تعد محاولة التنديد بقطر وقيادتها بسبب دعم النشاط الإسلامي والشبكات الجهادية من أهم جوانب أزمة الخليج الجارية، والتي تضم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر في محور رباعي ضد قطر. ولا يقتصر ذلك على الحملة الدولية لعزل قطر فحسب، بل يتضمن أيضًا حملة داخلية لتشويه صورة القيادة القطرية وسط الجماهير العربية والإسلامية. وقد تصاعدت الحملة الأسبوع الماضي في المملكة العربية السعودية مع الإعلان عن كشف “خلية استخباراتية” متصلة ببلد أجنبي، تزامنًا مع اعتقال عشرات الزعماء المؤثرين، وأغلبهم من حركة “الصحوة” التي تضم دعاة وشبكات من المتأثرين بجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى مثقفين ونشطاء شباب.
وبينما لم يحن الوقت لفهم النطاق الكامل لهذه الإجراءات والآثار المترتبة عليها، فإنها على ما يبدو تتضمن حملة كبرى على من شكلوا دائرة متنوعة ومؤثرة من الإسلاميين والسياسيين الآخرين المسترشدين بحركة الصحوة السلفية-الإخوانية غير التقليدية، والتي شملت أجيالًا من السعوديين، وبالرغبة في الإصلاح السياسي، الذي حرك مشاركة الشباب الخليجي في الربيع العربي. ومن المرجح أن القصد من تهمة الصلة ببلد أجنبي – نفترض أنه قطر – هو التشكيك بسمعة هذه المجموعة من الناشطين الاجتماعيين-السياسيين البارزين، والذين لديهم في الأغلب وجود إعلامي كبير وأظهروا في مرحلة ما استعدادهم لانتقاد الحكومة. وباختصار فإن نفوذهم يمكن اعتباره بمثابة تهديد أو على الأقل عقبة أمام المملكة العربية السعودية الجديدة والأكثر وطنية التي تنشأ تحت السلطة المركزية لولي العهد الشاب محمد بن سلمان.
وتنكشف هذه التحولات الراهنة داخل السياسة الإسلامية في الخليج بالنظر إلى ردود أفعال المؤسسات والشخصيات الإسلامية المشاركة أو الممتنعة عن المشاركة في النقاشات الدائرة حول أزمة قطر.
الأطراف الفاعلة
تعد الأبعاد الجماهيرية للحملة الحالية ضد قطر جديرة بالملاحظة، فجهود حكومات دول الخليج لحشد المجتمع دعمًا لمواقفها تناقض التحفظ التقليدي على إشراك العامة في السياسة الخارجية. وقد أدى حظر المحور الرباعي لإبداء التعاطف مع قطر، مع التهديد بعقوبة السجن، إلى منع النقاش العام داخل هذه البلدان، وعمد إلى تحييد الشبكات الإسلامية التي كان من المحتمل أن تميل إلى الدفاع عن قطر. وهكذا، ففي عرضها لملف إدانة قطر، استعانت بلدان المحور الرباعي بدعم شخصيات ومسؤولين ومؤسسات دينية، كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في نقل رسائل هذه الدول بغرض التفاعل مع مجتمعاتها.
وبصفتها من أوائل المؤيدين وأهم المحركين للمعارضة ضد الإسلام السياسي، اكتسبت الإمارات قدرًا من الثقل في الحملة ضد قطر بفضل دعم أهم الرموز الدينية في السعودية ومصر، وهما هيئة كبار العلماء والأزهر، وذلك بما يتماشى مع إيمانها بأهمية إعادة التأكيد على هذه المؤسسات التقليدية والمتأثرة بالدولة لمكافحة الشبكات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الإمارات تهديدًا لسياسات التحرر الاجتماعي التي تعتمدها داخليًا ولموقعها الاستراتيجي في المنطقة. وقد دعمت كلتا المؤسستين موقف المحور الرباعي علنًا واعتمدتا خططًا لتقويض شرعية قطر الإسلامية، كما انضم إليهما في الحملة مجلس حكماء المسلمين الذي يقع مقره في أبوظبي، وهو مبادرة دينية عبر وطنية تضم أبرز علماء الإسلام الوسطي ومجموعة من مسؤولي الأزهر.
وعلى الجانب الآخر، انتقد الحصار المفروض على قطر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يقع مقره في الدوحة، وهو شبكة دولية يقودها يوسف القرضاوي، إلى جانب نشطاء الإخوان المسلمين سابقًا، بما فيهم المنفيون المقيمون في قطر. ويمكن قراءة الاستعداد للميول الإسلامية المختلفة من خلال بعض التحفظات من الكويت، حيث لا يزال النقاش العام حول الأزمة مسموحًا به. فهناك، حظت قطر بالدعم العلني من الإخوان المسلمين والنشطاء السلفيين، بينما أظهرت حركات أكثر سكونية تقبلًا أقل للحصار، داعين بدلًا من ذلك إلى الوساطة والوحدة الخليجية. كما يمكن ملاحظة هذه الميول في السعودية من خلال رد الفعل الإيجابي لشيخين سعوديين بارزين – ومعتقلين حاليًا – للمحاولة قصيرة الأمد لاستئناف الوساطة بين السعودية وقطر. ومن المحتمل أن دعم الشيخين العلني للمصالحة قد ساهم في اعتقالهما.
الرسالة
حملت الجماهير الدينية رسالة المحور الرباعي ضد قطر وأيضًا رسالة الحملة المضادة التي يقودها مؤيدو قطر، وذلك من خلال التصريحات العلنية والمنشورات الخاصة على موقع تويتر والتعلقيات الإعلامية. كما تم استخدام المواضيع ذات الأهمية الخاصة، لاسيما الحج، للتشكيك في الشرعية الإسلامية – والسياسية – للخصوم.
وقد ركز الإعلان الأول لقطع البحرين والسعودية والإمارات علاقاتها مع قطر وفرض الحصار عليها يوم 5 حزيران/يونيو على اتهام قطر بتمويل الإرهاب والجماعات المتطرفة، بما في ذلك بعض الجماعات المرتبطة بإيران. واتهمت هذه الدول قطر في تصريحاتها بتهديد أمن دول الخليج من خلال إيواء هذه الجماعات والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الحصار. وفي الأسبوع ذاته، ضخم المحور الرباعي ارتباط قطر بالإرهاب عبر نشر قائمة تضم 59 فردًا و12 كيانًا مقيمين في قطر أو مرتبطين بها، وهو ادعاء مدعوم جزئيًا بقوائم الإرهاب التي وضعتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
وقد دعم إجراءات المحور الرباعي مجلس حكماء المسلمين، الذي أدان في تغريداته دعم قطر وتمويلها المزعوم للمنظمات الإرهابية والتحريض الإعلامي وتهديد أمن المنطقة. كما أشاد الأزهر بموقف التحالف الذي تقوده السعودية في قطع العلاقات مع قطر، واصفًا الخطوة بأنها “ضرورية لحماية الأمة العربية”.
وفي مقابلة، قال مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل شيخ إن الإجراءات التي اتخذها المحور الرباعي “فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم”. كما اتهم أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بتشويه صورة “الوسطية السلفية” للشيخ محمد بن عبد الوهاب. وبناءً على هذا الاتهام، أصدر أبرز أحفاد الشيخ محمد عبد الوهاب بيانًا يطالب قطر بتغيير اسم المسجد المسمى باسمه في الدوحة، في ضربة مباشرة لمصداقية حكام قطر الدينية.
وفي بيان رسمي، رفضت قطر إجراءات المحور الرباعي ووصفتها بأنها غير مبررة ومبنية على مزاعم لا أساس لها. وقالت في بيانها إن “الهدف منها واضح وهو فرض الوصاية على الدولة”. كما تلقت قطر الدعم من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يقع مقره في الدوحة ويرأسه الشيخ القرضاوي المرتبط بالإخوان المسلمين. فأعلن الاتحاد أن مقاطعة قطر “حرام” بسبب أهمية الوحدة والمصالحة، وخاصة في الدول التي تربط بينها صلة النسب والدم. وعمل الإعلام القطري على تقويض الاتهامات والمزاعم التي وجهها المسؤولون الدينيون السعوديون. وفي عنوان استفزازي بشكل خاص، وصفت صحيفة الرأي القطرية هيئة كبار العلماء السعودية بأنها “هيئة كبار المنافقين”. ولكن صعوبة تحدي المؤسسة الدينية السعودية تجلت في حذف المقال بسبب الجدل الإعلامي الذي اثارته في الإعلام التقليدي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في الخليج.
وبسبب العقوبات الصارمة التي فرضتها دول المحور الرباعي على من يبدي التعاطف مع قطر، ظل العديد من رجال الدين البارزين الذين كانوا ينتقدون سياسات الدولة السعودية في الماضي صامتين إزاء أزمة قطر، وهو ما علق عليه الإعلام القطري، واصفًا العلماء بأنهم يتعاملون مع الأزمة كأنها “لا تعني لهم شيئًا”. واتضح بشكل أكبر قطع العلاقات عبر الوطنية للحركات الإسلامية من خلال الأذرع الخيرية والسياسية للإخوان المسلمين في البحرين، والتي كانت من أهم مؤيدي حكم آل خليفة. ففي ليلة فرض الحصار، اصدرت هذه الأذرع بيانًا رسميًا معلنة أن برنامجها الإسلامي سيكون “وسطيًا” و”وطنيًا”، وأنها لن تكون لها “علاقة من قريب أو بعيد بأي مرجعيات أو جهات خارجية”. كما أعلنت عن دعمها لجهود السعودية في “توحيد راية الدول الإسلامية” في القمة الأخيرة.
وقد حول تحييد الإخوان المسلمين والشبكات الإسلامية الأخرى في الخليج الكويت إلى ساحة هامة للنقاش العام حول أزمة قطر. وأصدرت الحركة الدستورية الإسلامية، وهي الذراع السياسي للإخوان المسلمين، بيانًا رسميًا لتأييد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في جهوده لتسوية الخلافات بين دول الخليج، مؤكدة على أهمية الوحدة والاستقرار في الخليج، وخاصة في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية. وانضم أعضاء الجماعات السلفية الناشطة إلى تأييد هذا الموقف، محذرين من أن قطع العلاقات مع قطر سيؤدي إلى وقوع المزيد من الضحايا. وفي هذه الأثناء، قام السلفيون الأكثر سكونية، والذين عادة ما يرجعون إلى سلطة الدولة في ما يتعلق بالمسائل السياسية وغالبًا ما يدعمون المؤسسة الدينية السعودية، بالتحذير من مخاطر الشقاق في ظل المناخ الإقليمي الراهن، ودعوا إلى وقف التصعيد.
النزاع حول الحج
مثل الحج السنوي لمكة نقطة رئيسية أخرى لتحدي قيادة السعودية الإسلامية ومصداقية قطر. فقد وضع الحصار عقبات أمام الحجاج القطريين بسبب غياب الرحلات الجوية المباشرة من البلاد والصعوبة المزعومة لحصولهم على تأشيرة الحج.
اتهمت قطر السعودية بتسييس هذا الفرض الديني وصعدت شكواها إلى المستوى الدولي، فأرسلت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر شكوى رسمية لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، زاعمة أن القيود على الحج تنتهك القانون الدولي الذي يضمن حق العبادة. وردت السعودية بغضب على هذا التحدي لوصايتها على أكثر مواقع الإسلام قدسية في مكة والمدينة، فشجب وزير الخارجية السعودي تهديد قطر بتدويل الحج ووصفه بأنه “إعلان حرب”، وقارنت وسائل الإعلام السعودية الموقف بألاعيب إيران السابقة.
وقد انقلبت الجهود السعودية لحل مشكلة الحجاج القطريين رأسًا على عقب عندما قدم حفيد مؤسس قطر وأخو الحاكم السابق نفسه كوسيط للتفاوض على حل يسمح للحجاج بدخول السعودية كضيوف الحكومة المكرمين. فقد أدى ظهور عبد الله بن علي آل ثاني إلى التشكيك في إدارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني لأزمة الحجاج وبشكل ضمني شرعية حكمه. ومنذ ذلك الوقت، أصدر عبد الله بن علي بيانًا يدعو رفاقه من عائلة آل ثاني الحاكمة والنخبة القطرية إلى التجمع ومناقشة حل الأزمة.
إعادة تأكيد – وإعادة صياغة – سلطة الدولة
سلط مسار أزمة قطر الضوء على تغيّر الأطراف الفاعلة ومعايير السلطة والنشاط الإسلامي في دول الخليج. ويتضح الدليل على ذلك في إعادة تأكيد سلطة الدولة على الأطراف الفاعلة الإسلامية غير المنتمية للدولة – مثل جماعة الإخوان المسلمين – من خلال الاعتماد على المؤسسات الدينية التابعة للدولة والمراكز التقليدية للسلطة الإسلامية ودعم الدولة للمؤسسات الدينية الجديدة. وقد تم استخدام تكوين سردية أكثر قومية من أجل تشويه التدخل القطري المزعوم وحشد الدعم المجتمعي لحملة المحور الرباعي عبر وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية.
وقد تم تعطيل وإسكات قدرة الشبكات الإسلامية عبر الوطنية – مثل جماعة الإخوان المسلمين – على حشد الدعم من خلال التهديد بالسجن والاتهام بالعمل ضد الدولة. ومع تقليص تأثير الشبكات الإسلامية على سياسة الدولة، سيتم اختبار قدرة هذه الشبكات على التحمل، وخاصة إذا صعدت السعودية حملتها ضد نشاطاتها وحريتها، فرضًا من خلال تبرير ذلك بزعم الارتباط بقطر. وتوجد بالفعل علامات مبكرة لظهور أصوات أكثر ثورية من المنفى، مثل اتحاد قوى المعارضة في جزيرة العرب الذي تم تأسيسه حديثًا. وسوف تؤثر نتائج هذه المنافسات على المسار المستقبلي لقطر وللسلطة الإسلامية في السعودية وما هو أبعد من ذلك.