في الثالث والعشرين من سبتمبر 2017، بعد أشهر محدودة من تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، شهدت المملكة العربية السعودية احتفالات باليوم الوطني السعودي لا سابق لها. وفي ذات العام، كانت المملكة قد شهدت تحولاً قومياً أججته الحملة السياسية لمقاطعة قطر. وقد فتح استاد الملك فهد الدولي في الرياض أبوابه للعائلات، بما في ذلك النساء والأطفال لأول مرة على الإطلاق، لمشاهدة أوبريت خُصّص لتصوير الرحلة التاريخية لشعب شبه الجزيرة العربية، والتي توجت بتأسيس المملكة العربية السعودية. وفي جدة، استمتع جمهور غفير بعروض الموسيقيين السعوديين والخليجيين في استاد الجوهرة.
إلا أن الحدث الأبرز جرى في شارع التحلية في وسط مدينة الرياض، حيث أشرفت الهيئة العامة للترفيه، حديثة المنشأ آنذاك، على ما أصبح حفلة صاخبة مفتوحة. احتفل الشباب والفتيات، الذين تحرروا حديثاً من إجراءات الفصل بين الجنسين التي فرضتها الشرطة الدينية، بحماس كبير في الشوارع على أنغام موسيقى التكنو والألعاب النارية، في حين تم عرض صور وطنية على برج المملكة. وكان صوت موسيقى الرقص في شوارع الرياض، ناهيك عن اختلاط الشباب من الجنسين الشباب، صادماً للمراقبين في الخارج وللسعوديين في الداخل على حد سواء. وقد ندد أحد الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي بانعدام الاحتشام، حيث نشر أن “الوطنية ليست بهذه الطريقة… نفرح، ولكن في إطار الحياء ولا نعصي الله”.
اليوم، وبعد سبعة أعوام، أصبح نظام محمد بن سلمان أكثر استقراراً، حيث يمكننا التنبؤ بخطواته المستقبلية. يمكن أن يكون اليوم الوطني الرابع والتسعون للمملكة مُلبياً لاحتياجات الشباب والعائلات، ولكن الاحتفال نفسه كان مظهراً لقومية عسكرية عبرت عن نفسها من خلال المواكب العسكرية والألعاب النارية. وأشادت الصور الرسمية والأغاني الوطنية باتساع المشاريع الحضرية والصناعية في السعودية. إذا كانت بدايات هذه الحقبة القومية قد حملت وعوداً سعيدة، فقد حان الوقت الآن للعمل الجاد.
تطور الاحتفالات باليوم الوطني السعودي
لقد تطورت الاحتفالات باليوم الوطني السعودي على مر تاريخ المملكة، لتعكس تغيرات المملكة والأيديولوجية السائدة فيها. فاليوم الوطني هو إحياء لذكرى توحيد المملكة، التي أعلنها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود للمرة الأولى في 23 سبتمبر/أيلول 1932. في السابق كانت الاحتفالات السنوية القومية مقتصرة على احياء ذكرى جلوس الملوك على العرش عبر عقد الخطابات وتقديم البيعة للحاكم. ولكن حتى تلك الاحتفالات المحدودة والمحافظة في طبيعتها قوبلت بالاعتراضات، حيث أدانها رجال الدين الوهابيون بأنها بدعة لا تدين للإسلام بصلة. واستمر انتقاد السلطات الدينية السعودية لاحتفالات العيد الوطني، حيث أصبح نمطاً يحد من هذه الاحتفالات.
لم يكن لهذه الاحتفالات الوطنية يوماً ثابتاً، بل كان اليوم يتغير مع اعتلاء كل ملك جديد للعرش، ويسمى ذلك اليوم بيوم الجلوس الملكى. أما أول يوم وطني حقيقي فقد أسسه الملك فيصل بن عبد العزيز في عام 1965، فبدلاً من الاحتفال بيوم جلوسه أعلن يوماً وطنياً جديدًا متزامنًا مع تاريخ توحيد المملكة. وكان تأسيس هذا اليوم متناسقاً مع عملية التحديث السعودية التي أطلقها الملك فيصل بن عبد العزيز، إلا أن إحياء ذكرى اليوم الوطني لم يكن إلا شأناً حكومياً متواضعاً، حتى إن هذا اليوم لم يكن عطلة رسمية حتى عام 2005، حين أصبح مناسبة وطنية شعبية ومعروفة خلال المملكة.
وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، أصبحت القومية معبرة عن الوحدة السعودية، ومتضمنة لعناصر محدودة من الرمزية الدينية. وتزامنت هذه القومية الجديدة مع افساح المجال لإصلاحات محدودة في المجال الاجتماعي والسياسي. وعكست العطلة الرسمية في اليوم الوطني هذا التحول نحو الهوية الوطنية والاندماج المجتمعي. ومع عدم معالجة مسألة السلطة الدينية، أو كبح سلطات تنفيذ القانون الممنوحة للشرطة الدينية، ظلت الاحتفالات باليوم الوطني تفتقر للتنظيم الحقيقي وتقتصر على الأنشطة الترفيهية. الأمر الذي جعل من المدن عرضة لحوادث السير والفوضى في الشوارع بسبب الشباب المشاغبين.
في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وتحديداً بعد أن تولى محمد بن سلمان منصب ولي العهد في عام 2017، أصبح الترفيه والقومية ركيزتين أساسيتين للعهد الجديد. حيث تم تعزيز أهمية اليوم الوطني، وتم تمكين الهيئة العامة للترفيه من تنظيم فعاليات اليوم الوطني. وبلغت أهمية هذا اليوم ذروتها في عام 2019، عندما تم تخصيص موسم خاص لليوم الوطني التاسع والثمانين، حيث جرت الاحتفالات على مدار أسبوع كامل، وانخرط ما يزيد عن 17 هيئة حكومية في تنظيم أكثر من 180 فعالية، بما في ذلك الحفلات الموسيقية والمنتديات الشبابية والتجمعات الوطنية وعروض الألعاب النارية. وكان هذا بمثابة تمهيد لانطلاق موسم الرياض الأول بعد شهر، مع جدول متكامل من البرامج الترفيهية والثقافية، والإعلانات التجارية في مناطق مخصصة لذلك في جميع أنحاء المدينة. وتم تمديد البرنامج لعدة أشهر لخدمة الإعلان عن المملكة كوجهة سياحية وترفيهية جديدة.
اليوم الوطني الرابع والتسعون ورؤية 2030
قلصت جائحة فيروس كورونا من حجم الاحتفالات باليوم الوطني، ولكنها لم تؤد إلى توقفها. على الرغم من أن مهمة تنظيم الاحتفالات باليوم الوطني لا تزال تحت إشراف الهيئة العامة للترفيه، أصبحت هذه الاحتفالات في فترة ما بعد الجائحة أكثر تواضعاً، وأصبحت رسائل اليوم الوطني تستهدف الطموحات الاقتصادية بالدرجة الأولى. على مدى العامين الماضيين، كان شعار اليوم الوطني “نحلم ونحقق”، مع صورة تمثل الاحتفاء بتطوير رؤية 2030. في الصورة التي تعبر عن هذا الشعار، يقف رجل وامرأة – يرمزان للشباب السعودي – تحيط بهما أيقونات مستقبلية للبنية التحتية الاقتصادية والثقافية في السعودية: بوابة الدرعية ومحطة الشعيبة للطاقة الشمسية ومنطقة العلا وبرنامج رواد الفضاء ومشروع مكعب الرياض والسيارات الكهربائية ومشروع ذا لاين.
بالنسبة للهيئة العامة للترفيه، فإن هذا الشعار “يرسم حدود أرض المملكة التي تحتضن الحلم بعزيمة وإصرار، تجعل منه حقيقة ثابتة راسية كالجبال.”
إضافة للترفيه كهدف لاحتفالات العيد الوطني السعودي هذه السنة فقد تم التركيز كذلك على الأمن والتنمية في المملكة. وفي الدرعية، تمثلت الفعالية الرئيسية في عرض لموكب عسكري روجت له وزارة الداخلية، التي وصفت الدرعية، العاصمة التراثية وأصل الدولة السعودية الأولى، بأنها “مسيرة أمن وسيرة للوطن”. اتخذت قوات الأمن العام من وسط المسرح موقعاً لتأدية عرض للمشاة بالتزامن مع انسياب صور وامضة للدبابات وعربات الشرطة عبر المنصة. وشهدت المنطقة الداخلية وسط القصيم عروضاً وطنية بمواكب لآليات عسكرية وشرطية، وما يزيد على 30 وكالة حكومية. وفي غضون ذلك، كان الكورنيش في جدة مزدحماً بالأفراد، وامتلأت المنطقة الساحلية في الخُبر بالحشود لمشاهدة الألعاب النارية.
ربما تعكس هذه الاحتفالات المتواضعة الحالة المزاجية الكئيبة في المنطقة. ففي الأسبوع الذي أعقب احتفالات اليوم الوطني، قصفت القوات الإسرائيلية غزة ولبنان، وأطلقت إيران صواريخ على إسرائيل، في تناقض صارخ مع موضوعات الأمن والتنمية التي تُعرض في الرياض. أو ربما تعكس هذه الاحتفالات التقشف النسبي، حيث تعمد السعودية لتقليص النفقات للتركيز على أساسيات عملية التنويع الاقتصادي. بالنسبة للمواطنين السعوديين الذين يحتفلون بالوحدة الوطنية، أصبحت الاحتفالات ذات الطابع الترفيهي أمراً مألوفاً، فيما أصبح العمل الجاد لبناء البنية التحتية الوطنية الجديدة وثقافة العمل أكثر جدية، خاصة مع تزايد المخاطر من حولهم من كل حدب وصوب.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.