أعلنت الكويت، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن تشكيل حكومة جديدة هي الثالثة في غضون عام، وهي نتيجة للحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الذي دعا إليه أمير البلاد. يُلاحظ أن هذه الحكومة تضمنت أربعة أعضاء من مجلس الأمة – وهو العدد الأكبر منذ منتصف التسعينيات. وعلى الرغم من روح المصالحة الوطنية هذه، فإنه ليس من المرجح أن تحقق هذه التوليفة الوزارية تحسن في الأداء الحكومي. فالاعتماد على الطبقة السياسية ونهج الحوكمة نفسيهما يبقيان الأوضاع كما هي دون تغيير. ومن المرجح أن تثبت هذه الحكومة، كسابقاتها، عجزها عن المواجهة الفاعلة لتحديات الكويت المتعددة، بما في ذلك التنويع الاقتصادي، وإصلاح اختلالات المنظومة السياسية.
ثمة عوامل ثلاثة في عملية تشكيل الحكومة ما تزال تشير إلى أزمة أخرى تلوح في الأفق.
حاول رئيس الوزراء استرضاء المنتقدين بإقالة الوزراء – الصحة والداخلية والتجارة والإسكان – الذين واجهوا معارضة برلمانية. وهدف من ضمه لأربعة نواب في الحكومة إلى تخفيف حدة المعارضة في مجلس الأمة. ومع ذلك، لم تؤيد أي من الكتل البرلمانية انضمام أعضاء البرلمان إلى الحكومة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على هذه الكتل لدعم الحكومة. علاوة على ذلك، تميل التحالفات إلى كونها متحولة وغير ثابتة. يجدر الإشارة بأن ثلاثة من الوزراء الأربعة الجدد، الذين تم اختيارهم من البرلمان، قد أيدوا استجواب رئيس الوزراء في يناير/كانون الثاني 2021. ومن المرجح أن تستمر هذه التحولات في الفترة المقبلة. تمكنت الحكومة خلال العام المنصرم من اختراق صفوف المعارضة، وتحييد بعض اصواتهم – لكنها خطوات مؤقتة قد لا تستمر على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن الاختراق والتحييد اللذان حققتهما الحكومة لا يعطيانها بالضرورة ضمانة كافية لصد الاستجوابات المثيرة للجدل.
إن خطوتي استبعاد الوزراء الذين واجهوا استجوابات وتوزير بعض أعضاء البرلمان لن توفرا للحكومة حصانة على المدى الطويل لأن المنظومة السياسية لا توفر حماية من هذا النوع. ستبقى الحكومة عرضة للمساءلة من قبل أعضاء مجلس الأمة. على سبيل المثال، قدّم أحد الأعضاء استجوابًا لوزير الدفاع العائد حتى قبل أن تنهي الحكومة أسبوعها الأول، رغم أن دستورية الخطوة موضع سؤال لأنها تخص أعمال الحكومة السابقة. تعتبر الحكومة هذه الاستجوابات البرلمانية مصدر إزعاج لأنها تحد من صلاحيات الحكومة. وبالمفهوم السياسي، فهي تمثل الأداة التي بموجبها يمارس مجلس الأمة وظيفته الرقابية، وما يترتب عليها من اهتمام عام لمنع الحكومة من اتخاذ إجراءات جدلية قد يعجز أعضاء مجلس الأمة عن إيقافها. ومع ذلك، تحتاج الحكومة ببساطة إلى مواجهة الاستجوابات، والتعامل الروتيني معها. لأن ذلك يجنب البلاد حالة الانسداد السياسي المستمر، حتى ولو كان ذلك يعني أن يضحي رئيس الوزراء والوزراء بمناصبهم.
ثانيًا، تجلت مسألة انتقال الحكم في تشكيل الحكومة. الكويت لا تتبع نموذج انتقال الحكم من الأب إلى الابن الذي تتبناه بشكل متزايد الأنظمة الملكية في المنطقة. وقد تسبب هذا الأمر في المنافسة الشديدة في بعض الأحيان بين أفراد الأسرة الحاكمة، ما أدى إلى عرقلة الأداء الأمثل للسلطة التنفيذية. وتعد عملية اختيار وزراء الأسرة الحاكمة ومناصبهم مؤشرًا على هذه الأزمة. مع ملاحظة أن الحكومة الجديدة واحدة من أقل الحكومات تمثيلاً للأسرة الحاكمة بثلاثة وزراء (الدفاع والداخلية والخارجية)، ولا يوجد نائب أول لرئيس الوزراء، وربما يعكس كلا الأمرين تباين وجهات النظر داخل الأسرة الحاكمة. بالإضافة إلى أن الحكومة تفتقد التوازن في التمثيل بين فروع الأسرة الحاكمة. إن عودة وزير الدفاع السابق كوزيرٍ للداخلية تعني هيمنة فرع الجابر من جديد، وهو فرع الأمير وولي العهد. جميع وزراء الصباح الثلاثة في الخمسينيات من العمر، ما يشير إلى وجود تردد في تكليف جيل أصغر من أفراد الأسرة الحاكمة بالمسؤولية الوزارية، وتأخيرًا إضافيًا في تمكين الجيل الجديد كالذي نراه منذ فترة في الدول المجاورة، على الرغم من أن الأسرة لديها العديد من الشباب الواعد.
أخيرًا، أثبت نظام المحاصصة في الكويت مرونته. فمن بين 15 وزيرًا، هنالك تسعة وزراء جدد (بمن في ذلك وزير الداخلية الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة 2019-2020). ومع ذلك، فإن هذا التغيير الظاهري يخفي في طياته استمرارية ثابتة. بدلاً من اللجوء الحصري إلى الكفاءة وانسجام الفريق، جمعت الحكومة بطريقة المحاصصة عدد من مكونات الكويت المختلفة. لقد تم اختيار ممثلين عن المرأة والشيعة والمجموعات القبلية الرئيسية، جنبًا إلى جنب مع أفراد من الأسرة الحاكمة، وممثلي العائلات والمصالح التجارية، وأعضاء من مختلف الأعراق. ويلاحظ غياب ممثلي التيارات السياسية الكبرى عن هذا المزيج.
وما يُحسب للحكومة، فيما يتعلق بالوزراء من خارج الأسرة الحاكمة، هو انفتاحها أخيرًا على عنصر الشباب، ربما عن طريق الصدفة، بوجود أربعة وزراء في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من العمر. إن تضمين ثلاثة محامين (لوزارات الإعلام والعدل والشؤون الاجتماعية) قد يعد بحكومة قادرة على التعبير بوضوح عن سياساتها – وهي سمة ضرورية في مواجهة مجلس الأمة. تحولت الحكومة مرة أخرى إلى الجمع بين حقائب وزارية أكثر مواءمة، فقامت بربط التربية بالتعليم العالي، والنفط بالكهرباء، لكنها أوجدت دمج وزراي يثير التساؤل مثل ربط الأشغال بالشباب، والإسكان بالشؤون الاجتماعية.
جلب بعض الوزراء الجدد معهم خبرات مهنية متنوعة، سواء في إدارة الجمارك، في حالة وزير العدل، أو إدارة الحقائب الاستثمارية، كما هو الحال مع وزيري المالية والتجارة. وكان آخرون قد عملوا سابقًا في المجلس البلدي أو أداروا حملة انتخابية برلمانية. ومع ذلك، فإن هذه الاختيارات جاءت كجزء من تسوية بين تعيينات سياسية وتكنوقراطية. فالحكومة الفاعلة أكبر من أن ينظر لها من زاوية كفاءة بعض أفرادها فقط. الأهم هو كيف سيتمكنون من العمل كفريق واحد في خضم هذا التنوع في الخلفيات والتجارب؟ ما نراه هو أن تشكيلة الوزراء لم تراعِ الكيفية التي يمكنهم من خلالها أن يتعاونوا ويكملوا بعضهم البعض فيما يتعلق بأنماط العمل وأهداف الحكومة. ولا تزال الوزارات نفسها منفصلة وتعمل إلى حد كبير كجزر منعزلة. يتم ذلك في ظل غياب قيادة مركزية قوية يفترض أن تقوم بتشبيك الوزرات وتنسيق الأعمال فيما بينها.
هناك عجز هيكلي يثقل كاهل المنظومة السياسية. فالولاءات الشخصية والروابط الاجتماعية ما تزال مهيمنة على الرغم من مرور ما يقارب ستين عامًا من الحكم الدستوري. وهناك نقص كبير في القدرات القيادية والمهارات. ولا يعزى ذلك لشُح الموارد، حيث المواهب المطلوبة موجودة في الكويت. فعندما يتعلق الأمر بالترشيح للمناصب القيادية، تلجأ المنظومة السياسية غالباً إلى إعادة إنتاج ذاتها دون تغيير حقيقي. وما يزيد الأمر تعقيدًا وجود العديد من المناصب القيادية الشاغرة في الدولة على الرغم من مرور 15 شهرًا على انتقال السلطة العليا في البلاد. تنخرط الحكومة ومجلس الأمة في متوالية اللوم واللوم المضاد التي تؤخر من أولويات المصلحة الوطنية في هذا المسار. فكلاهما ملامٌ في عدم تنفيذ حلول حقيقية للمآزق المتكررة. وبدلاً من ذلك، تحول “الحوار الوطني” إلى مجرد لقاءات نخبوية أسفرت عن خارطة طريق غامضة وإصلاح بطيء الخطى حتى الآن.
تعد مشاكل الكويت عميقة الجذور، إذ تتنوع هذه المشاكل بين أزمة مالية واعتماد على النفط بشكل مفرط، وسوء الخدمات الصحية والتعليمية، وأزمة سكنية وبنية تحتية دون المستوى الأمثل، وعلاقات اجتماعية متوترة وتصاعد في الكراهية للأجانب، وصدور أول حكم من نوعه بإدانة قضاة، والفساد المستشري، كل ذلك يشكل تحديات صعبة. وهذا يؤكد على صحة الشعور المتنامي بالنفور من الطبقة السياسية. استمرار الوضع كما هو عليه سيفضي إلى إبقاء البلاد في ركود دائم، ما لم تجرِ عملية اصلاحية شاملة.
في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لخوض جولة جديدة مع مجلس الأمة، يجب عليها العمل بطريقة مختلفة. يشار إلى أن العديد من الكويتيين، سواء أكانوا أعضاء في مجلس الأمة أم لا، قد أحجموا عن الانضمام للحكومة. ولكن وجود نموذج جديد من الحوكمة ونهج متجدد في تشكيل الحكومة من الممكن أن يجعل المناصب الوزارية أكثر جاذبية للكفاءات الموهوبة اللازمة لإحداث التغيير، وقد تؤتي هذه الأدوات ثمارها عند تشكيل الحكومة المقبلة. فبدلاً من وجود مجموعة من الأفراد الساعين وراء مصالح فردية، ومتضاربة أحيانًا، تحتاج الكويت إلى فريق تنفيذي متجانس يمكنه العمل بشكل جماعي لتحقيق التغيير الذي طال انتظاره، والاستعداد لمشهد خليجي تنافسي، وحقبة ما بعد النفط التي تلوح في الأفق القريب.