من خلال تجميع صور حفلات الزفاف، واستكشاف تطور الموسيقى الخليجية، واستخدام الفكاهة في الكتابة عن سلوك الناس في شهر رمضان المبارك، تسلط أمينة معارض فنية بحرينية الضوء على قصص شيقة عن المجتمعات الخليجية.
شهد الفن الحديث والمعاصر من منطقة الخليج اهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة. حيث حظى معرض “مسرح العمليات“(Theater Operations)، حول حرب الخليج عام 1991، في متحف نيويورك للفن الحديث، تغطية واسعة النطاق في الوسائل الإعلامية الفنية عند افتتاحه للجمهور في عام 2019، وقد احتل ساحة مركز المعارض (MOMA PS1) بأكملها. نشأت مؤسسات مستقلة وغير ربحية في الخليج، مثل “حافة الجزيرة العربية” (Edge of Arabia) ومعهد مسك للفنون، اللذين تأسسا في عامي 2003 و2017 على التوالي، نتيجة الحاجة الملحة لتعزيز الفن الخليجي المعاصر ودعم المبادرات الفنية المحلية.
شارك الفنانون الخليجيون في المعارض الإقليمية والبيناليات الدولية والأجنحة الوطنية (national pavilions)منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولكن نادراً ما كان فنهم يصل إلى جدران المتاحف والمعارض الدولية البارزة. تعمل المؤسسات الفنية في الخليج اليوم على مضاعفة جهودها من أجل إدراج المزيد من الفن الخليجي في المنصات الفنية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يقف أمناء المتاحف والمعارض الفنية المحليون وراء هذه الجهود أيضاً، من خلال مساهمتهم في تقديم أفكار [وثيمات] جديدة لإفساح المجال لإبراز الفن الخليجي.
اشتقت كلمة (Curation) في الأصل من الكلمة اللاتينية curare، التي تعني “المحافظة أو الوصاية”، ولكنْ للأمين دورٌ أهم في عالم الفن. في معظم الأحيان، يعمل الأمين وراء الكواليس، ويقوم باختيار وتجميع الأعمال الفنية بعناية لخلق تجارب مؤثرة ومتعددة الحواس، لإحياء الأعمال الفنية وإثارة نقاشات فكرية. ونظراً لتعدد المجالات التي يخوضونها ككتاب وباحثين ومعلمين في الوقت نفسه، فإنهم غالباً ما يقدمون للجمهور قصصاً ذات اهتمامات إنسانية إستثنائية من خلال الفن والوسائط الإبداعية المتنوعة.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن إلى أمينة المعارض الفنية البحرينية المتخصصة في الفن المعاصر الخليجي ، لطيفة آل خليفة ، لمعرفة المزيد عن تجربتها. قامت لطيفة بتأسيس وكالة الاستشارات الفنية المستقلة تو فار (Too Far) لدعم الحركات الفنية المحلية، حيث ألهمها فضولها لاستكشاف تاريخ المنطقة والثقافة الخليجية من خلال الفن والإبداع.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف أصبحت شغوفة بالفن الخليجي المعاصر؟
لطيفة: أنا ابنة سفير سابق، لذلك فقد نشأت في الولايات المتحدة. ومن المؤسف أن والدي توفي عندما كنت في الثامنة من العمر، وعدنا للعيش في البحرين بعد ذلك. ترعرعت في البحرين، وذهبت إلى الجامعة هنا. درست العلاقات الدولية وعملت كدبلوماسية لمدة ثلاث سنوات. بعد ذلك، قررت متابعة دراستي للحصول على درجة الماجستير من جامعة كينجز (King’s College) في لندن، وتخصصت في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية. لم أجد نفسي في العمل السياسي، بالرغم من انني كنت موفقة في عملي، وأدركت رغبتي في العمل في المجال الإبداعي لأنه مجال يمكنه التأثير إيجابياً على الناس.
ذات يوم، سمعت عن معرض بعنوان (#ComeTogether)، قامت على تنظيمه مؤسسة “حافة الجزيرة العربية”. شعرت بشعور من الفرح لا وصف له لدرجة أنني ذهبت لتناول وجبة كاري لكي أهدأ. شعرت بنشوة شديدة أنني وجدت جزءاً مني في مدينة لندن. كان هناك الكثير من الأعمال الرائعة والمشوقة لأحمد ماطروعبد الناصر غارم، ووجدت نفسي أشرح للغرباء الأعمال الفنية المعلقة على الجدران. مبدئياً اكتشفت شغفي بالفن المعاصر الشرق أوسطي والخليجي في بريطانيا ومن الباب الخلفي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما الذي حفزك لتصبحي أمينة معارض فنية وتنشئي شركة استشارية مستقلة؟
لطيفة: كنت قد تخرجت للتو عندما شاهدت المعرض المنظم من مؤسسة “حافة الجزيرة العربية”. قررت القيام بشيء مندفع جداً، وأرسلت رسالة بريد إلكتروني أخبرتهم فيها عن رغبتي في العمل معهم. لم أتوقع منهم الرد، ولكن في غضون خمس دقائق تلقيت دعوة للاجتماع في اليوم التالي. كان ذلك عندما قمت بالتنسيق لمعرضي الأول عن البحرين في عام 2013. لا أعرف كيف فعلت ذلك، لكنه كان منحنى تعليمياً كبيراً، وحقق العرض نجاحاً كبيراً.
عندما عدت إلى البحرين، لم أجد ترحيبا من الجهات الفنية المحلية لأنني كنت قد جئت للتو من العدم. فلم أكن قد اتخذت الخطوات اللازمة لأصبح أمينة معارض فنية، كالحصول على البكالوريوس في تاريخ الفن أو العمل في المعارض الفنية. عندما نظمت معرضي الأول، كانت البحرين منقسمة إلى حد كبير، خاصة بعد عام 2011. ثم كنت هناك: أردت أن أعرض ثقافة وفن بلدي في وقت حساس. فعالم الفن مجتمعٌ موصد الأبواب، وكان الناس في حيرة من أمرهم بشأن من أكون وماذا أردت أن أفعل.
صدق أو لا تصدق، كان تنظيم معرض في لندن أسهل من تنظيمه في البحرين. لقد كان تحولاً صعباً. لم أتمكن من العثور على فرص أو مناصب تشد اهتمامي، عندها قررت أن انشئ شركتي الخاصة. لقد كان الأمر تحدياً كبير، لكنه كان مكافئاً في نفس الوقت لأنني وجدت نفسي أتطور كباحثة. أصبحت أكثر ثقة في طرح الأسئلة، لأنني كنت ما زلت تلك الفتاة ذات الثماني سنوات التي تتساءل: “لماذا هذا ولماذا ذاك؟” لكن الآن، لدي الأدوات اللازمة لطرح الأسئلة الصحيحة وجمع كل المعلومات.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما الموضوعات التي تلهمك؟ وكيف تختارين موضوعات البحث الخاصة بك؟
لطيفة: هناك دائماً موضوع يثير فضولي، ويبدأ دائماً بملاحظة. فعلى سبيل المثال، في يوم من الأيام، كنت أبحث في ألبومات زفاف أمي وخالتي. كان حفل زفاف والدتي في عام 1969، ويمكنك أن ترى خلية نحل مليئة بالناس، والفتيات اللواتي يحملن الأزهار، والنساء بالفساتين القصيرة – يمكنك سماع الضوضاء من خلال هذه الصور. ثم مقارنة ذلك بزفاف خالتي، الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان الجميع يرتدي ملابس محافظة جداً. قلت لنفسي: “حسنًا، هذه نفس العائلة. ما الذي تغير؟” لذلك، بدأت بالبحث في التاريخ والسياسة خلال تلك الفترة. يمكنك كتابة فصل كامل من كتاب فقط في المقارنة بين حفلي الزفاف هذين. ما يزال هذا المشروع مفتوحاً، لأنني ما زلت ابحث عن هذا الموضوع. سوف يستغرقني هذا وقتاً للحصول على إذن من أشخاص للوصول لهذه الصور، ولكن هناك إحدى العائلات وافقت على مشاركة صور ألبوم زفافها، وهذا يثير حماسي كثيراً. فهي بداية على الأقل.
أنا مهتمة بمعرفة أصول بعض من عاداتنا، لأنه من الصعب العثور على إجابات والقليل من تاريخنا موثّق. وجدت ثقافة الزفاف في منطقتنا مثيرة جداً للاهتمام،
أنا مهتمة بمعرفة أصول بعض من عاداتنا، لأنه من الصعب العثور على إجابات والقليل من تاريخنا موثّق. وجدت ثقافة الزفاف في منطقتنا مثيرة جداً للاهتمام، وأعتقد أنها تكشف الكثير عن ثقافتنا وتصرفاتنا كشعب خليجي. عندما يتعلق الأمر بالتوثيق، لا أعتقد أن ثمة أحداثاً أخرى قد تم تصويرها كما هو الحال بالنسبة لحفلات الزفاف. تعد حفلات الزفاف في الخليج وسيلة لتقديم نفسك إلى المجتمع بشكلٍ ما. تاريخياً، لا تصبح المرأة في الخليج امرأة حتى تتزوج. ترتبط هويتها بتاريخ زواجها وبمن تتزوج. أجد دراسة ثقافة حفلات الزفاف في المنطقة وصناعتها أمراً في غاية الاهتمام لأن هناك الكثير مما يمكن قوله حول موضوع الزواج.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كان أحد أحدث معارضك حول تطور الموسيقى الخليجية، ما الذي ألهمك لإقامة هذا المشروع؟
لطيفة: بينما كنت أعمل على فكرة الزفاف، كان أحدهم يستمع إلى موسيقى عربية في السيارة. فخطر ببالي التالي: “لا يبدو أنها تختلف كثيراً من الأغاني الخليجية الأخرى”. عندما تفكر في موسيقى البوب العالمية، فيمكنك أن توضح بالتحديد أي أغنية من أي عقد من الزمن. فبإمكانك معرفة إن كانت هذه الأغنية من الخمسينيات أو الستينيات لأنها تختلف في النمط. لكن فيما يخص الموسيقى الخليجية، سيكون من الصعب التمييز ما إذا كانت الموسيقى من التسعينيات أو من القرن الحادي والعشرين، بصرف النظر عن الأشياء التقنية مثل العزف الآلي والآلات الموسيقية. ثم أثار فضولي سبب استماع المراهقين والجدات للموسيقى نفسها. كما تساءلت عما إذا كان الناس يفهمون الموسيقى الخليجية كنوع مستقل من الموسيقي أو كموسيقى من إنتاج الخليج.
صور من مشروع “هل تطورت الموسيقى الخليجية” في معرض فن دبي2020، في الجزء المتعلق بحالة الخليج اليوم.طلبت التعرف على أشخاص ذو خلفيات في مجال الموسيقى لكي أفهم تطور الأغنية الخليجية بشكل أفضل. اكتشفت أن هناك شركتين في الثمانينيات أنشأتا صوتاً أو نمطاً خاص لفنانيهما. كان المنتجين وكتاب الأغاني قليلين ومتشابهين. كما كان هناك خصوصية لموضوعات الموسيقى الخليجية: الحب أو فقدان الحب أو حب الوطن. كان هناك ثلاث موضوعات رئيسية، وهذا كل شيء. أعددت عينة من كل هذه الأغاني، وبدأت أسأل الجمهور عن رأيهم في الموسيقى الخليجية. وقمت أيضاً بتضمين فرق الهيب هوب والروك الخليجية الجديدة مثل أبناء يوسف (Sons of Yusuf) والكويسيانا (Kuwaisiana)، اللتين ظهرتا حديثاً، حيث تم إضفاء الطابع الديمقراطي على الموسيقى. أصبح اليوم بإمكانك إطلاق موسيقاك بشكل مستقل على مختلف المنصات، دون الحاجة إلى شركة تسجيل لتوزيع موسيقاك. كانت دراسة الموسيقى الخليجية جزءاً من مشروع عملت عليه بعنوان “هل تطورت الموسيقى الخليجية؟” في قسم الخليج الآن من معرض “فن دبي” في عام 2020، الذي أُقيم افتراضياً بسبب جائحة كورونا، وكانت لدي الرغبة في تقديم شيء مختلف.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: وماذا عن المشاريع الأخرى التي تعملين عليها خارج نطاق المعارض الفنية؟
لطيفة: أستمتع أيضًا بكتابة المقالات التي تستخدم الفكاهة. فعلى سبيل المثال، كتبت مقالاً على المنصة الهولندية Neo-Metabolism، وكان موضوعه الحواجب الخليجية. وهي منصة صغيرة يديرها أصدقائي، لكنني تحديت نفسي في كتابة مقال فكاهي ، وتم نشره في أواخر شهر رمضان الماضي. كان تعليقاً على سلوك الناس في رمضان، كيف نجلس ونأكل الكثير من الطعام، وكيف نقضي الوقت في مشاهدة المسلسلات.
كما أحب إجراء مشاريع تجريبية والتفاعل مع الجمهور. على سبيل المثال، عندما حدثت أزمة قطر، قمت بالاشتراك مع هديل الطيب بتنسيق مشروع بعنوان “هذا غير مريح ” تم الترويج له على صفحة Khaleejesque على انستجرام. كان هذا المشروع التجريبي يهدف لمعرفة ما إذا كان يمكن للأشخاص التعامل مع هذا النوع من النقاشات. أردت أن أثبت أنه يمكننا الحديث عن هذه القضايا دون أن نبتعد عن وطنيتنا لأن الناس يتحدثون عن هذه المواضيع بكل الأحوال. كان لدينا مفهوم أن مثل هذه النقاشات لن تتم على المنصة، ولكن عندما ترى عدد المرات التي تمت مشاركتها أو حفظها أو إعادة نشرها، تدرك أن الناس يتحدثون عنها خارج المنصة. وما يثير اهتمامي هو أن هذه هي الطريقة التي نتصرف بها في مواقف معينة.
هدفي هو ليس الخوض في السياسة. فأنا أُدرك عقليتنا وحساسيتنا تجاه بعض المواضيع، وأضع ذلك دائماً في عين الاعتبار. أنا ببساطة مهتمة بتوضيح ثقافتنا ومجتمعنا لأنفسنا وللآخرين. إن العالم ينظر إلينا بطريقة أحادية البعد، وأجد ذلك محبطاً للغاية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي برأيك احتياجات المشهد الفني الخليجي الحالي؟
لطيفة: أود أن أرى المزيد من ثقافتنا وأنفسنا في متاحفنا والمعارض الفنية. هناك معارض ناجحة وجهود هائلة للنهوض بالمشهد الفني في الخليج، ولكن هناك أيضاً إهمال تجاه المؤسسات الصغيرة. إذا لم يكن الأمر يقترب من ثقافتنا وتاريخنا، فسوف ينفصل الجمهور عن الفن المعروض. يحتاج المجتمع [الفني] المحلي إلى المزيد من البناء والدعم. سيكون شيئاً في غاية الروعة أن رأينا المزيد من الأبحاث حول الفجوات في السوق الفني، وأن يتوفر المزيد من فرص التمويل للفنانين والمبادرات المستقلة الصغيرة.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.