في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، توجه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة على الرغم من جائحة فيروس كورونا لإرسال رسالة تغيير إلى حكومتهم. أعرب الناخبون عن إحباطهم من فضائح الفساد الحكومي، ومن الشعور باللامبالاة في مواجهة المشاكل المالية والحوكمة المتصاعدة من خلال معاقبة شاغلي المناصب، وإرجاع بعض الأعضاء السابقين المعروفين بوقوفهم في وجه القيادة إلى جانب بعض الوجوه الجديدة إلى البرلمان. لن يكون من بينهم أي امرأة لأن عدداً قياسياً من المرشحات لم يتمكن من النجاح في هذا الميدان المزدحم. وسوف ينشغل الأمير الجديد ورئيس الوزراء، الذي سيختاره، في التعامل مع المشاعر الشعبوية، واتخاذ أصعب القرارات لتوفير فرص أكبر للشباب، ووضع البلاد على مسار الاستدامة المالية طويلة الأمد.
الانتخابات في ظل جائحة فيروس كورونا
جرت الانتخابات البرلمانية لعام 2020 في ظل ظروف جائحة فيروس كورونا الاستثنائية. لقد خفف الكويتيون من شغفهم بالحملات الانتخابية المباشرة، ولكن لم تحبطهم متطلبات التباعد الاجتماعي. لم تكن هنالك خيام للحملات الانتخابية، حيث يلتقي المرشحون مع الناخبين من خلال الفعاليات العامة والوجبات المجانية، ولكن استمرت الديوانيات، الملحقة بالمنازل، في استقبال التجمعات غير الرسمية إلى حد كبير دون رادع. ومن المرجح أن تكون هذه الظروف قد أضرّت بالمرشحات اللواتي لا يملكن الوصول إلى هذه التجمعات الذكورية.
أسفرت القيود المفروضة على التجمعات الاجتماعية عن إعطاء المزيد من الأهمية للحملات الانتخابية الافتراضية، الأمر الذي وسع تدريجيًا البنية التحتية للحملات المعقدة. فقد تحولت العروض الحوارية على الوسائط التقليدية إلى أشكال جديدة على منصات التواصل الاجتماعي، مثل انستجرام. وما يزال واتساب أحد أهم أشكال التواصل السياسي، مثله مثل تويتر في المناظرات السياسية. ولجأ معظم كبار المرشحين لاستخدام خبراء في الاستراتيجيات السياسية ومستشارين إعلاميين للمساعدة في صياغة صورهم الانتخابية ورسائلهم وتواصلهم مع الدوائر الانتخابية عبر هذه المنصات، وقد نشر البعض إعلانات منتجة بسخاء على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإن الروابط الشخصية والمجتمعية ما تزال تشكل حجر الأساس للحملات البرلمانية الأنجح.
بسبب الجائحة، تم إنشاء موقع خاص للتصويت للناخبين الذين يعانون من فيروس كورونا. ففي حين تم اتخاذ تدابير قياسية للحفاظ على الظروف الصحية وفرض التباعد الاجتماعي، إلا أن هذا قد انهار في بعض المناطق التي شهدت ازدحاماً. كان الإقبال مرتفعاً بشكل مدهش، حيث وصل إلى حوالي 65٪، أعلى بقليل من الانتخابات الأخيرة على الرغم من الجائحة، وهذا دليل على اهتمام الناخبين ودافعيتهم وتعبئتهم.
أصحاب المناصب الحالية- والنساء – يخسرون
أكدت نتائج الانتخابات على نتائج استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، التي صورت غضب جمهور الناخبين على ضعف أداء البرلمان والحكومة، ورغبتهم في مجلس أمة يكون مستعداً لمعالجة قضايا الفساد وحماية المال العام. فَقَد ما يقارب ثلثي أعضاء مجلس الأمة مقاعدهم، وهو عدد كبير، وإن لم يكن غير مسبوق، في النظام السياسي الكويتي الذي يشجع على رفع معدل التغيير في البرلمان. كان التأكيد على هذا التحول بمثابة رفض قاطع لبعض أعضاء البرلمان القدامى، الذين كانوا يظهرون وكأنهم لا يمكن المساس بهم. وامتد هذا المزاج المناهض لشاغلي المناصب عبر المعسكرات السياسية، ما أدى إلى سقوط الزعيم الشيعي القوي صالح عاشور، والسلفي المتحمس محمد هايف، وخلف العنزي، وهو العضو المؤيد للحكومة في مجلس الأمة، والذي خدم منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ومن بين الذين خسروا مناصبهم النائبة الوحيدة في مجلس الأمة الكويتي، صفاء الهاشم، التي انهار دعمها في هذه الانتخابات. ولم يتم انتخاب أي من المرشحات الأخريات – كانت عالية الخالد الأقرب للفوز، حيث احتلت المركز الثالث عشر من بين المتنافسين على انتخاب 10 نواب للدائرة الثانية- ما يعني أن الكويت ستكون خالية من التمثيل النسائي في مجلس الأمة. هذه الحقيقة التي تصدرت عناوين الأخبار تجعل الكويت متأخرة عن التوجه السائد في منطقة الخليج، حيث يتم تعيين النساء في المناصب السياسية العليا في الهيئات التمثيلية الأخرى، مثل المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات العربية المتحدة، ومجلس النواب في البحرين. وستشكل هذه الحقيقة خيبة أمل كبيرة للذين يعملون على تمكين المرأة سياسياً في المجتمع المدني الكويتي، وانتخاب هيئة أكثر تمثيلاً لجمهور الناخبين، ومن المؤكد أن هذا سيثير النقاش حول الحاجة إلى نظام الحصص للتغلب على العيوب الهيكلية والأعراف الاجتماعية التي أطاحت المرشحات النساء.
بعض المكاسب البارزة كانت من نصيب أولئك الذين يناصرون برنامج المعارضة، الذي يشمل العفو عن أعضاء البرلمان السابقين الذين يعيشون في المنفى في الخارج، وإلغاء قانون انتخابات 2012، الذي يُنظر إليه على أنه يسيء للمعارضة. ومن أبرز هؤلاء الناشط السلفي “المتشدد” بدر الداهوم ، الذي نجح في إلغاء قرار المحكمة القاضي ببطلان ترشيحه بسبب إدانة سابقة تتعلق باحتجاجات عام 2011. قد يؤدي هذا الحكم القضائي أيضاً إلى فتح الباب أمام مرشحي المعارضة المحظورين الآخرين للتقاضي بشأن عودتهم إلى السياسة.
لم يهدر الداهوم أي وقت في دعوة أعضاء البرلمان المنتخبين حديثاً إلى ديوانيته للتنسيق لإسقاط رئيس البرلمان الحالي مرزوق الغانم لصالح قيادة جديدة، سيختارونها من خلال التصويت. إن حضور 38 من أصل 50 عضواً منتخباً مؤشرٌ جيد على قوة المعارضة المتزايدة، على الرغم من أن هذا الالتزام سيخضع بالتأكيد للاختبار في مواجهة الأهداف المتنافسة والحكومة التي تمتلك الكثير من الموارد لكسب تعاونهم. سرعان ما تضاءل التحالف المشابه، وإن كان أصغر، الذي تشكل بعد انتخابات 2016، ما أفضى إلى برلمان متماثل إلى حد ما.
هل هذا اتجاه وطني جديد؟
مع حظر الأحزاب السياسية، هيمن الساسة المستقلون على مجلس الأمة الكويتي، وأصبحت الروابط المجتمعية هي السمة الغالبة عليه بدلاً من الأجندات السياسية. وتم إضعاف دور الهيئات السياسية ذات البرامج المتميزة، بسبب عدم قناعة الناخبين بالاستقطاب الذي أفضت إليه هذه الهيئات السياسية، وبسبب تمرير قانون الانتخابات لعام 2012 بعد قرار المحكمة بحل البرلمان.
يبدو أن التحليل السياسي لنتائج الانتخابات غالباً ما يقتصر على تقييم التحولات النسبية في التمثيل بين الكتل التي غالباً ما تستند إلى الهوية. فما هو وزن الليبراليين مقابل المحافظين، أو بين الحركات الإسلامية المتنافسة؟ كيف أصبح التمثيل الشيعي؟ وكم يشكل ممثلو العشائر من البرلمان؟ من خلال هذه الإجراءات، سيميل برلمان 2020 أكثر لصالح المحافظين بسبب تقاعد وهزيمة المرشحين الأكثر ليبرالية، ومحافظة المعسكر الإسلامي السني على وجوده، وذلك باحتفاظ الإخوان المسلمين والسلفيين بثلاثة مقاعد لكلٍ منهما. ظل التمثيل الشيعي على حاله عند ستة أعضاء. كانت الدوائر الانتخابية القبلية القوية دوماً تكتسب المزيد من النفوذ، وربما جاء التحول الأكثر وضوحاً في تعزيز وجود أكبر مجموعتين قبليتين في الكويت في البرلمان، وهما العوازم والمطير.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من التحليل لا يكفي لفهم المواقف السياسية للأعضاء، ولا لفهم الديناميكيات السياسية المتغيرة في البلاد. في الواقع، أدان أحد المراقبين الكويتيين هذا النوع من تسجيل النتائج باعتباره في حد ذاته جزءاً من المشكلة السياسية، ما يعكس “تكريس الفئوية والعنصرية والقبلية والطائفية”. إن النظر إلى الديناميكيات داخل هذه الفئات السياسية المتميزة، وليس إلى سجل كفاءاتها، يوفر اشارة عن بداية التغيير. كان هناك استعداد جديد لتحدي النخب السياسية، وكان ذلك واضحاً لدى الإسلاميين الشيعة والسنة بشكل عام والدوائر الانتخابية القبلية.
كانت الجالية الشيعية من بين أكثر مؤيدين الحكومة ولاءً، حيث حافظت على تقاربها من العائلة الحاكمة، ولا سيما خلال العقد الماضي، حيث غذت الديناميكيات الإقليمية في دول الخليج التوترات الطائفية. وأظهرت هذه الانتخابات استعداداً جديداً لكسر هذا الإجماع، من خلال عودة النائب السابق حسن جوهر، الذي تربطه علاقات جيدة بالمعارضة التي يقودها السنة. كما كشفت عن أصوات جيل جديد، مثل هشام الصالح وعلي القطان، حيث قاد كل منهما حملة مستقلة عن المؤسسات السياسية الشيعية وطرحا أجندة إصلاحية.
لقد وضح تآكل السلطة القبلية من خلال الأداء الضعيف للعديد من المرشحين، الذين تم اختيارهم في الانتخابات التمهيدية القبلية، التي كانت تهدف إلى تعزيز دعم الممثلين المختارين. هذه الانتخابات التمهيدية لا تعتبر شرعية ولكن الحكومة تتغاضى عنها ضمنياً، ولكن يتم تغطيتها على نطاق واسع وعلني في وسائل الإعلام. ومع ذلك، في حالتين على الأقل، تفوق المرشحون الأكثر ميلاً للمعارضة من الذين خسروا الانتخابات التمهيدية القبلية، ولكنهم رفضوا التنازل عن المنافسة على منافسيهم القبليين في الانتخابات العامة. سيكون التنافس على النفوذ داخل هذه التجمعات القبلية البرلمانية شيئاً جديراً بالمتابعة، خاصة وأن أقوى أصوات المعارضة قد ظهرت من بين هذه الفئات.
لقد كان هذا التحدي السياسي الجديد كان جلياً حتى داخل المجتمع السياسي الأكثر انضباطاً في الكويت، الحركة الدستورية الإسلامية المدعومة من جماعة الإخوان المسلمين. عملت المعارضة الداخلية المكونة من الأعضاء الشباب على حمل زعيمهم البرلماني محمد الدلال على التقاعد لصالح مرشح الجيل الجديد عبد العزيز الصقعبي. إن نجاحة في الانتخابات يدل على بقاء بعض السلطة للمؤسسة، في تحد للحملة الإقليمية ضد جماعة الإخوان المسلمين من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
صوت القيادة والتحدي الأكبر قادم
إن الموضوع المشترك الذي برز بين العديد من المرشحين الشباب الناجحين عبر الدوائر الانتخابية، مثل القطان والصقعبي وعضو جديد آخر، يدعى عبد الله المضف، هو التركيز على الأمة وإنعاشها، مع رفض، أو على الأقل، التقليل من أهمية الهويات المجتمعية التي ميزت – وهي منقسمة في أغلب الأحيان – السياسة الكويتية. تم التأكيد على شعور الشباب هذا، وضرورة الاستجابة للتحديات الوطنية المتزايدة في تقرير كتبه 29 شاباً من الباحثين في جامعة الكويت، وصدر عشية الانتخابات بعنوان “قبل فوات الأوان”. يحدد التقرير بشكل واضح الخلل في التوازنات البنيوية – المالية والديموغرافية وسوق العمل والنظام التعليمي الضعيف – التي يعززها الاعتماد الشديد على عائدات النفط، إضافة إلى التضحيات المشتركة اللازمة لوضع الكويت على مسار أكثر استدامة.
لقد أصبح من الصعب تجاهل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد سوءاً في ظل التحدي المزدوج للجائحة وأزمة النفط المتعلقة بها، حتى ولو لبلد غني نسبياً. سوف يكون أمام البرلمان الجديد إصدار قانون مديونية جديد في الحال للسماح للبلاد بالتغلب على عجز الميزانية المتزايد. وهناك قرارات صعبة تنتظر البرلمان بشأن ضرائب القيمة المضافة، التي اتفق عليها مجلس التعاون الخليجي ولم تنفذها الكويت بعد بسبب المعارضة البرلمانية. قد يجعل البرلمان الجديد، المفعم بالشعبوية المعادية للنخبة، من الصعب على الحكومة فرض تدابير دون تسوية سياسية بشأن قضايا الفساد والحوكمة السياسية. ومع ذلك، هنالك حدود لهذا الرفض أيضاً. فالأسرة الحاكمة تحتفظ بالسلطة الدستورية لحل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات جديدة – وهو إجراء تم استخدامه عدة مرات في عهد الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح.
يتم الآن بالفعل رسم خطوط المعركة في التنافس على زعامة البرلمان. لقد تم إعادة انتخاب الغانم، وهو سليل عائلة تجارية ذات نفوذ، بدعم قوي من دائرته الانتخابية. لقد كان الغانم فعالاً للغاية في إدارة البرلمان بطرق خدمت أجندة الحكومة، التي تقودها الأسرة الحاكمة في عهد صباح الأحمد. لكن مهمته ستزداد صعوبة في ظل هذا البرلمان الجديد، حيث إن وضع “المعارضة” سيتحدد، على الأغلب، من خلال مدى استعداد الأعضاء لتحدي الغانم. قد يتوقف بقاؤه على التزام الأمير، الذي تولى منصبه حديثاً، نواف الأحمد الصباح بالدفاع عنه. وهذا بدوره سيتحدد من خلال النهج الذي يريد الأمير اتباعه تجاه هذه الهيئة المنتخبة. هل يرى الأمير في الغانم، إلى جانب الحكومة القوية، رصيداً في إخضاع مجلس النواب؟ أم أنه يُنظر إليه على أنه عائق أمام إقامة علاقات مع هذه الفئة من الأعضاء الجدد، الذين يبدو أنهم أكثر تصادمية؟ بعد هذه الانتخابات، وهزيمة من كانوا يوماً الوسطاء الرئيسيين للحكومة، ما يزال القيام ببعض التودد حاجةً لا بد منها.