ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في عام 2013 التقى الملياردير دونالد ترامب مجموعة من مؤيديه المقربين منه الذين نصحوه بالترشح لحاكمية ولاية نيويورك. ووفقا لأحد المشاركين في الاجتماع، كان جواب ترامب أنه سوف يترشح لمنصب الرئاسة “وأن تويتر سوف يكون وسيلته الانتخابية الأساسية”. وخلال الحملة الانتخابية الطويلة، استعان ترامب بتغريداته بطريقة اتسمت بالشراسة والحنكة كالسيف الحاد ليبتر بها خصومه، على رأسهم سلالة بوش وبعدها كلينتون. حصل ذلك لأن ترامب درس المزاج العام في البلاد بدقة واستوعبه تماما، في الوقت الذي كان منتقدوه الكثر – وأنا من بينهم- يسخرون من طموحاته الدونكيشوتية ومن نرجسيته المفرطة وسطحية معلوماته في شؤون العالم.
انتخاب ترامب قلب المعايير والمقاييس السياسية، وهو يعمل الآن على تقويض التقاليد المعمول بها منذ تأسيس الجمهورية الأمريكية المتعلقة بسلوك الرؤساء الأمريكيين، وتمسكهم بحرمة وكرامة المنصب الرئاسي، والأعراف المعمول بها في العملية الانتقالية بين الرئيس، والرئيس المنتخب، وكيفية اختيار المسؤولين في الحكومة الجديدة، وعلاقة الرئيس المنتخب مع الإعلام، والأهم من ذلك كيفية تعامل الرئيس المنتخب مع الدستور الأمريكي.
خلال الحملة الانتخابية الطويلة مارس ترامب التغريد بمزيج من الجدية والاستخفاف والسخرية والمبالغات المفرطة إلى درجة أن اتهمه خصومه بتزوير وقلب الحقائق بهدف تعبئة قاعدته وإبقاء النار حامية تحت أقدام خصومه من السياسيين أو الإعلاميين. في عالم ترامب الخط الفاصل بين الواقع والواقع المفترض واه للغاية. وكان ترامب إما يتجاهل ردود أفعال خصومه على تغريداته المثيرة للجدل، أو أن يضاعف جرعة الهجوم “التويتري” أو أن يعطي تفسيرات غير مقنعة، أو أن يطلق تغريدة جديدة تثير جدلا أكثر من سابقتها بهدف تغيير الموضوع. وعلينا أن نقول عند النظر إلى سجله التغريدي منذ بداية حملته إلى ما بعد انتخابه أنه نجح إلى حد كبير، في أن يخلق ما يمكن وصفه بتقليد جديد في تعامل الرئيس الأمريكي مع الإعلام ومع الرأي العام، وأنه سيكون لهذا التقليد الجديد آثار ومضاعفات بعيدة المدى انتخابيا وسياسيا وثقافيا يصعب التنبؤ بها. ومنذ أشهر مضت لم يعقد ترامب مؤتمرا صحفيا، وبعد ثلاثة أسابيع من انتخابه لا يزال يتجاهل عقد مؤتمر صحفي مفتوح لمراسلي البيت الأبيض ربما لأنه يريد تفادي الأسئلة الصعبة حول تعييناته، أو مواجهة الشكوك المثارة حول رفضه وضع أملاكه وثروته في حسابات مغلقة يشرف عليها أخصائيون مستقلون، كما فعل الرؤساء السابقون لتفادي أي اتهامات بوجود تضارب بين مصالحهم المالية وقراراتهم السياسية.
تقويض الدستور
لم يحدث أبدا، أن بدأ رئيس أمريكي منتخب نشاطاته بمواقف وتصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الدستور الأمريكي، وتتسم بمبالغات مفرطة واتهامات لا أساس لها، أو أن يشن حملة منظمة ضد وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية، بما في ذلك مهاجمة صحافيين بالإسم. وهذا ما حققه الرئيس المنتخب ترامب في أقل من أسبوع واحد. وفعل كل ذلك في تغريدات صباحية أصبحت الآن الوسيلة الرئيسية التي يستخدمها ترامب في تواصله مع أكثر من 16 مليون متابع له، ومع مؤيديه ومنتقديه ومع السياسيين والإعلاميين. وأي تغريدة من ترامب، بغض النظر عن جديتها أو صحتها أو غرابتها تتحول فورا إلى الموضوع الأبرز في النقاش الإعلامي والسياسي لذلك اليوم. ويجد محررو كبريات الصحف والشبكات التلفزيونية الرئيسية أنفسهم في مواجهة معضلة يومية تتمثل في كيفية التعامل مع تغريدات ترامب. هل تستحق كل تغريدة وبغض النظر عن مضمونها اهتمام إعلامي واسع، خاصة وأنها الطريقة الرئيسية التي يستخدمها الرئيس المنتخب في تواصله مع العالم؟ هل على وسائل الإعلام تفادي الوقوع في فخاخ ترامب وخاصة إذا كانت تغريداته غير صحيحة أو مشينة؟. هل بالامكان تجاهل تغريدة تتضمن ادعاءات خاطئة؟
لقد ارغمنا دونالد ترامب على اتباع طقس صباحي يومي: مراجعة حسابنا في تويتر لقراءة “تغريدة اليوم” لدونالد ترامب. وبهذا العمل البسيط نجح ترامب بفرض أجندته وطروحاته، بما فيها الطروحات الغريبة والمثيرة للجدل. وفي سياق مطالبة حملة مرشحة حزب الخضر لإعادة فرز الأصوات في ولاية ويسكونسن التي فاز فيها ترامب، وعلى خلفية حصول هيلاري كلينتون على مليونين ونصف المليون ناخب أكثر من ترامب في الاقتراع الشعبي، خرج ترامب قبل أيام بتغريدة قال فيها إنه كان سيفوز بالأكثرية في الاقتراع الشعبي لو لم يتم السماح “للملايين” من المهاجرين غير الشرعيين بالتصويت في الانتخابات. ولم يبال ترامب بإعطاء أي دليل لدعم ادعائه الخطير هذا، خاصة وأن السلطات المحلية في ويسكونسن أو أي من الولايات الأخرى لم تتلق أي شكاوى أو أي أدلة جدية حول حدوث محاولات لتزوير الانتخابات من خلال السماح لغير المواطنين بالتصويت. وهل يمكن اعتبار فوزه بمنصب الرئاسة انتصارا شرعيا، إذا كان ترامب نفسه، وهو الرئيس المنتخب، يقول إن ملايين الأصوات غير الشرعية شاركت في العملية الانتخابية؟ ولم يتوقف ترامب عن هذا الحد، بل أطلق تغريدة مثيرة أخرى صباح الثلاثاء ( بعد أن راقب تقريرا بثته شبكة فوكس نيوز حول تدنيس وحرق علم أمريكي) أشار فيها إلى أنه ربما يجب معاقبة من يحرق العلم بالسجن لمدة سنة، أو إلغاء جنسيته الأمريكية. وتسببت هذه التغريدة بموجة استياء عام لحقتها حملة إعلامية وسياسية تندد بترامب وتتهمه بالتجاوز على الدستور الأمريكي فضلا عن قرارات المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن. فحرق العلم الأمريكي يقع في خانة التعبير عن الرأي ولا جدال في ذلك. مواقف ترامب العدائية ضد وسائل الإعلام، وتفاديه الحديث عن الحقوق المدنية في الداخل، وحقوق الإنسان في الخارج، دفعت ببعض المعلقين للقول إن ترامب يريد عمليا تقويض الدستور الذي يفترض فيه كرئيس أن يصونه ويدافع عنه.
أول تعيين ذكي لترامب
وكما كان متوقعا، عين ترامب الذي لا يخفي إعجابه بالضباط العسكريين الأشداء، الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، الشهير بـ (الكلب المسعور) وزيرا للدفاع. ويتمتع ماتيس بسمعة جيدة وشعبية في الأوساط العسكرية ليس فقط بسبب شجاعته القتالية التي اكتسبها في حربي أفغانستان والعراق، ولكن أيضا كمخطط ومفكر استراتيجي وقارئ نهم لكتب التاريخ. وكان الرئيس أوباما قد عين ماتيس قائدا للقيادة المركزية التي تشرف على القوات الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط، ولكنه أرغم على الاستقالة في 2013 بسبب خلافاته مع البيت الأبيض حول السياسة تجاه إيران، لأن دعوات ماتيس لاتخاذ موقف أقوى لردع السلوك التخريبي الإيراني في العراق وسوريا وتحدياتها للبحرية الأمريكية في الخليج جوبهت برفض مستشار الأمن القومي آنذاك توم دونيلون، الذي كان يعكس أيضا مواقف الرئيس أوباما. بعد تقاعده انتقد ماتيس سياسات البيت الأبيض في الشرق الأوسط علنا. وكان ترامب قد عين الجنرال مايكل فلين المعروف أيضا بخلافاته مع إدارة الرئيس أوباما مستشارا لشؤون الأمن القومي. تعيين ماتيس في منصبه الجديد يتطلب تعديلا لقانون أمريكي يمنع تعيين أي عسكري وزيرا للدفاع إلا بعد مرور سبع سنوات على تقاعده. وأعلن الرئيس المنتخب ترامب عن تعيين ماتيس بطريقة استعراضية خلال خطابه الاحتفالي الأول في ما سمي بجولة شكر للولايات التي صوتت له، حين قال إنه سيعين “الكلب المسعور ماتيس” وزيرا للدفاع وكرر استخدام عبارة الكلب المسعور تحببا، وأنه سيفعل ذلك رسميا يوم الاثنين، وتابع مازحا “ولكن لا تفصحوا عن ذلك”. ردود الفعل الأولية على تعيين ماتيس كانت بمعظمها إيجابية، وحتى بعض معارضي ترامب قالوا إن تعيين ماتيس هو أول تعيين ذكي لترامب.
بعد تعيين الجنرال ماتيس قائدا للقيادة المركزية، دُعيت إلى عشاء معه شارك فيه أيضا صحفيان أمريكيان آخران عملا وعاشا في الشرق الأوسط كمراسلين لصحف أميركية هامة، وشاركتنا العشاء المسؤولة الإعلامية في مكتبه التي رتبت اللقاء الذي قالت إن هدفه “الاستماع إلى تحليلاتكم للأوضاع الراهنة في المنطقة، وعن التطورات التي يمكن ان تفاجئ الجنرال ماتيس”. وعلى مدى ساعتين ونصف قام ماتيس بطرح الأسئلة الدقيقة، وبدا أحيانا وكأنه يستنطقنا، وهو يكتب بعض ملاحظاتنا. لم يتبرع بقول الكثير، الأمر الذي سبب لنا الشعور بالإحباط بعض الشيء، لكن اسئلته أظهرت مدى جديته وفضوله السياسي والفكري لأنه طرح أسئلة من نوع: ما الذي يجب أن أتوقعه في المنطقة مما تغفل عنه صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست؟ ما هي التحولات السياسية والثقافية البعيدة المدى في المنطقة؟ وما هي التحديات والمخاوف التي تقلق القيادة في طهران؟.
بعد تعيين الجنرال ماتيس وزيرا للدفاع، قال مسؤول سابق في الوزارة “أصدقاء الولايات المتحدة يشعرون الآن بارتياح كبير، وخصوم واشنطن يدركون أن لديهم خصم قوي لا يمكن الاستهانة به”.