ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ما بين الثامن وحتى الثاني عشر من مارس/آذار، بزيارة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. كان من المتوقع أن يركز لافروف خلال رحلته على الحفاظ على اتفاقية أوبك بلس، التي تقودها روسيا والسعودية، لتطوير الرؤية الأمنية الجماعية لروسيا في الخليج، وتوسيع التعاون الاقتصادي الروسي مع حكومات الخليج. وعلى الرغم من هذه التوقعات، برزت سوريا فجأة كنقطة محورية في جولة لافروف الخليجية. ودعا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وانتقد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سوريا بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين. كما عُقد في الدوحة لقاء ثلاثي روسي-قَطري-تركي تاريخي بشأن سوريا، نتج عنه توقيع الدول الثلاث على بيان مشترك بشأن الحاجة إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية.
كانت النجاحات الدبلوماسية التي ترأسها لافروف خلال زيارته للمنطقة تتويجًا لخمس سنوات من الدبلوماسية المكوكية الروسية مع دول الخليج العربية بشأن سوريا. وعلى الرغم من أن كل دول الخليج، باستثناء عُمان، كانت تدعم الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن هذه الدول كانت تنتهج سياسات مختلفة، ومتضاربة في بعض الأحيان، بشأن سوريا. وأدى التدخل العسكري الروسي نيابة عن الأسد، الذي بدأ في سبتمبر/أيلول 2015، إلى تفاقم هذا الاستقطاب. وكانت السعودية وقطر تنددان بنظام الأسد، متهمتين إياه بعدم الشرعية، وتفيد التقارير بزيادة المساعدات العسكرية لمختلف الجماعات السورية المتمردة. وكانت الإمارات تنظر إلى الضربات الروسية في سوريا ضد الجماعات المتشددة المرتبطة بالقاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام على أنها أعمال عسكرية ضد “عدو مشترك”. وكانت البحرين تكيل عبارات المديح لما تقوم به روسيا في سوريا. وأجرت الكويت محادثات مع روسيا حول حل النزاع في سوريا، وشددت من تركيزها على القضايا الإنسانية، مثل وضع اللاجئين السوريين. وعملت عُمان على توسيع شراكتها الدبلوماسية مع نظام الأسد.
عملت روسيا على استغلال هذه الانقسامات، بسبب تدخلها العسكري في سوريا، من خلال الانخراط بشكل منتظم مع الإمارات وعُمان والكويت والبحرين بشأن الصراع السوري. وكان لدى الكرملين أمل في أن يؤدي التأثير المعتدل لهذه الدول، إلى جانب النجاحات العسكرية للأسد، إلى حث السعودية وقطر على تعليق دعمهما لحركات المعارضة في سوريا. كما صورت روسيا نفسها على أنها حصن منيع محتمل طويل الأمد ضد النفوذ الإيراني والتركي في سوريا. ومع ذلك، كان ثمة نقاط ضعف في استراتيجيتها فيما يتعلق بتركيا، حيث تنامى نفوذ أنقرة في سوريا بشكل لافت للنظر منذ التدخل الروسي. إلا أن جهود روسيا قد أثمرت إلى حد كبير: أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018، وتعهدت الكويت بإعادة فتح سفارتها في دمشق إذا تم قبول سوريا مجدداً في جامعة الدول العربية. وخفضت السعودية وقطر بشكل كبير من دعمهما العسكري والمالي لحركات المعارضة السورية. وقد عملت هذه التحولات السياسية على فتح المجال لروسيا للمشاركة، بشكل بناء، مع دول الخليج العربية في الشأن السوري.
إن توسيع مجال المشاورات الروسية الخليجية بشأن سوريا يؤدي إلى تعزيز مصالح موسكو بطرق عدة. على المدى القصير، يمكن لروسيا إشراك الدول العربية بشكل أكثر فاعلية في خططها للسلام في سوريا. وقد توقفت عملية أستانة للسلام، التي تضم روسيا وإيران وتركيا كضامنين مشاركين، بسبب المداولات الدستورية السورية، وتأججت بفعل إحجام النظام السوري عن المشاركة بشكل هادف. وأدرجت روسيا العراق ولبنان كمراقبين في محادثات أستانة لكنها فشلت في إشراك حلفاء محتملين آخرين، مثل مصر أو الإمارات، في هذه المفاوضات. من الممكن لتطوير الحوار الروسي-الإماراتي بشأن سوريا إلى جانب الصيغة الروسية-القطرية-التركية أن يؤدي إلى تعزيز مكانة روسيا كمُحكم في العالم العربي، بصرف النظر عن مدى محاولات بعض المسؤولين الأمريكيين لرفض مصداقية ذلك الدور الروسي. وعلى المدى البعيد، تأمل روسيا أن يؤدي إشراك دول الخليج العربية إلى تشجيعها على الاستثمار في عملية إعادة إعمار سوريا، وتسهيل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
كما وضعت روسيا مزيداً من الاستراتيجيات الهادفة للمشاركة مع دول الخليج بشأن الأزمة السورية. فالعلاقة الروسية-الإماراتية بشأن سوريا عميقة بشكل خاص، فهي تقوم على أسس فكرية وجيواستراتيجية. في أبريل/نيسان من عام 2018، وصف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية آنذاك أنور قرقاش الصراع السوري بأنه صراع بين الأسد و”المعارضة، التي انضم إليها الجهاديون وحتى الكثير من العناصر الإرهابية”، وذلك تماشياً مع الروايات الروسية حول سوريا. وينسجم هذا مع وجهات نظر روسيا والإمارات السلبية بشأن إرث الربيع العربي والمخاوف من أن تؤدي ثورة شعبية ناجحة في سوريا إلى تمكين العناصر المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين في المعارضة السورية. جاءت عملية تسهيل روسيا للتحالف التكتيكي بين الأسد وقوات سوريا الديمقراطية الكردية ضد تركيا خلال هجوم عملية نبع السلام الذي شنته أنقرة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 على شمال سوريا متوافقاً مع دعوات الإمارات المتزامنة للتضامن العربي مع سوريا ضد تركيا. وعلى نحو مشابه، فإن مشاركة الشركات الإماراتية في معرض دمشق الدولي للتجارة في أغسطس/آب 2019، والتي انتقدتها الولايات المتحدة بشدة، تتماشى إلى حد ما مع الدعم الروسي المتحمس لتوفير رأس المال لعملية إعادة إعمار سوريا التي يقودها الأسد.
بالإضافة إلى التقارب في وجهات النظر، فإن التعاون الأمني بين روسيا والإمارات في سوريا يتنامى أيضاً. في يناير/كانون الثاني 2019، ناقش سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية في سوريا مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان. وأضاف التحالف بين قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر والأسد ضد “التهديد التركي”، الذي تم الإعلان عنه في مارس/آذار 2020، بعداً جديدًا للتعاون الروسي-الإماراتي بشأن سوريا. فلقد تطور بشكل كبير، منذ أوائل عام 2020، الاعتماد المتبادل بين المتعاقدين العسكريين الخاصين التابعين لمجموعة فاجنر الروسية في ليبيا (والتي تفيد التقارير بأنها تمول من قبل الإمارات)، والمرتزقة السوريين المتحالفين مع الأسد (الذين تم تجنيدهم من قبل مجموعة فاجنر)، والمرتزقة السودانيين والتشاديين المتحالفين مع الإمارات (الذين يقاتلون إلى جانب الجيش الوطني الليبي). وسوف يسمح هذا الاعتماد المتبادل، حديث النشأة، لروسيا والإمارات بتعزيز التعاون بشأن ليبيا وسوريا بشكل متزامن، إذا التزمت الحكومتان بمثل هذا الجهد.
إن ما يقيد مجال التعاون بين موسكو والرياض بشأن سوريا هو الخلاف القائم، باستمرار، بين روسيا والسعودية حول مدى شرعية الأسد. ومع ذلك، ما يزال هناك مجال للمشاركة. فعلى العكس من مزاعمه المتكررة بأن إيران تشكل عائقًا أمام السلام في سوريا، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على أهمية التنسيق مع روسيا بشأن عملية السلام السورية خلال زيارة لافروف إلى الرياض في العاشر مارس/آذار. أما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يقال إنه أعطى الضوء الأخضر للتدخل العسكري الروسي في سوريا، فيدعم بشكل مستمر المشاركة مع روسيا، وقد التقى بالمبعوث الروسي الخاص لسوريا، ألكسندر لافرنتييف، في التاسع من مارس/آذار.
وفي حين أن الشراكة بين روسيا والإمارات بشأن سوريا تستند إلى أفكار مشتركة، وأن الحوار مع السعودية يرتبط بتطلعات موسكو للوضع الإقليمي، إلا أن دوافع التعاون الروسي-القطري بشأن سوريا أكثر غموضاً. إن تأييد قطر المستمر لاستبعاد سوريا من جامعة الدول العربية، وانتقاداتها اللاذعة لانتهاكات الأسد لحقوق الإنسان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سوريا في الثالث من مارس/آذار يبرز اختلافها مع روسيا بشأن سوريا. ومع ذلك، لا تزال روسيا وقطر تجدان فائدة متبادلة في الحوار بشأن سوريا. نظراً لأن قطر قدمت مساعدات مالية وعسكرية مكثفة للقوات السورية المتمردة، فمن المرجح أن يكون الهدف من التعامل بين روسيا والدوحة بعد فترات من التصعيد، مثل الفترة التي أعقبت الهجمات الكيميائية في أبريل/نيسان عام 2017، هو تخفيف التهديدات. في الآونة الأخيرة، ارتبط تعاون روسيا وقطر بشأن سوريا بتطلعاتهما الدبلوماسية على نطاق أوسع. حيث كانت قطر تنظر لمشاركتها في مبادرة ثلاثية بشأن سوريا مع روسيا وتركيا كدليلٍ على وضعها كمحكم، فيما رأت روسيا في مشاركة قطر في هذه المحادثات بوابة للتعاون بشأن أفغانستان.
ويعد تعاون روسيا مع الكويت وسلطنة عمان بشأن سوريا محدوداً لدرجة كبيرة، فقد كانت الكويت بمثابة مكان انعقاد الحوار الروسي-الخليجي حول سوريا، ووقعت على اتفاقيات تطوير قطاع الزراعة الروسي مع سوريا. ولكن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، استخدمت روسيا، في ديسمبر/كانون الأول 2019 حق النقض ضد مشروع قرار شاركت الكويت في رعايته، وكان من شأنه أن يسمح بتسليم المساعدات الإنسانية عبر نقطتين على طول الحدود التركية-السورية. (وافق مجلس الأمن في نهاية المطاف على أحد هذين المعبرين). وكانت العلاقات الروسية-العمانية بشأن سوريا أكثر تعاوناً على الدوام. فقد ادعى لافروف في اجتماع أجراه في فبراير/شباط 2019 مع نظيره العماني، وزير الخارجية يوسف بن علوي، أنه لدى روسيا وسلطنة عمان “موقف مشترك بشأن سوريا”، وأن مسقط تدعم المخططات الروسية لإعادة اللاجئين السوريين من الدول المجاورة.
في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى الاستفادة من المخاوف المتزايدة لدى دول الخليج بشأن قيام الولايات المتحدة بفك ارتباطها بالشرق الأوسط، من المرجح أن يستمر التعاون الروسي-الخليجي بشأن سوريا لاستكمال عملية السلام في أستانة. ومن شأن الدوافع الروسية من وراء تحريك التطبيع الدبلوماسي مع نظام الأسد، وإطلاق عملية إعادة إعمار، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تخصيص مليارات الدولارات على شكل صفقات وعقود ومساعدات لسوريا. ومن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى قيام روسيا بالضغط من أجل تعاون وثيقٍ مع دول الخليج بشأن سوريا. إن حقيقة ما إذا كان هذا التعاون سوف يؤتي ثماره المرجوة أم لا، لا تعتمد على الأرجح على مستوى الجهود الروسية-الخليجية فحسب، وإنما ستعتمد كذلك على ما إذا كان صانعو السياسة الأمريكيون سيغيرون نهجهم ويتوقفون عن إعاقة مثل هذه التطورات.