على مدى أكثر من أسبوع، اعتصم 16 عضوًا من أعضاء مجلس الأمة الكويتي في مكاتبهم البرلمانية. وكانت مطالبهم واضحة ومصاغة بشكل موجز: احترام الدستور وتعيين حكومة جديدة بشكل فوري، أو حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات جديدة.
لعدة أشهر، اتجهت الأمور في الكويت نحو أزمة دستورية. وتعود الأزمة، رمزيًا، إلى المواجهات البرلمانية مع الحكومة، وتردد القيادة في اتخاذ قرار وعدم القيام بأي إجراءات. في أبريل/نيسان استجوب أعضاء البرلمان رئيس الحكومة صباح الخالد الصباح، واستطاعوا حشد دعم كافٍ للتصويت على سحب الثقة. وفي مواجهة هذه الحتمية، قدم رئيس الحكومة – وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة- استقالته. وأمام هذه المعضلة، كان لدى الأمير نواف الأحمد الصباح خياران: قبول الاستقالة وتعيين حكومة جديدة أو رفضها والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة. بعد شهر، قبل ولي العهد الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، نيابة عن الأمير المريض، الاستقالة. ومع ذلك، طلب من الحكومة ذاتها ومن رئيسها الاستمرار في تصريف أعمال الحكومة. لقد أثر استمرار الحكومة، الذي يعتبر تحد لإرادة البرلمان، على قدرة البرلمان على الانعقاد، وزاد من سوء العلاقة العدائية بين السلطة التنفيذية بقيادة الأسرة الحاكمة والهيئة المنتخبة.
لقد كان اعتصام تحالف الأعضاء بمثابة تكتيك لفرض حل ما، وقد نجح ذلك. في 22 يونيو/حزيران ألقى مشعل خطابًا نيابة عن الأمير دعا فيه لحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، “انسجامًا مع إرادة الشعب وسلطة الدستور”.
إلى ماذا تشير المواجهة بالنسبة للوضع الحالي لعملية الحكم في الكويت؟ كيف استطاع أعضاء البرلمان فرض تغيير؟ وهل ستبقى روح الوحدة الحالية مع الانتخابات واختيار حكومة جديدة؟
السياق الإقليمي والسياسة الداخلية
حظيت الكويت بسمعة كونها إمارة محافظة، وإلى حد ما فاترة الهمة في الخليج. وبينما يتسابق جيران الكويت قُدُما في المشاريع التي تقودها الحكومات في التنويع الاقتصادي وانتقال الطاقة، تبدو الكويت، أحيانًا، راضية باستقرارها، مع تخزينها، بحكمة، للأموال في الخارج.
ومع ذلك، فإن هذا يناقض قلقًا معينًا في الإمارة، فمع أن حالة السخط السياسي لم تتراجع، هناك قلق متزايد من الافتقار لقيادة سياسية وبرنامج وطني موحد. وتزداد حدة هذا القلق بسبب القادة الشباب الذين يحكمون الإمارات الثرية المجاورة، مثل قطر وودولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا المملكة العربية السعودية، التي في غضون عدة سنوات فقط تخلت عن المحظورات السياسية والدينية للدفع نحو تغيير جيلي. يثير ذلك حسد وعدم ارتياح في الكويت، مع وجود وجهات نظر قسمتها الأيديولوجية السياسية، ومزقتها رغبة التنافس من أجل قيادة قوية مقابل الخوف من خسارة الانفتاح السياسي واستقلال الكويت الذي تحقق بعناء كبير.
كان هذا الاستقلال السياسي واضحًا خلال العام الماضي. فعلى الرغم من قيام الأمير بعقد حوار وطني مع المعارضة البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وترحيبه بعودة بعض المعارضين المنفيين من الخارج، وتعيين بعض الوزراء الجدد المحسوبين على أنهم أكثر توافقًا مع البرلمان، فقد واظبت المعارضة على تحدي الوزراء. وقد وصل الأمر ذروته في أبريل/نيسان باستجواب رئيس الحكومة صباح الخالد الصباح، الذي تم رؤيته بأنه غير صارم في التعامل مع ادعاءات الفساد في الحكومات السابقة، وغير مكترث بحالة السخط البرلماني. أفقده أداؤه الضعيف، إلى حد ما، أمام الاستجواب البرلماني القوي الدعم البرلماني المطلوب للبقاء في السلطة وأدى إلى تحديد مصيره.
القيادة الهرمة في الكويت
تعكس حالة عدم الاستقرار في الكويت أزمات الأنظمة الديمقراطية في الغرب، التي يعاني الكثير منها، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، من حالة الاستقطاب السياسي، وردود الأفعال الشعبوية العنيفة، واختلال الحكم. ومع ذلك، لا تعتمد حالة الضعف في الكويت فقط على البرلمان المتمكن دستوريًا، ولكن أيضًا داخل الأسرة الحاكمة التي تعاني من الانقسامات الخاصة بها، والافتقار للشعور بالحاجة الملحة لمتابعة مخطط التنمية الكويتي، كويت جديدة. وبينما تتحرك الأسر الحاكمة [في الدول] المجاورة نحو الشباب، فقد التزمت أسرة الصباح بصرامة بمعايير الحكم التقليدية التي تحبذ الأقدمية. وقد ترك ذلك الكويت بين أكثر قيادات الخليج تقدمًا في العمر، كل من الأمير وولي العهد في الثمانينيات من العمر. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تنازل الأمير عن بعض سلطاته لولي العهد، الذي يحكم، بشكل متزايد، نيابة عنه.
توجد مؤشرات بأن الحاكم القادم، رئيس الحكومة ناصر المحمد الصباح البالغ من العمر 81 عامًا، من الممكن أن يمثل النمط نفسه. في غضون ذلك، قليلة هي رغبة زعماء آل الصباح لدخول الحكومة ومهارتهم في التعامل مع البرلمان وتجاوزاته أحيانًا. وبينما نجا وزير الخارجية أحمد ناصر المحمد الصباح في شباط/ فبراير من تصويت بحجب الثقة، استقال في الشهر نفسه وزيرا الدفاع والداخلية من منصبيهما بحجة أن استجوابات البرلمان المطولة تمثل إساءة لاستخدام السلطة، والتي أعاقتهما عن خدمة الشعب الكويتي. وفي أحدث مواجهة، فإن عدم رغبة القيادة – أو عجزها – عن تعيين رئيس حكومة بديل لا يعطي الثقة بأن الانقسامات الداخلية في الأسرة الحاكمة وندرة المواهب القيادية قد تم إيجاد حل لها.
في ظل غياب القيادة الحازمة والميل نحو إدارة الساحة السياسية الكويتية بشكل يومي، فإن المبادرة تم تفويضها لرئيس مجلس الأمة الكويتي الطموح مرزوق الغانم. وعن طريق عرقلة مبادرات أعضاء البرلمان الإصلاحيين، وتمثيل وجهات نظر عائلة الصباح الحاكمة، فقد استخدم [الغانم] أسلوب حكم متشدد والتقيد الانتقائي بالأحكام لجعل البرلمان تحت سلطته. تم استخدام هذا النهج غالبًا لصالح طبقة التجار التي ما تزال قوية، ولكنها محاصرة سياسيًا، الأمر الذي عزز من ردود الأفعال الشعبوية. حاليًا تعبر المعارضة الأكثر تشددًا عن استيائها وتطالب بإقالة الغانم. يمكن أن يكون تحويل هذا الغضب نحو رئيس البرلمان مفيدًا لأسرة الصباح، ولكن إذا كان الأمر هكذا، فهي استراتيجية لها حدود كما أشارت المواجهة الأخيرة.
المعارضة تتوحد
عانت المعارضة الكويتية من انقساماتها الداخلية، التي توجهها الأيديولوجيات والشخصيات المتنافسة والتكتيكات المسيطرة. ومع ذلك، ففي الأزمة الحالية استطاع تحالف المعارضة الثبات، وتشكيل تحالف سياسي أكبر، والحصول على الدعم الشعبي.
أولاً، وضع أعضاء البرلمان الستة عشر الذين بدأوا الاعتصام هدفًا واضحًا وقابلًا للتحقيق: عودة الحكومة للعمل من خلال تعيين رئيس حكومة جديد أو الدعوة لانتخابات جديدة، كما هو منصوص عليه في الدستور الكويتي. كما تجنب أعضاء المعارضة القيام بالهجمات الشخصية، التي تحدث غالبًا في التجمعات ضد رئيس الحكومة ورئيس البرلمان. وبدلاً من ذلك، فقد توشحوا بلغة موحدة وملتزمة بقواعد الدستور الكويتي.
ثانيًا، عملوا على تجنب الاستفزاز المباشر من خلال احتلال قاعة البرلمان أو الدعوة الى تجمعات حاشدة في الشارع. لقد أقام أعضاء البرلمان احتجاجاتهم في مكاتبهم البرلمانية، وبينما تجمع المؤيدون في الحديقة أمام مجلس الأمة، لم يكن هذا هو مركز الاعتصام. لاحقًا خلال الأسبوع، وسّعوا المشاركة الجماهيرية بعقد تجمعات ليلية في ديوانيات منازل أعضاء البرلمان، الذين تم اختيارهم للتنقل في كل الدوائر الانتخابية الخمس في الكويت. ولتجمعات الديوانيات هذه فائدة في التأكيد على الصفة الوطنية للمطالب. كما أنها عملت كتذكير واضح بتجمعات الديوانيات في ثمانينيات القرن العشرين: حينما قامت عائلة الصباح الحاكمة بحل البرلمان في تحد للدستور، وعندما واصلت القوى الوطنية احتجاجاتها بالتجمع في هذه الأماكن الكويتية المثالية التي تعتبر كوسيط بين التجمعات العامة والبيت الخاص (المحمي). قد يردع ذلك أي نية أخرى لمحاولة لحل غير دستوري.
نجحت الاستراتيجية. فقد نجحت المطالب المحدودة التي تدعو الى احترام الدستور الكويتي والحفاظ على الحياة السياسية في جلب الدعم من قطاع واسع من المجتمع الكويتي. فقد تم تداول عرائض وبيانات داعمة من الجمعيات السياسية الليبرالية و١لإسلامية ونقابات العمال واتحادات الطلاب وتجمعات القبائل وقوائم للشخصيات البارزة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد تمت إعادة تجميع حركة المعارضة البرلمانية والسياسية نفسها، التي وقعت في أيدي شخصيات متنافسة وانقسمت بين المتشددين وبناة التوافق، وذلك في دعم هذه المطالب البسيطة.
ختامًا، فقد عبر خطاب ولي العهد عن النبرة نفسها من التطلعات العالية والتوافق، وذكر الاحترام العميق للدستور الكويتي وإرادة الشعب، لقد وعد بعدم التدخل في انتخابات النواب لا في مرحلة الاقتراع على اللجان النيابية أو القيادة. يشير الأخير إلى هدف غير معلن للاحتجاج: منصب رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم. لقد كان للخطاب قبول حسن بشكل كبير في كل الكويت، حتى المتشددون أشادوا به، وأنهى المعتصمون احتجاجهم بالاحتفال بذلك.
المضي قدمًا
بينما يمثل الاعتصام مثالاً إيجابيًا ونادرًا نسبيًا لاحتجاج سياسي موجه لتحقيق أهداف سياسية محدودة، من غير المرجح استمرار المشاعر الجيدة للوحدة الوطنية. تظل الانقسامات الجوهرية في البلاد قائمة، بما في ذلك بين العديد من المواطنين الذين يلومون البرلمان على عدم تقدم الكويت. قد تكون المنافسات بين أفراد الأسرة المالكة لعبت دورًا في تحريك الاضطراب السياسي.
نص خطاب ولي العهد على أن حل البرلمان سيتم خلال الأشهر القادمة، بمعنى أنه من المحتمل أن تظل حكومة تصريف الأعمال والبرلمان حتى أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول، مع عقد الانتخابات خلال 60 يومًا بعد ذلك. من المحتمل أن تتيح النوايا الحسنة الناجمة عن تنازلات القيادة إقرار ميزانية الكويت، وهو ما يجب أن يحدث قريبًا.
وعلى الرغم من كلمات الأمير، ما يزال هناك وقت لتغيير الدوائر الانتخابية قبل الانتخابات، وهو موضوع يتم تداوله في الكويت منذ بعض الوقت. إن إنشاء دوائر انتخابية جديدة – ربما بين 5 و10- سوف يغير من قوة الدوائر الانتخابية القبلية وقد يخلق بيئة تحدّ أكبر للمعارضة. ومع ذلك، يمكن للكويتيين أن يتطلعوا مرة أخرى إلى الانتخابات، وعلى الأقل، فرصة التجديد السياسي.