ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الرابع عشر من مارس/آذار، بدأت المملكة العربية السعودية إجراء إصلاحات عمالية جديدة سينعكس أثرها على حوالي 7 ملايين عامل أجنبي في القطاع الخاص. حيث تعتبر التغييرات الجديدة – المعروفة بـ “مبادرة تحسين العلاقات التعاقدية” – جزءاً من برنامج التحول الوطني الخاص برؤية 2030. إلا أن المبادرة لا تشمل العمالة المنزلية الأجنبية، البالغ عددها أكثر من 3 ملايين في البلاد. وسيبقى عمال المنازل مرتبطين بكفلائهم بموجب إطار تنظيمي منفصل. وعلى الرغم من ذلك، فمن المتوقع أن تحسن الإصلاحات الجديدة من ظروف شريحة كبيرة من العمال الأجانب في المملكة. كما أن نتائج الإصلاحات يمكن أن تفتح مجالاً أكبر للباحثين عن العمل من السعوديين، الذين عادةً ما يكونون أقل ميلاً للعمل في القطاع الخاص. ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن تساهم التغييرات في حل أزمة البطالة لدى العمال السعوديين، التي وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 15.4% في الربع الثاني من عام 2020.
من شأن الإصلاحات العمالية الأخيرة أن تمنح العمال الأجانب حرية تغيير وظائفهم والتنقل والسفر دون الحاجة إلى موافقة كفلائهم. فقد كان الكفلاء، سابقاً، مسؤولين عن طلب الحصول على تأشيرة خروج أو عودة. أما الآن، فسيُسمح للعمال الأجانب بالوصول إلى التطبيقات الحكومية (مثل “أبشر” و”قوى”) لطلب تأشيرة خروج أو عودة بأنفسهم (غير شامل لتأشيرة الدخول المتعدد)، حيث سيتم إبلاغ الكفيل بالطلب، ولكنه لن يتمكن من الاعتراض عليه. بعد انتهاء العقد، سيتمكن العمال أيضاً من تغيير وظائفهم دون موافقة كفلائهم. ومع ذلك، ستستمر الإصلاحات العمالية الجديدة في السماح للكفلاء برفع قضايا الفرار ضد العمال. حيث صرحت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن أحد أهداف هذه المبادرة هو الحد من عدد مثل هذه التقارير، من خلال تقديم المزيد من خدمة التنقل الوظيفي، التي تمنح للعامل حرية الانتقال إلى عمل آخر.
ومن الأهداف الأخرى للمبادرة رفع المعايير والقدرة التنافسية لسوق العمل. كما يمكن أن تخلق بيئة عمل أفضل من شأنها، على المدى البعيد، المساعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعد حجر الأساس لرؤية 2030. كما تتماشى الإصلاحات مع جهود الحكومة للتقليل من أعداد العمال ذوي المهارات المتدنية وغير الشرعيين. بدأت هذه العملية منذ سنوات، وقد تزايدت في السنوات الأخيرة هذه الجهود بشكل ملحوظ. تعكس الحاجة إلى تحسين كفاءة القوى العاملة اهتمام الحكومة بتعزيز المشاريع التجارية الجديدة، التي تتطلب المزيد من العمال المهرة وذوي الخبرة على عكس عقود من جلب العمال ذوي المهارات المتدنية. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت الإصلاحات العمالية، التي تزيد من حركة العمال الأجانب، الذين تدرب العديد منهم على وظائف تتطلب مهارات متدنية وذات أجور منخفضة نسبياً، ستقلل من الاعتماد على مثل هؤلاء العمال أو تشجع على إقامة مشاريع تجارية جديدة بأجور أعلى.
كما تهدف المبادرة أيضاً إلى الحد من التستر التجاري، الذي لا يزال يمثل مشكلة على الرغم من القوانين والتضييقات في السنوات الأخيرة لردع مثل هذه الأنشطة. حيث مكَّن التستر التجاري العمال الأجانب من إدارة الأعمال التجارية المسجلة باسم مواطنين سعوديين مقابل مبلغ شهري يدفعه الأجنبي للمواطن صاحب العمل. يمكن أن تقلل المبادرة أيضاً من عدد العمال الذين يدفعون لكفلائهم رسومًا شهرية أو سنوية مقابل البقاء في البلاد في حين يعملون في وظائف أخرى مختلفة. وقد أتاحت كل من هاتين الممارستين في الماضي لأرباب العمل السعوديين فرصة التهرب من الجهود الحكومية السابقة، التي كانت تركز على سعودة القوى العاملة، مع الإبقاء على الأجور والرواتب متدنية بصورة مصطنعة.
وتأمل الحكومة أن تساهم هذه الإصلاحات في حل مشكلة البطالة المتزايدة، التي بلغت 14.9٪ في الربع الثالث من عام 2020، وذلك من خلال تشجيع أرباب العمل على توظيف مواطنين سعوديين. من الممكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى زيادة تكاليف توظيف العمال الأجانب، الذين كان ميزان مدفوعاتهم يتأرجح تقليدياً عند مستوى أقل بكثير من مستوى المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، بدأت الحكومة في تطبيق ضريبة المغتربين الشهرية في عام 2018 على العمال، حيث يتعين على الكفلاء دفعها. هذا المزيج من الإجراءات، الذي يعمل في الواقع على سد الفجوة في الأجور بين المواطنين والأجانب، سوف يساعد في رفع تكاليف استقدام العمال الأجانب لإغراء أرباب العمل على توظيف السكان المحليين. لطالما فضل القطاع الخاص توظيف العمال الأجانب لأن نظام الكفالة لم يكن يسمح لهم بتغيير وظائفهم. في حين كان، من الناحية الأخرى، يسمح للسعوديين بتغيير وظائفهم حين يتاح لهم منصب أفضل. ستمكن المبادرة الجديدة العمال الأجانب من التنقل بشكل أكبر، على غرار السكان المحليين، ما سيزيد من طمس الفروق بين الاثنين. وينبغي أن تساعد هذه التطورات في تحقيق المساواة بين المواطنين السعوديين والعمال الأجانب عند التنافس على المناصب نفسها في القطاع الخاص، الذي يتعرض بالفعل لضغوط من أجل منح المزيد من الوظائف للمواطنين.
تلقى مجتمع الأعمال التجارية السعودي هذه التغييرات الجديدة بردود فعل متباينة. بعد عقود من جني الكثير من الفوائد من القيود المفروضة على العمال الأجانب، من المرجح أن يركز أرباب العمل السعوديون، في البداية على الأقل، على ما يعتقدون أن له تداعيات سلبية على أعمالهم التجارية. فمن شأن المرونة في تغيير الوظائف وسهولتها أن تمكن العمال من المغادرة للحصول على رواتب أو ظروف عمل أفضل. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث بعض الاضطرابات في سلسلة إنتاج لدى الشركات. يمكن للتكلفة المتزايدة للعمال الأجانب أن تزيد من تكاليف الخدمات المقدمة أو تقلل من جودتها، ما سيؤثر سلباً على المواطنين والمقيمين على حد سواء.
غالبًا ما يُتوقع من المبادرات والقوانين الجديدة، التي تستهدف القوى العاملة، أن تؤدي إلى إيجاد وتأميم المزيد من فرص العمل للمواطنين. ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تؤدي جميع القرارات، التي تم تنفيذها حتى الآن، إلى تحسين وضع البطالة للسعوديين. وتحافظ السعودية على فارق ضئيل بين تقديم مبادرات جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي وإيجاد حلول لأزمة البطالة المتزايدة.
الإعلان في فبراير/شباط عن حاجة الشركات إلى نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024 للاحتفاظ بالعقود الحكومية هو مثال حديث على هذا النهج المتضارب. تم في البداية الترويج للقرار كخطوة على الطريق لإيجاد آلاف الوظائف للسعوديين. لكن بعد أيام قليلة، أوضح وزير الاستثمار خالد الفالح أن الشركات التي تقوم بنقل مقارها لن تكون مضطرة لتوظيف مواطنين. تحاول المملكة معالجة كلتا المشكلتين، البطالة وجذب الاستثمار الأجنبي، ولكن الجهود لا تتضافر دائماً.
تتمحور جهود السَعْوَدة على القطاع الخاص، كما أن هذا القطاع هو الأكثر تضرراً من الإصلاحات العمالية الأخيرة لأن الغالبية العظمى من موظفيه من العمال الأجانب. ويتمتع هذا القطاع بتاريخ من الالتفاف على اللوائح والقوانين للتهرب من توظيف السعوديين، مثل تغيير المسميات الوظيفية لتجنب سَعْوَدة وظائف معينة. ونتيجة لذلك، لن تكون الإصلاحات العمالية الجديدة فعالة في الحد من بطالة السكان المحليين إلا بمشاركة فعالة من القطاع الخاص. وهذ سوف يستغرق وقتاً حتى يتحقق في حين تتكيف الشركات مع السياسات الجديدة. ومع ذلك، تعد الإصلاحات العمالية الجديدة خطوة أولى هامة لتحسين ظروف العمال الأجانب، ويمكن أن تفتح الباب أمام إصلاحات أوسع نطاقاً، ولا سيما فيما يتعلق بوضع العمالة المحلية في البلاد.