ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
استأنفت المرشحة الديموقراطية لمنصب الرئاسة هيلاري كلينتون نشاطها الانتخابي بعد استراحة لثلاثة أيام فرضها المرض، لتجد أن الاسبوع المنصرم، كان الاسوأ لها منذ أن بدأت سباقها المضني إلى البيت الأبيض، حيث ردم منافسها الجمهوري دونالد ترامب الهوة التي كانت تفصلهما لمصلحتها في الاسابيع الماضية واقترب من التعادل معها في استطلاعات الرأي التي أجريت على المستوى الوطني، بينما تفوق عليها في بعض الولايات التي ستحسم السباق مثل أوهايو وفلوريدا.
حقيقة أن تكون كلينتون، بخبرتها السياسية الطويلة وتجربتها التشريعية، في حالة تعادل مع ترامب الذي لم ينتخب لأي منصب سياسي في سنواته السبعين، والذي حرق جسوره مع شرائح اجتماعية مختلفة خلال حملة انتخابية اتسمت بالشراسة والتعصب، فهو أمر لا سابقة له ويصعب تفسيره. ولكن مما لا شك فيه فأن الجراح التي اصيبت بها كلينتون في الأيام الماضية، كان معظمها من صنعها، وخاصة هاجسها بلف نفسها بالسرية، والذي جعلها ترتكب خطيئة من الصعب تجاهلها أو غفرانها، وذلك حين اخفت عن نائبها السناتور تيم كاين، حقيقة تشخيصها يوم الجمعة الماضي بالتهاب رئوي. وعلم كاين بمرض كلينتون، مثله مثل الملايين من الأمريكيين الذين راقبوا بذهول أشرطة الفيديو التي بدت فيها المرشحة الديموقراطية وهي تتعثر وتكاد تقع على الأرض قبل أن يرفعها مساعدوها وحراسها وأدخلوها إلى سيارتها. وقبل مرضها، والطريقة المحرجة الذي تعاملت بها حملتها، اقترفت كلينتون خطأ سياسيا، حين وصفت “نصف ” مؤيدي دونالد ترامب بأنهم ينتمون إلى ” سلة من البائسين”. الاستهجان السريع من ترامب وانصاره، وانتقادات وتحفظات المحللين وحتى بعض انصارها، ارغمت كلينتون على تقديم ما يمكن وصفه “نصف اعتذار”، ولكن ذلك لم يخفف عاصفة الاحتجاجات. وأخيرا جلبت استطلاعات الرأي الأخبار السيئة حول تقدم ترامب، لتحول الأيام الماضية إلى أسوأ اسبوع للمرشحة الديموقراطية وذلك قبل أقل من شهرين من يوم الحسم في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
التغطية على الخطأ أكبر من الخطأ ذاته
منذ فضيحة ووترغيت التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون في 1974، سادت مقولة في واشنطن مفادها أن محاولة التغطية على الخطأ الأصلي أو الانتهاك الأولي تكون عادة أسوأ بكثير، وأن الناس يمكن أن يغفروا الخطأ أو الخطيئة الأولية، ولكنهم نادرا ما يغفرون محاولات التغطية عليها لأنها تتسم عادة بالتضليل المقصود. ما حدث يوم الأحد الماضي هو دليل آخر يؤكد صحة هذه المقولة. عندما غادرت كلينتون مراسم ذكرى هجمات سبتمبر/ايلول الإرهابية قبل انتهائها قالت حملتها إن السبب هو شعورها بالحر الشديد. وبقيت هذه الرواية سائدة لخمسة ساعات، إلى حين الكشف عن أشرطة فيديو صورها مواطنون بهواتفهم النقالة (لأن حملة كلينتون أبقت عن قصد فريق الصحافيين الذي يرافقها في الظلام) وبثتها شبكات التلفزيون بشكل شبه مستمر لساعات. بعدها اضطرت الحملة لاصدار بيان جاء فيه أن كلينتون اجرت فحوصات يوم الجمعة وتبين أنها تعاني من التهاب رئوي وأنها بدأت استخدام المضادات الحيوية للعلاج منه. وفجأة عادة الحالة الصحية لكلينتون – وهي قضية كانت دائما حاضرة في الحملة ولكن في الخلفية- إلى الواجهة وبشكل نافر لأنها اقترنت هذه المرة بخطأ سياسي هو المحاولة الفاشلة للتغطية على المرض، الأمر الذي عمّق من شكوك الناخبين الأمريكيين الموجودة أصلا بصدقية ونزاهة هيلاري كلينتون.
في الأيام والاسابيع الماضية، سجلت استطلاعات الرأي ارتفاعا ملحوظا في التأييد الشعبي لترامب، وذلك بسبب انضباطه غير الأعتيادي وامتناعه – بعد الحاح مستشاريه- عن التورط في نزاعات جانبية، أو اهانة من يختلف معهم، أو التلذذ بمشاكل خصومه، وهذا ما يفسر امتناعه عن التعليق العلني أو المفصل حول مرض كلينتون. في المقابل يبدو أن غياب كلينتون خلال شهر أغسطس/آب لجمع التبرعات المالية من أثرياء الحزب الديموقراطي ونجوم هوليوود، وإشارتها إلى البائسين الذين يدعمون ترامب، وأخيرا محاولة التغطية على مرضها، كلها عوامل يُعتقد أنها ساهمت في تقليص شعبيتها وفقا لنتائج آخر استطلاع لصحيفة نيويورك تايمز وشبكة التلفزيون سي بي أس. ويبين الاستطلاع أنه عندما تكون كلينتون في مواجهة ترامب دون غيره من المرشحين فأنها تكون متقدمة عليه بنقطتين فقط، أي أنها حصلت على 46 بالمئة من الناخبين المحتملين، مقابل 44 بالمئة لترامب. ولكن عندما يشمل الاستطلاع مرشحي حزب الأحرار غاري جونسون، وحزب الخضر جيل ستاين، عندها تتعادل كلينتون مع ترامب بنسبة 42 بالمئة. وكانت كلينتون متفوقة على ترامب في استطلاعات الرأي بنسب تتراوح بين 8 و10 نقاط فور انتهاء أعمال المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في أوآخر يوليو/ تموز الماضي. ولكن الأمر اللافت في الأيام الماضية، كان في تفوق ترامب على كلينتون في ولاية اوهايو (التي لم يحدث أن فاز مرشح جمهوري بالرئاسة دون الحصول على أكثرية ناخبيها) بنسبة 5 بالمئة وفقا لاستطلاع للرأي اجرته مؤسسة بلومبيرغ. وكشف استطلاع لشبكة سي أن أن تقدم كلينتون على ترامب بثلاثة نقاط في ولاية فلوريدا المحورية. صحيح أن هذه النسبة هي ضمن معدل الخطأ، إلا أن استمرار ترامب في انضباطه سيمكنه من صيانة هذه الانجازات المفاجئة.
“سلة من البائسين”
في هذه الدورة الانتخابية اعتاد الأمريكيون على توقع المفاجآت والصدمات من المرشح الجمهوري ترامب، وليس من هيلاري كلينتون، التي تفادت زلات اللسان حتى الآن والتي كانت تزن كلماتها بدقة وتؤدة. ولذلك فوجئت الأوساط المعنية بالانتخابات بإشارة كلينتون إلى أن نصف مؤيدي ترامب هم من تلك الشرائح الاجتماعية المتعصبة والمتزمتة وحتى العنصرية التي وصفتها بسلة من البائسين. هذا كان مساء الجمعة الماضي، ولكن كلينتون سارعت في اليوم التالي لتعرب عن “أسفها” لأنها استخدمت كلمة “نصف” بدلا من كلمة أخرى لوصف حجم مؤيدي ترامب من المتشددين.
وسارع ترامب إلى مطالبة كلينتون بالاعتذار لأنها أهانت جزءا كبيرا من قاعدته، واستخدم زلة لسانها لتعبئة وتوسيع قاعدته، وقال المسؤولون في حملته أن كلينتون سخرت من مؤيديه أمام الأثرياء الذين يمولون حملتها، وأن كلامها يكشف حقيقة نظرتها الاستعلائية تجاه الأمريكيين العاديين الذين يعملون بجهد.
من الواضح أن غياب كلينتون خلال شهر اغسطس/آب لجمع التبرعات المالية، واستراحتها الوجيزة التي فرضتها الاعتبارات الصحية، ساهمت في اعطاء ترامب الفر صة لتحسين أدائه. الضغوط التي فرضت على كلينتون لكي تكشف المزيد من المعلومات عن صحتها، فرضت أيضا على ترامب، ولكنها لن ترغمهما على الكشف عن كل الحقائق والأرقام والتقويمات الطبية لكل منهما، الأمر الذي يعني أن صحة كلينتون وترامب سوف تبقى في طليعة اهتمامات الناخبين الأمريكيين، إلى أن يحسموا السباق في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
من المتوقع أن يبقى التعادل النسبي بين المرشحَين في استطلاعات الرأي خلال الاسابيع المقبلة، إلا إذا حدث تطور مفاجئ يؤدي إلى خلط الأوراق بطريقة جذرية. وفي 26 من الشهر الجاري سوف يراقب ملايين الناخبين أول مناظرة تلفزيونية بين ترامب وكلينتون من أصل ثلاثة. وسوف تشكل هذه المناظرات تحديا قويا لترامب الذي يفتقر إلى الخبرة في هذا المجال بعكس كلينتون، على الرغم من باعه الطويل في البرامج التلفزيونية. وبما أن 60 بالمئة من الناخبين يقولون إنهم لا يثقون بترامب أو بكلينتون، سوف تكون المناظرات الفرصة الأخيرة لكل مرشح لأن يعدل ولو بشكل محدود من صورته أو صورتها السلبية، في أذهان الناخبين الذين قالوا لنا في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة أنهم مستاؤون ومحبطون لأن عليهم أن يختاروا بين المرشحين الأقل شعبية في تاريخ الانتخابات الأمريكية.