ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
فيما تكثف الولايات المتحدة وشركاؤها الخليجيون مشاوراتهم في سبيل قمة أمريكية-خليجية مزمع عقدها في آيار/مايو، فإن كافة الأطراف في صدد التكيف مع أهداف جديدة ومشهد استراتيجي متغير. في مواجهة الانقسامات المستمرة بين الشركاء الأساسيين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة أخرى، تبدو الولايات المتحدة مستعدة لإبداء المزيد من الليونة في ما يتعلق بطلب الرئيس دونالد ج. ترامب بتسوية أزمة الخليج مقابل دليل على إحراز تقدم، كما يُنقل، ودعمًا بشكل خاص للهدف الأساسي المتمثل بالتعاون في مواجهة إيران. لهذه الغاية، تدرس الولايات المتحدة، بحسب ما يتم تداوله، إمكانية تشكيل منظومة أمنية جديدة، تُطلق عليها تسمية “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، وتضم الأردن ومصر إلى جانب دول الخليج. ينسجم ذلك مع طموحات الشركاء الإماراتيين-السعوديين الاستراتيجيين، الذين يتبنون الرغبة الأمريكية بتقاسم الأعباء أكثر ويسعون إلى توسيع نفوذهم داخل الخليج وما بعده على حد سواء. وفي وجه هذه التحديات، يقوم مجلس التعاون الخليجي بالتكيف من خلال تقبل هذه الشراكات الفرعية والتحالفات التي تتخطى الحدود القومية.
الشراكة/الشراكات الاستراتيجية الجديدة
إن اللاعبين الرئيسيين في المشهد المتغير للخليج والشرق الأوسط هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتان تعززان شراكتهما وتنسقان إجراءاتهما عبر حزمة واسعة من أهداف السياسة الخارجية والأهداف المحلية. على الصعيد الإقليمي، تتضمن هذه الإجراءات مقاطعة قطر ديبلوماسيًا واقتصاديًا في خطوة مبدِلة للأوضاع ومنسَقة من خلال أربع دول، بما فيها البحرين ومصر. كما أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تضطلعان بالأدوار الرئيسية في الائتلاف العسكري الذي يشارك في القتال في اليمن. وفي حين أن أهداف سياساتهما الدقيقة قد تختلف أحيانًا عن بعضها البعض، خصوصًا في اليمن، من الصعب إيجاد مسألة مهمة لم تعرب الدولتان عن موقف موحد منها. تمخض عن ذلك دعم شديد من قبل القيادة الإماراتية لمجموعة إجراءات مثيرة للجدل متخذة من قبل القيادة السعودية، من ضمنها التدابير العقابية التي تبنتها المملكة مؤخرًا ضد كندا على خلفية تغريدة نُشرت على موقع “تويتر” تنادي بالإفراج عن ناشطين في حقوق الإنسان معتقلين. فالرسالة الصادرة عن مسؤولين ومحللين إماراتيين متعددين هي أن أي تهديد للمملكة العربية السعودية هو تهديد للإمارات العربية المتحدة.
يتخطى هذا التنسيق الوثيق القيادة، إذ بدأت تنميته منذ عدة سنوات، بدءًا بزيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة من قبل وفد سعودي برئاسة وزير الخارجية آنذاك سعود الفيصل في آب/أغسطس من العام 2014. وتم تكثيف التعاون السعودي-الإماراتي بشكل ملحوظ في عهد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، الذي أسس مجلس تنسيق رسميًا في أيار/مايو من العام 2016، شارك في ترؤسه نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان ومحمد بن سلمان، الذي كان ولي العهد السعودي آنذاك. أنشأ هذا المجلس عددًا كبيرًا من لجان العمل، التي ضمت 350 مسؤولًا حكوميًا من ميادين مختلفة، ساهموا في وضع الاستراتيجية الشاملة التي تم الإعلان عنها في الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي تم إطلاقه مؤخرًا في حزيران/يونيو. ويغطي هذا التحالف الاستراتيجي النطاق الكامل للسياسات، من الاقتصاد إلى تنمية رأس المال البشري والتنسيق العسكري، ويتم تفعيله عبر مشاريع ملموسة، بعضها في مجالات حساسة مثل الأمن الغذائي والإنتاج الحربي. لا تهدف هذه المشاريع المتنوعة إلى تأمين مصالح مشتركة فحسب، بل إلى مواءمة السياسات وخلق ترابط بين الدولتين. ويوفر التحالف الآخذ في الترسخ أيضًا للدولتين العمق السياسي الضروري لاتخاذ إجراءات على المستوى الإقليمي من شأنها توسيع نفوذهما من دون الاعتماد دومًا على موافقة واشنطن ودعمها الرسميين.
انعكس التنسيق الموسع بين أكبر اقتصادين في الخليج على الحسابات الاستراتيجية لدول الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع وسلوكها، خصوصًا قطر، التي استُهدفت بإجراءاتهما العقابية، فيما اضطرت دول أخرى إلى التكيف مع الوضع. فالكويت، التي تلتزم بشدة بالعمل عبر المؤسسات الإقليمية والدولية، وذلك انطلاقًا من تجربتها في ظل احتلال العراق، حاولت التوسط لحل الأزمة في قمة مجلس التعاون الخليجي في كانون الأول/ديسمبر من العام 2017، إلا أن محولاتها جوبهت بالرفض، ما دفع أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى الدعوة إلى تشكيل لجنة لتعديل النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بتسوية النزاعات الداخلية. وعمدت الكويت إلى تحصين استراتيجيتها من خلال خلق مسارها الخاص مع العملاق السعودي عبر مجلس التنسيق الثنائي الخاص بها مع المملكة.
التحالفات والطموحات ما بعد الخليج
مع استمرار الانقسامات ضمن مجلس التعاون الخليجي، تسعى دول الخليج العربية وراء طموحات وروابط استراتيجية ما بعد منطقة الخليج. فالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر (المدعومة من تركيا) نقلت تنافسها إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وتتطلع عمان والإمارات العربية المتحدة إلى المحيط الهندي لتوسيع عمقها الاستراتيجي. فقد دعا المحلل الإماراتي محمد بهارون إلى تغيير المنظور السائد، من خلال النظر إلى ما بعد الخليج باتجاه شبه الجزيرة العربية، وذلك لفهم هذا المشهد الاستراتيجي الجديد والموسع.
وهناك تحديات أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية، لا سيما الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب والنفوذ الإيراني، توجه تشكيل ائتلافات رسمية جديدة وتحالفات مقترحة. ولهذه الغاية، تدرس الولايات المتحدة إمكانية تشكيل “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” الجديد الذي سيربط دول مجلس التعاون الخليجي بالأردن ومصر. طُرحت فكرة “حلف الناتو العربي” هذا أولًا من قبل مسؤولين سعوديين قبل زيارة ترامب للرياض في أيار/مايو من العام 2017، وكانت مرتبطة بالأساس بـ “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب” (IMCTC) الناشئ، الذي يضم دولًا غير عربية ذات أغلبية سنية مثل باكستان. وعلى ما يبدو اليوم، إذا تم الاتفاق على التحالف العربي الأكثر تقييدًا، فسيتم تقديمه خلال القمة المقترحة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، وسيجتمع بشكل منفصل إلى جانب هذه القمة. وفيما يزمع عقد القمة في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، تحذر مصادر حكومية أمريكية وخليجية من أن أجندة القمة وجدولها الزمني ما زالا قيد التداول. وسيُبعث الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية الأمريكية أنتوني زيني قريبًا إلى منطقة الخليج لإجراء مشاورات في هذا الإطار.
مجلس تعاون خليجي مرن
إن مجلس التعاون الخليجي، الذي يواجه انشقاقات جديدة وشراكات ثنائية وتحالفات إقليمية جديدة، يبدي مرونة في محاولة للمحافظة على الدعم المقدم له وعلى دوره المهم. فالرغبة الأمريكية الخليجية المشتركة بالحد من النفوذ الإيراني ضمن الشرق الأوسط ولّدت زخمًا لتكثيف التعاون الخليجي، بالرغم من عجز المجموعة الرباعية أو عدم اهتمامها بحل النزاع القائم مع قطر. فضمن مجلس التعاون الخليجي، اتُخذ قرار وضع تسوية النزاعات القائمة مع قطر على سكة منفصلة تحت رعاية الكويت، مع مواصلة العمل الجماعي على بعض المسائل. وتجتمع عدة مجموعات عمل ضمن مجلس التعاون الخليجي منذ فترة بحضور كافة أعضائها الست، مع مجموعات العمل التابعة لمجلس التعاون الخليجي المعنية بالدفاع ضد الصواريخ البالستية والأمن البحري، وذلك للاجتماع في آب/أغسطس لتمهيد الطريق للقمة المحتملة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي.
عمل مجلس التعاون الخليجي أيضًا على استيعاب الشراكات الثنائية والاعتراف بها من منطلق مساهمتها في مهمة تحقيق التكامل الخليجي المناطة به. ويمكن ملاحظة ذلك في الأجندات المتطورة لقمم مجلس التعاون الخليجي منذ العام 2011. فذلك العام، دعا الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز إلى تكثيف التعاون تحقيقًا للوحدة الخليجية، كما ورد في “إعلان الرياض“. وابتداءً من العام 2015، تمت دراسة تعديلات للسماح لدولتين أو أكثر بالمشاركة في ترتيبات للتكامل إذا كانت تخدم مهمة مجلس التعاون الخليجي، كما هو مبين في المادة 4 من نظامه الأساسي. ونوقش مجلس التنسيق السعودي-الإماراتي في قمة مجلس التعاون الخليجي السابعة والثلاثين، التي عُقدت في كانون الأول/ديسمبر من العام 2016، وتم الترحيب به رسميًا في البيان الصادر ذلك العام كخطوة “تمثل عربونًا إضافيًا عن العمل المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي”.
زمن الانتقال
تُعتبر أشكال التعاون والنزاع المتغيرة ضمن منطقة الخليج جزءًا من انتقال تاريخي أوسع، ما زالت معالمه تتوضح. فالمحلل الإماراتي محمد بهارون يفيد مازحًا: “إن العالم الجديد المتعدد الأقطاب ما زال قيد التنزيل”. أما الواضح فهو استعداد عدة دول خليجية للعمل بصورة مستقلة أكثر عن الولايات المتحدة والافتراق عن شركائها الخليجيين التقليديين من أجل تحقيق مصالحها وطموحاتها. ويساهم في تعزيز هذا الاتجاه انفتاح الولايات المتحدة وحماسها، إن صح القول، لجهة اضطلاع شركائها الخليجيين بمسؤولية أكبر عن أمنهم. وإذا عُقدت القمة المرتقبة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي هذا الخريف، من المتوقع أن توضح كيف تتم إعادة التفاوض على هذه التحالفات والمصالح المتنافسة أحيانًا وإعادة تشكيلها سعيًا وراء نظام جديد في الخليج والشرق الأوسط.