برز أمير خليجي جديد من البلاط الملكي بخطط عظيمة لبلاده. إنه ابن القائد، ويستغل دعم والده لمواصلة حلمه في الإصلاحات البالغة الأهمية. يعمل من خلال منصبة كوزير للدفاع وما لديه من نفوذ اقتصادي كونه رئيس لجنة تخطيط، فهو يتزعم توجهًا جديدًا: التوسع في دور المرأة، والتنوع الاقتصادي، ومشروعه المفضل– بناء مدينة ذكية تكنولوجيًّا مرتبطة بمجموعة من الجزر لجذب الاستثمار الأجنبي، ولتكون بمثابة جسر اقتصادي مع الدول المجاورة.
أيبدو مألوفًا؟ إذا لاحظت أوجه التشابه مع أمير معين في المملكة يبلغ من العمر 32 عامًا، والذي قام مؤخرًا بحملة نشطة في الولايات المتحدة، فأنت لست وحدك. يلاحظ الكويتيون التشابه مع أميرهم ناصر صباح الأحمد الصباح كما ينبغي، وهذا ما أكسبه لقب “محمد بن سلمان الكويتي”. طبعًا الكويت هي الكويت، ويقال هذا على سبيل الدعابة ليس إلا، مع القليل من التوقعات للتغييرات المثيرة التي تشهدها الدول المجاورة.
ناصر، الذي يبلغ من العمر ضعفي عمر ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، يفتقر إلى حماسة الألفية التي يتمتع بها ولي العهد السعودي، ولم يظهر عليه حتى الآن من الدهاء السياسي والجرأة لتحمل مسؤولية النظام البرلماني الكويتي والدوائر الانتخابية المتنوعة. بينما يشير ظهوره المتأخر إلى قيامه بخطوة كبيرة ليحذو حذو قطر والمملكة العربية السعودية ليضمن الحكم في المستقبل بشكل مباشر للعائلة، فمن المرجح أن يتبنى ناصر منهجًا للحكم متفقًا عليه بالإجماع، وأقل عرضة لزعزعة نظام الكويت المتوازن بعناية، وغير المعاصر.
مصلح متردد
كان أول ظهور لناصر، الابن الأكبر لأمير الكويت صباح الأحمد الصباح، على المسرح السياسي عندما قام والده بمناورة في القيادة في أواخر تسعينيات القرن الماضي. أسس حينها ناصر مجلة سياسية، الزمان، استخدمها لدعم حملة والده داخل الأسرة الحاكمة. واشتملت المجلة على مقال إخباري، استنكر فيه وضع الأسرة الحاكمة ودعا إلى إجراء إصلاحات داخلية جوهرية لتصحيح القيادة وتوجيهها للبلد.له استغلت المعارضة الكويتية الفرصة بتجييش هذه الدعوة من أجل التغيير، وحرضت ناصر على الاهتمام بها.
بعد فوز والده في معركة الخلافة التي تنافست عليها فروع من العائلة الحاكمة، أقفل ناصر مجلته ولجأ إلى داخل البلاط الملكي، حيث شغل منصب وزير شؤون الديوان الأميري من عام 2006 وحتى عام 2017. وخلال تلك الفترة، اهتم بأعماله التجارية وقام بعدة جولات للصين، ما عزز وأنعش اهتمامًا كبيرًا بإحياء “طريق الحرير” من خلال المزيد من التجارة والاستثمار مع آسيا. لقد لعبت أسرته دورًا هامًّا في الحياة الثقافية للإمارة: فقد كانت زوجته حصة صباح السالم الصباح تدعم الفن بحكم منصبها كرئيسة “دار الآثار الإسلامية” في الكويت، وأسست ابنته دانا ناصر صباح الأحمد الصباح الجامعة الأمريكية الكويتية.
وفي حين أن اهتمامات ناصر في التنويع الاقتصادي والإصلاح معروفة جيدًّا، إلا أنه قد ثبت تردده في خوض غمار الحلبة السياسية الكويتية المضطربة للدفاع عن التغييرات علنًا. في هذه الأثناء، تدخل الخصوم الملكيون في دور رئيس الوزراء ووجدوا أن سمعتهم ملطخة ومطالباتهم المستقبلية بالعرش مطعون بها بسبب فضائح الفساد، وصراعهم السياسي مع البرلمان، ومقاومة البيروقراطية القائمة في الكويت. كون والده في الثمانينيات من عمره الآن وصحة ولي العهد نواف الأحمد الصباح موضع جدال، يبدو أن ناصر يتجرأ أخيرًا على خوض الدائرة السياسة الكويتية المتصارعة.
مناصرة القيادة الكويتية في شمال الخليج
في التعديل الوزاري في كانون الأول/ ديسمبر 2017 وتعيينه كنائب أول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، اضطلع ناصر بدور كان متوقعًا له منذ فترة طويلة في الحكومة الكويتية. وبتوليه منصبا وزاريا من خلال وزارة رئيسية ذات سيادة، فإن سلطته تمتد إلى ما هو أبعد من الدفاع، إلى تركيزه الطبيعي على الاقتصاد. وبصفته رئيسًا لكل من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية ولجنة الخدمة المدنية، سيلعب ناصر دورًا قياديًّا في إعادة إحياء مبادرة رؤية 2035 الكويتية، التي وضعت أصلاً في عام 2010 ، أي قبل عقد من الخطة السعودية.
أولوية ناصر واضحة: إعادة إنعاش خطة تأخرت طويلاً لبناء مدينة جديدة في شمال الكويت، تُسمى مدينة الحرير. في أحدث صيغة للمدينة، والتي أعلن عنها خلال منتدى الكويت للاستثمار في 25 آذار/ مارس، سيتم دمج مدينة الحرير مع مشروع طموح ثانٍ لتحويل الجزر الشمالية الخمس في الكويت إلى ميناء متكامل ومنطقة اقتصادية. ومع مبادرة مدينة الحرير والجزر، ستتبوأ الكويت مكانتها بين العديد من دول الخليج التي تسعى إلى المشاريع العملاقة كوسائل تحويلية للإصلاح.
تجسد مدينة الحرير والميناء العملاق عزم دولة الكويت على تقوية موقعها الاستراتيجي وقيادتها الاقتصادية في شمال الخليج. لدى العديد من رجال الأعمال الكويتيين أصول في العراق وإيران ويرون في هذه الأسواق امتدادًا طبيعيًّا. إلا أنه من المرجح أن العراقيين سيعتبرون هذا التطور بمثابة تحد مباشر لآمالهم في تطوير موانئهم الجنوبية والشريط الساحلي في شبه جزيرة الفاو، حيث أشارت إلى ذلك احتجاجات البصرة في عامي 2011 و 2017. في الواقع، إن الدافع وراء جذب الاستثمار الأجنبي في المشروع الشمالي، وخاصة من الصين وآسيا، يخدم الغرض المزدوج للتنويع الاقتصادي وتضخيم الاستثمارات الأجنبية من أجل سيادة الكويت الدائمة على أراضيها الشمالية.
كما أن الدافع إلى التنويع في دولة ريعية بامتياز يتطلب أيضًا معالجة العقلية والجمود في البيروقراطية والأنظمة الكويتية. توظف الدولة أكثر من 90 في المئة من السكان الكويتيين. يبدو أن ناصر يتبنى تكتيكًا للتنويع نحو بيروقراطية حكومية يشبه ذاك الذي يتم تشكيله في المملكة العربية السعودية: وهو إنشاء هياكل وزارية متوازية بقوانين أكثر مرونة. ويتجلى هذا في مبادرات وزارة التجارة والصناعة مع الوكالات التي تقدم وظائف حكومية بأجور أعلى ومزيد من المرونة عند التوقف عن العمل. ويمكن ملاحظة ذلك أيضًا في الإطار التنظيمي الأكثر ملاءمة للأعمال التجارية المقترح لمشروع الجزر- وهي خطوة تتطلب موافقة البرلمان.
الإبحار في سياسة الكويت
تأخرت الكويت بشكل ملحوظ عن جيرانها الخليجيين في المشاريع العملاقة والاستثمارات الأجنبية، ويعزى ذلك جزئيًّا إلى تعنت برلمانها الشعبي. غالبًا ما يعادي هؤلاء المسؤولون المنتخبون الذين يمثلون مصالح الموظفين الحكوميين، الخصخصة التي تهدد القطاع العام، ويخشون من المشاريع العملاقة التي تثري النخبة الحاكمة الأقلية في الكويت. تعمل الإدارة التنفيذية التي تديرها عائلة الصباح على الحد من قدرة البرلمان على التحقق من تصرفاتها، وتعمل على تغيير قوانين التصويت لجعل انتخاب السياسيين المعارضين أكثر صعوبة، وتعمل على تفسير القوانين الداخلية للمجلس الوطني لجعل مساءلة الوزراء أكثر صعوبة.
ويتطلب مشروع قانون إنشاء الإدارة العامة لمدينة الحرير وجزيرة بوبيان وميناء مبارك موافقة البرلمان. وهو يواجه بالفعل معارضة سياسية، بما في ذلك اتهامات بأن سلطاته المستقلة تقوض الرقابة البرلمانية وتتحدى النظام الدستوري. سيتطلب الأمر مهارة سياسية كبيرة للتغلب على هذه الاعتراضات وإيجاد الدعم العام لهذا المشروع، ولمبادرات ناصر الإصلاحية الأخرى أيضًا.
كان أول عمل له كوزير للدفاع هو الاقتراح بأنه يمكن تجنيد النساء الكويتيات للعمل في الخدمة العسكرية الوطنية – وهو العمل الذي قام أحد المراقبين الداخليين للسياسة الكويتية بمساواته مع قرار بيل كلينتون في بداية رئاسته برفع الحظر على المثليين في الجيش الأمريكي. وقد تم إرسال هذا الإجراء للمزيد من الدراسة بعد أن، وكما هو متوقع، تعرض لانتقادات شديدة في البرلمان الكويتي، حيث لا يزال هناك نفوذ كبير للإسلاميين السنة والشيعة وممثلي القبائل المحافظين. وقد حقق نجاحًا أكبر في تغيير آخر مثير للجدل: تعديل القانون العسكري ليسمح بدخول البدون وغير الكويتيين إلى الجيش، وهي الإجراءات التي تم تمريرها في وقت لاحق في البرلمان.
انتهجت الحكومة التي يتزعمها والده سياسة العصا والجزرة تجاه الشباب الكويتي المتململ. لقد تمت ملاحقة النشطاء السياسيين الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في 2011-2012 قضائيًّا في المحاكم. وقد أمضى حوالي 70 ناشطًا إلى جانب أعضاء البرلمان المعارضين عدة أشهر في السجن لدورهم في اقتحام البرلمان احتجاجًا. ولا يزالون يواجهون قرارًا قضائيًّا يمكن أن يسفر عن أحكام مطولة بالسجن، رغم وجود بعض المؤشرات على قرار أكثر تساهلاً. وفي الوقت نفسه، قام الديوان الملكي مباشرة بتنفيذ بعض المشاريع العامة البارزة التي حظيت باستحسان كبير لدى الشباب: حديقة الشهيد، ومركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي للفنون الاستعراضية، ومركز الشيخ عبد الله السالم الثقافي للمعارض. ومع ذلك، وكما هو الحال في أي مكان في الخليج، ستكون النتائج المتمثلة في إيجاد الوظائف، وتجاوب الحكومة وأدائها هما العنصران الأساسيان للاحتفاظ بدعم الشباب.
الحالة الاستثنائية للكويت
يتذمر الكثير من الكويتيين من انعدام القيادة السياسية في بلادهم، على الأقل بالمقارنة مع جيرانهم المكافحين في أبو ظبي والدوحة والرياض الآن. ومع ذلك، من الواضح أن تحقيق أهداف الإصلاح على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة- التنويع الاقتصادي، والمزيد من الفرص للشباب والنساء- قد يتطلب نهجًا مختلفًا في الكويت ذات العقلية المستقلة. حتى الآن، يبدو أن ناصر يميل إلى التمتع بالمزايا الهيكلية لمدير تنفيذي توجهه العائلة، ولكن في الوقت نفسه فهو يتواصل مع ويستمع إلى الدوائر الانتخابية السياسية المختلفة في الكويت. في الوقت الراهن، يبدو أن الكويتيين مستعدون لإعطاء هذا الوريث الأخير وربما الأكثر إقناعًا، كما يبدو، فرصته للقيادة.