ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
كانت فترة حكم الشيخ نواف الأحمد الصباح، التي استمرت ثلاث سنوات (2020-2023)، واحدة من أقصر فترات الحكم في الكويت، وسيبقى إرثه مستمرًا في الفترة المقبلة. تميزت فترة حكم الشيخ نواف بالعديد من سمات الفرادة في مجالات شتى. لنبدأ بالأمور الشخصية: كان الأمير نواف أكبر حاكم سنّاً، مقارنة بأسلافه، يتولى السلطة في الكويت في سبتمبر/أيلول 2020 عن عمر يبلغ 83 عامًا؛ وكان أسرع الأمراء في القيام بترشيح ولي العهد في وقت قياسي، وذلك بعد سبعة أيام فقط من توليه سدة الحكم؛ وكان أول أمير للكويت يقوم بتفويض بعض مهامه الدستورية الرئيسية لولي العهد، وذلك بعد 14 شهرًا من توليه مسند الإمارة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021؛ وكان الحاكم الوحيد الذي يعين ابنه رئيسًا للوزراء في ظل حكمه (يوليو/تموز 2022). سماته الشخصية التي تميزه أنه كان رصين وقليل الظهور، هادئ في حديثه ومتواضع في حضوره، كما أنه متديناً بطبعه. وقد كان لافتًا أن تجتمع كل هذه الخصال في شخصٍ يتربع على رأس السلطة. وقد أفضت هذه الخصال إلى نهجٍ مختلفٍ في القيادة.
كان الشيخ نواف الأحمد شخصية بارزة وراسخة في الحياة العامة في الكويت. فعلى مدى ستة عقود، تولى الشيخ نواف مناصب مختلفة. شملت محافظ، ونائب رئيس الحرس الوطني، ووزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل والداخلية والدفاع، وولي العهد؛ حتى توليه مسند الإمارة. كانت مسيرته وأجندته تركز على الشئون الداخلية بالدرجة الأولى. وبسبب اهتمامه بالداخل الكويتي، طور الأمير الراحل فهمًا عميقًا للمجتمع الكويتي واحتياجاته. لقد اتسمت المسيرة المهنية للشيخ نواف بنهج تصالحي، وهو ما تجلى بوضوح بعد توليه مسند الإمارة، حيث قام بعملية غير مسبوقة لإصلاح الوضع السياسي وتطوير إدارة الدولة.
خطوات تحدث لأول مرة: إعادة ضبط سياسي جذري وإصلاح إداري
كانت عملية إصلاح الوضع السياسي التي قام بها الأمير الراحل تركز على مكونات محددة: المعارضة، المناوئين المنفيين والمسجونين، وأعضاء الأسرة الحاكمة. في خطابٍ له في يونيو/حزيران 2022، تناول الشيخ نواف الأحمد المعارضة المتنامية في الداخل آنذاك، وأطلق مجموعة من التنازلات غير المتوقعة. وأكد، بلغة لا لبس فيها، على الالتزام الصارم بالدستور، وعدم التدخل في الانتخابات، بما في ذلك انتخابات رئيس مجلس الأمة واللجان البرلمانية المختلفة، والالتزام تجاه الشعب؛ واعتبار الأمير كحكم فوق السلطات المختلفة. كما إنه مهد الطريق لمطلب آخر من مطالب المعارضة: تغيير رئيس الوزراء. كان موقف النظام من الانتخابات يتناقض بشكل واضح مع الممارسات التي سادت في العقود السابقة، وأدى إلى واحدة من أكثر الانتخابات نزاهة في الكويت. وقد أثرت النتائج حتى الآن بشكل إيجابي على العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، مما أدى إلى فترة من الهدوء والتعاون بين السلطتين، ويتجلى ذلك بوضوح في خارطة الطريق التشريعية الموسعة للفترة 2023-2024 والاستجوابات البرلمانية السلسة.
حدث لأول مرة أيضاً خطوات تغييرية في ملف إصلاح الوضع السياسي عبر سلسلة من قرارات العفو التي تم منحها للمواطنين الكويتيين بين عامي 2021 و2023، والتي أنهت سنوات من المنفى الاختياري والسجن، التي كانت العديد منها ذات دوافع سياسية. وبموجب المادة 75 من الدستور، فإن الأمير وحده هو الذي يملك سلطة منح العفو. لقد مارس الأمراء السابقون هذا الحق، لكن نطاق العفو في فترة حكم الشيخ نواف الأحمد القصيرة يعتبر أمرًا بارزًا، ما يوضح وجود نية حقيقية لفتح صفحة جديدة وتوطيد العلاقات مع المواطنين. وقد عزز هذا النهج التصالحي من شعبيته. ويميل من يتولى مسند الإمارة إلى تبني خطاب “العهد الجديد“، لكن يمكن القول إن الشيخ نواف الأحمد قد حول هذا الخطاب إلى أفعال بشكل أكثر فاعلية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية وطي صفحة الماضي، الأمر الذي أكسبه لقبًا فريدًا “أمير العفو“.
انجاز عملية اصلاح الوضع السياسي شملت ملف الأسرة الحاكمة المركب. لا تتّبع الكويت نموذجًا محددًا في عملية توارث الحكم سوى اختيار الشخص الأنسب من بين أحفاد الشيخ مبارك الصباح، الذي حكم من عام 1896 إلى 1915. وقد أدى ذلك إلى احتدام المنافسة والتباين في بعض الأحيان في مجلس الأمة وفي وسائل الإعلام بين أفراد الأسرة الحاكمة الطامحين لمناصب قيادية، الأمر الذي أثر على استقرار البلاد وتنميتها. وقد أثر هذا التنافس على العديد من كبار أفراد عائلة الصباح سواء كانوا في السلطة أو خارجها. أثرت مساعي الشيخ نواف الأحمد التصالحية بشكل خاص على أبناء الشيخ فهد الأحمد الصباح، أبناء أخوة كلٍّ من الأمير الراحل والحالي. وأدى العفو الذي صدر في يناير/كانون الثاني إلى إعادة الاعتبار لأحدهم (الشيخ عذبي فهد الأحمد الصباح)، وشهدت التشكيلة الوزارية الأخيرة في يونيو/حزيران عودة قوية لشخص آخر (الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح) إلى حقيبة الدفاع.
أحد الخطوات التي برزت لأول مرة في عهد الشيخ نواف الأحمد تتمثل في التحديثات الإدارية غير المسبوقة والمستمرة. لم يسبق أبدًا في تاريخ الكويت الحديث أن حدث مثل هذا التحديث الجذري في أجهزة الدولة وقياداتها بهذه الطريقة الواسعة. لم يتم تقديم أسباب واضحة لمثل هذا التحول، ولكن هدف البدء بكوادر إدارية جديدة ليس لديها أعباء أو سلوكيات مشكوك فيها هو أحد الإجابات المحتملة. والتفسير الآخر الممكن هو إعادة هيكلة القطاع العام المتضخم للوصول إلى إدارة أكثر كفاءة. تم تعيين بعض المسؤولين هنا وهناك، لكن معظم المناصب القيادية ما تزال شاغرة منذ عامين أو ثلاثة (تتراوح ما بين 151 منصبًا في 17 هيئة حكومية في أحد التقارير إلى 552 منصبًا في أربع هيئات حكومية في تقرير آخر على سبيل المثال) ، ما يثير استياء الكثير ممن هم في حالة جمود أو متأثرون بالبيروقراطية البطيئة وغير المستقرة. على الرغم من التأثير السلبي لهذا الفراغ الإداري، إلا أن هذا التطور يشير إلى عملية تحول لافتة في طور التكوين، مع تبعات وعواقب لم تظهر بعد. وثمة مؤشر آخر يتعلق بالإدارة العامة ونزاهتها يتمثل في حملة مكافحة الفساد المتواصلة التي انطلقت خلال السنوات الأخيرة من حكم الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد الصباح. يشكك بعض المحللين في مدى جدية هذا المسار واتساع نطاقه في اجتثاث الفساد نظرًا للانتقائية التي تطغى على تطبيقه. ومع ذلك، حكمت محكمة التمييز في الكويت، في نوفمبر/تشرين الثاني، بحبس أحد أفراد الأسرة الحاكمة (وزير الداخلية والدفاع السابق)، وألزمت رئيس وزراء سابق من أسرة الصباح برد مبالغ مالية وغرامات مختلفة. كلا الأمرين حدثا في عهد الشيخ نواف الأحمد.
الإرث
اتسمت عناصر عملية تحديث المسار السياسي للشيخ نواف الأحمد بنطاقها الواسع، حيث شملت تنازلات لمجلس الأمة، والعفو، ودعم المصالحة داخل الأسرة الحاكمة. وكذلك كانت عناصر التحديث الإداري، والتي شملت رحيل كوادر كثيرة، والتوظيف التدريجي لكادر جديد، وملاحقة بعض قضايا الفساد. وهذه المشاريع ليست منتهية بأي حال من الأحوال، خاصة بالنظر إلى حداثتها. وسيكون العبء على القيادة القادمة لمواصلة هذه المشاريع والبناء على هذا الإرث.
سوف يُذكر الشيخ نواف الأحمد ببدء عملية تصحيح المسار السياسي وتطوير إدارة الدولة. لقد كانت فترة حكمه مرحلة انتقالية، تميزت بالتعايش غير المستقر والصراع بين القديم والجديد. إن مظاهر ولادة كويت جديدة لم ترى النور بعد. إن مسار التغيير ما يزال بطيء ومرتبك، ومتردد في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنكار التغييرات التي حدثت على مدى السنوات الثلاث الماضية، فهي جزء من مقاربة الكويت الجديدة، التي صاغها وصممها الأمير الراحل وفريقه – حيث المرونة لا تزال السمة التي تميز الحياة العامة في الكويت. قد لا تكون بعض الإجراءات التي تم اتخاذها (مثل مكافحة الفساد والعفو على وجه الخصوص) جديدة تمامًا، لكن حجمها كان مغايرًا في عهد الأمير الراحل. قد يغفل البعض أو يقلل من أهمية الاصلاح التراكمي الذي أحدثه الأمير بهدوء ودون ضجيج، وهو ما يعكس بشكل ملحوظ الخصال الشخصية للشيخ نواف الأحمد. لكن الإيحاء بأنه كان منعزلاً وفوض صلاحيته لغيره نظرًا لحالته الصحية ليس دقيقًا تمامًا. فقد تجلى دوره في الخطابات التي ألقيت باسمه، ومراسيم العفو المتكررة التي تحمل توقيعه، والتسمية الواعية للجيل القيادي القادم من أسرة الصباح بدئًا بأبنائه.
القيادة الجديدة
لا يعتبر سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح جديدًا على المشهد؛ فقد مارس سلطات الحاكم خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب عقود من الخبرة في العمل مع حكام الكويت الأربعة السابقين، الأمر الذي يجعله في موضع متميز. وفي حين أن توليه السلطة جاء بصورة منظمة، إلا أن الأنظار ستتجه نحو ولي العهد المقبل. لدى الأمير فرصة ذهبية لتحقيق التحول الجيلي الذي طال انتظاره في الكويت، والذي تم إنجازه بالفعل في جميع أنحاء دول الخليج. ولم يكن هذا التحول مهمًا بالنسبة للبلاد، لولا الحساسيات – والمنافسة المرتبطة بها – التي تأتي مع سياسات توارث الحكم. إن أضمن طريقة لتوحيد الأسرة الحاكمة يتم من خلال تهدئة المطالبات المتنافسة لمنصب ولي العهد واختيار الأكثر ملاءمة لهذا المنصب. إن ترتيب بيت الحكم سيضمن الاستقرار، ويمنع أي محاولة لإحداث اضطرابًا في الكويت.
بشّر الشيخ نواف الأحمد بـ “تصحيح المسار السياسي في الكويت“. وما تزال هذه السياسة تكتسب مزيدًا من الزخم. تواجه الكويت تحديات كثيرة. إن تلبية الاحتياجات المتزايدة للشعب مع رسم مسار آمن لدولة صغيرة محاطة بدول كبيرة في منطقة صعبة لم تكن بالأمر السهل على الإطلاق. فالأمر يتطلب وحدة الهدف وإطلاق العنان للتنمية المتعددة الأوجه التي طال انتظارها، في لحظة الكويت بأمس الحاجة لها، لتبقى ذات أهمية وتزدهر في منطقة دائمة التغير.