في حين تتبنى السعودية سياسات لتخفيف تطبيق سياسة منع الاختلاط في الحياة العامة، فقد خطت جارتها الكويت خطوة في الاتجاه المعاكس. في سبتمبر/أيلول 2023، توصل مجلس الأمة الكويتي إلى اتفاق ينص على التسريع في إجراءات تنفيذ قانون 1996 بشأن منع الاختلاط، والتطبيق الفعال للفصل بين الرجال والنساء في جامعة الكويت. أثار هذا التغيير المفاجئ أسئلة تتعلق بديناميكيات الحياة الجامعية والعلاقات الأكاديمية والتداعيات الثقافية على نطاق أوسع.
كانت جامعة الكويت الدعامة الأساسية للتعليم في الخليج العربي منذ تأسيسها في عام 1966. وقد أثرت بشكل كبير على البيئة الفكرية في الكويت، حيث كانت رائدة في الفنون والعلوم وحاضنة للحركات الاجتماعية النابعة من النشاط الطلابي.
إن القرار بإعادة تطبيق منع الاختلاط في الجامعة، والذي لم يكن للطلبة الكويتيين رأي فيه، سوف يؤثر بشكل كبير على جميع الشباب الكويتي. سيكون من شأن هذا الفصل بين الطلاب والطالبات أن يؤثر على نظرتهم إلى قضايا المساواة والاندماج والهوية الثقافية. وقد قرر بعض الطلبة الكويتيين التصدي لهذا القرار.
تاريخ منع الاختلاط في جامعة الكويت
تمتد جذور منع الاختلاط في التقاليد الثقافية والدينية للكويت، ولكن تطبيقه في الحياة العامة كان يتغير حسب مجرى السياسة في الكويت. فمنذ عودة البرلمان الكويتي المنتخب في أعقاب تحرير البلاد من الاحتلال العراقي، برزت الجمعيات السياسية الإسلامية والقوى المحافظة بشكل أكبر. في عام 1996، أقر البرلمان القانون رقم 24 لعام 1996، الذي ينص على منع الاختلاط داخل الفصول الدراسية، وأعطى الحكومة خمس سنوات لتنفيذ القانون. بيد أن المحكمة الدستورية قضت في عام 2015 بأنه نظرًا لأن القانون لم يحدد كيفية تحقيق منع الاختلاط، فقد تم الاكتفاء بتوفير مناطق محددة للطالبات داخل قاعة المحاضرات نفسها. ومع ذلك، فقد جاء التفسير البرلماني للمادة الأولى من القانون في سبتمبر/أيلول 2023 بشكل أكثر صرامة، وينص على أنه يجب منع الاختلاط في المحاضرات والأماكن العامة في الحرم الجامعي بشكل كامل “بما يضمن منع الاختلاط بوضع أماكن خاصة للطالبات”. وهذا يتطلب على الأقل أن يتم تدريس الفصل الدراسي مرتين: مرة للطلاب وأخرى للطالبات. وعلى الرغم من أن المادة 3 من القانون الأصلي تنص على منع الاختلاط في الجامعات الخاصة أيضًا، إلا أنه لم يتم تنفيذه إلا في جامعة الكويت، وهي جامعة عامة.
كتلة برلمانية للقيم الثقافية
تزعم محمد هايف المطيري (لا تربطه أي علاقة قرابة بالكاتب)، رئيس لجنة تعزيز القيم في مجلس الأمة، هذه التغييرات في جامعة الكويت. يدعي المطيري والمتحالفين معه في البرلمان أن منع الاختلاط يخلق بيئة اجتماعية سلمية جيدة للنمو الأخلاقي والفكري. في مقابلة في شهر سبتمبر/أيلول 2023، تصدى المطيري لهؤلاء الذين يدعون أن منع الاختلاط يقيد حرية الكويتيين، مؤكدًا أن المادة الثانية من الدستور الكويتي تنص أن الإسلام هو الديانة الرسمية للدولة والمصدر الرئيسي للتشريع. وبالتالي، ، “إن الحرية الشخصية أم آخر… هذا قانون” كما يقول المطيري.
خاض المطيري وغيره من الحلفاء المحافظين الانتخابات البرلمانية في عام 2022 تحت لواء البرنامج السياسي لوثيقة القيم. احتوت الوثيقة على 13 تعهدًا قدمها الموقعون إلى ناخبيهم، بهدف جعل المجتمع أكثر تمشيًا مع الدستور ومع تفسيراتهم المحافظة للقيم الإسلامية، بما في ذلك منع الاختلاط في جامعة الكويت. حصلت الكتلة الإسلامية على نفوذٍ سياسيٍ بعد الانتخابات، وبدأ أعضاؤها في تنفيذ برنامجهم. في السابع من أغسطس/آب، اقترح خمسة من أعضاء الكتلة تنفيذ المادة الأولى من القانون 24 لعام 1996 على وجه السرعة لفرض منع الاختلاط بوضوح في الحرم الجامعي. تم التوصل في يوم 13 سبتمبر/أيلول إلى اتفاق بين لجنة تعزيز القيم ووزير التربية والتعليم عادل المانع ورئيس جامعة الكويت فايز الظفيري ومسؤولين جامعيين آخرين لتنفيذ القانون بصرامة. حتى الآن، تم تطبيق قانون منع الاختلاط فقط في كلية الحقوق وكلية التربية في جامعة الكويت، هناك 8000 طالب مسجلين في هاتين الكليتين في حوالي 600 فصل دراسي تم منع الاختلاط فيهم. وعلى الرغم من التزام الظفيري بتنفيذ القانون على وجه السرعة، إلا أن تنفيذ منع الاختلاط في الكليات الأخرى قد تأخر بسبب الصعوبات في وضع جداول الفصول الدراسية، وعدم وجود اتفاق شامل بشأن التنفيذ بين الجامعة والحكومة. ولذلك سأل المطيري مؤخرًا المانع عن موعد استئناف تنفيذ منع الاختلاط.
لا تتمتع قضية منع الاختلاط في الحرم الجامعي بأي إجماع في الرأي على الاطلاق في الكويت. في عام 2011، أشار استفتاء إلى أن 69٪ من طلبة جامعة الكويت يؤيدون إلغاء القانون الذي يحظر الاختلاط بين الجنسين. عارضت مجموعات اتحاد الطلبة صراحة أي قرارات لاحقة من شأنها أن تغير ديناميكيات الحياة الجامعية دون وجود تأييد واسع النطاق من الطلبة. لقد تم دعم هذه المعارضة للقانون في داخل الجامعة من جانب بعض أعضاء مجلس الأمة، مثل جنان بو شهري وداوود معرفي وعبد الوهاب العيسى، الذين قدموا اقتراحًا لإلغاء القانون، وشككوا في ضرورته.
شباب الكويت يعبرون عن رأيهم
يعتبر الشباب الكويتي الطرف الرئيسي في العملية التعليمية، ويعبرون عن آرائهم من خلال الاحتجاجات في الحرم الجامعي وفي وسائل الإعلام، ويتحدثون عن رغبتهم في بيئة تعليمية تعكس العالم المتنوع والشامل الذي سيدخلونه بعد التخرج.
وقفت مجموعات اتحاد الطلبة صفًا واحدًا في تحدٍ للتدخل الخارجي في الشؤون الطلابية، بما في ذلك أكثر الكتل المحافظة دينيًا، القائمة الائتلافية. أصدرت المجموعتان الطلابيتان التآلف والوسط الديمقراطي بيانات يؤكدون فيها أنه لا ينبغي السماح بالسياسة الجديدة، لأنها تدخل خارجي في الشؤون الجامعية، وتقيد حرياتهم في الحرم الجامعي.
وقد شهدت الجامعة أيضًا معارضة ملحوظة من قبل الأساتذة. ذكرت الدكتورة بشاير الصانع، في مقابلة أجريت معها، أن سياسة منع الاختلاط لها عواقب كبيرة على نجاح الطلاب وإنجازاتهم الأكاديمية في المستقبل. وقالت إن القانون يعرقل تخرج الطلاب ويعقد عملية التسجيل في الفصول الدراسية، وفي نهاية المطاف، يخفق القانون في إعداد الطلبة للانخراط في سوق العمل الذي يختلط فيه الجنسين بعد التخرج من الجامعة. فالقيود التي تفرضها البيئات التي تمنع الاختلاط تزيد من صعوبة تعاطي الطلبة مع وجهات نظر مختلفة وفرص التعاون التعليمي، وكلاهما أمر بالغ الأهمية لتحقيق النجاح الأكاديمي. وعلاوة على ذلك، فقد يكون لاستمرار التصورات المسبقة المتعلقة بالنوع الاجتماعي في بيئة أكاديمية معزولة تأثير على القرارات المتعلقة بالمسار المهني، ما من شأنه أن يقلل من نطاق الخيارات المتاحة للطلاب والطالبات عند التخرج. وفي مقابلة لها مع صحيفة الكويت تايمز، ذكرت سارة العتيبي، إحدى طالبات اللغة الإنجليزية في كلية الآداب، أنه لا يتم منع الاختلاط حتى في أقدس موقع للمسلمين، وهو مكة المكرمة.
في 18 سبتمبر/أيلول، شاركت مجموعات من الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في اعتصام نظمته المجموعة الطلابية المستقلة وأعربوا عن استيائهم من القانون. أثناء الاعتصام، اتهمت أستاذة الفلسفة الدكتورة شيخة الجاسم رئيس الجامعة بإساءة فهم حكم المحكمة الدستورية الذي يسمح بمنع الاختلاط داخل الفصل الدراسي نفسه. كما جرت نقاشات بين الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. على تطبيق إكس، تويتر سابقًا، أعرب الشباب عن معارضتهم لمنع الاختلاط عن طريق ترويج هاشتاجات “منع الاختلاط في جامعة الكويت” و”الشعب مختلط”. وذكر آخرون، مثل الطالبة نور المطيري (لا تربطها صلة قرابة بالكاتب)، وهي إحدى طالبات جامعة الكويت، أن الهيئة الطلابية الجماعية ليست ملزمة بالامتثال للمعتقدات المحافظة للبرلمان. تعد وجهات النظر هذه أمرًا حاسمًا في تشكيل النقاش الجاري حول سياسة منع الاختلاط في جامعة الكويت، وسوف تؤثر على المواقف الحالية والمستقبلية لمعارضي هذه السياسة.
السياق الإقليمي ومستقبل منع الاختلاط في الجامعات
تأتي قواعد جامعة الكويت لمنع الاختلاط ضمن بيئة إقليمية أكبر اعتمدت فيها الدول الخليجية مجموعة متنوعة من الأنظمة. حيث اعتمدت جامعة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا في الاختلاط التعليمي يتناسب مع أهداف الحداثة والاندماج الدولي. تقوم سياسة الجامعة على دمج عناصر من الفصل بين الجنسين والاختلاط عن طريق منع الاختلاط في المرافق العامة ومنع الاختلاط الجزئي في الفصول الدراسية. من ناحية أخرى، كانت الجامعات العامة السعودية تتمسك دائمًا بالفصل الصارم بين الجنسين ومنع الاختلاط في الحرم الجامعي والمحاضرات التعليمية، وهو الأمر الذي يوضح القيم الثقافية المحافظة الشائعة في المملكة. كان هناك جدلًا في جامعة قطر حول منع الاختلاط، وكانت تتذبذب ما بين السماح بالاختلاط بين الجنسين والفصل بينهما في عدة مناسبات.
سوف يدور الجدل فيما يتعلق بجامعة الكويت في إطار هذه النقاشات الإقليمية وفي سياق العلاقة بين الحداثة والتقاليد. سوف تعتمد نتائج هذه السياسة [منع الاختلاط] على كيفية إدارة جامعة الكويت للعلاقات المترابطة بين المعايير المجتمعية والتقاليد الثقافية والمعايير التعليمية الإقليمية والدولية. وقد وعدت جامعة الكويت بإعادة ضبط السياسات للتماشي مع عالم التعليم المتطور في القرن الحادي والعشرين، ولكن الجامعة أيضًا تواجه التحدي المتمثل في التمسك بالتقاليد في الوقت الذي تتكيف فيه مع التوقعات المتغيرة للطلبة. وفي نهاية المطاف، فإن مسؤولية جامعة الكويت في تعليم الطلبة وإعدادهم كقوى عاملة في عالم معولم جنباً إلى جنب مع المواقف الأكثر ليبرالية لجيل الشباب (ورغبتها في أن يكون لها كلمة في السياسات التي تؤثر على ديناميكيات الحرم الجامعي) قد تفضي إلى إعادة تقييم تدريجية لقواعد عدم الاختلاط.