يدور الحديث اليوم حول عدوى يابانية في الأسواق الرأسمالية العالمية، إذ يتطرّق المستثمرون والمصرفيون إلى النمو البطيء والمنخفض الذي يشهده الاقتصاد الياباني منذ أكثر من عقدين. وقد أدّت نسب الفوائد المنخفضة أو الثابتة، أو حتى السلبية، إلى انخفاض أسعار القروض. الا أن نسب النمو المنخفضة تعني أنّ عددًا قليلًا من الشركات تستغلّ فرصة الاقتراض والتوسّع. والتضخّم منخفضٌ أيضًا، والنتيجة هي الركود.
ويسود الأسواق العالمية قلقٌ حيال اقتراب عائدات الأسهم من الصفر، أي أنّ كلفة رفع رأس المال مع إعادة التسديد على المدى البعيد، خصوصًا للحكومات، منخفضةٌ للغاية. ويتوقّع المستثمرون أنّ التضخّم سوف يبقى منخفضًا جدًّا، وأيضًا أنّ معدلات النمو الاقتصادي ستبقى في غاية الثبات، أو أسوأ. وعندما تكون الاقتصادات بطيئةً، من المستبعَد أن ترفع البنوك المركزية من معدلات الفوائد. وإذا كان المستثمرون يتوقّعون أنّ البنوك المركزية سوف تبقي معدلات فوائدها منخفضةً، فذلك يعني هبوطًا في منحنى العائدات للأسهم.
وقد تتّجه أوروبا نحو الكساد الاقتصادي، في حين أنّ معدّلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية منخفضةٌ للغاية. فمعدّلات الفوائد قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في تاريخ الولايات المتحدة، وما من مؤشراتٍ تدلّ عن نيّة البنك المركزي الأمريكي، أي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، برفع هذه المستويات في المستقبل القريب.
معدلات الفوائد تصل إلى أدناها في تاريخ الولايات المتحدة
هبطت معدلات الخزينة البعيدة الأمد في الأسبوع الماضي هبوطًا لم تشهده من قبل
عائدات أسهم العشر سنوات
رأس المال في متناول الدول الخليجية
ويشكّل ذلك أمرًا إيجابيًا للدول الخليجية على المدى القريب، إلّا أنّه قد يصبح سلبيًا على المدى البعيد، خصوصًا إذا بقيت أسعار النفط في نطاقها الحالي. والخبر السارّ بالنسبة للدول الخليجية (خصوصًا في وقتٍ تشهد فيه انخفاضًا حادًّا في العائدات الناتجة عن تصدير النفط) أنّ رأس المال متاحٌ لها. وقد كانت الحكومات الخليجية (وكافة المؤسسات المرتبطة بها) وما زالت تصدر سنداتٍ وتقترض من مسلفين دوليين في العام 2016. وقد يصل مجموع إصدارات مجلس التعاون لدول الخليج إلى 35 مليار دولار أمريكي هذا العام. وقد تمّ اعتماد الاقتراض الخارجي كعلاج للعجز المالي الحاصل في كافة الدول الخليجية منذ هبوط أسعار النفط في أواخر العام 2014.
وفي أوائل شهر حزيران/يونيو، أصدرت سلطنة عمان دَينًا على شكل سندٍ بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي – وكان إصدار الدين الأول لها منذ حوالى 20 سنة. وفي أواخر الشهر، حصلت شركة تنمية نفط عمان الحكومية على قروض بقيمة 4 مليار دولار أمريكي من مصارف دولية.
وأصدرت المملكة العربية السعودية سنداتٍ بقيمةٍ تتعدى 9 مليار دولار أمريكي أي ( 34.5 مليار ريال سعودي) في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016. ويتم التخطيط اليوم لجمع 10 مليار دولار أمريكي إضافية من خلال قرضٍ جماعي مع حلول شهر أيلول/سبتمبر.
وفي شهر أيار/مايو، أصدرت إمارة أبو ظبي سندها الأول منذ عام 2009، وكان بقيمة 5 مليار دولار أمريكي، مع فرض فوائد إضافية من قبل المستثمرين.
وفي 25 أيار/مايو، باعت قطر سندًا بقيمة 9 مليار دولار أمريكي (على ثلاثة استحقاقات: 5 و10 و30 سنة)، وفاجأت الأسواق بمدى اهتمام المستثمرين. وكان هذا السند الخليجي الضخم المؤشّر الأوّل على رغبة السوق في دَين مجلس التعاون لدول الخليج، لكن أيضًا على قلّة الفرص العالمية للمستثمرين الذين يسعون إلى عائداتٍ أكبر على الدين السيادي الاستثماري.
وتشير نسبة الدَين للناتج المحلي الإجمالي المنخفضة نسبيًا في الدول الخليجية (مع بعض الاستثناءات كالبحرين مثلًا) إلى أنّ هذه الدول قادرةٌ على جذب المستثمرين، بما فيه صناديق معاشات التقاعد ومؤسسات الاستثمار التي تكون على حذر من الديون الأخرى التي تُدعى ديون الأسواق الناشئة ذات التصنيف الائتماني المنخفض.
أمّا بالنسبة إلى البحرين وعمان، فقد تراجع تصنيفهما لدى الوكالات الدولية عام 2016 إلى تصنيف “سندات عالية المخاطر”، أي دون المستوى. إلّا أنّ إصدار سندات الدين ما زال ممكنًا، ولو ازداد صعوبةً بشكلٍ بسيط. وفي شهر شباط/فبراير، ألغت البحرين مخططاتها لإصدار سند بقيمة 750 مليون دولار أمريكي بعد تراجع تصنيفها، لتعيد إصدار العرض بعد أسبوعٍ واحد لكن بسندٍ أصغر بقيمة 600 مليون دولار أمريكي. وفي شهر أيار/مايو، أصدرت البحرين صكًّا إسلاميًا جمع مبلغًا آخر وقدره 435 مليون دولار أمريكي.
نسبة دين حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من الناتج المحلي الإجمالي
يسهل الحصول على المال الآن، إلّا أنّ الوضع قد يختلف وقت التسديد
تقلّ الفرص أمام المستثمرين في السندات على المستوى العالمي (بمعدّلات فوائد تقارب الصفر أو حتى معدّلاتٍ سلبية)، ما يعني أنّه يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات المرتبطة بالحكومة أن تحصل على رأس المال بسهولة. إلّا أنّ التحدي البعيد الأمد يكمن في ضرورة تسديد الدين الصادر بالدولار الأمريكي بعملاتٍ مرتبطة بالدولار الأمريكي وباقتصاداتٍ ضعيفة للغاية، أقلّه في الوقت الراهن. ولذلك تبقى توقعات النمو الاقتصادي ضعيفةً في دول الخليج.
وقد خفّضت شركة ستاندرد تشارترد توقعات النمو للمملكة العربية السعودية في وقتٍ غير مستقر من جدول أعمال المملكة للإصلاح الاقتصادي. وأفادت ستاندرد تشارترد في تقريرٍ أصدرته في شهر تموز/يوليو أنّ الناتج المحلي الإجمالي الخاص بالمملكة العربية السعودية قد ارتفع بنسبة 1.5 في المئة من سنةٍ إلى أخرى في الربع الأول من العام 2016، بانخفاض بنسبة 0.7 في المئة في القطاعات غير النفطية. وتشكّل هذه الأرقام معدّل النموّ الأبطأ في الناتج المحلي الإجمالي منذ ثلاث سنوات. وخفّض المصرف توقّعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة إلى 0.7 في المئة.
ترتفع اليوم قيمة الدولار، ما يعني أنّ قيمة هذه الديون سوف ترتفع، خصوصًا أنّ الصادرات غير النفطية قليلةٌ جدًا في دول الخليج، وأنّ كافة الصادرات مسعّرةٌ بالدولار الأمريكي. وإذا بقيت أسعار النفط على حالها، حتى في السنوات الثلاث القادمة، سوف تضطرّ الدول الخليجية إلى توليد العائدات من أجل تسديد هذه الديون الجديدة. وتبقى العائدات النفطية جزءًا لا يتجزّأ من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الخليجية. ومع انخفاض هذه العائدات، تعيش دول الخليج حالةً من الضغط لإيجاد مصادر بديلة للنمو الاقتصادي. ويبقى توليد العائدات أساسيًا لكل دولة، ولذلك غالبًا ما تلجأ هذه الأخيرة إلى عددٍ من السياسات المالية البديلة عن العائدات النفطية، كالضرائب والرسوم ووسائل تسييل ممتلكات الدولة.
نسبة العائدات النفطية من الناتج المحلي الإجمالي
عائدات النفط |
2013 |
2014 |
2015 |
البحرين |
23.0 |
21.2 |
21.1 |
الكويت |
62.0 |
59.3 |
54.8 |
سلطنة عمان |
43.6 |
43.6 |
41.5 |
قطر |
36.5 |
42.1 |
40.1 |
المملكة العربية السعودية |
41.6 |
37.1 |
32.6 |
الإمارات العربية المتحدة |
28.9 |
28.2 |
24.0 |
مجلس التعاون الخليجي |
40.3 |
38.0 |
33.9 |
المصدر: صندوق النقد الدولي
وقد تمّ تأسيس عددٍ من مكاتب إدارة الديون في المنطقة في ما يبدو للنظر في إعادة تسديد الديون، إلّا أنّ وظيفتها الأساسية تكمن في إيجاد أموال رخيصة. وقد تؤدي دوامة الديون هذه إلى زيادة الاعتماد على النفط، إذ يبقى تصدير النفط والغاز الأكثر فعاليةً في توليد الأموال للدول الخليجية. وسوف تشكّل الإصلاحات الاقتصادية التي تستهدف توليد المدخول للدولة عنصرًا أساسيًا، سواء كانت على شكل الخصخصة أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص، خصوصًا في ما يخص الصادرات غير النفطية. وقد تؤدي الأموال الرخيصة اليوم إلى مواجهة صعوبة أكبر في تسديدها في المستقبل. لذلك، من الضروري أن يشكل تعزيز جهود التنويع أولويةً لدى الحكومات الخليجية، خصوصًا في القطاع الخاص.