ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تعد المحادثات الرباعية التي دارت، افتراضيًا، بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند في 19 أكتوبر/تشرين الأول أحدث مظاهر التوجهات متعددة الأطراف “المصغرة” التي أصبحت، أكثر فأكثر، تميز السياسة الدولية في الشرق الأوسط. شجعت الصيغة الرباعية للمحادثات على مقارنات لا أساس لها مع الرباعية، وهي كتلة تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وتهدف، بوضوح، إلى مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وخلافًا لتلك الرباعية، فإن المحادثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند لا تشترك في أي هدف جيوسياسي واضح. في حين يبدو أن الولايات المتحدة والهند عازمتان على احتواء النفوذ الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط، إلا أنه ليس من المرجح أن تتماشى إسرائيل والإمارات – اللتان تركزان أنظارهما على إيران – مع هذا التوجه، نظرًا لعلاقاتهما الاقتصادية العميقة مع الصين.
ومع ذلك، فإن الهند ترسل، من خلال انضمامها إلى المحادثات، رسائل إلى شريك مهم، ولكنه صعب، وهو إيران. بدايةً، كانت المحادثات ثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات في 13 أكتوبر/تشرين الأول في واشنطن، وتركزت على اتفاقيات أبراهام والبرنامج النووي الإيراني. ثم تم انعقاد اجتماع آخر، افتراضيًا، بعد خمسة أيام، وهذه المرة بمشاركة الهند كعضو رابع. وعلى الرغم من تعثر علاقات الهند مع طهران، بفعل تأثير العقوبات الأمريكية والنزاعات التجارية، بما في ذلك ما يتعلق ببعض المشاريع الرئيسية، مثل سكة حديد ميناء تشابهار وحقل غاز فرزاد-بي، إلا أن الهند ترى في إيران شريكًا مهمًا. فإيران تعد لاعبًا رئيسيًا في أفغانستان، وتتعاطف مع مخاوف الهند بشأن احتمال عودة النشاط الإرهابي. ويعتبر ميناء تشابهار الإيراني، الذي طورته الهند، أيضًا، من المكونات الحاسمة في مخططات الهند للوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وتجاوز منافسيها باكستان والصين. ومع أن الانضمام إلى المحادثات الرباعية يهدد بإرباك العلاقات مع طهران، إلا أن نيودلهي تبدو مستعدة لتحمل مخاطر محسوبة في سبيل مواجهة من تعتبره خصمها اللدود والأكثر شراسة، ألا وهو الصين.
الهند و”الرباعية الجديدة”: قراءةٌ في نوايا الهند
عززت مشاركة الهند في المحادثات مع الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات التكهنات بأن هنالك “رباعية جديدة” قد تتشكل في جنوب غرب آسيا. ومع ذلك، يبدو أن هذا الوصف ينطوي على الكثير من المبالغة بالنظر لمحادثات ظهرت كفكرة متأخرة إلى حد كبير. قبل أيام قليلة من انضمام الهند إلى المحادثات، عقدت مناقشات ثلاثية بين مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات في واشنطن حيث تم الإعلان عن فِرق عمل حول قضايا التسامح الديني والمياه والطاقة. ظهرت الصيغة الرباعية التي تضم الهند بعد عدة أيام خلال زيارة قام بها وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار (Subrahmanyam Jaishankar) إلى إسرائيل، والتي استمرت خمسة أيام. وانضم جايشانكار إلى المحادثات، التي عقدت افتراضيًا، من وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس، حيث جلس إلى جانب نظيره الإسرائيلي.
ورغم ذلك، فإن الانضمام إلى المنتدى الرباعي يساعد على توضيح علاقات الهند الوثيقة مع الولايات المتحدة واثنين من أكبر شركاء واشنطن الإقليميين، الإمارات وإسرائيل. ولكن ربما يكون لدى الهند دوافع أخرى تدفعها للانضمام إلى المجموعة، وهي تتعلق بالتحديات الجيوسياسية الأقرب إلى البلاد. تود نيودلهي تصوير المجموعة على أنها تحالف مفترض لاحتواء نفوذ الصين الاقتصادي في المنطقة. يعتزم المنتدى الرباعي التعاون في تطوير البنية التحتية، وفقًا لتصريح إسرائيلي، وهو مصطلح غالبًا ما يُقرأ على أنه يرمز لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وعلى الرغم من أن إسرائيل والإمارات سعتا إلى تبديد الشكوك في أن المجموعة الرباعية تستهدف الصين، إلا أنه من المرجح أن تستمر الهند في الضغط من أجل أجندة صارمة، إلى حد ما، تجاه الصين.
إيران عنصر رئيسي في السياسة الخارجية الهندية
ازدادت أهمية إيران لدى الهند، بشكل كبير خلال العام الماضي، ولا سيما في الأشهر الأخيرة منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. وشكل استيلاء طالبان السريع على أفغانستان مصدر قلق عميق في نيودلهي. ينتاب الهند القلق من احتمال تحول أفغانستان إلى مركز للإرهاب العابر للحدود مرة أخرى، وتصبح قاعدة يمكن لباكستان من خلالها استغلال نفوذها العميق مع طالبان لاستهداف المصالح الأمنية للهند. كما ينتاب نيودلهي القلق من أن الصين، التي تبحث في توسيع تمويل البنية التحتية لأفغانستان، قد تستغل علاقاتها مع طالبان لتقريب البلاد من فلكها. حتى تاريخه، تشير طالبان إلى رغبتها في تحسين العلاقات مع الهند، لكن الإرث الطويل من انعدام الثقة المتبادل، والنفوذ الذي يمارسه خصوم الهند – باكستان والصين – على المجموعة يشير إلى صعوبة التقدم في تحسين العلاقات بين الهند وطالبان.
وبسبب استيائها التاريخي من طالبان، كانت إيران هي إحدى الدول التي اتفقت معها الهند فيما يتعلق بأفغانستان، على الأقل قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001. وقدمت كل من الهند وإيران الدعم للتحالف الشمالي في حربه ضد طالبان خلال التسعينيات. بعد ذلك، على الرغم من بناء علاقات مع طالبان في أعقاب الغزو، على أساس العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة، إلا أن إيران – التي تصور نفسها على أنها حامية لأقلية الهزارة العرقية الأفغانية ذات الانتماء الشيعي بشكل أساسي- ما تزال تحتفظ بدرجة من عدم الثقة تجاه طالبان. خلال زيارتي جايشانكار إلى طهران منذ انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران، تركزت المحادثات إلى حد كبير على أفغانستان، حيث قال رئيسي إن بلاده ترحب بدور هندي هناك. نظرًا لعدم وجود حدود مشتركة للهند مع أفغانستان، فقد بذلت الهند قصارى جهدها لإيجاد ممر تجاري يتجاوز خصمها باكستان. منذ بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شاركت الهند في تطوير ميناء تشابهار الإيراني وبناء طريق زارانج – ديلارام السريع في أفغانستان -على الرغم من المقاومة المسلحة لطالبان- الذي يربط إيران بالمدن الرئيسية في أفغانستان. ونظرًا لأن جزءًا كبيرًا من الممر التجاري الهندي إلى أفغانستان يمر عبر إيران، فإن نجاح السياسات الجغرافية-الاقتصادية الهندية في أفغانستان يعتمد على قدرة نيودلهي على العمل مع طهران.
عدا عن كونه حلقة الوصل بين الهند وأفغانستان، تنظر نيودلهي أيضًا إلى ميناء تشابهار الإيراني، أيضًا، على أنه منافس لميناء باكستان الممول من الصين في مدينة جوادر القريبة. يؤمن بعض الخبراء الاستراتيجيين الهنود بالنظرية القائلة بأن الصين تسعى لتطويق الهند في المحيط الهندي من خلال الاستثمار في سلسلة من الموانئ في باكستان وسريلانكا، وفيما هو أبعد من ذلك في كينيا وجيبوتي، وغيرها. يكمن الخوف في أنه في حالة حدوث مواجهة مسلحة مع الصين، من الممكن أن تستغل بكين هذه الموانئ لتطويق الهند عسكريًا. بالنظر من عدسة الجغرافيا-العسكرية هذه، فإن موطئ قدم الهند في تشابهار يهدف إلى قطع “عقد اللؤلؤ” الصيني هذا، على الرغم من أن إمكانية الهند من الاستفادة عسكريًا من استثمارها في ميناء تشابهار في حالة المواجهة مع الصين تبدو بعيدة المنال. ربما من الممكن رؤية تحركات الصين في منطقة المحيط الهندي بشكل أدق من خلال عدسة جغرافية-استراتيجية تركز على جهودها المبذولة لإرساء هيمنتها التجارية والبحرية إلى أمد بعيد، وهي طموحات تنم عن تحدٍ لموقع الهند الحالي في المنطقة.
وعلى أية حال، فإن الأمر الأقرب إلى التحقق من أي غاية عسكرية سافرة هو الدور الذي يلعبه ميناء تشابهار في ربط الهند بآسيا الوسطى وبروسيا في نهاية المطاف. على مدار العقدين الماضيين، وقعت الهند اتفاقيات لبناء ممر نقل بين الشمال والجنوب يربط دول آسيا الوسطى غير الساحلية بالمحيط الهندي، ويسمح في الوقت ذاته للهند بالوصول إلى المنطقة الغنية بالنفط والغاز، وتجاوز باكستان والصين. في أكتوبر/تشرين الأول، قام جايشانكار بجولة في بلدان آسيا الوسطى مثل قيرغيزستان وكازاخستان وأرمينيا. خلال المؤتمر السادس لوزراء الخارجية حول التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا، الذي عقد في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، وجه جايشانكار انتقادًا مبطنًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، مشيرًا إلى أن مشاريع البنية التحتية يجب أن تستند إلى “احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها”، وأن “بناء التواصل هو ممارسة تشاركية وتوافقية، تستند إلى الجدوى المالية والملكية المحلية. ويجب أن لا تخدم أجندات أخرى”. في أرمينيا، التي كان جايشانكار أول وزير خارجية هندي يزورها على الإطلاق، أعرب عن رغبة الهند في دمج ميناء تشابهار في ممر النقل الدولي الرابط بين الشمال والجنوب. وأدى تصاعد التوترات بين إيران وأذربيجان، الذي أوقف تدفق التجارة البرية بين البلدين، إلى تحفيز الهند على تنمية أرمينيا، منافسة أذربيجان، كنقطة التقاء بديلة على الطريق شمالًا. على أية حال، لذلك، يعد ميناء تشابهار من المقومات الضرورية للهند للتواصل مع آسيا الوسطى وروسيا، ويقدم، في نهاية المطاف، ولو من وجهة النظر الهندية، على الأقل، بديلاً لتمويل البنية التحتية الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق.
الهند تنسلخ عن موقفها غير المنحاز في الشرق الأوسط
على الرغم من أن العلاقات مع إيران غالبًا ما كانت بمثابة “اختبار لحُسن النية“، يستطيع الهنود من خلاله قياس مدى استقلالية سياسة بلادهم الخارجية عن الولايات المتحدة، إلا أن التهديد الواضح الذي تمثله الصين دفع الهند إلى التخلي عن حذرها طويل الأمد من الظهور بمظهر المنحاز في الخلافات الشرق أوسطية. تقليديًا، كانت الهند تتحاشى تشكيل تحالفات إقليمية مع شركاء في الشرق الأوسط تحسبًا لخسارة شركائها الآخرين في المنطقة. لكن الحافز لاحتواء النفوذ الصيني، والذي سرّعت وتيرته الاشتباكات الحدودية التي اندلعت بين القوات الصينية والهندية، متهمين بعضهم بعضًا بالتعدي على الأراضي المتنازع عليها في عام 2020، تسبب في انسلاخ الهند عن كوابحها التقليدية، وجعلها تنحاز أكثر إلى الولايات المتحدة، حتى وإن تسبب ذلك في إزعاج إيران. يبدو أنها تضع في حساباتها أنها قادرة على إدارة مثل هذا التوتر، حيث توازن الهند بين مصالحها الأساسية مع إيران، وبين رغبة حديثة جامحة لمواجهة نفوذ الصين المتوسع، والذي يحتمل أن يتسبب في خنق نفوذها الإقليمي.