في 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد مراسم أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، تلقى الكويتيون مقدمة صريحة عن أمير البلاد الجديد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
بصفته ولي العهد، كان مشعل أشبه ما يكون باللغز. حيث كان محصورًا بين أمير عليلٍ ونجله المُبادر، الذي تم تعيينه رئيسًا للحكومة. كان الشيخ مشعل عضو مخلص في العائلة الحاكمة، مثابرًا في قراءة خطابات أخيه غير الشقيق، الذي أوكل إليه مسؤوليات الحكم، ولكن بدون كل الصلاحيات. وتُرِك الكويتيون يتكهنون بأفكار ولي العهد، المعروف بخبراته السابقة في الأمن والاستخبارات. وفي أول فرصة له للتحدث عن نفسه وتوجهاته، أوضح الأمير الجديد وجهات نظره بجلاء: فهو يريد تغيير جذري وحكومة جديدة.
تضمن خطابه تنصلاً صريحًا من الحكومة الحالية، برئاسة رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، وعلاقاتها التعاونية مع البرلمان. كان أول قراراته كأمير للبلاد هو قبول استقالة رئيس الوزراء، نجل الأمير الراحل، الذي ناصره الكثير من الكويتيين ليكون وليًا للعهد.
هل حانت نهاية “العهد الجديد”؟
كان الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح يقدم قضية الوحدة الوطنية على ما سواها، مناصرًا للحوار الوطني والتصالح مع العديد من المناوئين من حقبة النشاط السياسي السابقة. وقد أفضى هذا النهج، الذي سُمي بـ “العهد الجديد“، إلى عدة موجات من قرارات العفو السياسي عن المشرعين السابقين الذين يعيشون في المنفى الاختياري، والمواطنين الذين انتقدوا الأمير أو غيره من حكام الخليج، وفي الآونة الأخيرة، تم إطلاق سراح سجناء، وعودة منفيين، وإعادة المواطنة للكثير من المواطنين الذين تم سحب جنسيتهم بموجب عقوبات سياسية. وكان من بين هؤلاء أفراد من قبيلتي شمر ومطير الذين تم الحكم عليهم لارتكاب خروقات أثناء الانتخابات، والمعارضون المقيمون في الخارج، بمن في ذلك أفراد بارزون من الأسرة الحاكمة، وسجناء أعضاء في حزب الله الكويتي.
مهدت هذه المصالحة السياسية الطريق لتعاون غير مسبوق مع برلمان معروف بالدرجة الأولى باستجوابه الصارم للوزراء وتحديه لأجندة الحكومة. وفي ظل الشراكة بين زعيم المعارضة ورئيس مجلس الأمة أحمد السعدون ورئيس الوزراء، كان البرلمان والحكومة يعملان وفق أجندة متكاملة. وللمرة الأولى تمت الموافقة على الأجندة التشريعية من قبل لجنة مشتركة قامت بدمج خمس عشرة أولوية برلمانية مع أربع عشرة أولوية حكومية للنظر فيها خلال هذه الفترة.
تم خلال هذه الفترة البدء في العديد من الإصلاحات السياسية الهامة، بما في ذلك رد الاعتبار للنشطاء والسياسيين، المحكوم عليهم بسبب جرائم سياسية، والسماح لهم بالترشح للمناصب السياسية وتبوئها. كما اقترحت اللجنة التشريعية في مجلس الأمة تعديلات طال انتظارها على النظام الانتخابي في الكويت للسماح بقوائم سياسية من شأنها تعزيز سياسة بناء التحالفات. وكان من المقرر أن ينظر البرلمان بكامل هيئته في هذه التعديلات في 19 ديسمبر/كانون الأول، لكن تم تأجيل المناقشة بسبب وفاة الأمير.
حازت الكثير من الأولويات المعلنة في هذه الفترة على استحسان شعبي واضح، وهو أمر جدير بالملاحظة نظرًا لتركيز الحكومات السابقة على تقليص النفقات. وتضمنت التشريعات التي تم إقرارها بالفعل، أو التي على جدول الأعمال، رفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين، وزيادة رواتب موظفي الدولة، وإلغاء الوكالة العقارية، وإصلاح قانون العطاءات العمومية لإزالة شرط الوكلاء التجاريين المحليين: وهو المسار الذي شكل أساس الثروة للعديد من العائلات التجارية القوية.
والواقع أن هذا التوجه الشعبي يشير إلى استبعاد قاعدة انتخابية بالغة الأهمية من هذا الائتلاف الحاكم حديث التشكيل: وهى النخبة التجارية. وقد تجسد غيابهم وسخطهم المتزايد في تخلي رئيس مجلس الأمة القوي السابق مرزوق الغانم عن منصبه، فهو شخصيًا سليل عائلة تجارية.
وقد تجلى الاستعداد لمواجهة هذه المصالح الراسخة والنخبة المؤسسة في الكويت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مع إقرار تشريع يسمح بتوسيع الرقابة الحكومية على معقل تجاري رئيسي، وهو غرفة تجارة وصناعة الكويت. ومن المتوقع أن يفتح التشريع الفرص أمام الشباب في إدارة الغرفة وتمكين المشاريع الصغيرة، وهو ما تم التأكيد عليه من خلال استبعاد الغرفة من مجلس الهيئة العامة للصناعة واستبدالها بصندوق المشاريع الصغيرة.
انتقادات الأمير الشيخ مشعل الأحمد
وضعت وفاة الأمير هذا التعاون غير المسبوق بين الحكومة والبرلمان والتوجه الشعبي في دائرة الشك. ولم يضيع الأمير الجديد أي وقت في التعبير عن اعتراضه. ولم يلجأ لتنميق كلماته في خطابه أمام مجلس الأمة الصامت، متهمًا السلطتين التشريعية والتنفيذية بـ “توافقا على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”. واستهدف بشكل خاص التسابق في رد الاعتبار للمدانين بجرائم سياسية باعتباره “أفضل دليل” على هذا الضرر، واتهم السلطتين بالتآمر لإسباغ مسحة من الشرعية على ذلك، رغم ما ينطوي عليه من “عبث مبرمج”. وأشار إلى قراره بإصدار مرسوم بتجميد جميع التعيينات والترقيات والتنقلات الحكومية، من أجل منع استغلالها في هذه المساومات السياسية.
كما عرض الخطاب بعض التلميحات حول توجهات الأمير السياسية المستقبلية. إن استحضاره المتكرر لأهمية الحفاظ على “الهوية الكويتية” و”المواطنة الحقيقية” للمخلصين للبلاد يكشف عن نظرته القاتمة تجاه الكثيرين في أفراد المعارضة، وتجاه أي جهد لتوسيع عمليات التجنيس. إن تأكيده على الحاجة للتنمية من خلال “الرقابة المسؤولة والمساءلة الموضوعية والجادة في إطار الدستور والقانون” يعزز الانطباع بأنه لن يكل من السعي لفرض النظام ورؤيته للوحدة الوطنية. وقد يستلزم هذا تجديد البيروقراطية الحكومية، وهو المشروع الذي بدأه بالفعل، ربما بالشراكة مع النخبة التجارية، مبديًا قدرًا ضئيلاً من التسامح مع الخلافات السياسية الداخلية في البرلمان.
الوريث القادم
لن يقتصر تأثير إجراءات الأمير الجديد وتفضيلاته على المسار السياسي للكويت فحسب، وإنما ستؤثر كذلك على مسألة مستقبل الحكم. يتمثل أحد تفسيرات الشعبوية المتسارعة في الحقبة الحديثة في كونها محاولة خارجية للقيادة من قبل نجل الأمير الراحل، رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف. تعد حسن النية الشعبوية والبرلمانية أمرًا منطقيًا في السياق الكويتي، حيث يلعب البرلمان دورًا دستوريًا في موضوع خلافة الحكم: لا بد من حصول ولي العهد الذي يختاره الأمير على أغلبية الأصوات للمصادقة على تعيينه. وقد امتدت الاستراتيجية الشعبوية لرئيس الوزراء المنتهية ولايته إلى ما هو أبعد من البرلمان لتشمل إقامة ائتلافات داخل الأسرة الحاكم، وذلك بعودة الشيخ أحمد الفهد الصباح إلى الحكومة كوزير للدفاع. لطالما كان نائب رئيس الوزراء ووزير النفط السابق هو المفضل لدى المعارضة الشعبوية في الكويت. لقد نجح الشيخ أحمد الفهد في بناء علاقات قوية مع القبائل، معتمدًا على مكانة والده الموقرة الذي توفي دفاعًا عن قصر دسمان أثناء الاحتلال العراقي، ومستفيدًا من مشاركته العميقة – والمثيرة للجدل – في أجهزة إدارة الرياضة المحلية والدولية لاكتساب الشعبية. وكان يسعى من خلال عودته المخططة إلى الساحة السياسية الكويتية إلى تعزيز أوراق الاعتماد الشعبوية لرئيس الوزراء – وربما طرح نفسه كحاكم مستقبلي.
لطالما تورط الشيخ أحمد الفهد في شرك تنافس جيلي مع الشيخ رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الأحمد الصباح؛ وعلى الرغم من أن الشيخ أحمد الفهد يصغره بعشرين عامًا، إلا أن كلاهما أولاد أخوة لحكام آل جابر. يتميز الشيخ ناصر المحمد بمسيرة مهنية طويلة في الخدمة الحكومية في وزارة الخارجية، حيث عمل سفيرًا في إيران وفي أفغانستان، وعمل داخل الديوان الأميري قبل أن يشغل منصب رئيس الوزراء في الفترة ما بين عام 2006 وعام 2011. كما أنه يتمتع بأقدمية السن، وهو من المعايير الهامة في عملية خلافة الحكم. ومع ذلك، فقد تم استمرت رئاسته للحكومة لفترة قصيرة، وانتهت بطريقة مثيرة للجدل، حيث أُجبر فعليًا على ترك منصبه بسبب ضغوط شعبية ضده بسبب الأموال التي زُعم أنه دفعها لأعضاء البرلمان. كان للشيخ أحمد الفهد يد في الإطاحة بالشيخ ناصر المحمد، حيث أفضت أفعاله إلى مقاضاته في الكويت ونفيه من البلاد. يبدو أن مطامع كلٍ منهما في الحكم قد تضررت بسبب التنافس: أحمد الفهد بسبب مقاضاته في الداخل وبسبب تهم الفساد في مسيرته المهنية الرياضية في الخارج، وناصر المحمد بسبب ارتباطه بالفساد الحكومي وافتقاره للشعبية الكبيرة في البرلمان الذي لا يزال مثقلاً بالشعبويين.
ربما يرغب الأمير الجديد في تجاوزهما معًا، والابتعاد عن عقد من التنافس المُقلق داخل الأسرة الحاكمة. إذا كانت عائلة الصباح الحاكمة ستشهد مرحلة انتقالية جيلية، فلربما يفضل الأمير في نهاية المطاف احضار ابنه: الشيخ أحمد المشعل. فهو يشغل حاليًا منصب رئيس جهاز مراقبة الأداء الحكومي برتبة وزير. وقد ترتفع مكانة هذا المنصب إذا اتبع الأمير الجديد بالفعل استراتيجية تطهير الحكومة. ومع ذلك، فإن عملية بناء قاعدة دعم للشيخ أحمد المشعل، الصغير سنًا وقليل الخبرة، سوف تستغرق بعض الوقت. من الناحية الدستورية، لدى الأمير سنة كاملة لتعيين ولي عهده. ومع ذلك، وبناءً على التاريخ الحديث، وبالنظر إلى تقدم الأمير في السن، فإن هذا الأمر قد لا يكون مقبولاً. وهذا يشير إلى الحاجة إلى مرشح انتقالي أو ربما مرشح يقوم بعملية بناء توافق في الآراء من أجل بناء الدعم الداخلي لمثل هذا التحول. من بين هؤلاء الذين قد يلجأ إليهم بعيدًا عن الشيخ ناصر المحمد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق الشيخ محمد صباح السالم، أو الشيخ أحمد العبد الله، الذي شغل منصب رئيس ديوان الشيخ مشعل الأحمد في فترة ولايته للعهد، والذي تم تعيينه مؤخرًا في منصب الممثل القانوني للأمير.
مزيد من المشاكل مع البرلمان في المستقبل
تأتي الإشادة المبكرة بالأمير الجديد احتفاءً بـ “عهد من التجديد” مؤكدًا على إصراره وضرورة الطاعة. وسواء كان ذلك انعكاسًا لمزاجه أو أجندته السياسية، فإن هذا التركيز على النظام يشير إلى أن أمد السلام القصير مع البرلمان – الذي تم تحقيقه من خلال التمكين السياسي والأجندة الشعبوية – على وشك الانتهاء. ولم تتضح بعد الكيفية التي ستتم من خلالها إدارة هذا الأمر. إن البيانات الصادرة عن أعضاء البرلمان، والعرائض الموقعة من قبل منظمات المجتمع المدني، مثل جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، والتي تدعو إلى الالتزام بالدستور، تسلط الضوء على مخاوف البعض من أن النظام الدستوري قد يتعرض للتهديد. في نهاية المطاف، يتطلب حكم الكويت تحالفات في الطبقة الحاكمة، داخل الأسرة الحاكمة والمجتمع على نطاق أوسع. سيرحب الكثير من الكويتيين بوجود يد قوية تفرض عملية بناء الأمة وأجندة التنمية. ومع ذلك، فإن الأمير الجديد يتمتع بخبرة كبيرة وسمعة جيدة في القطاع الأمني أكثر منها في مجال إدارة الاقتصاد أو إدارة المصالح السياسية، ما من شأنه أن ينذر بأيام صعبة مقبلة.