تعتزم الكويت إجراء انتخابات برلمانية في 29 سبتمبر/أيلول. يأتي هذا الاجراء بعد جو سياسي مشحون استمر لأكثر من عام اتسم بعلاقة صراعية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد. ولم يتمّ حل هذا المأزق السياسي إلا بعد أن ألقى ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح خطاباً، نيابةً عن أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، في 22 يونيو/حزيران حلّ بموجبه البرلمان، وأفسح المجال أمام صعود قيادة جديدة في مجلس الوزراء بقيادة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، نجل أمير الكويت.
وتتسم هذه الانتخابات بتفاؤل من نوع جديد وسط آمال ببداية جديدة للسلطتين في الحكومة. مع ذلك، يعتمد هذا الأمر على نتيجة الانتخابات والعلاقة التي سيتم بنائها مع رئاسة الحكومة الجديدة.
بداية لانفتاح
شلّت النزاعات البرلمان الكويتي السابق، وسط انقسامات بين حلفاء رئيس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد الصباح ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم من جهة، ومن عارضهما وطالب بإقالتهما من منصبهما من جهة أخرى. وبلغ الخلاف ذروته حين خضع الشيخ صباح الخالد لاستجواب من قبل ثلاثة نواب في مارس/آذار، وقدّم أكثر من 20 نائبًا طلبًا بسحب الثقة منه ومن حكومته. قدم الخالد على إثر ذلك استقالته في الخامس من أبريل/نيسان، وتمّ قبولها في العاشر من مايو/أيار. غير أن أمير الكويت لم يعيّن بديلًا لأكثر من شهر، ما جعل مجلس الأمة معلقًا من الناحية الفعلية، وغير قادر على العمل من دون حكومة.
ومن أجل وضع حد لهذا الجمود، بدأ أكثر من عشرة نواب اعتصامًا داخل البرلمان في 14 يونيو/حزيران. وحصل الاعتصام على تأييد المزيد من السياسيين والجماعات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، كما حصد زخمًا شعبيًا، إذ نُظمت اعتصامات تضامنية مع المعتصمين داخل مجلس الأمة. وبعد مرور أكثر من أسبوع، أدلى ولي العهد بخطابه نيابةً عن أمير البلاد، مذعنًا لمطالب المحتجين بحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات جديدة.
قيادة حكومية جديدة
اعتُبر الخطاب والمرسوم نصرًا للمعارضة.
في 24 يوليو/تموز، تمّ تعيين الشيخ أحمد نواف ليخلف رئيس الوزراء، فاتخذ خطوات فورية لاقت دعمًا سياسيًا وشعبيًا. وأصدرت السلطة التنفيذية بقيادته مرسومًا بتسجيل الناخبين في دوائرهم الانتخابية وفق عنوان السكن المسجل على بطاقات الهوية المدنية. في الماضي، تم اتهام بعض السياسيين بنقل الناخبين إلى دوائرهم الخاصة من أجل تعزيز حظوظهم بالفوز. وبموجب هذا المرسوم، تغيّر عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية الخمس في الكويت، في خطوة اعتُبرت مهمة وأساسية في محاربة الفساد في الانتخابات.
كذلك، اتخذ رئيس الوزراء، المعيّن حديثًا، خطوات لتحسين الحوكمة الرشيدة، فأجرى زيارات مفاجئة للمرافق الحكومية من أجل الإشراف على تقديم الخدمات. وفي خطوة أخرى لمحاربة الفساد في الإجراءات البيروقراطية وتحسين الأداء، أقدم الشيخ أحمد نواف على استبدال رؤساء بعض المؤسسات الحكومية.
تمّ تحقيق مطلب آخر من مطالب المعارضة، عندما أعلن رئيس مجلس الأمة، الذي شغل منصبه لفترة طويلة، مرزوق الغانم، أنه لن يترشح للانتخابات. لم تتضح أسباب هذا القرار، لكنه أكّد في بيان له أنه لن يبتعد عن المشهد السياسي، وأن قراره مؤقت.
ديناميكيات انتخابية جديدة
أثرت هذه التطورات على الخطاب في الحملات الانتخابية. فقد عبّر أعضاء المعارضة عن رضاهم على خطوات الشيخ أحمد نواف، ما خفف من الانتقادات التي طالت السلطة التنفيذية، والتي كانت السبب الرئيسي لإجراء الانتخابات السابقة. بعدما قرر الغانم عدم خوض الانتخابات، لم يكن محط اهتمام في حملات المرشحين باستثناء بعض الحالات، عندما لفت أعضاء البرلمان السابقين إلى أن قراره بعدم الترشح نتج من تحركاتهم في مجلس الأمة.
بدت المعارضة أو “الإصلاحيون”، كما يصفهم البعض، غير قادرة على تنظيم الحملات الانتخابية. كانت التوقعات هي أن لمرشحي المعارضة برنامج واضح لكيفية حل مشاكل الكويت الكثيرة. ولكن ما تبيّن، حتى الآن، هو أن تشكيل جبهة موحدة لديها أجندة موحدة في هذه الانتخابات مسألة صعبة نظرًا لطبيعة النظامين الانتخابي والسياسي في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أنه تمّ بذل بعض المساعي لتوحيد المعارضة. فعلى سبيل المثال، اقترح العضو السابق في البرلمان فيصل المسلم العتيبي وضع قائمة للإصلاحيين في كل دائرة، في محاولة لتعزيز فرصهم بالحصول على أغلبية في البرلمان. لكن بسبب نظام الصوت الانتخابي الواحد القائم، من الصعب إنشاء ائتلافات انتخابية على خلاف نظام التصويت المتعدد، الذي كان سائدًا في السابق. فضلًا عن ذلك، تقوّض، تقليديًا، الانقسامات الإيديولوجية داخل المعارضة أي تعاون.
لهذه الأسباب، تُعتبر الأجندات الفردية شائعة خلال الانتخابات في الكويت، إذ يصمم المرشحون المستقلون، عمومًا، حملاتهم الانتخابية استنادًا لمطالب الناخبين، والمشاكل التي تواجه دوائرهم الانتخابية. وفي حين قد تتداخل هذه البرامج الانتخابية، نادرًا ما ينسق الإصلاحيون مع بعضهم بعضًا خلال حملاتهم الانتخابية. استثناء وحيد كان تشكيل “كتلة النواب الخمسة” بقيادة حسن جوهر في هذه الانتخابات. فقد شاركت الكتلة في البرلمان السابق، واضطلعت بدور مهم داخل المعارضة. وشكّلت “الحركة الدستورية الإسلامية” استثناء آخر، وهي تمثل جماعة “الإخوان المسلمين” في البلاد، ويُذكر أن لها عددًا من المرشحين عن دوائر مختلفة في هذه الانتخابات.
الأهم من ذلك، إن هذه البرامج الانتخابية قد تشكل مصدر انقسام بين حملات الإصلاحيين الانتخابية، من بين هذه البرامج “وثيقة القيم” التي أطلقها الناخبون الإسلاميون من أجل حض المرشحين على التعهد بدعم مطالب المحافظين، على غرار محاربة السلوك “غير الأخلاقي” في المجتمع وترويج القوانين الإسلامية. وأثارت الوثيقة جدلًا في البلاد بين من يعتقد أنها خطوة مهمة لحماية المجتمع، وبين من يعتبرها محاولة لفرض قيم معيّنة. وقد أطلق معارضوها وسم #وثيقة قندهار لضرب مصداقية الوثيقة.
إن إطلاق برنامج وثيقة القيم كان وسيلة سلمية للتعبير عن مجموعة من المطالب، والعمل كمجموعة من أجل ممارسة الضغوط خلال موسم الانتخابات دون اللجوء للعنف. فهذه التحركات، وبغض النظر عن مضمون الوثيقة الأساسي، شائعة في دول ديمقراطية أو شبه ديمقراطية أخرى.
أججت وثيقة الإسلاميين بدورها الانقسامات، إذ وقّع بعض نواب المعارضة في البرلمانات السابقة الوثيقة وتبنيها، ما دفع بالكثيرين إلى التشكيك فيما إذا كان المرشحون “الإصلاحيون” سيحترمون التزامهم بحماية الحريات الفردية في البلاد. ويمكن لهذا الأمر أن ينعكس سلبًا على الدعم الانتخابي لمن يعتبرون أنفسهم مستقلين، الأمر الذي يقلّص حجم معسكر الإصلاحيين السياسيين في البرلمان المقبل. فضلًا عن ذلك، يمكن لتوقيع الوثيقة مساعدة بعض مرشحي المعارضة غير الإصلاحيين على الحصول على الدعم في أوساط الناخبين المحافظين والمتدينين، ما قد يؤدي بهم في النهاية إلى الفوز بالانتخابات على الرغم من عدم تأييد الإصلاحات الحكومية.
طبقًا لشبكة سراة، وهي منصة إخبارية على موقع “تويتر”، لم يوقع الوثيقة سوى 48 من أصل أكثر من 370 مرشحًا، لم يكن من بين الموقعين أياً من المرشحات النساء في الانتخابات. إن الدعم الأكبر لوثيقة القيم الاجتماعية المحافظة تركز في الدوائر القبلية. وفي حين أن لا الوثيقة ولا تعهدات بعض المرشحين تملك أساسًا دستوريًا، قد تكون مناقشة مضمون الوثيقة في البرلمان المقبل مصدر جدل محتدم وانقسام في مجلس الأمة، وقد يشتت انتباه المشرعين عن أولويات أخرى.
وقد أُثيرت مسائل مهمة أخرى في الحملات الانتخابية، مثل قضايا محاربة الفساد، ودعم القطاع الخاص، وتحسين الخدمات العامة، وإصدار قانون عفو لمن تمّت إدانتهم بسبب أنشطتهم أو آرائهم السياسية في العقد الماضي، سواء كانوا في داخل أو خارج الكويت، إلى جانب إصلاح الحوكمة في مجلس الأمة. لكن، حتى لو اتفق المرشحون على أهمية هذه المسائل، غالبًا ما يختلفون على طريقة معالجة الحكومة ومجلس الأمة لها، ومن المرجح أن يكون هذا هو الحال ما إن يتمّ تشكيل الكتل في مجلس الأمة عقب الانتخابات.
العمل الجماعي مستقبلًا
شكّل الاعتصام نموذجًا جيدًا للتحرك الجماعي، إلا أن هدفه المحدد هو سرّ نجاحه. فحين يتعلق الأمر ببرامج الحكم، يختلف النواب أكثر مما يتفقون. هيمنت الفردية وظاهرة المستقلين السياسيين على المشهد السياسي في الكويت منذ عام 1962، حين تمّت صياغة الدستور، ومن المرجح أن يستمرا أيضًا خلال هذه الانتخابات. وما لم يحدث تغيير كبير، من المستبعد تشكيل حكومة ذات أجندة إصلاحية مدعومة من الأغلبية في مجلس الأمة.