصلاحات رؤية 2030 على النشاط الاقتصادي اليومي. وما يزيد من تعقيدات هذا التقييم هو أن التحركات قصيرة الأجل في مؤشرات مثل النمو والصادرات والتضخم تتأثر بعوامل ليس لها علاقة مباشرة بالإصلاحات، بما في ذلك أسعار النفط والسياسة النقدية الأمريكية.
ربما يكون من الأسهل متابعة تأثير الإصلاحات من خلال المؤشرات التي تعبر عن جوانب أكثر تحديدًا في الاقتصاد. هذه المؤشرات الأربعة هي: نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق القوى العاملة، وتدفق السياح إلى المملكة العربية السعودية، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتحصيل التعليمي للطلبة السعوديين. ستوفر المتابعة الدقيقة لهذه المؤشرات معلومات هامة حول التقدم الذي يتم إحرازه ضمن إصلاحات رؤية 2030 على نطاق أوسع. في الواقع، الإجابات الإيجابية على الأسئلة الأربعة التالية ستعطي الثقة بأن خطط التنويع الاقتصادي في المملكة تسير على الطريق الصحيح.
هل ستستمر نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل في الزيادة؟
تعد الزيادة في عدد النساء السعوديات المشاركات في سوق العمل واحدة من أبرز النجاحات في إصلاحات رؤية 2030 حتى هذه اللحظة. بين عامي 2017 و2021، تضاعفت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق القوى العاملة من 17.4% إلى 35.6%، وهو ما يتجاوز بشكل كبير هدف رؤية 2030 الذي تمثل في الوصول إلي نسبة 30%. ولكن منذ ذلك الحين، ظلت نسبة مشاركة الإناث ثابتة ضمن نطاق 35%-36%، ولكن الوظائف النسائية خلال هذه الفترة استمرت في الزيادة، وانخفضت نسبة البطالة بين الإناث.
من الضروري أن تبدأ نسبة مشاركة النساء في سوق القوى العاملة في الارتفاع مجددًا هذا العام. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة نسبة مشاركة النساء في سوق العمل من الممكن أن تضيف ما يصل إلى 1.6% سنويًا للناتج المحلي الإجمالي. ونظرًا لأن نسبة مشاركة المرأة السعودية لا تزال أقل بكثير من المتوسط العالمي، فإن هنالك مجالاً كبيرًا لمزيدٍ من الارتفاع في هذه النسبة. فقد تم تخفيف المعيقات القانونية التي كانت في السابق تعرقل مشاركة المرأة وتوظيفها، ويتم تغطية تكاليف التوظيف من خلال معونات لدعم خدمات رعاية الأطفال وتكاليف السفر والتدريب. ومع ذلك، فإن التقاليد الاجتماعية والتوقعات سوف تستغرق وقتاً أطول حتى تتغير. وقد يتم تسريع هذه العملية إذا قامت الشركات بتوفير بيئة عمل جذابة لموظفاتها، وإذا تمت ترقية المزيد من النساء السعوديات إلى مناصب قيادية، ما من شأنه أن يترك أثرًا إيجابيًا واضحًا على من يفكرن في دخول سوق العمل.
هل يستمر تدفق السياح الأجانب والمحليين في الزيادة؟
تولي رؤية 2030 اهتمامًا كبيرًا لتطوير قطاع السياحة. وقد آتت هذه الجهود ثمارها مع ازدهار كل من السياحة الخارجية والمحلية. وتظهر بيانات وزارة السياحة الرسمية أن 14.6 مليون زائر أجنبي وصلوا السعودية في النصف الأول من عام 2023 مقارنة بـ 16.6 مليون في عام 2022 بأكمله، في حين يقدر مقياس السياحة العالمية الذي نشرته منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أن عدد المسافرين الدوليين القادمين للمملكة زاد بنسبة 56% في عام 2023 مقارنة بعام 2022. ومنذ طرح التأشيرات السياحية لأول مرة في عام 2019، ارتفعت نسبة السفر الترفيهي للمملكة. وفي النصف الأول من عام 2023، وصل 2.9 مليون زائر أجنبي لأغراض الترفيه، أي ما يقرب من أربعة أضعاف العدد في عام 2018. كما ازدادت الرحلات السياحية المحلية بشكل كبير، وتضاعف الإنفاق خلال هذه الرحلات في الفترة ما بين 2021-2022 مقارنة بالفترة 2018-2019. من المرجح أن تطابق، أو تتجاوز، أرقام عام 2023 أرقام الفترة 2021-2022.
كان لتطور قطاع السياحة تأثير ملحوظ على ميزان المدفوعات. قبل عقد من الزمن، كان هناك عجز قدره 10 مليارات دولار في رصيد حساب السفر – بعبارة أخرى، كانت نفقات السعوديين في الخارج تفوق ما ينفقه غير السعوديين داخل المملكة بعشرة مليارات دولار. وفي عام 2022، تحول العجز إلى فائض قدره 10 مليارات دولار، ومن المرجح أن تحقق نتيجة مماثلة أو أفضل في عام 2023. كما ساهم ازدهار السياحة في تحقيق نمو قوي في الاستهلاك الخاص. وبطبيعة الحال، فإن هذه الأرقام لا تأخذ بالحسبان المبالغ الضخمة التي يتم إنفاقها لتطوير قطاع السياحة، ولا تزال الأسئلة مطروحة حول ما إذا عادت الاستثمارات السياحية في نهاية المطاف بجدوى مقابل الأموال التي تم إنفاقها في المملكة.
ينبغي أن يستمر هذا النمو القوي في قطاع السياحة هذا العام. وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن تتعافى السياحة الدولية لتتجاوز مستوى ما قبل الجائحة خلال عام 2024، ومع بناء المزيد من البنية التحتية السياحية، واستضافة المزيد من الأحداث العالمية في المملكة، وحملة الدعاية الكبيرة التي تضطلع بها السلطات السعودية لتسليط الضوء على وجهات الجذب السياحية الموجودة في السعودية، فإنه ينبغي أن تحقق المملكة زيادة في حصتها في السوق العالمية المتنامية. ومع حصول السعودية على وضعها كوجهة معتمدة من جانب الصين في عام 2023، فمن المرجح أن يرتفع عدد الزوار الصينيين بشكل كبير. إن العائق الوحيد المحتمل أمام هذا النمو هو حالة الارتياب الناجمة عن الصراع في قطاع غزة، والتي يمكن أن تثني بعض المسافرين عن زيارة الإقليم.
هل ستنتعش الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير الهيدروكربونية؟
تهدف رؤية 2030 لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية ليصل إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، وهو مستوى يتجاوز 4.5%-5% من الناتج المحلي الإجمالي الذي تحقق في الإمارات العربية المتحدة. وفقًا لسلسلة الاستثمار الأجنبي المباشر المنقحة، والتي نُشرت في “النشرة الإحصائية الشهرية” الصادرة عن البنك المركزي السعودي، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية قد زاد في عامي 2021 و2022، ليصل إلى 87 مليار ريال و105 مليارات ريال (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي) في هذين العامين على التوالي (تعد هذه الأرقام أقل نوعًا ما من تلك التي نشرتها الهيئة العامة للإحصاء). بيد أن هذا الانتعاش كان مدفوعًا بشكل أساسي بقيام شركة أرامكو، شركة النفط الوطنية، ببيع حصص في أحد خطوط أنابيب النفط والغاز إلى ائتلافين من المستثمرين، معظمهما من الأجانب. وفي حين تم تسجيلها في البيانات كاستثمارات في قطاع “النقل والتخزين”، إلا أنها كانت في الواقع استثمارات في قطاع الهيدروكربونات. وقد تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2023، على الرغم من أن بيانات العام ليست متوفرة بالكامل حتى الآن.
وفي حين أن حالة الارتياب الإقليمية يمكن أن تقلل من تدفقات الاستثمار إلى منطقة الشرق الأوسط، تشير عوامل أخرى إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ينبغي أن تتسارع في عام 2024. وقد أدخلت السعودية مؤخرًا إصلاحات قانونية مهمة من خلال القانون المدني الجديد (الذي يدخل حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول 2023). في السابق، كانت أحكام الشريعة هي التي تحكم التعاملات المدنية والتجارية، وكانت المحاكم تطبق العديد من القوانين بشكل غير متسق. يسعى القانون الجديد إلى دمج المبادئ الإسلامية في المفاهيم القانونية الحديثة، وفي حين لم تتضح بعد كيفية تفسير المحاكم والهيئات القضائية للقانون الجديد، فإنه ينبغي أن يوفر بيئة قانونية يمكن للشركات في المملكة التنبؤ بها، وينبغي أن يفتح المجال لمزيد من الاستثمار. وعلاوة على ذلك، فإن برنامج المقرات الإقليمية سوف يدخل حيز التنفيذ خلال الربع الأول من عام 2024، وقد يفضي ذلك أيضًا إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي في السعودية.
هل ستؤتي الإصلاحات التعليمية ثمارها؟
إن ضمان قدرة نظام التعليم على تزويد الشباب السعودي بالمهارات اللازمة للوظائف في الاقتصاد الديناميكي غير النفطي الذي تحاول المملكة تطويره يشكل عنصرًا حاسمًا في عملية الإصلاح. وفي حين تنفق السعودية حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي (17% من الإنفاق الحكومي) على التعليم، فقد كانت النتائج أقل من الممتازة. وقد توصلت دراستان – التقدم في الدراسة الدولية لمحو الأمية في القراءة (PIRLS) وتوجهات الدراسة الدولية للرياضيات والعلوم (TIMSS)– إلى أن الطلبة السعوديين يحصلون على نتائج متدنية في الاختبارات الموحدة الدولية في القراءة والرياضيات والعلوم. ويتضح هذا التقصير بشكل أكبر بالنظر لمستوى الدخل في السعودية. يوضح الرسم البياني وجود علاقة إيجابية بين مستوى الدخل القومي والتحصيل التعليمي كما تظهره نتائج دراسة TIMSS لعام 2019. يعد أداء البلدان الواقعة أسفل خط الاتجاه، بما في ذلك السعودية (المثلث البرتقالي) ضعيفًا مقارنة بمستوى دخلها.
وإدراكًا منها لوجود حاجة للتطوير، قامت السلطات بإجراء إصلاحات على نظام التعليم في السنوات الأخيرة في محاولة لرفع كفاءة المعلمين، وتعزيز المناهج الدراسية، وتحسين تحصيل الطلبة. وسوف تقدم نتائج دراسة TIMSS لعام 2023، والتي من المقرر أن تصدر في نهاية عام 2024، مؤشرًا هامًا حول ما إذا كانت الإصلاحات قد بدأت في إحداث تأثير إيجابي على النتائج التعليمية.
الإصلاحات البنيوية، وليس الاستثمار العام، هي مفتاح نجاح عملية التنويع الاقتصادي
وفي حين أن الاستثمارات واسعة النطاق من جانب الحكومة وغيرها من هيئات القطاع العام يمكنها أن تلعب دورًا هامًا في إطلاق العنان لإنشاء قطاعات جديدة من الاقتصاد، فإن عملية التنويع الاقتصادي سوف تعتمد في نهاية المطاف على النجاح في تنفيذ إصلاحات بنيوية راسخة يكون من شأنها أن تحسن الإنتاجية ومناخ الاستثمار، وتعمل بالتالي على تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد غير النفطي. أما النبأ السار هنا فيتمثل في أن العديد من هذه الإصلاحات تجري الآن على قدم وساق. إن عملية الرصد الدقيق للمؤشرات الأربعة التي نوقشت أعلاه ستوفر معلومات هامة عن ترجيح نجاح إصلاحات رؤية 2030.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.