في الثامن من نيسان/ أبريل، سافرت مجموعة من المسؤولين من دولة الإمارات العربية المتحدة على متن طائرة حكومية من أبو ظبي إلى العاصمة الصومالية مقديشو. وكان على متن الطائرة ثلاث حقائب تتضمن مبلغ 9.6 مليون دولار كانت مخصصة كرواتب لأكثر من 2407 جندي من الجيش الوطني الصومالي، من ضمنهم قوات مكافحة الإرهاب التي أشرفت على تدريبها القوات الخاصة الإماراتية منذ عام 2015. وفي القاعدة العسكرية التي تديرها دولة الإمارات في مقديشو، يعتبر هذا التدريب بمثابة جزء من جهود دولة الإمارات منذ نهاية الحرب الأهلية في الصومال من أجل دعم قوات أمن الدولة الاتحادية والإقليمية، بالإضافة إلى الحملة الواسعة ضد التطرف الإرهابي.
تختلف الحسابات الصومالية والإماراتية حول ما حدث لاحقًا في المطار، لكن على ما يبدو أن مشاجرة قد وقعت بعد قيام موظفي أمن المطار الصومالي بطلب تفتيش الحقائب الدبلوماسية الإماراتية، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من المسؤولين الإماراتيين. ويشاع بأنه قد تمت مصادرة الحقائب تحت تهديد السلاح، بالإضافة إلى إيقاف المسؤولين الإماراتيين وطائرتهم. وقد أشعلت المشاجرة التي حصلت في مطار مقديشو أسبوعًا من الاتهامات المضادة والشائعات حول احتمالية وجود تحركات إضافية ضد مصالح دولة الإمارات في بونتلاند- الدولة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي والواقعة في شمال شرق الصومال والتي تتضمن بعض الخطوط الساحلية المطلة على خليج عدن والمحيط الهندي.
وكانت وسائل الإعلام المحلي الصومالي قد ذكرت أنه كانت للقوات الإماراتية مواجهة أخرى في قاعدة بوساسو البحرية شمال شرق بونتلاند، وهو المكان الذي تقوم فيه دولة الإمارات بتدريب قوات الشرطة البحرية التي تعمل على مكافحة القرصنة وتقوم بتنفيذ عمليات ضد حركة الشباب والحركات الأخرى التابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام. وحسب ما ذكر، فقد تم منع المدربين الإماراتيين من مغادرة القاعدة. ولكن وبعد حدوث هذا الأمر، سرعان ما أصدر رئيس بونتلاند اعتذارًا. وفي 16 نيسان/ أبريل وبعد زيارته لقاعدة بوساسو، قال رئيس بونتلاند عبد الولي محمد علي: “نحن نعتذر عن أي إزعاج أو مضايقة قد واجهتهم [الإماراتيين] في الصومال”. وأضاف قائلاً: “تعتبر الإمارات العربية المتحدة بمثابة حليف لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للصومال، ولا يمكن لأي دولة أخرى أن تحل محل الإمارات وأن تقدم الدعم الذي تقدمه”. وبتاريخ 21 نيسان/ أبريل، سافر الرئيس علي إلى أبو ظبي لإجراء بعض المحادثات.
أما في مقديشو، فقد أعلنت حكومة الرئيس محمد عبد الله محمد، المعروفة باسم فارماجو، أن القوات التي تم تدريبها من قبل القوات الخاصة الإماراتية في مقديشو قد تم حلها بشكل دائم، بالإضافة إلى توزيعها بين الوحدات العسكرية الاتحادية الأخرى، وهو الأمر الذي من الممكن أن يضع حدًّا لجانب أساسي من علاقة أبو ظبي مع الحكومة الاتحادية ودور الإمارات المهم في تقوية القدرات الأمنية للحكومة المركزية الناشئة. وفي مقابل ذلك، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية عن وقف كافة المساعدات الأمنية التي تقدمها إلى القوات الاتحادية الصومالية. وأعقب ذلك تعليق كافة العمليات في مستشفى الشيخ زايد في مقديشو، الذي كان يقدم العلاج مجانًا لحوالي 300 مواطن صومالي يوميًا.
وفي اليوم التالي، سافر رئيس بلدية الدوحة إلى مقديشو من أجل عقد مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي ليعلن عن تبرع قطر بثلاثين حافلة ركاب للمواطنين في المدينة. ويوحي التسلسل الزمني للأحداث بأن جوانب الأزمة الخليجية يتردد صداها إقليميًّا، حيث وصلت في هذه الحالة إلى السياسة المحلية والعشائرية الصومالية. ويأتي وقف الدعم والمساعدة الإماراتية إلى مقديشو بعد خمسة شهور من قيام الولايات المتحدة بتعليق مساعداتها المالية المقدمة إلى الجيش الصومالي نظرًا لوجود الفساد المستمر، على الرغم من حديث الحكومة الاتحادية الفقيرة عن إمكانية تعويض أموال الدعم الكبيرة من خلال زيادة المساعدات المقدمة من الدوحة.
وانتشرت الشائعات في الإعلام الصومالي وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بأن الإمارات سوف تتوقف عن إصدار تأشيرات الدخول للصوماليين، بالإضافة إلى عدم تجديد تأشيرات الإقامة للمواطنين الصوماليين في الإمارات العربية المتحدة. وسواء حدث ذلك أم لم يحدث، تؤكد ردود الفعل القلقة من قبل العديد من الصوماليين على مدى أهمية بقاء دولة الإمارات العربية المتحدة كشريك تجاري ومركز تجاري ومالي هام للصومال، ولمواطنيها في الشتات. وحتى لو توفر داعمون آخرون للتعويض عن الخسارة الإماراتية، فإن الدعم الأمريكي أو المساعدات الأخرى التي تعمل على التخفيف من آثار القيود المفروضة على الوصول إلى دبي ستكون أكثر صعوبة.
وبينما تعتبر المملكة العربية السعودية بمثابة أكبر وجهة للصادرات الصومالية، والمتمثلة في المواشي، تعتبر دبي بمثابة مركز للخدمات اللوجستية وعمليات الاستيراد والتصدير لمجتمعات الأعمال الصومالية ونقطة رئيسية في نظام الحوالة وأنظمة التحويلات الرسمية التي تعتبر بمثابة عصب الحياة بالنسبة للصوماليين. وخلال مؤتمر المستثمرين الذي عقد في شهر نيسان/ أبريل 2017 في مدينة دبي، تم تمثيل قطاع وشريحة عريضة من مجتمع الأعمال في مقديشو، بدءًا من شركات الاتصالات ومصدري المواشي وانتهاء بخدمة التنظيف الجاف الوحيدة في المدينة والتي تأتي وتستلم مواردها من الإمارة.
وخلال الأسبوع الماضي، كان واضحًا أن هناك زخمًا في الجهود الرامية إلى التخفيف من التصعيد وذلك بعد ما تحدث به مسؤولو حكومة فارماجو بأن المحادثات مع الإمارات جارية عقب قمة الجامعة العربية التي عقدت في السعودية بتاريخ 15 نيسان/ أبريل. وفي اليوم التالي، أصدرت وزارة الخارجية الصومالية بيانًا أكدت فيه أن: “السيادة والسلامة الإقليمية للصومال هي بمثابة الأسس التي لا يمكن انتهاكها لرفاه الصومال وأمن المنطقة بأسرها” ولكنها أضافت: “أن الحكومة الاتحادية الصومالية قد سعت إلى توضيح الحقائق المحيطة بالتطورات الأخيرة من أجل إزالة أي مجال لسوء الفهم بين الحكومتين والشعبين. وتستمر هذه الجهود”.
بعد ذلك بيومين، صرح وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية السيد أنور قرقاش لقناة بي بي سي العربية أن سياسة الدولة تجاه الصومال لم تتغير. وعلى الرغم من العلاقات الثنائية الأمنية والاقتصادية الوثيقة المتزايدة مع المناطق الانفصالية وشبه المستقلة والتي أغضبت حكومة فارماجو، تحافظ الإمارات على وجود سياسة الصومال الواحدة التي تعترف بمدينة مقديشو كعاصمة لها. وعلى أي حال، فقد أشار أيضًا إلى أن تطوير القاعدة العسكرية والموانئ العالمية التي تديرها دبي في جمهورية صوماليلاند قد تم الاتفاق عليها مع الأشخاص السابقين في حكومة فارماجو، كما أن سياسة الصومال الواحدة لا تحول دون تقديم المساعدة التنموية والإنسانية للمدن الصومالية. وحاولت مقديشو ولكن دون جدوى، وقف تطوير ميناء بربرة، الذي أدى إلى التدهور الشديد في العلاقات بين أبو ظبي والحكومة المركزية وذلك منذ أن حصلت إثيوبيا على 30 في المئة من الميناء. وكرر وزير الخارجية الصومالي هذا الموقف بتاريخ 21 نيسان/ أبريل، قائلاً إنه: إذا كانت موانئ دبي العالمية تشرك مقديشو في مشروع بربرة، “فإن الصومال بعد ذلك ترحب بأي استثمار في أي جزء منها، بما في ذلك بربرة”.
وفي شهر نيسان/ أبريل 2017، وخلال زيارة إلى الإمارات لإجراء محادثات مع المسؤولين والمستثمرين المحتملين، وصف أحد الوزراء الاتحاديين الصوماليين أهمية دور الإمارات العربية المتحدة في المساعدة على استقرار الصومال، ومساهمتها في القطاع الأمني على نحو خاص. ولم يقم الوزير بانتقاد مشاريع بربرة بشكل علني، لكنه كرر التأكيد على وجوب التشاور مع الحكومة الاتحادية كمسألة سيادية. وأشار ضمنيًّا إلى إمكانية وجود صيغة تكون مقبولة لجميع الأطراف. وتأتي زيارة الوزير إلى دبي كجزء من الهجوم الذي شنته الحكومة الصومالية في الآونة الأخيرة على الإمارات في محاولة لتلطيف الأجواء بعد الانتخابات المثيرة للجدل والتي خسر خلالها المرشح المدعوم من قبل الإمارات أمام فارماجو الذي يبدو أنه مدعوم من قطر وتركيا. ووفقًا للقوى المؤثرة في واشنطن، كانت حكومة فارماجو تتطلع إلى توظيف شركات أمريكية للضغط على حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة نيابة عن مقديشو. ولكن ذهبت هذه الجهود أدراج الرياح بالكامل في شهر حزيران/ يونيو 2017 عندما دعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الصومال وحكومات الولايات الإقليمية لقطع العلاقات مع قطر. وفي ذلك الوقت رفض فارماجو، ولكن وافقت ثلاث دول شبه مستقلة إلى جانب جمهورية صوماليلاند وبونتلاند وغالمودغ وهيرشابل، ما أثار غضب مقديشو.
وحتى الآن، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بموازنة علاقاتها مع مقديشو، ومع جمهورية صوماليلاند وغيرها من الدول شبه المستقلة والمصالح العشائرية الأساسية. وكانت الإمارات العربية المتحدة وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بمثابة الدول الأعضاء الوحيدة والمنفردة في مجموعة المانحين “S6” للقطاع الأمني في الصومال والتي تم تشكيلها عام 2016. وكانت برامج التمويل والتدريب التي تم حلها الآن جزءًا من الجهود الإماراتية في هذا الإطار من أجل المساعدة في تعزيز قدرة مقديشو على تأمين مكاسب سياسية واقتصادية هشة.
ولكن مع الموعد النهائي المحدد لانسحاب قوات الاتحاد الإفريقي عام 2020 والإشارات الصغيرة على إمكانية قيام الجيش الوطني الصومالي بالحفاظ على المكاسب التي تم تحقيقها في محاربة الشباب أو تعزيزها، فقد شجعت مجموعة المانحين على اتباع نهج جديد يعمل على تعزيز قوى الأمن المحلية في الدول شبه المستقلة وذلك للتصدي بفاعلية أكبر لإستراتيجية الجماعة المتشددة المتمثلة في استغلال المظالم المحلية والتحركات العشائرية. وتوافق ذلك مع جهود تحقيق الاستقرار التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة، والتي تشمل على سبيل المثال، تدريب قوات الشرطة البحرية في بونتلاند والمشاريع الأخرى التي تبدأ من العام 2015 من أجل تطوير القواعد البحرية العسكرية الاستراتيجية والموانئ التجارية على طول الساحل الصومالي.
لعبت الإمارات دورًا مهمًّا في الصومال منذ الحرب الأهلية في التسعينيات. وحتى الآن، كان من الممكن أن تقوم دولة الإمارات، خارج نطاق الحكومة الاتحادية الصومالية، بتعزيز علاقاتها الثنائية مع مختلف المناطق الصومالية وتحقق مصالح مستقلة عن مقديشو. ومع تزايد التحركات في المنطقة، يبدو أنه من غير المحتمل أن يستمر هذا التوازن.