ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أخذت المرأة السعودية تتبوأ مناصب قيادية بشكل متزايد في القطاعين العام والخاص في خلال السنوات القليلة الماضية. فإضافةً إلى تعيينها في المجالس البلدية ومجلس الشورى الملكي، تمّ تعيين المرأة في عددٍ كبير من المناصب المختلفة على غرار مديرة لمؤسسات مالية وعميدة جامعة ووكيل الرئيس في الهيئة العامة للرياضة ومديرة لسلسلة منتجعات سياحية. وتتزامن التعيينات التي جرت بوتيرة سريعة مع توسيع رقعة الحملات الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي التي قادتها ناشطات، وتمّ الاحتفال بها باعتبارها خطوات مهمة نحو تعزيز مشاركة المرأة السعودية في المؤسسات العامة والخاصة في المملكة.
ولطالما كان تطور حقوق النساء في السعودية محدودًا ضمن إطار ضيّق، إذ تعتبَر المرأة رمزًا للقيم التقليدية في مؤسسات الدولة الدينية التي قيّدت عبر التاريخ حقوق المرأة كمواطنة في المملكة. ويبدو أن الانتقال نحو مشروع قومي يركّز على الإصلاحات الاقتصادية، عقب اعتماد “رؤية السعودية 2030” يؤول إلى شكلٍ هجين من الحداثة. فتستهدف “الرؤية 2030” صراحةً زيادة عدد النساء في المناصب رفيعة المستوى عن النسبة الحالية البالغة 1.27 في المئة إلى 5 في المئة. وفضلًا عن الحاجة إلى تعزيز مشاركة المرأة من خلال توفير الفرص لها لاكتساب الخبرات، تتمثل الضرورة غير المعلن عنها أيضًا في تحسين صورة السعودية على المستوى الدولي، وسط سعيها إلى زيادة اندماجها الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتبرز هذه العملية بوضوح في نظرية “النيوبطريركية”، أو البطريركية الحديثة، التي تشير إلى أن الهيكليات الأبوية والعلاقات بين الجنسين في المجتمعات العربية التقليدية ستبقى قائمةً في الدول الحديثة. والنتيجة هي مجتمع هجين يشغل فيه بعض النساء مناصب قيادية في حين تواصل الدولة تطبيق قوانين وسياسات عامة مقيّدة للحفاظ على بنية مجتمعٍ تقليدي محافظ.
وتشكّل تجربة النساء اللواتي تمّ تعيينهن في مجلس الشورى دراسة حالة مفيدة في هذا الصدد. فلا يتمتع أعضاء هذا المجلس، رجالًا ونساء، بأي صلاحيات تشريعية أو رقابية، بل يناقشون التشريعات ويقدّمون اقتراحات بشأن القرارات ذات الصلة إلى الملك. ويأتي الأعضاء عادةً من خلفيات إسلامية محافظة، أو يكونون من التكنوقراطيين أو أساتذة جامعيين أو رجال أعمال. وقد صبّ تعيين نساء كأعضاء في مجلس الشورى في إطار الإصلاحات التي اعتمدتها الدولة إثر انتفاضات الربيع العربي عام 2011. وجرى تعيين الدفعة الأولى من النساء عام 2013. وقد كان اختيار النساء الأعضاء وفق المعيار المعتاد، أي من خلفيات غير سياسية أو خبيرات متخصصات أو من أوساط دينية. وأقدم الملك أيضًا وبشكلٍ مفاجئ على تعيين نساء أعضاء ناقشن علنًا مسألة الإصلاحات بين الجنسين، على غرار ثريا عبيد، وهي المديرة التنفيذية السابقة لـ”صندوق الأمم المتحدة للسكان”، ولطيفة الشعلان وهيا المنيع وهما أستاذتان في العلوم الإنسانية لهما كتابات ناقدة حول حقوق المرأة في وسائل الإعلام المحلية. وشغلت المرأة 30 مقعدًا من أصل 150 في المجلس، وهي نسبة كبيرة، لكن لم يصر إلى تعيين أي من هؤلاء النساء على رأس أي من اللجان المتخصصة البالغ عددها 14 لجنة، كما أنه لا وجود للعنصر النسائي في لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية المسؤولة عن الإصلاحات القانونية.
وتمّ تعديل أنظمة مجلس الشورى مؤخرًا لكي يتمكن الأعضاء من تقديم قراراتهم بشكلٍ مباشر إلى الملك، وبالتالي تجاوز مجلس الوزراء ومنح مجلس الشورى نفوذًا أكبر، بما في ذلك القرار النهائي بشأن المسائل الخلافية بين المجلسين. وبغية قبول أي قرار من مجلس الشورى، لا بدّ من أن يحصل على موافقة ثلثي الأعضاء على الأقل، بمن فيهم الرئيس (المدير) أو من ينتدبه. وبالتالي، فإن الحصول على أغلبية الأصوات لاتخاذ قرارات بشأن الإصلاحات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين يطرح تحديًا، ولا يعزى السبب إلى المقاومة المتوقعة من الأعضاء المحافظين الذكور فحسب، بل لأن عددًا كبيرًا من النساء المعيّنات أثبتن أنهن يعارضن هذه الإصلاحات بالقدر نفسه. وبالفعل، دافع عددٌ من هؤلاء النساء عن سياسات التمييز بين الجنسين في الدولة، وأكّدن على النهج الذي تتبعه الدولة. فعلى سبيل المثال، كانت نورة بن عدوان، رئيسة وحدة الإشراف والإرشاد في “مركز الدراسات الإنسانية للبنات” في جامعة الملك سعود، على رأس معظم حملات معارضة القرارات المقترحة للإصلاحات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين في مجلس الشورى، على غرار قانون مكافحة التحرش الجنسي الذي تعتبره مقدمةً لانتشار بيئات عمل مختلطة. وردًا على ذلك، قدّم عددٌ من النساء الأعضاء في المجلس شكوىً رسمية ضد الاستخدام الازدرائي لعبارة “الاختلاط بين الجنسين”. وفي مناسبة أخرى، طلبت بن عدوان إلغاء توصية مقدمة للحكومة تدعم الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية التي تعنى بشؤون المرأة من مناقشات مجلس الشورى لخطة التنمية العاشرة في البلاد – وهي خطة تقدّمها وزارة التخطيط كل خمس سنوات للحصول على موافقة الملك ومجلس الشورى. ونتيجةً لذلك، قدّم 30 عضوًا في المجلس طلبًا خطيًا لرفض إلغاء التوصية، كما انسحبت اثنتان من الأعضاء من الاجتماع – في خطوةٍ غير مسبوقة – اعتراضًا على رفض الرئيس الاعتراف بطلبات مناقشة الإلغاء.
وقد عارضت بن عدوان وغيرها من الأعضاء المحافظين، رغم استلام مناصب عامة استثنائية تتخطى الحدود التقليدية بين الجنسين، أي إصلاحات كبيرة تتعلق بقضايا النساء. غير أن العدد القليل من النساء اللواتي دافعن عن إجراء إصلاحات قانونية متعلقة بالمساواة بين الجنسين أصررن على موقفهن واستخدمن مناصبهن القيادية في مجلس الشورى لمعارضة سياسات المجلس التي يتمّ تمريرها خلف الأبواب الموصدة. فضلًا عن ذلك، اتخذن الخطوة غير الاعتيادية المتمثلة بالتعاطي المباشر مع الشعب السعودي عبر وسائل التواصل الاجتماعي رغم الهجمات الإلكترونية الشرسة التي شنّها المحافظون. وانتهت الولاية الأولى للنساء في مجلس الشورى من دون تحقيق أي إصلاحات ملحوظة متعلقة بالمساواة بين الجنسين في عددٍ من المجالات التشريعية، بما فيها قانون الجنسية وقانون الأحوال الشخصية وقانون مكافحة التحرش الجنسي والقانون المناهض لخطاب الكراهية وقانون الوحدة الوطنية، ناهيك عن رفع الحظر على قيادة النساء الذي يعود إلى عقود من الزمن. وعند انتهاء الولاية الأولى، طلبت أربع من النساء الأعضاء اللواتي طالبن بإصدار قرارات لإجراء إصلاحات متعلقة بالمساواة بين الجنسين إعفاءهن من مناصبهن في بيان منشور – وهي سابقة أخرى – عازيات السبب إلى أنظمة معوٍّقة. وفي هذا المعنى، ساهم تعيين النساء في مجلس الشورى بالمساعدة في كشف المواقف المختلفة تجاه مقاربة الإصلاحات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين في المجلس وطرحت هذه الاختلافات للنقاش العام.
وأظهرت أحدث التعيينات في المجلس في كانون الأول/ديسمبر 2016 تحولًا في اختيار الدولة للنساء اللواتي سيتمّ تعيينهن كأعضاء في المجلس. فقد عيّن الملك عددًا أقل من النساء من خلفيات إسلامية محافظة ولا تعتبر أي منهن من الشخصيات المعروفة المؤثرة. وبرز تغيير ملحوظ في وظائف النساء المعينات حديثًا، ما يعكس قاعدةً أكثر شموليةً وتنوعًا ضمّت سيدة أعمال وخبيرة اقتصادية ورائدة في مجال الرياضة ودبلوماسية، إضافةً إلى باحثة في القضايا النسوية. ومع ذلك، واجه النقاش الأول حول مسألة متعلقة بالمساواة بين الجنسين مشاكل حين عمدت لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشورى إلى رفض توصية قدّمتها ثلاث نساء أعضاء هن لينا المعينا ولطيفة الشعلان وعطا السبيتي تقضي بافتتاح كلية للتربية البدنية للسيدات، في حين وافقت على توصية بتحويل كلية الشريعة في محافظة الأحساء إلى جامعة مستقلة للدراسات الإسلامية.
وفي حين تواصل المرأة الرائدة اضطلاعها بمسؤوليات رسمية في إطار بيئة سياسية غير مستعدة بعد للوقوف في وجه هيكلية سلطةٍ يهيمن عليها الذكور، تتركز مشاركتها الآن في القطاع العام وهي موضع جدال ومناقشة. ويقرّ عددٌ كبير من النساء الرائدات بأن التعيينات تشكل خطوات أولى مهمة لالتزام الدولة بتمكين المرأة، في وقت يتردد فيه أن بعضهن يفضل اعتماد مقاربة حذرة لإجراء إصلاحات أكبر. ويترسخ إحجام المرأة عن المخاطرة، حتى عندما تؤمن بضرورة السعي إلى إجراء إصلاحات متعلقة بالمساواة بين الجنسين، في اعتقادها أنه يجب النظر إليها كرمزٍ للتغيير المقبول أكثر منه الثوري. ويشعر بعض السيدات أن التوترات المجتمعية التي لا مفر منها مع المحافظين بشأن التحديات المفتوحة للوضع الراهن ستؤثّر سلبًا على قبول النساء ومصداقيتهن كقياديات على المدى الطويل. ويأتي هذا الاعتقاد على الأرجح على نتيجة تصورات النساء والضغوطات الاجتماعية التي يتعرضن لها وليس بالتجربة المباشرة. وتحظى الشعلان، وهي إحدى الأعضاء الأكثر نشاطًا في مجلس الشورى، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي، بدعمٍ شعبي واسع النطاق أكثر من زميلاتها الأكثر حذرًا. والمفاجئ أنّه تمّ تجديد عضويتها في المجلس لولايةٍ ثانية رغم مناقشاتها العامة الناشطة حول الإصلاحات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين.
ويٌعتبر تنامي تولّي المرأة مناصب قيادية في السعودية تطورًا إيجابيًا، إلّا أنّ التحدي الحقيقي يكمن في كيفية استفادتها من هذه المناصب لإجراء إصلاحاتٍ أكثر شموليةً في ظل اكتسابها للخبرة والمصداقية ضمن مؤسسات الدولة هذه.