في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، وللمرة الأولى تجري قطر انتخابات لمجلس الشورى أو البرلمان. لطالما اتُهمت قطر باللعب بمعايير مزدوجة في الديمقراطية. خلال احتجاجات الربيع العربي، لعبت قطر دورًا حاسمًا في تمجيد فضائل السماح للمواطنين بأن يكون لهم رأي في حكم دولهم، ودعمت القضايا الجماهيرية الشعبوية التي توسعت ضد الحكام المستبدين المسنين. وفي غضون ذلك، في الداخل، كما هو الحال في معظم دول الخليج، لم تكن سلطة أمير قطر في معظمها متسمة بآليات الديمقراطية الرسمية التي تفتقر للسلطة الحقيقية. صحيح أن الآليات غير الرسمية مثل الضغط المجتمعي يمكن أن تؤثر على السياسات، وتوقف بعضها من حين لآخر، لكن قطر لم تكن دولة ديمقراطية ولم تدعِ ذلك أبدًا. وأدى الإخفاق في إجراء انتخابات مجلس الشورى في الأعوام 2007 و2010 و2017، على النحو الذي دعا إليه دستور عام 2003 المعتمد شعبيًا، إلى تفاقم الشعور بأن قطر مهتمة، بشكل انتهازي، بتعزيز القضايا الديمقراطية في الخارج وليس في الداخل.
وعلى أية حال فقد تمت الانتخابات أخيرًا، وتمكن القطريون من اختيار 30 مقعدًا من أصل 45 في مجلس الشورى، بينما سيتم تعيين المقاعد الخمسة عشر المتبقية من قبل الأمير. ولم يتم انتخاب أيٍ من النساء الـ 28 اللواتي ترشحن لعضوية مجلس الشورى. وبدلاً من ذلك، وبسبب الطريقة العشائرية التي وجهت بها الدولة الانتخابات في المقام الأول، تم انتخاب العديد من المسؤولين الحكوميين السابقين ورجال الأعمال البارزين، وتم تحقيق توازن عشائري منصف على نطاق واسع. لا تبدو على المجلس الكثير من المؤشرات على أنه سيكون لديه التماسك أو الرغبة في التأثير على التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجالات السياسة الخارجية أو السياسة الدفاعية، في المراحل الأولى على الأقل. من الأرجح أنه سيركز على الصعيد المحلي، وستكتشف الحكومة أن إصلاحاتها المتعلقة بحقوق العمال تخضع لتدقيق كبير.
الانتخابات القطرية: الخلفية
يمكن القول اليوم إن قطر قد تم تشكيلها وتعريفها، في نهاية المطاف، من خلال حجم السكان الصغير والثروات المعدنية الهائلة التي تجعل قطر أغنى دولة على وجه الأرض من حيث نصيب الفرد. كانت هذه هي العوامل الأساسية التي وفرت لقطر مستوى معين من الهدوء السياسي الذي يعتبر – صراحةً – فريدًا من نوعه في العالم العربي. كانت قطر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنزعج من اندلاع الربيع العربي، وقد صنف مؤشر السلام العالمي قطر مؤخرًا على أنها أكثر الدول سلمًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ليست الفكرة هي أن المواطنين القطريين هادئون بالفطرة. فالاستماع إلى برنامج “وطني الحبيب صباح الخير” – وهو برنامج إذاعي عبر الهاتف يعرض انتقادات القطريين اللاذعة للخدمات المحلية وحتى للوزراء- سوف يمحو مثل هذه الفكرة الخاطئة. ومع ذلك، نادرًا ما كان يتم تهييج مشاعر المواطنين القطريين في العقود الأخيرة. في ظل هذه الخلفية التاريخية، كانت الاحتجاجات التي جرت في أغسطس/آب ردًا على إعلان القوانين الانتخابية لانتخابات الثاني من أكتوبر/تشرين الأول أمرًا غير معتاد، إن لم يكن غير متوقع.
تسببت القوانين الانتخابية وتنفيذ الانتخابات في جعل الخلافات المعروفة منذ زمن بعيد بين المواطنين القطريين، والتي كانت نظرية إلى حد ما، أمرًا حقيقيًا. الفئة الأولى من القطريين هم أولئك الذين يمكنهم تتبع تواجد أسلافهم في قطر منذ عام 1930. أما الفئة الثانية من القطريين فهم أولئك الذين عادوا أو انتقلوا إلى قطر بعد عام 1930. ونظرًا للصعوبات الكبيرة في إثبات النسب إلى ما قبل عام 1930 بسبب نقص التوثيق المنهجي، يكاد يكون من المستحيل الارتقاء إلى طبقة اجتماعية “أعلى”. وهذا ليس أمرًا جديدًا في معظمه، لكن هذا التقسيم الطبقي الواضح على هذا النحو لمكانة القبائل المختلفة في المجتمع، مع انعكاسات ذلك عمليًا على من يمكنه الترشح أو التصويت في الانتخابات، عرض الاختلافات بطريقة جديدة واضحة للعيان. أثار هذا عددًا من الاحتجاجات الصغيرة في قطر، معظمها من قبل أفراد قبيلة آل مرة المحرومين من حق التصويت. وهذا ليس جديدًا بالنسبة للعلاقات المتوترة بين الحكومة وقبيلة آل مرة. ترجع التوترات إلى خمسينيات القرن الماضي على الأقل، وكانت هناك مشاكل لا تعد ولا تحصى في السنوات الأخيرة. أدت المناقشات غير الرسمية التي سبقت الانتخابات بين القيادة القطرية والممثلين البارزين إلى نزع فتيل التوترات، ويبدو من المرجح أن هذه المسألة ستكون من أولويات مجلس الشورى الجديد، رغم أن كيفية معالجته لهذه المسألة ما تزال غير واضحة.
المقاربة القطرية للانتخابات
تتمتع معظم الهيئات البرلمانية الخليجية بصلاحيات ديمقراطية محدودة أو محدودة للغاية، وتعمل في الغالب كهيئات استشارية. وتعد الكويت هي الاستثناء الأكثر ديمقراطية في النظام البرلماني الخليجي. على أية حال، فإن استثمار درجة أكبر من السلطة في البرلمان له ثمن يتمثل في حالة من الجمود المدمر والمتواصل. لذلك، كان يُنظر للكويت منذ فترة طويلة على أنها نذيرٌ على الجوانب السلبية المحتملة لتوسيع نطاق منح حق الاقتراع السياسي ومخاطر زيادة الديمقراطية. ما يهم قطر بشكل أساسي هو أن تستجيب بطريقة أو بأخرى للضغوطات الواسعة النطاق من أجل المزيد من التحول الديمقراطي، مع تجنب مصير الكويت في المعاناة الأبدية من الصراعات مع البرلمان المشاكس، الذي يدقق في السلطات الحكومية ويعيق التنمية في البلاد. يتمثل جزء من المشكلة في الكويت في ظهور مجموعة من الجماعات القائمة على المصالح، مثل الكتلة الإسلامية التي تتنازع مع الحكومة بشكل متكرر، وثقافة “نواب الخدمة”. يسعى هذا النوع الأخير من البرلمانيين للحصول على تفويض من قسم فرعي صغير من الناخبين، واعدًا بالتركيز على احتياجاتهم المادية بحزم لحماية الإعانات الحالية، على سبيل المثال، والامتيازات الأخرى. في نهاية المطاف، نشأ مناخ من العداء أدى إلى وجود برلمان منقسم ومفتت تشغله مجموعات مختلفة تركز على المصالح الجزئية على حساب الأهداف الإستراتيجية الأكبر التي تصب في مصلحة البلد بأكملها، وهي مشكلة هيكلية في العديد من الهيئات المنتخبة، ولكنها أكثر وضوحًا في حالة الكويت.
على عكس الانتخابات التي غالبًا ما تتنافس عليها الأحزاب السياسية، وهو أمر غير مسموح به في معظم دول الخليج، أقامت قطر انتخاباتها معتمدة القبائل كوحدة سياسية مركزية. وهذا أمر منطقي إلى حد ما، ويحتفظ النظام القبلي بصدى حقيقي في قطر على المستوى المجتمعي. وبدلاً من إنشاء دوائر انتخابية تتألف من مجموعات قبلية مختلفة، يضطر المرشحون للترشح في دوائر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأصول عشيرتهم، بالرجوع إلى بيانات الثلاثينيات.
النتائج والتوقعات المبكرة
كان أحد عناوين النتائج الانتخابية هو فشل النساء في الفوز بأي مقعد، على الرغم من ترشح 26 امرأة في 14 من أصل 30 دائرة. وهذا يعني، بالطبع، أن النساء غالبًا ما يترشحن بعضهن ضد بعض، كما هو الحال في الدائرة 22، حيث من المرجح أن تحصل خمس نساء على أصوات بعضهن بعضًا. وعلى نحو مماثل، لم يفز أي مرشح من ذوي التوجهات الشبابية. وبدلاً من ذلك، تضمنت قائمة الفائزين تشكيلة من رجال الأعمال والأشخاص ذوي الخبرة الحكومية. على سبيل المثال، تم انتخاب النائب العام السابق علي بن فطيس المري عن الدائرة 16. ومن المثير للاهتمام، أن مري ينتمي إلى قبيلة آل مرة، وهي إحدى القبائل الرئيسية، التي حرم قانون الانتخابات قطاعًا كبيرًا من أفرادها من حق التصويت، ما يدل على أن السياسات القبلية غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا مما يُقال. لم يترشح أي من أفراد عائلة آل ثاني الحاكمة للانتخابات، وفقًا للتوقعات المعتادة.
وفي نهاية المطاف، لم يكن هذا الاتجاه المحافظ في النتائج مفاجئًا. فتعتبر القبائل بطبيعتها هياكل أبوية غالبًا ما تُظهر احترامًا متأصلاً للسن. وعلى نحو مماثل، غالبًا ما يكون المجتمع الأوسع في الخليج محافظًا مقارنة بالحكومة وسياساتها، وهو سبب آخر لعدم انتخاب النساء والمرشحين الأصغر سنًا. في الواقع، من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن الحكومات هي حصون محافظة تعيق التطلع العام، واسع النطاق، لفهم للتنمية على الطريقة الغربية. والواقع أنه من الصواب القول، في بعض الأحيان عمومًا، أن المشاريع التحويلية التي تم تنفيذها في الإمارات العربية المتحدة وقطر منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي المملكة العربية السعودية اليوم في ظل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هي مشاريع مدعومة من أعلى الهرم إلى القاعدة وتتعارض (بقوة أحيانًا) مع العادات والأعراف المحلية السائدة.
من المرجح أن تلعب هذه النزعة المجتمعية المحافظة المتأصلة دورًا في مجلس الشورى القطري الجديد. ومن المرجح أيضًا أن تظهر ثقافة “نائب الخدمة” حيث سيذهب البرلمانيون المنتخبون، بحكم الأمر الواقع، إلى المجلس على الأرجح لتمثيل مصالح قبائلهم قبل كل شيء. علاوة على ذلك، في ظل الافتقار إلى تفويض رسمي وشامل واسع النطاق بين البرلمانيين – مثل التفويض الذي كان سيظهر من المرشحين الذين يناصرون برنامج الحزب السياسي- فمن المرجح أن يركز المجلس أكثر على القضايا التكتيكية التي تؤثر على ناخبيه. حقيقةً، من الصعب في الوقت الحاضر التعرف على الكيفية التي يمكن للمجلس من خلالها أن يبدأ في التأثير على سياسة الحكومة فيما يتعلق بالوزارات الرئيسية للدولة مثل الدفاع والشؤون الخارجية. في البداية، على الأقل، من المرجح أن يسود الاحترام لممارسات الدولة المتبعة حتى الآن، حيث ستبقى ما تسمى الحقائب السيادية ضمن صلاحيات الوزراء الذين يشرف عليهم الأمير وديوانه، على غرار النظرة الكلاسيكية في فرنسا واعتبار السياسة الخارجية والدفاعية مجالاً حصريًا للرئيس.
ومع ذلك، قد تظهر الشراكة الطبيعية في المصالح عندما تؤثر السياسات الإستراتيجية بشكل مباشر على الفئات المستهدفة. لدى قطر تاريخ مع مجموعات من الشركات التجارية التي تسعى للتأثير على القرارات الحكومية. على سبيل المثال، في مجال مناقشات حقوق العمال الأجانب المتعلقة بنظام الكفالة في التعاقد، عارضت الجماعات المحلية محاولات الإصلاح الحكومية، ونجحت في كثير من الأحيان. ووفقًا للدراسات الاستقصائية، يميل القطريون بشكل عام إلى معارضة تخفيف قوانين العمل. هذا ليس مفاجئًا نظرًا لأنه في الأساس جميع الأجانب في قطر البالغ عددهم 3 ملايين هم في النهاية تحت رعاية قطريين. وهذا يعني أنه من الشركات الكبيرة إلى الشركات الصغيرة إلى الأسر القطرية التي غالبًا ما توظف العديد من الأجانب، هنالك قلق حقيقي يحيط بأي منحى تحرري ذو مغزى، حيث يخشى الكثير من أنه قد يتسبب في حدوث اضطرابات. بالإضافة إلى ذلك، هناك دوافع اقتصادية جارية على قدم وساق يتجلى أكثرها وضوحًا في زيادة الحد الأدنى للأجور. في الواقع، في فبراير/شباط، طرح مجلس الشورى فكرة تخفيف التغييرات العمالية القائمة حاليًا والتي تركز الحكومة على تنفيذها. يبدو أن مجلسًا يتمتع بمزيد من الصلاحيات الديمقراطية مع توافق طبيعي بشأن الرغبة في التحكم ببعض الإصلاحات (وربما التراجع عن بعضها)، من المرجح أن يركز على هذه المسألة.
من المرجح أن يطرأ تعديل ما على هذا المجلس ذي الميول المحافظة من خلال تعيين الأعضاء الخمسة عشر الذين يختارهم الأمير تميم بن حمد آل ثاني الذي من المرجح أن يعطي الأولوية لممثلي النساء والشباب. على الرغم من أن كيفية تأثيرهم ليست واضحة حتى الآن، إلا أن النساء لسن غريبات على العملية السياسية في قطر، أو حقيقةً، هن موجودات في مناصب ذات نفوذ كبير. في عام 1999، في أول انتخابات إقليمية، ترشحت امرأة لمنصب انتخابي في الانتخابات المحلية، على الرغم من أنها لم تُنتخب في نهاية المطاف؛ فقد تم تعيين أول وزيرة في عام 2003؛ وطوال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تمتعت الزوجة الثانية للأمير في ذلك الوقت بحقيبة محلية ودولية قوية للغاية.
لم يحدث أن قال أمير قطر أو حكومته أبدًا إن قطر دولة ديمقراطية ولا أن هذه الانتخابات ستحولها إلى دولة ديمقراطية. وأثار توقيت الانتخابات، قبل ما يزيد قليلاً عن العام من استضافة قطر لمونديال كأس العالم لكرة القدم 2022 الذي ينظمه الاتحاد الدولي لكرة القدم، اتهامات ساخرة بأن الانتخابات كانت تمرينًا للعلاقات العامة أكثر من كونها أي شيء آخر. ربما يكون هنالك علاقة ما في هذا الشأن. ومع ذلك، فإن عجلة هذه الانتخابات قد بدأت في التحرك في دستور 2003، الذي حصل على شبه إجماع في استفتاء عام قبل سبع سنوات من فوز قطر بحقوق استضافة كأس العالم.
في نهاية المطاف، فإن مجلس الشورى الجديد، مع الأغلبية المنتخبة من أعضائه، ليس عصا سحرية ديمقراطية لتغيير الثقافة السياسية في قطر وليس ممارسة لا طائل منها. وإنما هو خطوة صغيرة نحو تطوير حوكمة الدولة في اتجاه أكثر ديمقراطية. إن اتخاذ خطوات أخرى في هذا الاتجاه في المستقبل يعتمد، إلى حد كبير، على كيفية أداء المجلس، وهل سيلعب دورًا معيقًا أم بناءً في الحوكمة، ومدى ارتياح الحكومة والأسرة المالكة للدور الذي سيلعبه المجلس.