ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
بعد 20 عامًا، توشك مهمة حلف الناتو على الانتهاء نتيجة لاتفاقية سلام تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وكانت التسوية، التي تم التفاوض عليها في فبراير/شباط 2020 نتاج سنوات من المشاركة المباشرة وغير المباشرة بين الجانبين. ظلت قوات حلف الناتو العمود الفقري للعمليات المناهضة لحركة طالبان في أفغانستان، ومنذ أن بدأ رحيل هذه القوات في 1 مايو/أيار، وفي هجوم خاطف، استولت حركة طالبان على أكثر من 50 مقاطعة في جميع أنحاء البلاد. وقد أثار هجوم طالبان مخاوف محللي الاستخبارات الأمريكية وكبار المسؤولين العسكريين من أن التمرد قد يصل إلى العاصمة كابول في أقل من عام، حيث تفشل قوات الحكومة الأفغانية، التي تقف بمفردها الآن، في إحراز أي مقاومة ذات مغزى. وبينما تتكشف معالم نهاية اللعبة الأفغانية، تعكف الجهات السياسية الفاعلة في الشرق الأوسط على تقييم خياراتها داخل الساحة السياسية الأفغانية.
تتمتع العديد من دول الشرق الأوسط بعلاقات تاريخية عميقة مع أفغانستان. وقد تطورت بعض أهم الروابط السياسية والشخصية خلال الاحتلال السوفييتي، حيث انضم مقاتلون من جميع أنحاء العالم العربي إلى المقاومة المسلحة الأفغانية. مع الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1988، تدهورت الأوضاع في البلاد إلى حرب أهلية بين الفصائل المتنافسة. انطلاقًا من هذه الفوضى، انبثقت حركة طالبان المسلحة من المعاهد الدينية في شمال باكستان وجنوب أفغانستان. وبحلول عام 1998، كانت طالبان تسيطر على 90% من أفغانستان. وبصرف النظر عن كون باكستان هي الراعي الرئيسي لهذه الحركة، إلا أن نظام طالبان حصل على اعتراف دبلوماسيٍ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
اللاعبون الخليجيون في أفغانستان ما بعد 11 سبتمبر
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تمت الإطاحة بنظام طالبان من السلطة حين شن التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، حملة عسكرية في أفغانستان. أدى إنشاء نظام سياسي في فترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول إلى تغيير طبيعة مشاركة الشرق الأوسط مع أفغانستان. وأرسلت الإمارات فرقة من القوات تحت رعاية بعثة حلف الناتو التابعة للقوة الدولية للمساعدة الأمنية في عام 2003، وشاركت في مهام التدريب والدعم، وفي بعض الأحيان وجدت نفسها في مواجهة مسلحة مع متمردي طالبان، إلى أن انتهت مهمة القوة الدولية للمساعدة الأمنية في ديسمبر/كانون الأول 2014. كانت تركيا لاعبًا مهمًا آخر انضم إلى القوة الدولية للمساعدة الأمنية، ولكن فقط في دور غير قتالي، حيث كانت تركز فقط على تدريب القوات الأفغانية، وتقديم المساعدة اللوجستية لقوات حلف الناتو.
أخذت مشاركة الإمارات في أفغانستان منعطفًا كبيرًا بعد مقتل السفير الإماراتي، جمعة محمد عبد الله الكعبي، في أعقاب تفجير وقع في مدينة قندهار في جنوب أفغانستان، أسفر أيضًا عن مقتل خمسة دبلوماسيين إماراتيين آخرين. كما عززت الإمارات علاقتها مع حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غاني، وزاد عدد القوات الإماراتية التي تقوم بتدريب قوات النخبة الأفغانية لمواجهة متمردي حركة طالبان. وأقر حلف الناتو بالمساهمة الإماراتية من خلال الشروع رسميًا بإشراك الإمارات في بعثة الدعم في أفغانستان، وهي بعثة صغيرة الحجم وغير مقاتلة تتبع القوة الدولية للمساعدة الأمنية. وفي إشارة على التقارب السياسي بين كابول وأبوظبي، انتقد السفير الأفغاني لدى الإمارات قطر، الدولة المضيفة للمحادثات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، لعدم ضغطها على طالبان بما يكفي للحد من العنف، كما اقترح السفير الأفغاني أماكن متناوبة للمفاوضات.
لعبت السعودية دورًا رئيسيًا في الساحة السياسية الأفغانية منذ الاحتلال السوفييتي، حيث دعمت أولًا قادة المجاهدين ثم حركة طالبان. غير أن مشاركة السعودية في أفغانستان تغيرت أيضًا تغيرًا كبيرًا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حافظت شبكات الاستخبارات السعودية على روابط مع حركة طالبان بالتنسيق مع الاستخبارات الباكستانية. في محاولة لتعزيز أهميتها فيما يتعلق بأفغانستان؛ قامت الحكومة السعودية في عام 2008 بتيسير محادثات السلام بين مسؤولي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. ولكن في عام 2009، فقدت السعودية تأثيرها على حركة طالبان وعلى عملية السلام عندما قامت الحكومة بإبعاد المبعوث السياسي لطالبان عن المملكة. ويعزى ذلك، إلى حد كبير، إلى أن حركة طالبان لم تقبل بالشروط السعودية المسبقة للتوسط لدى الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، رافضةً في المقام الأول التنديد علنًا بتنظيم القاعدة قبل المحادثات. وقد فعل السعوديون ذلك خلافًا لنصيحة شركائهم الباكستانيين، الذين كانوا يرون أن مثل هذا الانفصال سيمهد الطريق أمام شراكة أكبر بين حركة طالبان وإيران، وهذا ما حدث لاحقًا. منذ عام 2009، تمكنت السعودية فقط من الحفاظ على اتصالاتها مع الحكومة الأفغانية في كابول.
لعبت قطر دورًا رئيسيًا آخر في المجال السياسي الأفغاني. حيث استضافت قطر، المعروفة بمشروعها للوساطة، مكتب حركة طالبان منذ عام 2013 بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة. كانت الدوحة أيضًا مسرحًا لمحادثات السلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة ثم مع الحكومة الأفغانية. كما استضافت دول أخرى مفاوضات بين حركة طالبان وممثلي الولايات المتحدة، بما في ذلك الإمارات في مبادرة برعاية باكستانية. لكن ممثلي حركة طالبان اشتكوا من الضغوط التي مارستها أبوظبي والرياض لإشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات، وطلبوا تحويل المحادثات إلى قطر. وقد كشف موقف حركة طالبان هذا عن وجود ثقة عالية بين الدوحة وحركة طالبان. وقد مهدت اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، التي تم توقيعها في الدوحة، الطريق أمام رحيل القوات الأجنبية من أفغانستان.
انسحاب حلف الناتو واستعادة الموقف الخليجي تجاه أفغانستان
كما تمت الإشارة سابقًا، استمرت قطر تلعب دورًا رئيسيًا في أفغانستان لسنوات عديدة، وتكشفت جميع التطورات الرئيسية المتعلقة بعملية السلام الأفغانية في قطر. وأدى انسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان، وإحجام البلدان المجاورة عن تزويد الولايات المتحدة بالتسهيلات اللوجستية اللازمة، لتنفيذ عمليات عسكرية مستقبلية، إلى ازدياد أهمية قطر الجغرافية السياسية. تم نقل قيادة العمليات الأفغانية إلى القيادة المركزية الأمريكية، التي لديها مقر متقدم في قاعدة العديد الجوية القطرية، التي تستضيف أيضًا قاذفات القنابل B-52 القادرة على القصف لمسافات بعيدة في أفغانستان. ومن هذا المنطلق، ستصبح قطر مركزًا تنفيذيًا رئيسيًا لأي عمليات عسكرية بعد الانسحاب. ومع ذلك، من الصعب رؤية كيف ستحافظ قطر على علاقتها الدافئة مع حركة طالبان إذا تغيرت الظروف وسمحت بأي عمل عسكري للقيادة المركزية ضد حركة طالبان انطلاقًا من أراضيها. وعلى المدى القصير، تواصل حلف الناتو مع قطر لتأمين قاعدة لتدريب القوات الأفغانية الخاصة. في حال قبلت قطر، فإنها ستصبح قناة سياسية واستراتيجية رئيسية بين دول حلف الناتو وأفغانستان. ومع ذلك، فقد يؤدي ذلك إلى الإضرار بعلاقتها مع حركة طالبان، التي من المرجح أن تعتبر ذلك محاولة لتعزيز الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية. ومن المثير للاهتمام أن تركيا، حليفة قطر، تستعد أيضًا لتولي الإدارة والأمن في مطار كابول الدولي، وذلك جزئيًا، في محاولة لإعادة تأهيل علاقتها مع الولايات المتحدة.
بما أن المشاركة السياسية للإمارات والسعودية ظلت مقتصرة، إلى حد كبير، على الهيئات الحكومية الأفغانية، فقد لا يكون لهما الرصيد نفسه في هذه الساحة السياسية الناشئة في أفغانستان. وفي يونيو/حزيران، حاولت السعودية استغلال قوتها الدينية الناعمة من خلال عقد مؤتمر إسلامي لإعلان السلام في أفغانستان تحت رعاية رابطة العالم الإسلامي، التي تتخذ من مكة مقرًا لها. جمعت السعودية كبار العلماء والمسؤولين الحكوميين من أفغانستان وباكستان لمناقشة المصالحة بين الفصائل المتحاربة في أفغانستان. غير أن غياب أي تمثيل لحركة طالبان أو كبار المسؤولين السعوديين جعل الأمر مجرد ممارسة علاقات عامة. إن الطاجيك السُنّة، الناطقين بالفارسية في أفغانستان، الذين كانوا يتحالفون تقليديًا مع إيران، يبحثون عن رعاية جديدة لهم في الخليج. قد تقدم السعودية لهم قاعدة دعم مثالية، ولكن الرياض لم تعرب عن اهتمامها الجاد بتعميق مشاركتها السياسية مع الأطراف دون الدولة في أفغانستان.
مع دخول الصراع في أفغانستان مرحلة جديدة، فإن البنية التحتية المؤسساتية والأمن الأفغاني في خطر. ومع قيام أمراء الحرب المحليين بجمع ميليشيات خاصة لمحاربة حركة طالبان، فإن شبح الحرب الأهلية يلوح في الأفق. ولتجنب مثل هذا الموقف، يتعين على القوى الخليجية تعزيز شراكاتها الدبلوماسية مع الدول المجاورة لأفغانستان واستغلال قوتها المالية والدينية الناعمة من أجل التعامل مع أصحاب المصلحة المحليين. وبهذه الطريقة فقط يمكن لدول الخليج أن تساعد في تحقيق الاستقرار في أفغانستان ورسم مسار نحو السلام والمصالحة.