ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
اقترب المحقق الخاص روبرت مولر الذي يقوم بالتحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا الأسبوع أكثر من أي وقت مضى من توثيق حدوث اتصالات بين مسؤولين في حملة المرشح آنذاك دونالد ترامب في 2016 وشخصيات روسية مقربة من السلطات الرسمية بهدف الحصول على معلومات “قذرة” حول المرشحة آنذاك الديمقراطية هيلاري كلينتون “بشكل آلاف الرسائل الالكترونية”، لاستخدامها ضدها في المعركة الانتخابية. وليس من المبالغة القول إن قرار مولر إحالة بول مانافورت المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية إلى القضاء بتهم تشمل التآمر ضد الولايات المتحدة، وتبييض أكثر من 18 مليون دولار عبر مصارف في قبرص والإدلاء ببيانات خاطئة، وتوجيه تهم مماثلة لنائبه ريتشارد غيتس، والكشف عن تعاون جورج بابادوبولوس، وهو مستشار سابق في الحملة مع المحققين، وتأكيده بأنه كان على اتصال مع شخصيات روسية لتسلم رسائل الكترونية لاستخدامها ضد هيلاري كلينتون، كلها تطورات من المحتمل أن تشكل خطرا وجوديا على رئاسة دونالد ترامب.
الرد السريع والغريب للرئيس ترامب على هذه التطورات، أظهر تخبطه وتخبط فريقه القانوني والسياسي. من جهة عكست مواقف البيت الأبيض حالة من النكران، لأن المسؤولين حاولوا القيام بعملية التفاف وتضليل من خلال مطالبة القضاء والكونغرس إجراء تحقيقات بتصرفات المرشحة هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية لأنها مولت عملية جمع معلومات محرجة عن دونالد ترامب قام بها كريستوفر ستيل المسؤول السابق في الاستخبارات البريطانية. ومن جهة أخرى، تظاهر ترامب بأن إحالة مانافورت إلى القضاء كانت لأسباب لا تتعلق مباشرة بحملته، متناسيا أن عملية تبييض الأموال التي كان يقوم بها مانافورت استمرت إلى حين إدارته لحملة ترامب في 2016. ومع تضييق مولر للخناق على المسؤولين في البيت الأبيض، خاصة وأنه سيبدأ قريبا بالتحقيق مع عدد من المسؤولين المحيطين بترامب، بدأ مؤيدو ترامب، ومن بينهم ستيفن بانون مستشاره الاستراتيجي السابق في البيت الأبيض وصديق ترامب القديم روجر ستون، بحثه على إقالة المحقق مولر، أو عرقلة تحقيقاته من خلال مطالبة الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بوقف تمويل عمليات التحقيق. ويرى هؤلاء أن تلكوء ترامب في التخلص من مولر قد يؤدي إلى محاكمته في مجلس النواب وأن عليه ألا يثق بولاء من يسميهم بانون “الجمهوريون التقليديون” في الكونغرس.
ويُعتقد أن ترامب الذي لم يأخذ بهذه النصيحة الخطيرة يدرك أن إقالة مولر يمكن أن تؤدي إلى أزمة دستورية كما يحذر الحقوقيون وبعض أعضاء الكونغرس من ديمقراطيين وجهوريين. ويرى هؤلاء أن إقالة مولر يمكن أن تتحول إلى حادثة مماثلة لما يسمى “مذبحة مساء السبت”، وهي إشارة إلى اليوم المفصلي في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1973 خلال فضيحة ووترغيت حين أمر الرئيس ريتشارد نيكسون وزير العدل أليوت ريتشاردسون إقالة المحقق المستقل أرشيبالد كوكس الذي كان يحقق بالفضيحة. وحين رفض الوزير ريتشاردسون، الذي كان قد عين كوكس في آيار/مايو تنفيذ الأمر وقدم استقالته، أمر نيكسون نائب وزير العدل وليام راكلزهاوس طرد المحقق كوكس، ولكن راكلزهاوس رفض أيضا تنفيذ الأمر الرئاسي وقدم استقالته. عندها طلب نيكسون من المسؤول الثالث في الوزارة روبرت بورك طرد كوكس، وهذا ما حدث. ومنذ ذلك الوقت سميت تلك الليلة الحالكة “مذبحة مساء السبت”.
تضليل وتغطية وأنصاف حقائق وتواطؤ
صحيح أن التهم التي وجهها المحقق مولر يوم الأثنين إلى مانافورت وغيتس لا تتعلق مباشرة بعملهما في حملة المرشح آنذاك ترامب، ولكن ما كشفته التهم الموجهة إلى مانافورت بالتحديد أظهر حقائق محرجة لترامب وحملته أبرزها أنه عين مديرا لحملته رجلا كان يعمل لصالح رئيس أوكرانيا السابق، الأوتوقراطي الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش والذي أطاحت به ثورة شعبية قبل ثلاثة سنوات أرغمته على اللجوء إلى روسيا، وأن مانافورت فعل ذلك دون أن يسجل نفسه رسميا كوكيل لحكومة أجنبية، بحسب متطلبات قانون “فارا” الأمريكي. الحقيقة الأخرى المحرجة، هي أن مانافورت واصل تبييض ملايين الدولارات خلال إدارته لحملة ترامب، وأنه ضلل مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووزارة العدل.
المفاجأة الحقيقية يوم الاثنين، كانت في الكشف عن توقيف جورج بابادوبولوس، واعترافه بالذنب لأنه كذب على محققي مكتب التحقيقات الفيدرالية (اف بي آي) في كانون الثاني/يناير الماضي وأخفى حقيقة اتصالاته بشخصيات روسية لها علاقة بالسلطات الرسمية، نيابة عن حملة ترامب من أجل “ترتيب اجتماع بين الحملة ومسؤولين حكوميين روس” للحصول على المعلومات “القذرة” المضرة بالمرشحة كلينتون، وأنه حصل على مباركة وموافقة مسؤولة في الحملة آنذاك سام كلوفيس على اتصالاته بالروس.
ولكن أسوأ ما في تطورات الأيام الأخيرة هو أنها أظهرت احتمال ضلوع الرئيس ترامب ووزير عدله جيف سيشنز بتضليل الرأي العام والكونغرس بشأن اتصالات حملة ترامب بالشخصيات الروسية المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين وأجهزة استخباراته. فقد أكدت سجلات القضاء المتعلقة بقضية المستشار بابادوبولوس هذا الأسبوع رسميا ما كانت قد ذكرته تقارير صحفية في الأشهر الماضية من أنه خلال اجتماع في آذار/مارس 2016 للرئيس ترامب مع فريقه الجديد للشؤون الخارجية وحضره من جملة من حضره السيناتور آنذاك جيف سيشنز والمستشار بابادوبولوس الذي قال أمام الحضور إن لديه اتصالات مع شخصيات روسية يمكن أن تساعد في ترتيب لقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين والمرشح ترامب. وهذا ما قاله بابادوبولوس للمحققين، وهو ما أكده مؤخرا مستشار آخر حضر الاجتماع واسمه جي دي غوردون، الذي نسب إلى بابادوبولوس قوله إن السفير الروسي في بريطانيا هو صديق له ويمكن أن يرتب الاجتماع بين بوتين وترامب. وأضاف غوردون، أن ترامب استمع باهتمام لاقتراح بابادوبولوس، ولكن السيناتور سيشنز، رفض الاقتراح بشدة، وقال للجميع وفقا لغوردون “لا أحد يجب أن يتحدث عن هذا الموضوع لأنه يمكن أن يتسرب”. الخطورة بالنسبة لترامب وسيشنز، هي أنهما نفيا علنا –الرئيس ترامب في مؤتمراته الصحفية والسيناتور والوزير لاحقا سيشنز في شهادات في الكونغرس بعد ادلائه بقسم اليمين- نفيا علمهما بأي اتصالات بين الحملة وشخصيات روسية. وفي تطور ملفت حصل صباح يوم الجمعة، قلل الرئيس ترامب من أهمية ما حصل في الاجتماع المذكور قائلا “لا أتذكر كثيرا….كان اجتماعا غير مهم جدا، وحصل قبل فترة طويلة”، موجها كلامه إلى الصحفيين بالقرب من طائرته قبل توجهه إلى آسيا. ويسعى بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين استدعاء وزير العدل سيشنز للمثول أمام لجنة الشؤون القضائية لمساءلته من جديد، بسبب الشكوك العميقة لدى بعض أعضاء اللجنة من الحزبين من قيام سيشنز بتضليل أعضاء اللجنة حين ادعى مرة أنه لا يذكر أي اتصالات قام بها هو مع الروس خلال عمله في الحملة – وهو أمر عاد وأكده لاحقا – كما عاد مرة أخرى بعد تطورات هذا الأسبوع ليقول إنه تذكر ما جرى في اجتماع آذار/مارس 2016 بشأن الاتصالات مع الروس.
ومنذ الكشف عن اعترافات بابادوبولوس وحقيقة تعاونه مع فريق المحقق مولر، والبيت الأبيض وكبار المسؤولين بمن فيهم الرئيس ترامب والناطقة باسمه ساره ساندرز ومحاميه تاي كوب وغيرهم يحاولون التقليل من أهمية المستشار بابادوبولوس والقول بأنه كان متطوعا، “ويقدم القهوة” للمسؤولين في الحملة. ولكن هذه الادعاءات تتناقض مع وصف الرئيس ترامب بابادوبولوس في لقاء مع صحيفة واشنطن بوست بأنه مستشار “ممتاز” وخبير في شؤون الطاقة، وأن بابادوبولوس كان بين مستشاري ترامب خلال اجتماع آذار/مارس 2016 كما تبين صور الاجتماع. وتناسى البيت الأبيض أن المتطوع الذي كان “يخدم القهوة”، قد سافر إلى اليونان موطن أجداده، وتحدث عن حملة ترامب والتقى بالرئيس اليوناني في أثينا.
وتبين الاتصالات بين حملة ترامب والشخصيات الروسية المقربة من السلطات الرسمية أن حملة ترامب كانت على علم واختراق الاستخبارات الروسية للرسائل الالكترونية للحزب الديمقراطي وحساب جون بوديستا مدير حملة كلينتون، قبل الكشف عن هذه الاختراقات علنا. ما فعله المحقق مولر هذا الأسبوع، أكد مرة أخرى أنه يستحق سمعته كمحقق متميز بخبرته الشاملة –القانونية والسياسية- ومعرفته العميقة بكيفية عمل الأجهزة المختلفة في الدولة، وهذا ما عكسه ربما أهم تطور هذا الأسبوع، وهو الكشف عن تعاون المستشار بابادوبولوس مع التحقيق، وكيف حافظ مولر ومساعديه على سرية تعاون بابادوبولوس مع التحقيق وإخفاء حقيقة اعتقاله في المطار بعد عودته من رحلة خارجية، وابقاء كل هذه المعلومات طي الكتمان إلى حين الكشف عليها يوم الاثنين. تطورات هذا الأسبوع تبين مرة أخرى أن تحقيقات مولر المستمرة منذ ستة أشهر سوف تؤدي إلى إحالة مسؤولين سابقين في حملة ترامب الانتخابية ومسؤولين خدموا في إدارته إلى القضاء خلال الأسابيع المقبلة، وأن تحقيقات مولر قد تصل إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
كيف طغى مولر على أسامة بن لادن
تحقيقات مولر هيمنت على أسبوع هام في واشنطن حفل بتطورات بارزة أخرى من بينها تحضير الرئيس ترامب وكبار مساعديه لأطول جولة خارجية له سوف يزور فيها عددا من دول شرق آسيا من بينها اليابان وكوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفيليبين، حيث سيكون الخطر الذي تمثله الترسانة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية الموضوع الأساسي لهذه الجولة التي ستستمر لعشرة أيام. وحتى الهجوم الإرهابي الأكبر والأخطر منذ هجمات أيلول/سبتمبر 2001 الذي تعرضت له مدينة نيويورك هذا الأسبوع وأدى إلى مقتل ثمانية مدنيين، لم يبعد الاهتمام الإعلامي كثيرا عن التطورات القضائية والسياسية التي كشف عنها المحقق مولر. وضاع في خضم هذه التطورات الهامة، حدثا لافتا، تمثل بقيام وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) بالكشف عن مئات الآلآف من الوثائق والمذكرات وأشرطة الفيديو التي جمعتها القوات الأمريكية الخاصة التي أغارت على مقر أسامة بن لادن في باكستان قبل ستة سنوات وقتلته مع بعض حراسه، وتتضمن معلومات قيمة ومثيرة – بما فيها أفلام الصور المتحركة وأشرطة طريفة وأشرطة دعارة- ويوميات بن لادن المكتوبة بخط يده. الوثائق أظهرت أن بن لادن بقي يدير تنظيمه الإرهابي في العالم ويوجه أوامره وتعليماته لمختلف فروع تنظيم القاعدة من الجزيرة العربية إلى المغرب العربي. ومن بين أبرز الوثائق التي كشف عنها، مذكرة من 19 صفحة كتبها مسؤول في القاعدة وتطرق فيها بالتفصيل إلى علاقة القاعدة مع “النظام الرافضي الإيراني”، والدعم اللوجستي والمادي الذي قدمته إيران للقاعدة عبر السنين بما في ذلك توفير الملجأ والوثائق المزورة لعناصر قيادية للقاعدة في الأراضي الإيرانية. وعلى الرغم من العداء السافر الذي يكنه الطرفان لبعضهما البعض لأسباب مذهبية وسياسية، إلا أن عدائهما المشترك للولايات المتحدة وحلفائها وخاصة السعودية ودول الخليج الأخرى جعلهما يتعاونان مع بعضهما البعض. وكشفت المذكرة أن الإيرانيين “عرضوا على بعض إخواننا من السعوديين (الذين سفّروهم) أن يدعمونهم بالمال والسلاح وبكل ما يحتاجونه، وعرضوا عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب مصالح أمريكا في السعودية والخليج!!”. وقالت مصادر مطلعة إنه على الرغم من قلق وانشغال البيت الأبيض بتحقيقات مولر ومضاعفاتها، إلا أن إدارة ترامب سوف تستخدم هذه الوثيقة في مواجهتها المستمرة مع إيران، كدليل آخر حول علاقة إيران ودعمها الموثق للتنظيم الإرهابي المسؤول عن قتل أكبر عدد من المدنيين الأمريكيين في تاريخ البلاد.