ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
عندما بدأت الانتفاضات العربية قبل 10 سنوات، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً رئيسياً في توفير منصة للأفراد لبث أخبار الاحتجاجات ونشرها مباشرة من المصدر. في ذلك الوقت، كان فيسبوك وتويتر هما الوسيلتين الأكثر شعبية، حيث ازدهرت عبرهما المناقشات حول الديمقراطية والحقوق المدنية. حتى إنه تم الحديث عن موقع تويتر كبديل عن “البرلمان،” ولا سيما عند سكان دول الخليج. وسرعان ما تم إخضاع وسائل التواصل الاجتماعي لرقابة صارمة، من خلال حظر الوصول، وفرض قوانين جديدة لردع تبادل المعلومات، أو إعادة تشكيل النقاشات. وتم تطبيق الأخير بشكل متزايد من خلال الحسابات الآلية أو حسابات لأشخاص حقيقيين يعملون لصالح الدولة للتحكم في الخوارزميات المتداولة، وتعزيز تلك التي تتماشى مع وجهات نظر حكوماتهم. ومع ذلك، لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي تمثل حلبة مهمة في الخليج في ظل غياب وسائل أخرى للمناظرة والنقاش المفتوح، فجاء كلوب هاوس كأحدث إضافة إلى المشهد.
أثرت القيود الصارمة على تويتر في مشاركة الناس على المنصة. ففي حين تخلى البعض عنها تماماً، اختار آخرون أن يصبحوا مجرد متفرجين مبتعدين عن المشاركة في المناظرات والمناقشات الحساسة. وعلى نحو مماثل، فقد خسر كذلك واتساب، الذي حل، إلى حد كبير، محل الرسائل النصية، ملايين المشتركين منذ الإعلان عن سياسة الخصوصية الجديدة، الأمر الذي منحه الحق في مشاركة بيانات المستخدمين مع شبكة فيسبوك الأوسع انتشاراً. وقد أدى ذلك إلى تسريع العملية التي بدأها بالفعل العديد من الأفراد من الخليج والدول العربية الأخرى في الانتقال إلى تطبيقات منافسة، مثل سيجنال ((Signal وتيليجرام (Telegram)، لمناقشة وجهات نظرهم السياسية والشخصية. حيث تنفرد هذه التطبيقات بخيار حذف الرسائل تلقائياً، وهو ما يوفر للمستخدمين بعض الشعور بالأمان.
كلوب هاوس هو تطبيق اجتماعي جديد للصوت فقط، ولا يزال حصرياً، حيث يعمل فقط بعد الحصول على دعوة. وبعكس تويتر، الذي يمكن للأشخاص من خلاله قضاء المزيد من الوقت في صياغة تغريدة واحدة، فإن التنسيق الصوتي في كلوب هاوس لا يسمح للمشاركين بتعديل مناقشاتهم أو حذفها. وقد سمح هذا بتبادل الأفكار بشكل أكثر عفوية وأقل قيوداً لإجراء مناظرات أعمق وأكثر صراحة. وهذا يفسر سبب ظهور كلوب هاوس بسرعة كبديل عن تويتر. حتى الآن، فإن العبرة الرئيسية من الانضمام إلى “غرف” كلوب هاوس المتعددة هي أن الأشخاص يناقشون وجهات النظر، ويشاركون في المناقشات اليومية بطريقة غير رسمية ودون وجل، على عكس تويتر، الذي يبقيهم تحت المراقبة المشددة.
هذا النوع من المناظرات في كلوب هاوس يسلط الضوء على تحديات التحكم على وسائل التواصل الاجتماعي على المدى البعيد. على سبيل المثال، تعرضت الحركة النسوية إلى شيطنة شديدة على تويتر كرد على مطالبة السعوديات بمزيد من الحقوق وعقب حوادث هروب النساء من البلاد. وأصبح كلوب هاوس منصة لدعاة الحركات النسوية من جميع أنحاء العالم العربي لمناقشة وجهات نظرهن، والتفكير في كيفية وأسباب استخدام حكوماتهن لوسائل التواصل الاجتماعي لقمع الحركة. نظراً لأن كلوب هاوس يعمل من خلال الغرف التي يتم إنشاؤها بواسطة مشرفين، يمكنهم حذف أي شخص يهدف للتشويش على المناقشة، فمن المستحيل عملياً الاستحواذ على المحادثة. وبدلاً من ذلك، يقوم الأشخاص الذين يريدون الترويج لرواية حكوماتهم بإنشاء غرف خاصة بهم لدحض هذه المناقشات. ومع ذلك، تبقى مثل هذه الجهود هامشية، نظراً لأن الهاشتاجات والبوتات التي من شأنها أن تشوش على الخوارزميات ليست ذات صلة بالتطبيق الجديد. وقد سمح ذلك ببقاء التركيز على المناقشات بين مجموعة جادة من المشاركين.
ركزت مناقشات كلوب هاوس أيضاً على القضايا الحساسة، مثل الإصلاحات السياسية بشكل عام، وتلك المتعلقة بالتحديات التي تواجه دولاً خليجية محددة. فعلى سبيل المثال، اصطدم النقاش حول “الإصلاحات السياسية في الخليج – ضرورة أم ترف”، مع وجهات النظر الراسخة منذ زمن بعيد، خاصة فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. أحد هذه الآراء يفترض أن مواطني الخليج راضون عن حكوماتهم، لأنها تقدم لهم الخدمات اللازمة مقابل مشاركة سياسية محدودة وحرية تعبير مقيدة. من ناحية أخرى، غالباً ما يستشهد منتقدو النقاش حول الإصلاحات السياسية بالأزمات في ليبيا وسوريا، لتوضيح حججهم المضادة. كما ينتقدون شخصيات المعارضة الخليجية المقيمين في الخارج، قائلين إنهم بعيدون عن التطورات على الأرض، متحججين بأن خطاب المعارضة العراقية قبل عام 2003 شجع الحرب الأمريكية على العراق، ما ساهم في استمرار الاضطرابات الإقليمية. كما تم تحدي الظاهرة المتصاعدة التي تصنف أولئك الذين يثيرون الجدل السياسي بأنهم “خونة”.
تعمل النقاشات السياسية المختلفة، وخاصة تلك المتعلقة بالخليج، على إثارة وجهات نظر متنوعة لمناقشة الفرضيات القائمة منذ فترة طويلة. فقد اختفت مثل هذه النقاشات عن تويتر على مدى السنوات القليلة الماضية. وعلاوة على ذلك، انطلق التوجه نحو كلوب هاوس بعد المصالحة الخليجية مع قطر، والتي ثبت أنها مصادفة جاءت في الوقت المناسب، لأنها سمحت بمزيد من النقاشات المريحة والشاملة بين قطاع واسع من مواطني الخليج. وقد أدى هذا التوقيت أيضاً إلى إثارة نقاشات حول اتفاقية المصالحة نفسها وتبعات هذا التطور على مستقبل المنطقة.
كما تناول النقاش على المنصة الجديدة قضايا تتعلق بالهوية والدين والإقليمية. وكان هذا هو الحال فيما يتعلق بشكل خاص بالتغيرات الاجتماعية الأخيرة في السعودية. لقد أصبح قانون الذوق العام، الذي قيد سلطة المؤسسة الدينية في مراقبة المشهد الاجتماعي، جزءاً من هذه النقاشات في سياق الهوية الدينية مقابل تصاعد الوطنية. كما تعمقت النقاشات حول الإقليمية في السعودية في قضايا حساسة، مثل البحث في مركزية الرياض والخطط المستقبلية لمنطقة العاصمة. وتركز نقاش مثير للاهتمام بشكل خاص حول مفهوم “الامتياز النجدي” – فكرة أنه يتم تفضيل الأفراد من المنطقة الوسطى في التوظيف والفرص الأخرى.
جاء تطبيق كلوب هاوس الجديد ليوفر مساحة مطلوبة للآراء المتنافسة ومواصلة النقاشات التي ظلت معلقة منذ سنوات في الخليج. علاوة على ذلك، فإن القيود التي تفرضها جائحة فيروس كورونا تسمح للعديد من الأشخاص بقضاء ساعات طويلة على التطبيق، ما يساهم في زيادة الوعي الجماعي والسردية، حديثة المنشأ، حول عدد من القضايا التي تتم مناقشتها بشكل متكرر. وفي حين يحاول كل من فيسبوك وتويتر توفير خدمات مماثلة للمنافسة، إلا أن الركن الصغير والحصري لدى كلوب هاوس اليوم هو ما يجعل العديد من سكان الخليج يتدفقون على التطبيق الجديد، للاستمتاع بهامش الحرية الواسع قبل أن يتم تنظيمه مثل سابقيه، وهذا وارد. ويعيد هذا التوجه التأكيد على مركزية وسائل التواصل الاجتماعي في حياة العديد من مواطني الخليج، ورغبتهم في مزيد من المناظرات الصريحة والعفوية في ظل غياب أي بدائل حقيقية لطرح النقاشات الاجتماعية والسياسية.