ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
قبل عام 2016 عندما بدأت السعودية في السماح بالعديد من التغييرات الاجتماعية، ناقش السعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي النتائج المتوقعة لو سمحت السلطات فتح دور السينما أو رفعت حظر القيادة على المرأة. انقسم السعوديون بين من لم يروا ضررًا في الانفتاح الاجتماعي، في حين قال آخرين أنه سيؤدي إلى وقوع حوادث تحرش جنسي. في ذلك الوقت، كانت الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تراقب الأماكن العامة وتحافظ على الفصل بين الجنسين، لمنع ما تعتبره تصرفات وسلوكيات “غير أخلاقية”. بالإضافة إلى ذلك، عبر علماء الدين صراحة عن معارضتهم لقوانين مكافحة التحرش المقترحة، بحجة أنها ستمهد الطريق لتشريع الاختلاط بين الجنسين. منذ إطلاق رؤية 2030، ومع زيادة الانفتاح الاجتماعي والحد من سلطات الشرطة الدينية، زاد الحديث في وسائل التواصل الاجتماعي عن وقوع حالات تحرش أثناء الفعاليات والحفلات الموسيقية. لمعالجة المخاوف بشأن التحرش، أصدر القادة السعوديون العديد من الأنظمة واللوائح لتحديد السلوكيات العامة المتوقعة من أجل السماح بانفتاح اجتماعي أوسع.
معارضة قوانين مكافحة التحرش
لطالما رفض علماء الدين والمحافظون السعوديون سن قوانين لمكافحة التحرش. فسر الكثير من المعارضين رفضهم إدخال قانون مكافحة التحرش على أنه سيكون بمثابة “ستار لتشريع الاختلاط”، وتطبيع العلاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج. علاوة على ذلك، أعرب علماء الدين عن مخاوفهم من أن اتخاذ مثل هذه التدابير سيكون امتثالاً للمعايير واللوائح الغربية، التي يعتبرونها مهينة فيما يتعلق بمعاملة النساء. وأكدوا أن الحفاظ على قانون الشريعة الإسلامية من شأنه أن يمنع مثل هذه الأحداث. على الرغم من العمل النشط للشرطة الدينية والاستمرار في تطبيق الفصل بين الجنسين قبل عام 2016، إلا أنه غالبًا ما كانت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف المحلية تقارير عن التحرش. ساهمت هذه الحوادث والتقارير في استمرار النقاش عن الحاجة إلى قانون لمكافحة التحرش لردع مثل هذه الأفعال.
في عام 2013، أقرت السعودية نظام الحماية من الإيذاء بهدف معالجة قضيتين ملحتين في الوقت نفسه: العنف الأسري والتحرش الجنسي. أتى النظام للحد من حالات العنف الأسري التي تزايدت في جميع أنحاء المملكة. علاوة على ذلك، كانت هناك حملة واسعة النطاق أطلقتها مؤسسة الملك خالد الخيرية لتمهيد الطريق لاتخاذ تدابير ضد العنف الأسري. وفي الوقت نفسه، أدت جهود وزارة العمل التي سمحت للمرأة بالعمل في بيئات مختلطة، مثل مراكز التسوق، إلى زيادة التقارير عن التحرش الجنسي في أماكن العمل. ونتيجة لذلك، كان النظام الجديد بمثابة حل وسط – حيث لم يزعج أولئك الذين يعارضون سن قانون لمكافحة التحرش، لكنه حاول فعلاً معالجة التحرش، وإن كان بحجة التعامل معه على أنه نوع من “الإيذاء”. مع ذلك، فإن القانون الجديد لم يردع العنف الأسري لأن نظام الوصاية كان لا يزال ساريًا، ويضع قيودًا إضافية على الإبلاغ عن الانتهاكات، وخاصة في الحالات التي يكون فيها المعتدي المزعوم هو الوصي نفسه. كما أن القانون الجديد لم يكن فعالاً في منع التحرش الجنسي، ما دفع المعلقين السعوديين إلى القول بأنه لا يزال هناك ضرورة ملحة لسن قانونٍ محدد ليكافح التحرش بشكل كامل.
تقييد السلوك العام أثناء الانفتاح في الحياة الاجتماعية
إن التحرك للحد من سلطات الشرطة الدينية في أبريل/نيسان 2016 كانت خطوة ضرورية نحو انفتاح البلاد، والسماح بإقامة مختلف الفعاليات الاجتماعية والترفيهية دون تدخلهم. لم يمنع هذا محاولة السلطات ومنظمو الفعاليات تنظيم السلوك الاجتماعي لمنع الانتقادات العامة. على سبيل المثال، عند السماح للحفلات الموسيقية في المملكة طلب منظمو الفعالية من الحضور في بداية الحفلات أو على تذاكر الحفل الامتناع عن الرقص. ومع ذلك، استمر تداول مقاطع فيديو لهذه الفعاليات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أثارت حفيظة المجتمع خصوصاً تلك المتعلقة بالنساء السعوديات مما فتح المجال لنقد الانفتاح الاجتماعي في المملكة. تكرار مثل هذه الأحداث دفع الدولة لمحاولة تنظيم السلوك العام من خلال الإعلان عن لائحة نظام الذوق العام في عام 2019. وكغيرها من اللوائح السابقة، لم تحدد بوضوح ما الذي يعتبر سلوكًا لائقًا، وإنما أكدت على أهمية مراعاة السلوك أو اللباس المناسب في المكان المناسب. وقد أدى ذلك إلى العديد من التناقضات حيث يمكن تطبيق القانون على بعض الأماكن دون سواها، كما قد يفرض على المواطنين وليس على الأجانب. لم يكن المقصود بلائحة نظام الذوق العام ردع التحرش، وإنما تنظيم السلوك الاجتماعي ليعكس صورة إيجابية عن الدولة خلال هذه المرحلة الانتقالية.
اتخاذ تدابير مكافحة التحرش
في مايو/أيار 2018، بدأت السعودية بتجريم التحرش الجنسي. جاء هذا الإجراء قبل أقل من شهر من رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة. وفي حين أن قانون مكافحة التحرش الجديد يُعد إنجازًا مهمًا، إلا أنه لم يتضمن تفاصيل حول كيفية الإبلاغ عن التحرش. ذكر أحد أعضاء مجلس الشورى بأنه كان هناك حالة من التسرع أدت إلى تبني القانون الجديد دون تضمينه آلية واضحة حول كيفية الإبلاغ عن الانتهاكات. من المفارقة أن تكون امرأة سعودية أول من يعاقب بموجب القانون الجديد عندما احتضنت مطربًا على خشبة المسرح في حفل موسيقي، حيث إن الأغلبية العظمى من حالات التحرش التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تم الإبلاغ عنها علنًا ارتكبها رجال. من ناحية أخرى، كان هناك أيضًا من اعتبروا القضية “قضية تحرش مكتملة الأركان ضد رجل”، كما ورد في إحدى الصحف السعودية.
استمرت النقاشات عن ضرورة اتخاذ تدابير أكثر صرامة، كالإعلان عن أسماء الجناة وفضحهم. بعد الإعلان عن قانون مكافحة التحرش في عام 2018، صرح متحدث باسم وزارة الداخلية أن إجراء التشهير لن يتم فرضه. علاوة على ذلك، رفض مجلس الشورى في أوائل عام 2020 إدراج التسمية والتشهير في لائحة العقوبات بموجب قانون مكافحة التحرش، لكنه عاد ووافق على هذه التعديلات في وقت لاحق من ذلك العام. في مطلع يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت المملكة عن تعديل لقانون مكافحة التحرش يشمل الإعلان عن أسماء وعقوبة الجناة المدانين بالتحرش في الصحف المحلية. خلال الاحتفال باليوم الوطني للسعودية في سبتمبر/أيلول 2021، انتشرت صور ومقاطع فيديو لنساء يتعرضن للتحرش على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى التغريد على تويتر للتذكير بقانون مكافحة التحرش. خلال مهرجان إم دي إل بيست ((MDLBeast الموسيقي في ديسمبر/كانون الأول 2021، كان هناك ارتفاع ملاحظ لعدد البلاغات عن حالات التحرش، على الرغم من محاولة منظمي المهرجان التحذير من ذلك على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وانتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر رجالًا يلامسون النساء الحاضرات بشكل متكرر وغير لائق. إن تكرار مثل هذه الأفعال، إلى جانب محدودية التدابير الرادعة للتحرش، يعكس صورة سلبية عن بعض الفعاليات الترفيهية. علاوة على ذلك، أثارت مقاطع الفيديو من هذه الفعاليات نقاشًا عامًا حول الحاجة إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد التحرش حتى مع الاعتراف بفوائد الانفتاح في البلاد. في التاسع من يناير/كانون الثاني، نشرت وسائل إعلام محلية وإقليمية للمرة الأولى الاسم الكامل لرجل سعودي من المدينة المنورة متهم بالتحرش الجنسي، بالإضافة إلى تفاصيل جريمته وغرامته وحكم السجن الصادر بحقه. لن تتم تسمية جميع الجناة، حيث سيترك الأمر للقضاة لتحديد العقوبات المناسبة.
التجربة والخطأ
فتح غموض القوانين الجديدة المجال للمعلقين والمحامين لتقديم تفسيراتهم الخاصة حول الأنظمة للجمهور. ناقش المحامون والمعلقون بشكل متكرر الطول المناسب للسراويل القصيرة للرجال، وقال آخرون إن لباس المرأة اللائق متروك للمجتمع لتحديده. بعد فترة وجيزة من الكشف عن اسم الجاني السعودي، استضاف برنامج تلفزيوني محاميًا سعوديًا للتعليق على الحادثة وتوضيح قانون مكافحة التحرش. وحذر المحامي من أن طلب الحصول على حساب شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن اعتباره شكلاً من أشكال التحرش. وقد أسفر هذا عن المزيد من الانتقادات والغموض فيما يتعلق بالقوانين واللوائح الجديدة.
تأتي لوائح مكافحة التحرش هذه في وقت تعمل فيه السعودية على إصلاحات لتقنين قوانينها، وخلق بيئة أكثر جاذبية للأجانب للعيش في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تبين الحاجة لهذه اللوائح اعترافًا بوجود حالات تحرش جنسي بالرغم من انكار بعض المعلقين السعوديين لهذه الظاهرة. كما تُظهر اللوائح الجديدة بشأن التحرش والذوق العام محاولة المملكة ملء الثغرة التي تركتها الشرطة الدينية، مع ترسيخ فهم عام للسلوك المناسب المتوقع من المواطنين السعوديين كجزء من الانفتاح الاجتماعي. وفي حين أن لائحة نظام الذوق العام قد تم تصميمها لتنظيم السلوك الاجتماعي بطريقة تنعكس بشكل إيجابي على صورة الدولة، وربما من الناحية النظرية، تقلل من احتمالية السلوكيات التي تزيد من أفعال التحرش، فإن قانون مكافحة التحرش يهدف إلى تنظيم السلوك العام بين الأفراد في المجتمع، ويستهدف بشكل مباشر الجناة الذين ينخرطون في مثل هذه الأفعال. ومع ذلك، فإن القوانين المختلفة التي تم إدخالها في السنوات القليلة الماضية تظهر صعوبة تحقيق التوازن ما بين انفتاح البلاد ومكافحة ظاهرة التحرش.