إذا كنت تعمل في مجال البناء وكان زبونك دولة خليجية، فتأكد أن تحصل على أجرك مسبقًا.
لقد أدى انهيار شركة دولية كبرى للبناء والمقاولات، لها العديد من المشاريع في دول الخليج العربية، إلى التسبب بالقلق في هذا القطاع من الصناعة. فقد فشلت شركة البناء البريطانية كاريليون، في تأمين التمويل لمواصلة عملياتها. وعلى غرار مجموعة بن لادن وشركة سعودي أوجيه، أثبتت كاريليون أن بناء المشاريع الكبرى في الخليج -مهما كان مجزيًا ومركزًا على خطط التنمية التي تتولاها الدولة- مليء بالعثرات.
وواجهت كاريليون صعوبات في تسليم عقودها مع دائرة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، كما واجهت أيضًا مشاكل في تحصيل الفواتير غير المدفوعة من عملاء الحكومة في دول الخليج. لقد كانت شركة عملاقة مترامية الأطراف في مجال البناء والبنية التحتية (بما في ذلك توزيع الطاقة)، وتقديم الخدمات في مجال الرعاية الصحية، وإدارة المرافق في المملكة المتحدة وكندا، وجميع أنحاء الشرق الأوسط. في أواخر صيف عام 2017، سعت كاريليون للخروج من سلسلة من المشاريع المشتركة في الخليج. كانت شراكاتها الإقليمية تشمل: الفطيم كاريليون في الإمارات العربية المتحدة، كاريليون السعودية، كاريليون قطر LLC، وكاريليون علوي في عُمان.
قبل إفلاسها والتصفية القسرية كشركة عامة مسجلة في المملكة المتحدة في 15 يناير/ كانون الثاني، كانت الشركة تستخدم أكثر من 43،000 عامل في جميع أنحاء العالم. وتفيد التقارير بأن فشل جهود كاريليون في استرداد أكثر من 276 مليون دولار من الفواتير غير المدفوعة من مشاريع البناء لكأس العالم في قطر قد يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل. فشهور من السعي لتحصيل المستحقات واستخدام الإدارة السابقة للشركة من الواضح أنه كان لغرض دعوة حكومات الخليج إلى الوفاء بالمبالغ الموعودة، وكل ذلك لم ينقذ الشركة. وعلى حد تعبير المدير التنفيذي السابق، ريتشارد هوسون، فإنه “كان يشعر وكأنه مأمور، كل مهمته جمع النقود”.
ومع ذلك، فإن صعوبات تحصيل الفواتير في قطر تشير إلى قضية أكبر في الإنفاق الدوري المعتمد على النفط وممارسات التعاقد الدارجة في دول الخليج. كثيرًا ما تدفع الفواتير في وقت متأخر، وغالبًا ما تحاول الحكومات التفاوض مجددًا بشأن شروط العقود (وحتى التصاميم والمواد) بعد الانتهاء من العمل. وهذا جزئيًّا هو فن التفاوض في مجال الأعمال الخليجية، ولكنه أيضًا ممارسة تؤدي إلى اضطراب كبير للاقتصادات المحلية. وزد على ذلك، فإن الصعوبات في قطاع البناء تشير إلى تحديات في جهود التنويع الحكومية في جميع أنحاء دول الخليج لتنمية القطاع الخاص وتشجيع المنافسة بين الشركات، بما في ذلك الشركات المملوكة للأجانب في مجال الهندسة والبناء.
لقد أدى التباطؤ في النشاط الاقتصادي، وخاصة في التعاقد الحكومي منذ عام 2015، إلى وجود خط موحد في مشاريع جديدة، ما أضعف العديد من المقاولين في المنطقة.
في الواقع، ونظرًا لأن عائدات النفط لا تزال تشكل القوة الدافعة للإنفاق الحكومي، فإن ثقل الإنفاق المتدني ما زال يتردد صداه في اقتصادات الخليج. وفي عام 2016، انخفضت عائدات المشاريع، الممولة من الحكومة والقطاع الخاص، بنسبة 32 في المئة عن العام السابق، كما انخفضت أكثر بنسبة 8 في المئة في عام 2017، وفقًا لما ذكرته شركة ميد (MEED). وبلغت قيمة العقود التي أبرمها مجلس التعاون الخليجي في عام 2017 ما مجموعه 108 مليارات دولار، وبنسبة تصل إلى 40 في المئة من المنح تركزت في مجال البناء، ويليه النقل والطاقة والنفط والغاز.
تقوم الدولة إلى حد كبير بتنفيذ وتمويل هذه المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية والعقارية، وهي الدعامة الأساسية للنشاط الاقتصادي الخليجي ونماذج التنمية على مدى العقدين الماضيين. إن الوضع الطبيعي الجديد، كما هو موضح في تقرير صدر مؤخرًا عن شركة ميد MEED وبنك المشرق حول الصناعة، هو “عدم وجود فرص لمشاريع جديدة، ما أدى إلى تقليص السيولة النقدية في مجال البناء، وبالتالي زاد من أثره المدمر عن ذي قبل بسبب المشكلة المتأصلة والمتمثلة في تأخير دفعات المقاولين والموردين وتأجيلها”.
ونظرًا لكون الكثير من النشاط الاقتصادي في دول الخليج يعتمد على الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والمقاولات، فإن التأخير في المدفوعات في هذه المشاريع الكبيرة يصل إلى الموردين المحليين والآلاف من العمال الأجانب الذين يعتمدون على الأجور لإرسال التحويلات إلى أوطانهم. ووفقًا لبحث أجرته MEED و HSBC، فإن الإنفاق الاستثماري الرأسمالي في دول مجلس التعاون الخليجي ما زال يعاني من الركود (باستثناء بعض التحفيز مؤخرًا من قبل المملكة العربية السعودية). وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، هناك أيضًا القليل من التوسع في الائتمان للقطاع الخاص منذ عام 2015.
لقد أصبح تأثير ذلك على المقاولين قاسيًا. فمع القليل من فرص العمل الجديدة ونقص التمويل، عانى معظم القطاع من الشُح. أما الشركات التي نجت فقد خضعت لعمليات إعادة الهيكلة الصعبة من أجل الصمود في وجه التراجع في نشاط قطاع البناء. ولما كانت هذه الشركات تواجه مشاكل في السيولة النقدية، فقد كان هناك اهتمام قوي من الحكومات بالاستيلاء على الأصول وتأميم عملياتها. وعلاوة على ذلك، فإن ظهور دوافع سياسية لتقليص دور كبار اللاعبين في قطاع المقاولات، لا سيما في السوق السعودية، قد أضعف المنافسة وتراكمت آثاره في أسواق العمل، ما ترك آلاف العمال دون أجر لتنقطع بهم السبل.
في المملكة العربية السعودية، تشير عملية استيلاء الدولة على أصول كل من مجموعة بن لادن وسعودي أوجيه إلى حالة الاندماج التي تطال هذا القطاع، وهو ما يعود بالفائدة على التطورات المخطط لها في المستقبل، كما هو الحال في نيوم. ويتم الآن منح العقود الأولى للبدء ببناء نيوم، بما في ذلك القصور الجديدة للأسرة المالكة. وقد حصلت مجموعة بن لادن (وملكيتها الجديدة للدولة) على أحد عقود القصور هذه. ومن المتوقع أن تجتذب نيوم استثمارات عامة وخاصة قد تصل إلى 500 مليار دولار.
وإذا أصبحت الحكومة السعودية، من خلال صندوق الاستثمار العام (أو ربما من خلال الشركات الجديدة المرتبطة بالقيادة السعودية) المالك الرئيسي لكل من عمالقة البناء ومزودي الخدمات، فإنها ستتعامل بشكل أساسي مع عقودها الذاتية في التطورات الكبيرة الجديدة. في الحقيقة، إن النمو المتوقع في العائدات المتعلقة بالبناء في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات المقبلة محصور إلى حد كبير في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ووفقًا لما ذكرته MEED، هناك مخطط لعقود لمشروع قريب بـ 2 تريليون دولار أميركي، ولكن لم يطرح حتى الآن، في دول مجلس التعاون الخليجي ابتداء من عام 2018. منها 1.2 تريليون دولار في المملكة العربية السعودية وأكثر من 700 مليار دولار في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعضها مرتبط بمشروع معرض 2020 في دبي.
وكما يوثق مشروع محور البناء ميد-مشرق، فإن قطاع البناء هو أمر ضروري للاستقرار الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. فله أكبر حصة من العمالة في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2016، بلغ عدد موظفي البناء 1.2 مليون شخص، أي حوالي 20 في المئة من القوى العاملة. ومن الملاحظ أن الرواتب في مجال البناء منخفضة وتذهب إلى المهاجرين الأجانب ذوي المهارات المتدنية، ومع ذلك فهي لا تزال تمثل حوالي 13.6 مليار دولار سنويًّا، أو 12 في المئة من الإجمالي الوطني في الإمارات العربية المتحدة. أما سوق البناء السعودي فهو أكبر بكثير، حيث هنالك حوالي 144 مليار دولار مشاريع بناء ونقل قيد التنفيذ. ومع ذلك ومن حيث نصيب الفرد، فإن قطر هي السوق الأكبر في الإنفاق على البناء، حيث تبلغ تكاليف مشاريع البناء والنقل حوالي 32 ألف دولار لكل شخص في الإمارة. وعلى سبيل المقارنة، يبلغ نصيب الفرد من الإنفاق على البناء في إيران نحو 320 دولارًا. وتأتي أعمال البناء والمقاولات الأوسع نطاقًا في المرتبة الثانية بعد إنتاج النفط والغاز في تحديد صحة اقتصادات الخليج. ونكرر مرة أخرى، أن الحد من المنافسة والتدخلات الحكومية يعملان على إضعاف قطاع البناء – إما بالطرق السياسية أو بسبب عدم الوفاء بالتزامات الدفع في الوقت المناسب.
إن أهمية التمويل المضمون خارجيًّا، سواء من خلال مصارف الاستيراد والتصدير أم بتمويل من طرف ثالث في الشراكات بين القطاعين العام والخاص، أمر حيوي. فضمان استقرار شركات القطاع الخاص ومساعدتها على تثليث اعتمادها على التعاقدات الحكومية والسيولة النقدية والوصول إلى أسواق رأس المال لن يؤدي فقط إلى خلق قطاع أكثر كفاءة وشفافية، بل سيساعد أيضًا على الحد من التقلبات في أسواق العمل، ولا سيما العمال ذوي الأجر المتدني وغير المحصنين. وعلى النقيض من ذلك، فإن تركيز ملكية شركات قطاع البناء في يد الحكومات سيؤدي إلى مزيد من التأخر في مواعيد السداد، وتشجيع ممارسات المُناقصين المتنفذين، و”الرشوة” التي كانت جزءًا من الممارسات التجارية والفساد الراسخة في المنطقة. بالنسبة لشركة كاريليون، فقد فات الأوان؛ ولكن بالنسبة للشركات الخاصة في الخليج والوافدين الجدد كمستثمرين ومالكين أجانب، فإن الفرصة متاحة للراغبين في المجازفة، مع توخي الحذر في تمويل مشاريعهم.