كون المملكة العربية السعودية تتمتع بغزارة في إنتاج المحتوى الإلكتروني واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فليس من المستغرب أن يواكب السعوديون التوجه العالمي نحو إنتاج البودكاست.
تتمتع المملكة العربية السعودية بغزارة في إنتاج المحتوى الإلكتروني واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. يشتهر السعوديون بالدرجة الأولى بإنتاج مقاطع اليوتيوب منذ أوائل الألفية الثالثة، والتي حازت على ملايين المشاهدات. واستمر نمو المشاركة السعودية على الإنترنت دون تباطؤ حيث شهدت المملكة أكبر زيادة سنوية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العالم في العام 2017. عليه فليس من المستغرب أن يواكب السعوديون التوجه العالمي نحو إنتاج البودكاست. وفي حين أن البودكاست غير شائع بعد في المملكة كما هو الحال مع المحتوى البصري، إلا أن شعبيته المتنامية لا يمكن إنكارها.
بداية البودكاست السعودي
وفقاً لعبد الرحمن العمران، المؤسس المشارك للمنصة الافتراضية بودكاست بالعربي، فقد بدأ إنتاج البودكاست في المملكة عام 2008. “لقد كنت أستمع إلى البودكاست السعودي منذ ذلك الحين. توقف إنتاج معظم تلك البرامج لكن بعضها لا يزال قيد الإنتاج، مثل بودكاست “سعودي گيمر” و “كشكول“، وهي من أقدم البرامج في السعودية”. يركز كلا البرنامجين على صناعة ألعاب الفيديو. وفقاً لنواف النغموش، كاتب محتوى ومقدم بودكاست “سعودي گيمر”، فإن بداية هذا البودكاست كانت قبل 10 سنوات بواسطة مشهور الدبيان وجميل عبدالأحد. كان لدى الإثنان شغف بالألعاب الإلكترونية وكانا يكتبان عنها في منتديات الإنترنت. يقول نواف: “في ذلك الوقت، كان عدد قليل من الأشخاص يهتمون بهذا النوع من المحتوى”. قرر الإثنان إنشاء موقع إلكتروني عربي وقناة يوتيوب وبودكاست متخصص في ألعاب الفيديو وكل ما يتعلق بصناعتها. “لدينا فريق عمل من مدن سعودية عدّة. ونستضيف مقابلات مطوري ألعاب الفيديو لعرض جوانب تطوير اللعبة لجمهورنا” يضيف نواف.
خالد العريفي هو مؤسس مشارك لبودكاست “Shuffle Cast“. يناقش البرنامج مواضيع lifestyle، “خاصة البرامج التلفزيونية والأفلام ومواضيع التقنية وألعاب الفيديو” ، بحسب خالد. “لقد كنت أستمع إلى برامج البودكاست الإنگليزية منذ عام 2005 أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية. كان بعض هذه البرامج متخصصًا في تعليم اللغة الإنگليزية. اعتدت على الاستماع إليهم أثناء ركوب الحافلة أو القطار لتطوير لغتي الانگليزية”. بدأ خالد برنامجه في عام 2014. “أعتقد أن عودة العديد من السعوديين من الدراسة في الخارج في السنوات الماضية خلقت أعداداً متزايدة من الشباب السعودي على دراية بثقافة البودكاست واعتباره مصدراً للمعلومة والترفيه معاً”.
مع مرور الوقت، ازداد عدد مُصنّعي البودكاست السعوديون بشكل تدريجي. يقول عبدالرحمن العمران: “برأيي، البداية الفعلية للبودكاست السعودي هي مابين عام 2015 و 2016. تم تأسيس العديد من البرامج السعودية في ذلك الوقت”. شجعت هذه الزيادة في عدد البرامج العديد من السعوديين على الانضمام للركب. بدأ عبدالله الراشد وعبد العزيز المعيقل وشخصان آخران بودكاست “الكورة معنا” في عام 2015. “في ذلك الوقت كان هناك العديد من برامج البودكاست السعودي ، ولكن لم يكن أياً منها متخصصاً في كرة القدم، وهي رياضة ذات شعبية كبيرة في المملكة. لذلك قررنا أن ننتج بودكاستاً خاصاً بنا” يقول عبدالله. “كلانا محب لهذه الرياضة لذا كان من السهل علينا إنشاء محتوى عن بطولات كرة القدم المحلية والدولية. كما نناقش الجوانب الاقتصادية والتسويقية لهذه الرياضة“.
جود الدجاني، المؤسس والمدير التنفيذي لبودكاست وشبكة هروج المصارعة HMWP، بدأ بإنشاء برنامجه في أواخر عام 2015 بعد عودته من الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية. كان من محبّي رياضة المصارعة وهي أيضًا رياضة ذات شعبية في المملكة. حضر جود في تلك السنة في شهر أكتوبر مباراة حية لاتحاد المصارعة العالمية للترفيه WWE في جدة. “خلال العرض، شاهدت الإثارة والاهتمام لدى العديد من الناس ولاحظت غياب البرامج التي تناقش هذه الرياضة وأخبارها، لذلك قررت إنشاء بودكاست للتحدث عنها”.
بدأ عبد الرحمن أبومالح، مؤسس شركة ثمانية للإنتاج في الرياض، بإنتاج البودكاست في 2015 من خلال تسجيل محادثاته مع أصدقائه حول مواضيع متفرقة عبر برنامج سكايب. يقول عبدالرحمن: “كنا نتحدث سويةً”. في وقت لاحق قرر إنتاج محتوى دوريّ وأكثر جدية، فأنشأ بوكاست “فنجان”. البرنامج حواري أسبوعي يستضيف فيه عبدالرحمن ضيفاً واحداً أو ضيفةً واحدةً من المملكة في كل حلقة للحديث عن قصصهم وتجاربهم. يتابع بودكاست “فنجان” العديد من المستمعين من دول عربية مختلفة. “بعد أن أكملنا الحلقة المئة، قررت استضافة أشخاص من بقية الدول العربية لتقديم تجارب مختلفة إلى جمهور الخليج آخذاً في الاعتبار الاهتمامات والأحلام المشتركة بين جميع العرب”.
قام عمّار الصبان، وهو محرك دُمى سعودي ومدير المحتوى الإبداعي لبرنامج “افتح يا سمسم” التلفزيوني (النسخة العربية الشرق أوسطية من “شارع سمسم”)، بإنشاء بودكاست “مستدفر” في عام 2015 مع صديقه رامي طيبة. واقترح رامي تسمية البرنامج تيمناً بالبودكاست الأمريكي الشهير “The Nerdist“. و“مستدفر” هي الترجمة المحلية العامية لكلمة “Nerdesters”. ويقدم الإثنان برنامجهم الحواري من جدة متحدثين باللهجة المحلية و الإنگليزية. “جمهورنا عربي ولذلك كنا نريد التحدث باللغة العربية فقط، ولكن في نفس الوقت نريد أن يكون برنامجنا عفويًا. أنا ورامي نشأنا على التحدث بكلتا اللغتين في حياتنا اليومية، ولذلك قررنا أن نبقى على سجيتنا وأن نستضيف البرنامج متحدثين بكلتا اللغتين”، يقول عمّار.
شهد الطخيم ونورة الشبيلي صديقتا دراسة منذ سنوات المدرسة ومهتمتان بمجال علم النفس. درستا إدارة الأعمال وقررتا تأسيس بودكاست “غيمة” أواخر عام 2017 في الرياض لمناقشة القضايا المتعلقة بعلم النفس. حالياً شهد مدربة وعي عاطفي، تقدم استشارات لفهم الذات والتعامل مع المؤثرات النفسية، ونورة تدرس دورة في التأمل الذهني. “يهدف برنامجنا إلى إنتاج محتوى بسيط عن علم النفس يمكن لأي شخص فهمه”، كما تقول شهد.
في عام 2018، زاد عدد برامج البودكاست المنتَجة في المملكة العربية السعودية بشكل كبير ووصل إلى المئات من البرامج، وهو الإنتاج الأعلى في منطقة الخليج. يقول عبد الرحمن العمران: “نتلقى رسائل من حوالي 10 إلى 15 من مصنعي المحتوى السعوديين الجُدد كل أسبوع، يسألون إما عن استشارات لتحسين الإنتاج أو للإعلان عن برامجهم على منصتنا الافتراضية وصفحتنا على تويتر”. على الرغم من عدم وجود أرقام رسمية، إلا أن عبدالرحمن يعتقد أن هذه الزيادة قد انعكست على انتشار ثقافة البودكاست في المملكة، استناداً إلى ملاحظاته عن مجتمعه المحيط في الرياض. “قبل عامين، كان علي دائماً أن أشرح للناس ما هو البودكاست. لكن في العام الماضي، كان الكثيرون، ولا سيما الشباب، يستمعون إلى البودكاست، بل وكانت لديهم قوائم برامج مفضلة”. ويلفت عمّار الصبان إلى أن عدد مستمعي برنامج “مستدفر” قد تضاعف لثلاثة مرات في عام 2018. ويقول: “هذه هي مرحلة اكتشاف عالم البودكاست للكثيرين”.
تجاوُز الوسيط
ساعدت شعبية اليوتيوب في المملكة العربية السعودية بعض مُصنعي محتوى البودكاست على التغلب على محدودية المحتوى الصوتي والوصول إلى جمهور أكبر. يقول عبد العزيز المعيقل: “قد لا تكون فكرة متابعة برنامج صوتي عن كرة القدم مُشجِعة للبعض. لذلك، قررنا إنشاء قناة على موقع يوتيوب لتقديم محتوى أكثر شمولاً يدعم البودكاست الخاص بنا”. خلال بطولة كأس العالم 2018، قام فريق بودكاست “الكورة معنا” برفع مقاطع فيديو على اليوتيوب عن زيارتهم إلى روسيا وحضورهم مباريات كرة القدم، وهو محتوى قد يكون أقل جاذبية بالصيغة الصوتية.
ووفقاً لسلطان الحربي، المسؤول التنفيذي لبودكاست وشبكة هروج المصارعة HMWP: “معظم جمهور برنامجنا في البودكاست هم أكبر من 18 عامًا، ولديهم خبرة واسعة في رياضة المصارعة. في المقابل، فإن جمهورنا على قناتنا على اليوتيوب في الغالب من فئة المراهقين. وبالتالي، ننتج على اليوتيوب أفلاماً وثائقيةً قصيرة لتعريف الجمهور الشاب بتاريخ وإرث المصارعة”.
مثل هذا التنوع في تقديم المحتوى يزيد من وصول البودكاست السعودي إلى قاعدة جماهيرية أوسع. في أبريل 2018، وقّعت الهيئة العامة للرياضة في المملكة العربية السعودية شراكة مع مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية WWE لاستضافة منافسات المصارعة الحرة The Greatest Royal Rumble في المملكة لمدة عشر سنوات. كما أعلنت the Greatest Royal Rumble جود الدجاني وسلطان الحربي كأول معلقين عربيين على مباريات WWE. يقول جود: “تعرفت المؤسسة علينا من خلال واحدة من حلقاتنا على قناة يوتيوب حيث كنا نعلق على لعبة فيديو للمصارعة. وكانت مؤسسة WWE تبحث عن أصوات سعودية للتعليق على المباريات الحية التي ستقام في المملكة”. مكنتهم هذه الفرصة من تقريب الجمهور من المصارعين المحترفين عن طريق إجراء مقابلات مع عدد من مشاهير المصارعين مثل Triple H، المصارع المحترف ونائب الرئيس التنفيذي في WWE.
يعزو بعض صُنّاع محتوى البودكاست الزيادة في الإنتاج السعودي إلى غياب البنية التحتية للترفيه في المملكة. حيث يبحث العديد من الشباب عن بدائل ترفيهية من خلال إنتاج محتوى صوتي مع أصدقائهم لمناقشة هواياتهم واهتماماتهم. ومن ثم، فقد انعكس النمو الأخير في مجال الترفيه في المملكة على إنتاج البودكاست السعودي. بدأ فوزي محسون بودكاست “House Zofi” في عام 2015 في جدة. وقد شارك فريقه في معرض Comic Con الذي نظمته الهيئة العامة للترفيه في السعودية في العامين الماضيين. “لقد كانت فرصة لنا للتحدث مع زوار الحدث. كان معظمهم يرغب في معرفة المزيد عن أصل نشأة الشخصيات الهزلية والقصص الأسطورية والثقافات الشعبية. بعد مشاركتنا الأولى، تمكنا من تحديد نطاق بودكاست “House Zofi” بشكل واضح”، يقول فوزي. ويناقش برنامجه الثقافة الشعبية الخيالية والأفلام والقصص وألعاب الفيديو المستوحاة عنها. “هدفنا هو تطوير مرجع في الثقافة الشعبية من خلال برنامجنا. نستضيف ضيفًا بين حلقة وأخرى ليشاركنا نقاشاتنا”.
ينتج كل من “House Zofi” و “فنجان” مايسمى بالفودكاست، يتم فيها تصوير مقاطع فيديو أثناء تسجيل البودكاست. اليوم، تُعرّف ثمانية نفسها على أنها مشروع لصحافة استقصائية جديدة تنتج محتوى مكتوبًا ومرئيًا وسمعيًا. كما أنشأ مستدفر أول شبكة بودكاست عربية ومنذ ذلك الحين قام العديد من برامج البودكاست الأخرى بإنشاء شبكات بودكاست مثل سعودي گيمر و هروج المصارعة HMWP بالإضافة إلى مايكس، وهي شركة إنتاج بودكاست سعودية.
مستقبل غامض
نمى إنتاج البودكاست السعودي إلى الحد الذي بدأت معه عدد من المؤسسات العامة في إنتاج برامجها الخاصة مثل بودكاست “إثراء”، التابع لمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي المدعوم من أرامكو السعودية، وبودكاست “غذاء ودواء” الذي تنتجه الهيئة العامة للغذاء والدواء. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان هذا النمو سيؤدي إلى تنظيم أكبر لهذا للوسيط في المملكة. يعتقد بعض صُنّاع المحتوى أن مثل هذا التوسع في الإنتاج سيساعد على تطوير إنتاج الهواة وجعله أكثر احترافية واستمرارية. ترى نورة الشبيلي أنه على المؤسسات الرسمية في المملكة أن تدعم برامج البودكاست التي تنتِج محتوى مرتبط بعملها. وتقول: “هذا سيزيد من انتشار ثقافة البودكاست”. بدأ سعود البديّع، وهو طالب بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بإنتاج بودكاست “الجبل” في عام 2016، وهو برنامج حواري يستضيف طلاب وأساتذة الجامعات. “اشتريت ميكروفوناً وبدأت في إنتاج البرنامج. في وقت لاحق، طلبت من إدارة الجامعة أن تُموّل البودكاست وقد فعلت. كما وفّرت الإدارة لي غرفة تسجيل لإنتاج البودكاست الخاص بي”.
من ناحية أخرى، قد يؤدي هذا الانتشار إلى تحويل البودكاست السعودي إلى وسيط تجاري ومنظّم مما قد ينزع عن التدوين الصوتي استقلاليته وتلقائيته تماماً مثلما حدث مع إنتاج اليوتيوب في المملكة. وفقا لعمّار الصبان: “نحن لا نتعامل مع البودكاست كاستثمار، وإنما نمارسه كشغف. استقلال المحتوى يُعدّ أولوية بالنسبة لنا. وعلى الرغم من أننا لسنا متفرغين لإنتاج المحتوى وأننا مازلنا نعتمد إلى حدٍ كبير على تمويل برنامجنا من مالنا الخاص، فقد تمكّنا من مواصلة إنتاج حلقات بشكلٍ أسبوعي. بإمكاني أن أقول أننا وصلنا إلى الاحترافية في الإنتاج”.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.