ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
منذ استيلاء طالبان السريع على العاصمة الأفغانية كابول والمراكز الحضرية الرئيسية قبل أكثر من عام، تعاملت دول الخليج مع التطورات في أفغانستان بحذر، لكنها أبقت قنوات الاتصال مفتوحة مع نظام طالبان، مع مراعاة الحقائق الجيوسياسية الإقليمية.
بعد موافقة قطر، بناءً على طلب الحكومة الأمريكية، على استضافة مكتب تمثيل لطالبان في الدوحة، وأصبحت بالتالي مرتكزًا للانخراط، وفيما بعد للمفاوضات، بين طالبان والولايات المتحدة، أصبح من المرجح أن يكون لقطر النفوذ الأكبر من بين الدول الخليجة مع الحكام الجدد في كابول. وقد دلت التطورات التي حدثت بعد سقوط كابول بالفعل على هذا التوجه، حيث كان للمحاورين القطريين دور فعال في إجلاء ما يزيد على 43,000 شخص من أفغانستان، إلى جانب التنسيق مع طالبان، والإبقاء على مطار كابول مفتوحًا. شاركت الإمارات والسعودية فعليًا في عمليات الجسر الجوي، مع أنه لم يكن لديهما قنوات الاتصال الموثوقة نفسها مع طالبان. لم يكن تحرك أبوظبي بمنح اللجوء الإنساني للرئيس الأفغاني المنشق أشرف غني بمثابة تحرك معادي تجاه طالبان. كما كانت الرياض حذرة في التعامل مع الحكومة الجديدة، وشددت، إلى جانب حليفتها الإقليمية الرئيسية باكستان، على ضرورة وجود حكومة شاملة في البلاد، والحفاظ على حقوق المرأة.
على الرغم من هذه التطورات، لم تتمكن قطر من ترسيخ روابطها السياسية، التي نشأت على مر السنين، مع مختلف قادة طالبان على أكمل وجه. ويعزى ذلك جزئيًا إلى أن نظام طالبان الحالي يعمل على تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف الإقليمية المعنية في مقابل بعضها البعض (باكستان والهند مثال آخر) لتحقيق أفضل الصفقات لنفسه. تأتي هذه السياسة جنبًا إلى جنب مع بند رئيسي آخر اعتمدته حكومة طالبان على جدول أعمالها، ألا وهو حماية “سيادة أفغانستان”. لعب كلا العاملين دور فعال خلال المفاوضات بين طالبان والعديد من الأطراف المعنية في المنطقة لإدارة المطارات في أفغانستان.
اعتبر المجتمع الدولي أن التشغيل السلس لمطارات أفغانستان العديدة أمر حيوي لضمان وجود جسر دولي فعال للمعونات الإنسانية إلى أفغانستان. أجرت حكومة طالبان في بداية الأمر محادثات مع تركيا لتشغيل مطار كابول. وفي وقت لاحق، انضمت قطر أيضًا إلى تركيا في هذه المفاوضات. ومع ذلك، استمر الجمود بين الجانبين. كانت نقطة الخلاف الرئيسية هي الإصرار التركي على إنشاء مناطق أمنية خاصة تدار فقط من قبل المتعاقدين العسكريين الأتراك، حيث يكون من الممكن منع دخول المسؤولين الأفغان. من الواضح أن طالبان كانت تتصور أن هذا من شأنه أن يضر بسيادة أفغانستان. وكان العرض الآخر المطروح على الطاولة من شركة GAAC Solutions التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، والتي حصلت على عقد بقيمة 47 مليون دولار في عام 2020 من قبل الحكومة الأفغانية لإدارة مطارات البلاد. بالنسبة لطالبان، كان إبرام صفقة مع هذه الشركة في أبوظبي أمرًا فعالاً سياسيًا من حيث التكلفة على الصعيد الداخلي، حيث إنه كان تراعي مخاوف طالبان بشأن السيادة، ووازنت هذه الصفقة كذلك بين أصحاب المصلحة المعنيين في المنطقة، وحسّنت علاقات نظام طالبان مع الإمارات.
لقد ألحق هذا العقد الخاص بالمطار، إلى جانب تحرك طالبان لمنع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات خلافًا لنصائح المحاورين القطريين، ضررًا كبيرًا بالعلاقة بين طالبان وقطر. يبدو أن السلطات القطرية أصبحت تنظر بقليل من الأهمية لمواكبة الانخراط مع طالبان نظرًا للتغيرات في النفوذ داخل الحركة. يبدو أن مجلس شورى طالبان المتشدد فكريًا، برئاسة زعيمهم الروحي الملا هيبة الله أخوند زاده، يفرض نفسه على العناصر الأكثر براجماتية في الجماعة، ولا سيما أولئك الذين شاركوا في مفاوضات الدوحة، والذين من خلالهم نالت قطر نفوذًا لها على مر السنين. ونظرًا لأن جماعة الدوحة هؤلاء غير قادرين حاليًا على الاعتراض على توجيهات الملا هيبة الله، الذي يتخذ من قندهار مقراً له، فإن رأس المال السياسي القطري آخذ في الانحسار.
ساهم هذا التراجع في العلاقات بين طالبان وقطر بشكل غير مباشر في زيادة المشاركة بين طالبان والإمارات، ما يشير إلى أن الإمارات قد تصبح المحاور الإقليمي الجديد مع طالبان. وهذا ما أشارت إليه الزيارة الرسمية الأولى للقائم بأعمال وزير الدفاع لدى طالبان، الملا يعقوب (وهو أيضًا نجل المرشد الأعلى السابق لطالبان الملا عمر)، وأنس حقاني (الأخ الأصغر لوزير داخلية طالبان سراج الدين حقاني) إلى أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2022.
تحمل زيارة هذا الوفد الأفغاني رفيع المستوى معاني رمزية كبيرة، حيث كان الملا عمر في وقت من الأوقات من أكثر الرجال الملاحقين في العالم، ولا يزال هنالك مكافأة من الحكومة الأمريكية على رأس سراج الدين حقاني. كانت الإمارات في الماضي تدعم الجمهورية الأفغانية بشكل قوي، وكانت تنشر قواتها في أفغانستان لتدريب القوات الأفغانية بشكل أساسي. لكن الإمارات وجدت نفسها مباشرة في مرمى حركة طالبان عندما لقي سفير أبوظبي في أفغانستان حتفه متأثرًا بجروح أصيب بها في هجوم نُسب لطالبان في عام 2017، وأسفر أيضًا عن مقتل خمسة دبلوماسيين إماراتيين آخرين. أثار الهجوم استنكارًا شديدًا من الحكومة الإماراتية، على الرغم من أن طالبان لم تعلن على الملأ مسؤوليتها عن التفجير. ومع ذلك، واصلت الإمارات بشكل جزئي مشاركتها مع مختلف الأطراف المعنية، واستضافت جولة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة، وذلك بسبب سياستها الخارجية البراجماتية، وفي محاولة منها أيضًا للاحتفاظ بمكانتها السياسية تجاه الصراع الأفغاني. ومع سيطرة طالبان على البلاد، أعربت البيانات الأولية للسلطات الإماراتية عن حسن نيتها تجاه حكام البلاد الجدد.
لذلك، لا ينبغي اعتبار انخراط الإمارات الحالي مع طالبان أمرًا غريبًا. يبدو أن الإمارات ترغب في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع طالبان وتنمية نفوذها خاصة مع أعضاء الحركة الشباب والصاعدين الذين اتخذوا نبرة أكثر اعتدالًا بشأن القضايا الاجتماعية من أقرانهم الأكبر سنًا والأكثر تشددًا. نظرًا لأن الملا يعقوب وفصيل حقاني داخل طالبان مسؤولان إلى حد كبير عن الأمن في البلد الذي مزقته الحرب، فإن المشاركة الخارجية معهم تعكس الحسابات القائمة على المصالح الإماراتية. من وجهة نظر طالبان، فإن بناء الثقة مع السلطات الإماراتية سيمهد الطريق بشكل أكبر للتعامل مع طالبان ليس فقط على أنها أمر واقع، بل كحكام شرعيين للبلاد، لأن الاعتراف السياسي في نهاية المطاف يبقى هو الهدف الأسمى لهذا النظام الحاكم. بالإضافة إلى ذلك، يمكنها إقناع المغتربين ورجال الأعمال الأفغان المقيمين في الإمارات بالعودة والاستثمار في أفغانستان. يعيش في الإمارات ما يقدر بنحو 150,000 مواطن أفغاني، وقد استثمر أكثر من 500 رجل أعمال أفغاني ما مجموعه 4 مليارات دولار في الإمارات. يبدو أن إغراء بعض هؤلاء الأثرياء الأفغان بالعودة للاستثمار في أفغانستان هو الهدف الرئيسي من الزيارة والاجتماعات التي عقدها الملا يعقوب وأنس حقاني مع المغتربين الأفغان.
يبدو أن براجماتية الطرفين الإماراتي وطالبان هي التي تدفع نحو المشاركة بين الجانبين، ولكن هناك أيضًا استعداد لدى الإماراتيين لجس نبض مختلف المسؤولين في الحركة، مع الاستفادة من القيمة الاقتصادية للمغتربين الأفغان المقيمين في الإمارات. تدرك السلطات الإماراتية بالفعل أن هذا النفوذ يعد أمرًا فريدًا بالنسبة لها، وربما لم يعد نظراؤها القطريون يشاركونها فيه، وهذا ما يجعل الإماراتيين يحافظون بشكل خاص على التواصل السياسي مع أي حاكم في أفغانستان.