ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
رسمت مصادر مطلعة على الاتصالات الأمريكية مع الأطراف المتنازعة في الخليج صورة قاتمة لاحتمالات التوصل إلى حل تفاوضي قريب، ورأت أن الأزمة بين قطر من جهة والسعودية ودولة الإمارات المتحدة ومصر والبحرين من جهة أخرى مرشحة للتفاقم أكثر في الأسابيع والأشهر المقبلة، لأنه على الرغم من الدعم العلني للوساطة الكويتية، فإن مواقف الطرفين راسخة وعصية على الحل في غياب تحول جذري في مواقف أي من الطرفين وهو أمر غير متوقع في أي وقت قريب. هذا التصور المتشائم لمستقبل علاقات قطر مع الدول الأربعة، وتحديدا السعودية والإمارات وفقا لمصادر أمريكية وخليجية، سوف يدفع الطرفين للتشدد أكثر، وقد يؤدي في وقت لاحق إلى نهاية مجلس التعاون الخليجي كتحالف سياسي- استراتيجي، الأمر الذي سيفرض على دول الخليج العربية وإيران وتركيا والولايات المتحدة خيارات جديدة بعضها سيكون صعبا، وربما تكلفته غالية. هذا التصور المتشائم، عكسته تصريحات المسؤولين السعوديين والإماراتيين الذين شددوا على أن المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول الأربعة لقطر كأساس للحل “غير قابلة للتفاوض”، أو أن هذه الدول لا تمانع في انحدار العلاقات مع قطر إلى مستوى “الطلاق”، أو قول القطريين للأمريكيين أن المطالب “تعجيزية عن قصد” وأنها “تلغي سيادة قطر”.
وكانت واشنطن قد شهدت في الأيام الماضية نشاطات دبلوماسية شملت اجتماعات ثنائية بين وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون ووزير خارجية السعودية عادل الجبير الذي ناقش مطالب الدول الأربعة مع نظيره الأمريكي، كما التقى تيلرسون بوزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي سارع إلى تجديد موقف حكومته الرافض للمطالب/الشروط التي تقدمت بها الدول الأربعة والتي تعتبرها قطر غير عقلانية وغير قابلة للتطبيق. كما التقى تيلرسون للمرة الأولى في واشنطن بوزير خارجية الكويت الشيخ محمد عبدالله الصباح لمناقشة الوساطة الكويتية. وكان الوزير تيلرسون قد قال قبل أيام من اجتماعاته مع الوزراء الثلاثة أنه سوف يكون “من الصعب جدا” على قطر قبول بعض مطالب الدول الأربعة، وإن رأى أن هناك مطالب يمكن أن تصبح أرضية لحوار يمكن أن يؤدي إلى حل. وكررت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت تصريح تيلرسون في اليوم الذي اجتمع فيه بالوزيرين القطري والكويتي حين قالت :”سوف يكون من الصعب على قطر قبول بعض هذه المطالب أو الانصياع لها”.
مع نهاية الأسبوع، وبعد انتهاء محادثات تيلرسون مع الوزراء الخليجيين الثلاثة، قال لنا مصدر خليجي أنه لم يكن متوقعا لهذه اللقاءات “أن تؤدي إلى أي تقدم ملحوظ”.
القاعدة التي تحمي قطر
قد يشوب الموقف الأمريكي من الأزمة بعض الغموض والتناقض العلني حين حمّل الرئيس ترامب قطر مسؤولية تدهور العلاقات وحين دعاها علنا لوقف تمويلها للتنظيمات الإرهابية الذي يأتي “من أعلى المستويات”، بينما ركز الوزير تيلرسون على ضرورة تفعيل المفاوضات لحل الأزمة حيث أبدى بعض التفهم لموقف قطر، وإن لم يناقض الرئيس ترامب في موقفه النقدي المتعلق بتمويل قطر لتنظيمات إرهابية. ما هو واضح حتى الآن هو أن واشنطن لا تعتزم التوسط بين الطرفين، وأنها تريد دعم الوساطة الكويتية، وهذا ما كرره تيلرسون خلال اجتماعاته مع الوزراء الثلاثة. تيلرسون مستعد للمساعدة، ولكن على الدول المعنية أن تلتقي وأن تعالج الأزمة بنفسها، كما قالت الناطقة باسمه.
وهناك أكثر من سبب لتردد واشنطن بالتوسط المباشر، من أبرزها “الاجتهادات” المتباينة داخل الحكومة الأمريكية التي تربطها علاقات سياسية وعسكرية مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ويتعاطف الرئيس ترامب واثنان من مساعديه المدنيين في البيت الأبيض بوضوح مع الدول الأربعة. أما الوزير تيلرسون فيريد إبقاء الجسور مفتوحة مع الدوحة وفي الوقت ذاته مطالبتها بوقف تمويل الإرهابيين. بينما تربط وزير الدفاع جيمس ماتيس علاقات شخصية جيدة مع بعض قادة السعودية والإمارات، لا يريد للأزمة أن تؤثر بأي شكل من الأشكال على سير العمليات العسكرية التي تنطلق من قاعدة “العديد” الجوية في قطر، والتي يستخدمها أكثر من 11 ألف عسكري أمريكي في حربهم ضد الإرهاب الذي يمثله تنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، أو تنظيم القاعدة في اليمن والصومال. الأولوية التي تعطيها واشنطن لهزيمة وتدمير داعش في سوريا والعراق، وما يعنيه ذلك لأهمية قاعدة “العديد”، هو أمر تدركه – وتستغله – قطر إلى أقصى الحدود. وكانت قطر قد أنفقت أكثر من مليار دولار لتطوير قاعدة العديد التي تستخدمها الولايات المتحدة منذ أكثر من 15 سنة بمنشآتها المتطورة والحديثة ومدارجها التي تعتبر الأطول في منطقة الخليج. التسهيلات التي تتمتع بها القوات الأمريكية في العديد تشمل الحق بنشر أي طائرات حربية أمريكية، وحق التحليق من القاعدة لضرب أي هدف تختاره القوات الأمريكية في مسرح عمليات عسكرية يمتد من أفغانستان على المحيط الهندي إلى سوريا على البحر المتوسط.
خيار القطيعة
المسؤولون في السعودية ودولة الإمارات يقولون إنهم يريدون من قطر وقف تعاونها مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، وليس وقف العلاقات الاقتصادية والسياسية الطبيعية مع إيران. كما يريدون من الدوحة عدم توفير الملجأ والدعم لرموز وقادة حركات إسلامية مثل الإخوان المسلمين وجبهة النصرة، أو شخصيات إسلامية متشددة مثل الشيخ يوسف القرضاوي. ومع أن المطالب تشمل إغلاق قناة الجزيرة، التي منحت قطر نفوذا إعلاميا كبيرا في العالمين العربي والإسلامي خلال العقدين الماضيين، إلا أن المسؤولين يضيفون أنه إذا أوقفت الجزيرة بعض برامجها وغيّرت جذريا من لهجتها، عندها لن تبقى كما كانت عليه منذ إنشائها، وبالتالي يمكن التعايش معها. ولكن المشكلة بالنسبة لقطر، هي أنها إذا نفذت هذه المطالب على سبيل المثال، فإنها لن تبقى قطر التي يعرفها العالم منذ أكثر من 20 سنة حين قررت أن تلعب دورا سياسيا واستراتيجيا واعلاميا لا يتناسب مع حجمها الديموغرافي والجغرافي . ومن هذا المنظور ترى قطر أن مطالب الدول الأربعة هي إملاءات مرفوضة وغير قابلة للتطبيق، لأن تطبيقها هو بمثابة استسلام كامل.
المسؤولون الأميركيون يدركون أنه عندما تقدمت الدول الأربعة بشروطها المتشددة، فإنها كانت تدرك مسبقا أن قطر لن تقبلها، ما يعني أن هذه الدول، تريد بالدرجة الأولى معاقبة قطر والضغط عليها لتغيير سياساتها جذريا، تجاه إيران وتركيا، والحركات الإسلامية. وتدعي قطر أنها بحاجة إلى مثل هذه الشبكة من العلاقات الإسلامية لإعطاء نفسها وهي الدولة الصغيرة الحجم، عمقا استراتيجيا ضد أي ضغوط من اخواتها العرب في الخليج.
خلال مؤتمره الصحفي في واشنطن قبل أيام، سئل وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عما إذا كان لديه أي قلق من أن الضغط على قطر سيدفعها أكثر إلى أحضان إيران، فقال إن قطر ستتحمل مسؤولية أعمالها. وحول احتمالات تطور علاقات قطر بكل من إيران وتركيا، يرى بعض المحللين، أن هناك حدودا لما يمكن أن تفعله قطر “الوهابية” مع إيران التي تستخدم علاقاتها مع الشيعة العرب في لبنان والعراق لتعزيز نفوذها في شرق المتوسط وفي اليمن. أما بالنسبة لتركيا، فإن السؤال الذي سيواجهه الرئيس طيب رجب اردوغان، هو إلى أي مدى ستسير تركيا وراء الاعتبارات الإيديولوجية (الإسلام السياسي) في علاقاتها مع قطر وجيرانها، أم ستبرز ضغوط اقتصادية من الشركات التركية التي تريد وضع المصالح الاقتصادية والتجارية في طليعة أولوياتها في منطقة الخليج. وحذر أحد المحللين من أن إصرار تركيا على ابقاء قاعدتها العسكرية في قطر، قد يدفع بدول خليجية إلى تشديد الضغوط على تركيا في سوريا، من خلال توفير الدعم المالي للقوى المناوئة لتركيا، وتحديدا الأكراد.
كل المؤشرات تبين أن الأزمة بين قطر وشقيقاتها مرشحة للتفاقم أكثر، وأن الأطراف المعنية مباشرة بالأزمة تتوقع – وربما تعمل – على ضمان وضعها على طريق القطيعة الكاملة.